مفيد فوزى يكتب القلب إذا اشتكى!

مفيد فوزى يكتب القلب إذا اشتكى!

نحن بلاد الفهلوة والألبنده والتوك شو والشيشة والقمامة والحق بالدراع، والعالم الذى سبقنا «بلاد الرقم والحقيقة والعقل واحترام البيئة». نحن ننزعج إذا أصاب الموبايل «مكروه» ونجرى جرى الوحوش إلى الشركة المنتجة لنفحص الموبايل بدقة ونسأل الخبير بلهفة سؤال الأهل عن احتمالات الحمل من عدمه «خير يا دكتور». والعالم الذى سبقنا لا ينكفئ على الموبايل صباح مساء ويتعامل معه وقت الحاجة ولا يصحبه معه كظله ويستخدم موبايل واحدا لا نصف دستة. نحن نذهب للطبيب لحظة إحساسنا أن الخطر على مقربة منا وننام على ترابيزة الكشف مستسلمين متمتمين بالصلاة «إذا القلب اشتكى» وهى نظرية تحكم حياتنا وهى الحياة بتواكل وبالنيات الطيبة ودعاء الوالدين وننسى أنه «عضو الحياة» فى البنى آدم يئن ويتألم ويشكو. والعالم الذى سبقنا يذهب إلى الطبيب كل فترة حتى ولو لم يشكُ من القلب أو الصدر أو العيون أو القولون، إنه يحرص على الزيارة ويدونها على الموبايل.

إنها جزء من طقوس حياة. نحن نذهب للميكانيكى ليفحص سيارتنا إذا ما صدر عنها صوت أشبه بكحة عجوز وينحنى الميكانيكى فوق الموتور وخلفه «بلية» يناوله المفاتيح، ثم يصدر قراره: تيل فرامل أو شكمان أو وش السلندر. والعالم الذى سبقنا يذهب لفحص السيارة كل ألف كيلو، فتعمر السيارة ولا تشكو. لماذا؟ لأن لديه حفاوة بعلم الصيانة. نحن بلاد «تقريباً وبالتقريب كده وبيتهيألى» ولا علاقة لنا بالأرقام وكل على الله وأهى ماشية والعالم الذى سبقنا يبنى نظرياته ومشاريعه على أرقام علم الإحصاء. كل شىء يتم طبقاً للرقم لأنه الحقيقة ولهذا لا يسقط فى العشوائية. نحن بلاد استديوهات «التحليل الرياضية» ولماذا دخل الجون شبكة الحضرى وكيف ضاعت الكرة من وائل جمعة وهل كان الحكم منصفاً؟ والعالم الذى سبقنا مهووس كورة ولكن استديوهات التحليل عنده معنية بالظواهر الاجتماعية والسلوكيات وجرائم الأطفال والطلاق المبكر وعقوق الأبناء، لأن الشاشة لديهم إضافة فكرية وليست ثرثرة بصرية.

نحن بلاد التفكير اللحظى والدقيقة الآنية واللهوجة فى القرارات و«ديمقراطية المطوة» إذا خالفتنى فى الرأى. والعالم الذى سبقنا يتكئ على علم المستقبليات الذى يتنبأ له بالقادم ويبصره بالآتى فيحسب حساباً للمفاجآت، بل إن المفاجآت ليست فى قاموس حياته باستثناء أفعال الطبيعة. نحن بلاد العواطف الجياشة. تربينا على صوت يوسف بك وهبى و«كنت فين يا أمينة» نستثار بسرعة ونحبو بسرعة ونحكم على الآخر بسرعة ونتأثر من دموع جاسوس«!»، والعالم الذى سبقنا يستخدم عقله أكثر من عواطفه ولهذا لا تغرق «مراكبه» ويتقدم وينهض ويستثمر العلم ويعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم كيف يفكرون. نحن بلاد «نخاف ما نختشيش» وقلما نعتذر عن خطأ والقدوة فى «العناد»، والعالم الذى سبقنا يخضع للقانون ولا يتصرف مثل «زورو فى الغابة» ولا يصيح كطرزان، إنما هو إنسان مواطن ملتزم لا يهم أصله وفصله ولا ابن مين فى البلد.

نحن بلاد المنظرة والشحتفة والألقاب السبعة يتقدمها ويسبقها حرف الدال. المظاهر تحكم حياتنا وتبهدل فينا ونستعذب هذه البهدلة مادمنا نحن الأفضل واللى ماحصلناش. والعالم الذى سبقنا لا يهتم بالشكل لأن المضمون أهم. والإنسان بما ينجزه وليس بما يملكه. أستاذ الجامعة فى أوروبا يركب دراجة بخارية لكنه خبير تربة ومياه عذبة. نحن بلاد الروشتات الطبية «وش وضهر» لأنها دليل على عظمة الدكتور وكفاءته «!» بلاد العيادات التى يصنع شهرتها تردد نجوم السينما عليها. والعالم الذى سبقنا، لا يكتب الطبيب أكثر من دواء واحد أو اثنين ولا يهتم بالمشاهير لأن الطبيب يعالج بالتشخيص الدقيق وليس بمشاهيره من المرضى! نحن بلاد الخرافات وقراءة الكف والفنجان والسحر الأسود وفتح المندل والكوتشينة. وبلاد العالم التى سبقتنا، بموصلتها العلم فهو نجمها وسيدها وتاج راسها.

نحن بلاد النت وبذاءات الفيس بوك والاستغراق فى «sms ،bbm» والعالم الذى سبقنا يقرأ فى القطار والترام كتاباً أو صحيفة، إنه دائم البحث عن المعرفة. نحن بلاد المسابح والفواسق والدين الموظف عند السياسة والازدواجية المفرطة. والعالم الذى سبقنا مستثمر الوقت فى انتصار الحياة باكتشافات مذهلة مختبئة فى بطن الغيب وحياته بين العلنية والسرية لا فرق والعمل معزوفته والبطالة ترعاها الدولة. إنها فى نهاية الأمر ثقافة مختلفة والفارق بيننا وبين العالم.. فارق حضارى. إنه الفرق بين التقدم و.. التخلف، ومصر بلد متقدم قليلاً ومتخلف كثيراً. شعب يعيش على ماضيه المجيد أكثر من حاضره التعس، تناقضاته تطحنه ومزاجه العام متقلب. ويحكمه «لاقينى ولا تغدينى»، وحكمه صعب المراس.
المصرى اليوم