ملكوت الله ومجيء ابن الإنسان

ملكوت الله ومجيء ابن الإنسان

بقلم الأنبا كريكور أوغسطينوس كوسا

القاهرة, 19 مارس 2015 (زينيت) –

سؤال اليهود الأكبر وانتظارهم الأعظم ، كان ولا يزال عبر العصور هو هو : ” متى يأتي ملكوت الله ؟ ومتى سيظهر المخلّص الزمني علنياً ، الذي سيعيد سيطرة الفريسيون والكتبة على العالم ؟ ” .

هكذا كان ايضاً تفكير تلاميذ يسوع ، منتظرين المنصب الأرقى في تلك المملكة الأرضية الزائلة .
فجاء جواب يسوع مخيباً لآمالهم الدنيوية قائلاً : ” إن ملكوت الله بينكم وفي داخلكم ” ( لوقا ١٧ : ٢١ ) 

ملكوت الله ملكوت سلام وعدالة :
ملكوت الله هو حضور المحبة الأبوية فيما بيننا لينمو بنشر السلام والرحمة والعدالة والاخوة . هذا الحضور يظهر بالصمت والوداعة والبساطة والتواضع وقبول الآخر وصداقته والعيش والعمل والتعاون معه ومسامحته و … وحضور الله الثالوثي فيما بيننا وفي سر الافخارستيا سر المحبة والتضحية ، وقبوله الحرّ في قلوبنا لأنه هو السعادة الحقيقية .
هذا الحضور هو نور على دروب مسيرتنا نحو الكمال ، وملح حياتنا يطعّم أعمالنا بالمبادئ الإنجيلية و الإنسانية .
وظهوره المفاجىء يوم مجيئه الثاني سيكون دينونة ومحاسبة لأعمال الرحمة والمحبة التي قمنا بها نحو القريب خلال حياتنا على الأرض ، ومشاركتنا لآلامه ولسر الفداء .
من بحث على الأرض عن مصالحه الشخصية وانانياته ونعيمه واعتبرها سعادته ، تزول هذه السعادة بزوال الأرض . ومن وجد فرحه وسعادته في مشيئة الرب وإرادته ، يدوم فرحه بدوام الآب السماوي السرمدي ، ” من أحبّ حياتٓهُ فقٓدٓها ، ومن رغب عنها في هذا العالم حفِظها للحياة الأبدية . من أراد أن يٓخدمني ، فليتبعني ، وحيث أكون انا يكون خادمي ، ومن خدمني أكرمه أبي ” ( يوحنا ١٢ : ٢٥ – ٢٦ ) .

الاستمرارية في الصلاة بخشوع وتقوى وثقة و وبدون ملل :
الصلاة المتواصلة هي العلاقة المتواصلة مع الله ، وهي محرّك الحياة الروحية فلا يجوز الملل والانقطاع والفتور . والصلاة ليست بسهلة لأنها تطلب منا تركيز وانتباه وتأمل عميق . والنيات الحسنة لا تتحول بسهولة إلى أعمال . لإن الرب يسوع يريد ذلك لأنه ممكن تحقيقه بطلبنا المستمر وبقلب طاهر وضمير حي و نقي ، وبشرط أن يكون التجاؤنا إليه بتواضع وثقة ، وبروح الفقر والتجرد والمثابرة . والرب المحب يستجيب صلوات مختاريه الذين ينادونه دائماً بإيمان ثابت . لولا هذا الإيمان لا وجود للصلاة ، وفي غياب الصلاة لا وجود للآب العطوف والحنون ، عندئذٍ نستسلم لكبريائنا وأنانياتنا ، ونتائجهما : الحسد والحقد والبغض والكراهية والكذب والحروب والعنف …..
صلاتنا هي فعل شكر لكل ما صنعه الله الآب معنا بإبنه يسوع المسيح وكل شيء هو من لدنه .
يجب أن تكون صلاتنا بعيدة عن الكبرياء والمقارنة مع الغير والذمّ به ، لإن ” كل من رفع نفسٓه وُضِعٓ ، ومن وضٓعٓ نفسٓهُ رُفِعٓ ” ( لوقا ١٨ : ١٤ ) .
الصلاة هي اعتراف، أمام من أحبّنا محبةً غير متناهية، بقدرتنا المحدودة وفظاعة آثامنا وضعفنا البشري ، طالبين غفرانه بقلب منسحق وثقة بنوية . وهكذا سيكافئنا الرب لأننا اتكلنا على نجدته وقدرته الإلهية .

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك