محمد البدرى يكتب الحاكم بأمر الله حرم استخدام القبطية حتى فى صلاة المسيحيين

محمد البدرى يكتب الحاكم بأمر الله حرم استخدام القبطية حتى فى صلاة المسيحيين

بقلم: محمد البدرى

أخطأ الأستاذ أحمد الصاوى فى مقاله باليوم السابع بتاريخ 4 نوفمبر عندما قال إن “إلغاء المسلمين للغة القبطية أكذوبة.. ولم تندثر بقرار من السلطة”. فالمقريزى أكد أن حكام مصر منذ الغزو وحتى عصره فى القرن الخامس عشر، كانوا يحوزون ثروات طائلة لا حصر لها. لهذا لم يكن غريباً أن تظل الحرب على أرض مصر فى اتجاهين، طوال عصر حكم العرب لمصر وحتى نهايتهم بتولى أحمد ابن طولون الحكم مبعوثا من الخليفة العباسى.. اتجاه ضد المصريين لضمان مصادرة الإنتاج المصرى، واتجاه للحرب ضد الوالى الجديد استئثارا بما هو قائم، والتى كانت تنتهى دوما لصالح الجديد الوافد.

أدرك ابن طولون أن المسألة لا تعدو غنائم وثروات، لهذا استقل بمصر وعندها بدأ عصر من الازدهار الاقتصادى والفنون والمعمار وهدأت أحوال المصريين وهو ما لم تعرفه مصر منذ الرومان وحنى نهاية حكم العرب لها، فالنظامان كانا متشابهين فى أهداف كل منهما بجعل مصر سلة غذاء لروما أو مصدراً للغذاء مع إضافة للأموال فى زمن العرب، من القصص النادرة لكنها الفاضحة هو تعنيف أمير المؤمنين وعقابه لأحد الجنود العرب القادمين عندما أرسله ابن العاص للخليفة بتهمة هروبه من الجيش ولجوئه للفلاحة فى أرض مصر.

كانت تلك مقدمة حتى ندرك آليات الجباية من بلاد لا تتكلم لغة القادمين على أسنة الرماح بحجة الإسلام.. فالدواوين التى هى سجلات الممتلكات والأرض والثروة والزراعة كانت كلها مدونة باللغة القبطية، أى لغة أهل البلاد.. فهى اللغة التى أصبحت سهلة بعد أن تحولت صورتها المكتوبة إلى الأبجدية اليونانية، مع بقاء الصوتيات والفونيمات والألفاظ والجمل والتراكيب اللغوية قبطية صرفة، كامتداد للغة الفرعونية القديمة، إنها فقط صورة الكتابة التى تغيرت وليس اللغة ذاتها كما يدعى كثيرون.. فبساطة وسهولة الحرف اليونانى فى الكتابة بدلاً من صور الطيور والحيوانات الجميلة فى اللغة الفرعونية جعلت التدوين أسهل وأكثر كفاءة.

كان من الطبيعى أن يفضل العرب استخدام لغتهم للتفاهم، بدلا من استخدام المترجمين تجنبا للغش وعدم الأمانة. فالخليفة المأمون – زمن العباسيين – عندما أتى لمصر لمحاربة أهلها وضمانا لإيراد الخراج، كان معه مستشاره الخاص على ابن الرضوان الذى قيل إنه طبيب وعالم لغويات. فقام بدور المترجم مما يدل على أن اللغة العربية لم تكن لغة محكية عند أهل البلاد حتى ذلك العصر رغم أن تعريب الدواوين لصالح العرب وتسهيلا لحصرهم حجم الثروة بدلا من القبطية. فى البداية قام عبد الملك ابن مروان الأموى بتعريب الدواوين أى بمنع اللغة القبطية من كتابة السجلات المصرية.. هنا تتأكد نظرتنا السابقة فكان أول استخدام للغة العربية أيضا فى صالح النهب وليس الدعوة للإسلام، بعد تعريب الدواوين ازدادت محنة الناس، فقرر من تولى بعده الحكم أن يجمع خراج عامين مقدما، فاشتد الكرب على المصريين، فطاردهم الجنود والعربان وأجبروهم على الزراعة بالقوة.

لكن أمر اللغة لم يكن فقط لصالح الثروة، بل امتد ليفرض نفسه على مسائل أخرى كثيرة منها الصلاة بالعربية وليس بلغة أخرى، حتى أن الأقباط اضطروا إلى اتخاذ اللغة العربية لقراءة التراتيل، خاصة بعد أن أمر الحاكم بامر الله بمنع استخدام اللغة القبطية فى الحياة اليومية، وقيل قطع لسان من يتحدث بها، ومع ذلك ظل كثيرون يتعلمون فى المدارس القبطية ليدرسوا الطب والرياضة والفلك التى هو موروث فرعونى بجدارة وتخلوا منه لغة العرب الوافدة. فكلما انتشرت اللغة العربية بمحتواها الثقافى العربي، كلما قلت أعداد تلك المدارس وزادت الأمية وانتشر الجهل وتآكلت العلوم فى المجتمع المصري، الأمر الذى وصل إلى حد أنه لم يبق بمصر من يعرف القراءة والكتابة للغة العربية ذاتها، ليس سوى ما يقرب من الخمسين شخصاً حسب ما جاء فى رسالة القنصل الروسى فى مصر للقيصر عندما تولى محمد على السلطة فى مصر.

فالغازى أو ما يسمى بالفاتح، كان يريد أن يحاط علما بكل ما يجرى على الأرض وفى البلاد، ضمانا لأمور كثيرة أولها عدم إفلات الثروة منه، وضمان تسمع ما يقال عنه كحاكم ومعرفة ما يجرى من مؤامرات ضده كأجنبى على أرض الوطن.

سبب آخر جعل بعض من أهل البلاد يتبنون اللغة العربية كلغة تخاطب كونهم وعبر آلاف السنين كانوا هم الموظفون فى إدارات الدولة منذ عهد الفراعنة والقائمين على شئون الإدارة فيها، وللاحتفاظ بوظائفهم اضطروا للتحث بلغة الغزاة ضماناً لاستمرار أرجلهم على أرض وطنهم بدلاً من اقتلاعها، وهو ما يثبت أن اللغة عند المصريين ليست بذات القيمة بقدر الثبات على الأرض والتمسك بالوطن حتى ولو كان محتلا من الأجانب. فاللغة عند المصرى أداة وليست هدفاً، وسيلة وليست قدساً من أقداسه.

فليس غريباً إذن أن تنهار اللغة العربية حالياً لصالح لغات أخرى، بل يتخوف البعض من انقراضها لعدم إمكانها من دخول العصر الحديث بكل معارفة وأدواته، ولا يهب أحد لإنقاذها.. قديما كان التحول اللغوى مرده إلى سياسة الأجنبى المحتل، أما الآن فالعولمة والتحولات المعرفية باتت خطرا ليس فقط على الثقافات ذات اللغات الميتة إنما على كل حامل للغة لم تعد تفى بحاجة العصر من خيرات مدنية وأمن اجتماعى وإمكانية الدخول إلى العصر الحديث.

عن اليوم السابع

هذا المقال لا يمثل سوى رأي صاحبه، والموقع غير مسئول عن محتواه….