مبارك أنت:  تأمل في قراءات الثلاثاء  25 يونيو 2014 الموافق30  بؤونه 1730

مبارك أنت: تأمل في قراءات الثلاثاء 25 يونيو 2014 الموافق30 بؤونه 1730

مبارك أنت

حول نشيد زكريا الكاهن

تأمل في قراءات الثلاثاء  25 يونيو 2014 الموافق30  بؤونه 1730

الأب/ بولس جرس

نص الإنجيل

“وأمّا أليصاباتُ فتمَّ زَمانُها لتلِدَ، فوَلَدَتِ ابنًا. وسَمِعَ جيرانُها وأقرِباؤُها أنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحمَتَهُ لها، ففَرِحوا معها. وفي اليومِ الثّامِنِ جاءوا ليَختِنوا الصَّبيَّ، وسمَّوْهُ باسمِ أبيهِ زَكَريّا. فأجابَتْ أمُّهُ وقالَتُ:”لا! بل يُسَمَّى يوحَنا”. فقالوا لها:”ليس أحَدٌ في عَشيرَتِكِ تسَمَّى بهذا الِاسمِ”. ثُمَّ أومأوا إلَى أبيهِ، ماذا يُريدُ أنْ يُسَمَّى. فطَلَبَ لوحًا وكتَبَ قائلاً: “اسمُهُ يوحَنا”. فتعَجَّبَ الجميعُ. وفي الحالِ انفَتَحَ فمُهُ ولسانُهُ وتكلَّمَ وبارَكَ اللهَ. فوَقَعَ خَوْفٌ علَى كُلِّ جيرانِهِمْ. وتُحُدِّثَ بهذِهِ الأُمورِ جميعِها في كُلِّ جِبالِ اليَهوديَّةِ، فأودَعَها جميعُ السّامِعينَ في قُلوبِهِمْ قائلينَ:”أتَرَى ماذا يكونُ هذا الصَّبيُّ؟”. وكانَتْ يَدُ الرَّبِّ معهُ.وامتَلأَ زَكَريّا أبوهُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ، وتنَبّأَ قائلاً: “مُبارَكٌ الرَّبُّ إلَهُ إسرائيلَ لأنَّهُ افتَقَدَ وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ، وأقامَ لنا قَرنَ خَلاصٍ في بَيتِ داوُدَ فتاهُ. كما تكلَّمَ بفَمِ أنبيائهِ القِدِّيسينَ الذينَ هُم منذُ الدَّهرِ، خَلاصٍ مِنْ أعدائنا ومِنْ أيدي جميعِ مُبغِضينا. ليَصنَعَ رَحمَةً مع آبائنا ويَذكُرَ عَهدَهُ المُقَدَّسَ، القَسَمَ الذي حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: أنْ يُعطيَنا إنَّنا بلا خَوْفٍ، مُنقَذينَ مِنْ أيدي أعدائنا، نَعبُدُهُ بقَداسَةٍ وبرٍّ قُدّامَهُ جميعَ أيّامِ حَياتِنا. وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَليِّ تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّبِّ لتُعِدَّ طُرُقَهُ. لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ، بأحشاءِ رَحمَةِ إلَهِنا التي بها افتَقَدَنا المُشرَقُ مِنَ العَلاءِ. ليُضيءَ علَى الجالِسينَ في الظُّلمَةِ وظِلالِ الموتِ، لكَيْ يَهديَ أقدامَنا في طريقِ السَّلامِ”.أمّا الصَّبيُّ فكانَ يَنمو ويتقَوَّى بالرّوحِ، وكانَ في البَراري إلَى يومِ ظُهورِهِ لإسرائيلَ.(لوقا 1: 57-80)

نص التأمل

ميلاد يوحنا هو أحد ثلاث أعياد ميلاد فقط تحتفل بها الكنيسة المصرية

فنحن نحتفل عادة بتاريخ نياح أو استشهاد الجميع كيوم ميلاد لهم في السماء

أما هؤلاء الثلاثة فهم حسب ترتيب التاريخ: مريم العذراء-يوحنا المعمدان- ويسوع المسيح

هذا بالطبع يعبر عن مقامهم ودورهم  ومكانتهم في تاريخ عمل الله في البشرية…

كثيرا ما تناولنا شخصية يوحنا المعمدان في تأملات سابقة لذا دعونا اليوم نتأمل اباه، زكريا

وبالتحديد في نشيده الرائع…

زكريا الكاهن ابن الكاهن الرجل البار زوج أليصابات نسيبة مريم الذي طعن في الشيخوخة

ولم ينجب بعد وهذه في العهد القديم علامة على عدم رضى الله

لكن الله نفسه سيثبت العكس تماما وسيظهر كامل رضاه

حين سيرسل في الوقت المعين والمحدد ملاكه الواقف امامه ” جبرائيل”

ليخبر الكاهن العجوز بينما كان يرفع البخور  أن الأوان قد حان”

وأن صلواته وطلباته قد إستُجيبت وأنه سيرزق بصبي “يكون عظيما”

ولشدة لهفة قلب الكاهن ابى قلبه العجوز أن يصدق فاستزاد الملاك إيضاحا

مما أوصله إلى درجة عدم التصديق وطلب البرهان او ” العلامة”

لى أن تم كلام الرب… حينها إسترد النطق وامتلأ من الروح القدس

فكان نشيده العظيم الذي تترنم به البشرية كل يوم في صلوات باكر من الطقس اللاتيني

حيث يطفر قلب الكاهن الشيخ فرحا  ليس لمجرد انه صار أبا في هذا العمر

بل لسباب نبوية لاهوتية وتاريخية نراها في:

–       مُبارَكٌ الرَّبُّ إلَهُ إسرائيلَ: البركة والتسبيح للرب الإله،  إله إسرائيل

–       لأنَّهُ افتَقَدَ: كما تعرفون الفعل افتقد في العهد القديم كله خاص بالله وحده

–       وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ: وافتقاده رحمة وخلاص وفداء وتحرير لشعبه، شعب الله من العبودية

–       وأقامَ لنا قَرنَ خَلاصٍ في بَيتِ داوُدَ فتاهُ: ليس لزكريا علاقة بسبط داوود فهو من سبط لاوي لكن الخلاص الذي يترنم به ليس ما يخص ولادة طفله يوحنا” السابق” بل من يليه في الميلاد ” يسوع”

–       كما تكلَّمَ بفَمِ أنبيائهِ القِدِّيسينَ الذينَ هُم منذُ الدَّهرِ: وهذا هو الميلاد الذي تنبأ به جميع الأنبياء منذ الدهرن ميلد يسوع المخلص وليس يوحنا المعمدان…

–        خَلاصٍ مِنْ أعدائنا ومِنْ أيدي جميعِ مُبغِضينا: يشمل خلاص يسوع بن داود شعب الله كله ويعم خلاصه باقي الشعوب كما أن هذا الخلاص شامل يحوي هزيمة جميع الأعداء بصورة نهائية

–         ليَصنَعَ رَحمَةً مع آبائنا: الخلاص رحمة وليس انتقاما وهو تحقيق لجميع مواعيد الله للأنبياء والآباء والصديقين الذين ينتظرونه.

–        ويَذكُرَ عَهدَهُ المُقَدَّسَ القَسَمَ الذي حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: آمنوا به وانتظروه جميعا حتى كلّت أعينهم من طول انتظاره، بدأ من إبراهيم الخليل إلى جيل زكريا وأليصابات وسمعان الشيخ وحنة النبية ومريم العذراء…

–         أنْ يُعطيَنا إنَّنا بلا خَوْفٍ: ما أروع هذه العبارة… يا ليتنا نستطيع أن نحياها… هل تستطيع اليوم ان تقول أنك بلا خوف؟ إنها عطية الله فلا ترفضها.

–         مُنقَذينَ مِنْ أيدي أعدائنا: مهما بلغت قوة أولئك الأعداء ومهما بدا أن السيطرة والأمر بات في أيديهم بالفعل؛ ومهما بدونا كالعصفور في الفخ امامهم ؛ فإلهنا قادر أن يكسر الفخاخ جميعا وينقذنا من بين أيدهم التي لو قبضت علينا لأزهقت أرواحنا…

–         نَعبُدُهُ بقَداسَةٍ وبرٍّ قُدّامَهُ جميعَ أيّامِ حَياتِنا: الخلاص والنجاة والفرح أهداف التدخل الإلهي… تلتقي اليوم مع هدف حياة الإنسان، اتذكرون التعليم المسيحي الكاثوليكي القديم؟ لماذا خلقنا الله؟ والإجابة كانت: لنعبده ونمجده …ونسير بالقداسة والبرارة  قدامه وفي حضرته وتحت نوره وإرشاده وحمايته كل يوم من أيام حياتنا … نعم اليوم في عيد ميلاد يوحنا المعمدان وفقط لأنه العلامة على إقتراب حلول من ” يأتي بعدي وهو كان اقدم مني”ن يترنم زكريا الكاهن والشيخ والأب بطفل آخر غير ابنه الوليد

–        وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ: أخيرا يتذكر وليده وفلذة كبده ويتوجه إليه بكلام العاقلين المدركين وكأن الوليد قادر على ان يستوعب ويفهم

–         نَبيَّ العَليِّ تُدعَى: العلي هو الله ” إبن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله عرش داود ابيه” هذا هو  دوره وتلك هي صفته، أنبي بل اعظم من نبي…       ليس في مواليد النساء اعظم من يوحنا…

–        لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّبِّ: يحدد زكريا الممتليء بالروح القدس دور ابنه مهامه ورسالته

–         لتُعِدَّ طُرُقَهُ: إعداد طريق الرب ” اليس هو الصوت الصارخ في البرية أعدوا طريق الرب وإجعلوا سبله مستقيمة، وألم تعد نلك     هي                     رسالة   كل  مسيحي أن يُعد الطريق لحلول الرب وملكوته

–         لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ: الخلاص عطية من الله يتعرف عليها الإنسان بالعقل والإرادة

–         بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ: ويقبلها بالتوبة عن الخطايا ونوال نعمة الغفران والتجديد الحقيقي الذي لا رجعة بعده

–        بأحشاءِ رَحمَةِ إلَهِنا: الأحشاء هي باطن الكيان والرحمة مشتقة من الرحم حيث يُحفظ الجنين وينمو وبالتالي فإن إله إسرائيل الجبار قد                      تحرك كيانه الداخلي بأحسيس رحمة ومحبة لا نظير لها في الزمان والمكان

–         التي بها افتَقَدَنا المُشرَقُ مِنَ العَلاءِ: فنزل مفتقدا شعبه كشمس تشرق من العلاء لتطهر وتطارد الظلام

–        ليُضيءَ علَى الجالِسينَ في الظُّلمَةِ وظِلالِ الموتِ: وتخلص البشرية المتألمة الجالسة في الظلمة وظلال الموت من ربق العبودية

–        لكَيْ يَهديَ أقدامَنا في طريقِ السَّلامِ: وتنير أمامها الطريق إلى الحق والحياة وهنا ختم الكاهن نشيده بالعودة غلى تمجيد سيده وربه

         صانع الخلاص وحده…

ما اعظمك يا زكريا ما أروع صلاتك وما ابدع كلمات التسبيح الخارجة من شفتيك

حقا صمتَّ دهرا ونطقت مجدا