من المجمع للقوانين الشرقية – 1

من المجمع للقوانين الشرقية – 1

من المجمع الفاتيكاني الثاني
  إلى مجموعة قوانين الكنائس الشرقية  – 1

 للأب د. هاني باخوم

          اصدر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، بواسطة الدستور الرسولي، “القوانين المقدسة”، في 18 أكتوبر 1990. وحظت هذه المجموعة بقوة الإلزام منذ الأول من أكتوبر 1991. هذه القوانين، وكما يعبر نفس الدستور الرسولي: “ينبغي اعتبارها تكميلا جديدا للتعاليم التي قدمها المجمع الفاتيكاني الثاني، وبها يكتمل التنظيم القانوني للكنيسة بأسرها”.

         مجموعة القوانين للكنائس الشرقية اذا هي تكملة لنفس تعاليم المجمع. فهي منبثقة منه وتستعرض ما لم يتعرض له المجمع من مواضيع. تستعرضه بنفس الروح والتجديد المنبعث من المجمع.

         المجمع الفاتيكاني الثاني هو مجمع تجديدي، ورعوي. يتلاقى مع العالم المعاصر فيفتح أبواب الكنيسة  للرد على مسائله وتحدياته. هذا الانفتاح تطلب من الكنيسة التجديد في كثير من المفاهيم مع المحافظة التامة على التقليد الكتابي والآبائي، بل بالأحرى التعمق في هذا التقليد هو الذي جعل من هذا المجمع تجديدي. وبالتالي اثر على تجديد علم اللاهوت بأسره ومنه على القانون الكنسي.

         مجموعة القوانين إذا هي تعبير قانوني لهذه الروح التجديدية. فالتجديد اللاهوتي والفكري يؤثر على الحياة الروحية والعلاقات وإدارة الكنيسة، وبعد ذلك يأتي القانون الذي يصف هذه الحالة الجديدة من حياة وعلاقات وإدارة. فالحياة تسبق القانون. والقانون يقنن الممارسة الحياتية ويصفها ويضيف اليها ما يجعلها تكتمل لتصل إلى قامتها المنشودة.

         في هذه المقالات سنحاول عرض بعض من صور التجديد هذه في القانون الكنسي وكيفية تأثرها بتعاليم المجمع وإكمالها له في نفس الوقت.

 

         1. تنوع الكنائس الكاثوليكية الشرقية من العناية الإلهية

         إحدى النقاط الهامة والتي تعتبر مركزية في تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني هي ان الوحدة في التنوع يغني الشركة الكنسية ولا يضرها. هذا التنوع في الكنائس الكاثوليكية هو عمل العناية الإلهية كما يؤكد الدستور العقائدي “نور الأمم”. فالفصل الثالث من الدستور عنوانه “نظام السلطة الكنسية”، فيه يتحدث عن الكنائس الشرقية فيقول:” لقد شاءت العناية الإلهية أن تتجمع الكنائس المتنوعة التي أقامها الرسل وخلفاؤهم في أماكن مختلفة، عبر العصور، وفي جماعات عديدة متحدة ومنظمة. وان تنعم هذه الجماعات بالنظام المختص بها، وبخدمتها الطقسية الذاتية، وتراثها اللاهوتي والروحي، مع المحافظة على وحدة الإيمان وتكوين الكنيسة الجامعة الإلهي الفريد. وان بعضاً من هذه الكنائس لا سيما الكنائس البطريركية القديمة قد لعبت دور أمهات الإيمان إذ أنجبت كنائس أخرى، كبنات لها، يربطها بها حتى الآن وثاق محبة متين في عيشة الأسرار، والاحترام المتبادل في الحقوق والواجبات” (23).

         من هذا نستنتج أن:

         – المجمع لا يتقبل فقط تنوع التقاليد والكنائس، بل يعترف بالواقع التاريخي لتلك الكنائس المؤسسة من الرسل بفضل العناية الالهية؛

         – هذه الكنائس متحدة ومنظمة تتمتع بنظام خاص بها، وأنظمة طقسية، ولاهوتية وروحية؛

         – يعلن المجمع ايضاً نوعية الرباط الروحي بين هذه الكنائس؛ البعض منها كبنات للكنائس البطريركية القديمة؛

         – تلك الكنائس المتنوعة تتميز الواحدة عن الأخرى، لكن هذا التميز لا يضر وحدة الإيمان بالعكس يظهر جامعية وكاثوليكية الكنيسة.

         هذا التنوع ورغبة الكنيسة الجامعة في الحفاظ عليه، وعلى الحفاظ على الطقوس والالتزام بها،  يظهر في الإرشاد الرسولي، “القوانين المقدسة”، حيث يؤكد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عند تقديمه لمجموعة القوانين أن: “هذه المجموعة تدافع عن حق الشخص الإنساني الأساسي ألا وهو الحق في ان يعلن كل إنسان إيمانه بطقسه الخاص”.

         بالفعل مجموعة القوانين الكنسية تؤكد على:

إنّ  طقوس الكنائس الشرقية يجب حفظها ودعمها بورع، لكونها تراث كنيسة المسيح بأسرها، يشعّ فيه التقليد المنحدر من الرسل عن طريق الآباء، ويؤكّد بتنوّعه وحدة  الإيمان الكاثوليكي الإلهيّة (ق 39).

         القانون يذكر بالواجب المقدس للمؤمنين بالحفاظ على طقسهم الخاص والذي هو التراث الليتورجي، اللاهوتي، الروحي، والنظامي (ق 28).

         كما يؤكد على انه واجب على الرؤساء الكنسيين المحافظة على هذه الطقوس والتقيد بها وعدم قبول تغير او تعديل عليها الا اذا كانت هذه التعديلات ضرورية في مجتمعنا وحياتنا المسيحية؛ وواجب على الاكليريكين وجميع أعضاء مؤسسات الحياة المكرسة المحافظة على طقسهم؛ كما هو واجب المؤمنين ان يعززوا معرفتهم للطقس والمحافظة عليه (ق 40).

         بل ويذهب القانون الى ابعد من ذلك فيؤكد على انه واجب على كل من يقوم برسالته في الشرق او وسط مؤمني الكنائس الشرقية ذات الحق الخاص عامةً، ان يُنشأ بعناية على تلك الطقوس وممارستها كي يستطيع ان يخدم من يحيطه بأمانة وحق (ق 41).

         من هذه الأمثلة البسيطة وغيرها العديد، والذي لم نذكره هنا، نجد كيف ان مجموعة القوانين جسدت هذا المبدأ لروح المجمع الفاتيكاني الثاني: الوحدة في التنوع هو غني. فيجب المحافظة اذا على هذه الطقوس والاعتناء بها، لانها تراث لكل الكنيسة الجامعة.