ما هو توجه الكنيسة نحو المنفصلين والمتزوجين ثانية؟

ما هو توجه الكنيسة نحو المنفصلين والمتزوجين ثانية؟

بقلم اندريا تورنيللي – ترجمة سامح المدانات

الترجمة إلى العربية خاصة لـabouna.org

انتهت الإعلانات الخاصة بالمتزوجين بعد الطلاق، والتي جاءت في الوثائق الصادرة من مكتب أبرشية فريبورجو بخصوص منحهم سر المناولة المقدسة، انتهت بنتائج سلبية عقَّدت التفكير في موضوع النقاش بدلاً من تسهيله. وهو النقاش الذي كان قداسة البابا فرنسيس قد أراد أن يُوكَلَ إلى اجتماع السينودس الطارئ والذي سيُعقد في شهر تشرين الأول من عام 2014 القادم. وهو سينودس على “مراحل” يمكن أن يتم متابعة أعماله في موعد آخر في عام 2015 من قِبل مجموعة أكبر من الأساقفة لاتخاذ قرار بهذا الموضوع. المشكلة موجودة، ويمكن ملاحظتها بشكل خاص وتتخذ أبعاداً أكبر بسبب حالات الانفصال بين الأزواج والتي تزداد شيوعاً وباستمرار. وأصبح موضوعا الزواج والعائلة بغاية الحساسية في مفهوم المجتمع العلماني. وليس لدى المسيحيين مناعة أو حماية حين يواجهون هذه الظواهر.

وبعكس المواضيع الأخرى الموجودة في جدول الأعمال المتوالي (موضوع إلغاء التبتل الإجباري للكهنة، وانتهاءً بموضوع رسامة كهنة من النساء) وتلك الخاصة باستقبال، مرافقة، مشاركة في الجماعة المسيحية ومشكلة الأسرار المقدسة لمن يعيشون سوياً بحالات غير شرعية، فإن هذا الموضوع يخص عدداً متزايداً من الأشخاص. وموضوع المتزوجين بعد أن كانوا مطلقين يطرح “انشقاقاً” صامتاً وكبيرَ الحجم.

لقد تكلم فرنسيس بهذا الموضوع عدة مرات، مجيباً على بعض الأسئلة المحددة. وكانت الإجابة الأخيرة منذ شهر، وذلك خلال الاجتماع المغلق مع كهنة روما. فقد وُجِّه إلى قداسة البابا أسئلة حول “بطلان الزواج” وعن عقود الزواج الثاني. وقد كان جواب قداسة البابا واضحاً. وأعاد إلى الذاكرة خبرته في بوينوس أيريس، حيث كانت المحكمة الكنسية للأبرشية تجعل الإجراءات البيروقراطية صعبة ومستعصية على من يواجهها من المؤمنين. ويشرح فرنسيس قائلاً: لا يمكن حصر”المشكلة” في حقيقة أن كان بإمكان من تطلق ثم تزوج أن يتناول القربان الأقدس أم لا، لأن من يطرح المشكلة بهذا الطريقة، لا يدرك ما هي المشكلة الحقيقية. نحن هنا بصدد “مشكلة جادة، وهي مسؤولية الكنيسة تجاه العائلات التي تعيش هذه الحالات”.

ويظهر جلياً بأن النهج الذي يتخذه قداسة البابا: الإصرار على رسالة الرحمة، يسير باتجاه محدد: المرافقة، التقرب من الرعاة الذين يعيشون بهذه الحالات. وأول طريق يجب على السينودس اكتشافه هو منهج التعليم الراعوي، والعمل على عدم جعل من يعيشون معاً بطريقة غير شرعية في نظر التعليم الأخلاقي للكنيسة، وهم عديدون، عدم جعلهم يشعرون بأنهم مستثنون أو مرفوضون. وكان قداسة البابا قد قال في المقابلة أثناء عودته من ريو دي جينيرو، “إني أظن أن هذا الوقت هو وقت الرحمة، الكنيسةَ أم، ويجب عليها أن تذهبَ لعلاج الجرحى، بالرحمة. فإذا الله لا يتعب من الصفح والمغفرة، فنحن ليس لدينا خيار آخر غير هذا. قبل كل شيء معالجة الجرحى، إنها أم، فعلى الكنيسة أن تسير في طريق الرحمة هذا. وأن تجدَ رحمةً للجميع”.

وقد أشار قداسة البابا فرنسيس إلى طريق آخر، لكن سلفه (البابا بندكتس 16) كان قد أشار إليه من قبل. وقد قال بيرجوليو في لقائة مع الإكليروس الروماني، “على الكنيسة في هذه الأثناء أن تفعل شيئاً لحل المشاكل المتعلقة ببطلان الزواج”. وكان البابا راتسينجر قد تدخل بهذه النقطة بالذات عدة مرات، مظهراً استعداداً وانفتاحاً لا تدخلان في صورة البابا المحافظ التي كان تُرسم عنه عادة. وخلال إجازة الصيف، حين كان برفقة كهنة منطقة أوستا الايطالية، وكان ذلك في عام 2005 ، صَّرح البابا الفخري بندكتس قائلاً: “نحن جميعاً نعرف أن هذه مشكلة مؤلمة بشكل خاص للأشخاص الذين يعيشون في حالة حرمان من قبول القربان الأقدس، وهي صعبة أيضاً بالنسبة للكهنة الذين يرغبون في مساعدة هؤلاء الأشخاص ليحبوا الكنيسة، وبالتالي أن يحبوا المسيح. إن هذا الأمر يطرح مشكلة”.

ويسترسلُ البابا راتسينجر قائلاً: “ليس لدى أي منّا وصفة جاهزة – ويعود هذا أيضاً إلى كون الحالات مختلفة دائماً. أقول إن الحالة مؤلمة لكونهم تزوجوا في الكنيسة، ولكنهم لم يكونوا مؤمنين حقاً، وقاموا بالزواج بشكل تقليدي. ثم عندما يجدون أنفسهم في زواج ثان غير صالح يهتدون إلى الصواب، ويعودون إلى الإيمان، لكنهم يشعرون بأنهم مستثنون من قبول الأسرار المقدسة. إن هذا الأمر حقيقة شيء مؤلم جداً، وعندما كنت عميد مجمع عقيدة الإيمان، دعوت إلى عقد عدة اجتماعات أسقفية ومتخصصة بدراسة هذا الموضوع. أنه سر مقدس تم الاحتفال به بدون إيمان. لكني لا أجرؤ على القول إن كان بالإمكان إيجاد نقطة غير قانونية شرعاً لان السر يفتقر إلى بعدٍ أساسي. أنا شخصياً كنت أفكر به، لكن من خلال النقاش الذي أجريناه، أدركت أن المشكلة صعبة جداً، ويجب الخوض بها بتعمق. ولكن إذا أخذنا بالاعتبار حالة الألم التي يمر بها هؤلاء الأشخاص، فعلينا حتما الخوض بها بعمق”.

وعملياً، يؤكد البابا بندكتس السادس عشر، بأنه يوجد هنا عدة عقود زواج باطلة لأنه تم الاحتفال بها بدون إيمان. وهو إجراء قضائي يمكن أن يجعل الحصول على بطلان الزواج أقل مشقة. في التصور الجماعي، يُنظر إلى حالات بطلان الزواج، والتي للأسف ليست بدون مبررات، يُنظر إليها على أنها من صلاحيات الملوك، النبلاء، والأشخاص المهمين الذي بمقدورهم دفع مبالغ كبيرة من المال، أو ممن كانوا من معارف المحامين. إنه عمل إصلاح جاد، يأخذ بالاعتبار إشارة البابا راتسينجر والتي يشاركه فيها خَلفَهُ بشكل تام، والتي من المفروض أن تؤدي إلى جعل إجراءات بطلان الزواج ممكن الوصول إليها وأقل تعقيداً، وبالتالي تتيح لكثير من الأشخاص إمكانية الاشتراك من جديد بالأسرار المقدسة.

وكان قداسة البابا فرنسيس قد أوضح هذا الأمر في حواره مع الصحفيين على متن رحلة العودة من ريو دي جينيرو حين قال: “إن الكاردينال “كواراسينو” الذي خلفني (في بيونوس آيريس) كان يقول أنه يعتبر أن نصف عقود الزواج غير صالحة “باطلة” ولكن لماذا كان يقول هكذا؟ لأنهم يتزوجون دون نضوج، ويتزوجون دون أن يدركوا أن الزواج مدى الحياة، أو أنهم يتزوجون لأنه من وجهة النظر الاجتماعية يجب عليهم أن يتزوجوا. وهذا يدخل في الاهتمام الراعوي بالزواج. ويجب مراجعة المشكلة القانونية والشرعية لبطلان الزواج، لأن المحاكم الكنسية لا تكفي للبت في هذا الموضوع”.

وأخيراً يوجد طريق ثالث، والذي أشار إليه البابا فرنسيس خلال ذات حين قال: “بالإشارة إلى المناولة للأشخاص الذين يرتبطون مرة ثانية… أظن أنه يجب أن ننظر بهذا الموضوع في مجمل الاهتمام الراعوي بالزواج. ولهذا السبب فإن هذا الأمر يشكل مشكلة (لدى الأرثوذكس إجراءات مختلفة، هم يتبعون لاهوت الاقتصاد، كما يسمونه، ويعطون فرصة أخرى، يسمحون به) لكني أظن أنه يجب أن تتم دراسة هذا الأمر في إطار الاهتمام الراعوي بالزواج ونحن في طريقنا إلى اهتمام راعوي بالزواج اهتماماً عميقاً نوعاً ما”.

لقد أشار قداسة البابا فرنسيس، بين قوسين، إشارة مختصرة عابرة بدون أي تفصيل إلى إجراءات أو ممارسات الكنيسة الأرثوذوكسية. وكان الكاردينال روجيه ايتشيجاري، قد قدم في وقته مداخلة أكثر تفصيلاً حول هذا الموضوع، وذلك خلال اجتماع مجلس كنسي. وبماذا يتعلق الأمر؟ انه يتعلق بما يسمى “اللاهوت الخيري” (لاهوت الإحسان “الفيلانتروبي”) لدى الأرثوذكس، والذي من خلاله يقومون بالموافقة، حسب شروط محددة، على زواج ثانِ. ليست الكنيسة الأرثوذكسية “مناصرة للطلاق”، وهي تتمسك بكلمات يسوع المسيح ضد حل الزواج وتعتبر ذلك عملاً أحادي الجانب وبشري لفسخ رباط إلهي. ولكن كإجراء اقتصادي (إعفاء) وإحسان وعطف ورفق، وباستنادها إلى حقيقة أن يسوع المسيح نفسه سمح بالاستثناء ( متى 19: 9) “أما أنا فأقول لكم من طلق امرأته إلا لفحشاء، وتزوج غيرها فقد زنى”، ومع رفض الكنيسة الأرثوذكسية لحل الزواج، فإنها على استعداد لتتقبل وتسمح بزواج ثانٍ.

يتعلق الموضوع بالأشخاص الذين تم حل زواجهم من قِبل الكنيسة (وليس من قبل الدولة)، اعتماداً على السلطة المعطاة من قبل الكنيسة بالحل والربط. كما تمنح فرصة ثانية في بعض الحالات الخاصة: مثلاً حالات الزنى المتواصل. ولكن يمكن أن يتوسع الأمر ليشمل بعض الحالات التي يصبح فيها الرباط الزوجي خيالاً (مستحيلاً). فإن الإمكانية لمنح الحلية لزواج آخر في حالات حل الزواج تعطى فقط للزوج البريء. ويتم الاحتفال بالزواج الثاني، والذي يختلف عن الزواج الأول، في مراسيم تتسم بالتوبة، والتي ينبع مبدأها من منطلق الاعتراف بحالة خاطئة فاشلة – وتحتوي على صلاة منح الغفران من الخطايا.

وحيث أن مراسيم الزواج الثاني لم تكن موجودة في التقليد القديم في لحظة تتويج الزوجين، والتي تُعتبر في اللاهوت الأرثوذكسي اللحظة الأساسية في سر الزواج، فهنا يبرز تبرير لاهوتي يجعلنا نستطيع أن نقول أن الزواج الثاني ليس سراً حقيقياً بالنسبة للأرثوذكس، ولكنه بالأحرى تقديس يسمح للزوجين الجديدين اعتبار ارتباطهما مقبولاً بشكل كامل من الجماعة الكنسية. وأن مراسيم رتبة الزواج الثاني تُستعمل أيضاً في حالات تزويج الأرامل الذين يرغبون بالزواج مرة أخرى. ومن هنا يمكننا القول بأن الكنيسة الأرثوذكسية، تسير على مبدأ السماح بقبول سر زواج حقيقي واحد في الحياة، على خلاف ما يحدث في الكنيسة الكاثوليكية.