وَثِيقَةُ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: خَارِطَةُ طَرِيقٍ

وَثِيقَةُ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: خَارِطَةُ طَرِيقٍ

“الإِنْسَانِيَّةُ لَيْسَتْ دِينًا، إِنَّهَا رُتبَةٌ يَصِلُ لَهَا بَعْضُ الْبَشَرِ وَيَمُوتُ آخرون دُونَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا”. (مقولة تنسب لسقراط)

حَضَرَاتُ السَّيِّدَاتِ وَالسَّادَةِ

الأَخَوَاتُ والإِخوةُ الأعِزَّاءُ،

الْحُضورُ الْكِرَامُ، السِّلَامُ عَلَيْكُمْ!

سَعيدٌ أَن أُشَاطَرَكُمْ بَعْضَ الْأَفْكَارِ عَنْ وَثِيقَةِ الْأُخُوَّةِ الإِنسَانِيَّةِ فِي إِطَارِ الاِحْتِفَالِ بِالذِّكْرَى السَّنَوِيَّةِ الأوْلَى لِتَوْقِيعِهَا، وَكَذَلِكَ فِي سِيَاقِ مَا يُعَانِيهِ العَالَمُ الْيَوْمَ، لَا سِيَّما فِي الشَّرْقِ الْأوْسَطِ، مِن أَزْمَةٍ كَبِيرَةٍ تُحَاصِرُ الجَمِيعَ، وَتَدْفَعُ بِالبَعْضِ إِلَى الإحباط، وَأحيانًا إِلَى التَّطَرُّفِ وَالمُبَالَغَةِ، وفي الغالبِ إلى التَّرَقُّبِ الْخَائِفِ أَوِ الْخَانِعِ أَوِ الْمُتَشَائِمِ.

غَير أَنَّ اللهَ يُرسِلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَفِي كُلِّ حِقْبَةٍ، أشخاصًا شُجَعَاءَ يَعرِفُونَ وَيُؤمِنُونَ بِأَنَّه لَا يَأْسَ مَعَ الْحَيَاةِ؛ أشخاصًا يُؤمِّنُونَ بِأَنَّ ظَلَامَ الدُّنْيَا لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُخفِيَ ضَوْءَ شَمْعَةٍ صَغِيرَةٍ، أشخاصًا يَسِيرُونَ عَكْسَ التَّيَّارِ، وَيُحَاوِلُونَ بِبَسَالَةِ أَن يُغَيِّرُوا الْأُمُورَ إِلَى الْأفْضَلِ، أشخاصًا يُحَوِّلُونَ إيمَانَهُمْ بِاللهِ إِلَى نُورٍ لِلْإِخْوَةِ.

وَقَد مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِشَخْصَيْنِ تَقَابَلا فَوَجْد كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ صديقًا وَأَخًا، وَتَشَارَكَا آلَامَ العَالَمِ وَمُعَانَاتِهِ فَقَدَّمَا لِلْبَشَرِيَّةِ “خَارِطَةَ طَرِيقٍ”: وَثِيقَةَ الْأُخْوَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

اسْمَحُوا لي أَن أَتَكَلَّمَ عَن هَذِهِ الوَثِيقَةِ فِي عُنْصُرَيْنِ: الأُخُوَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ كَخَارِطَةِ طَرِيقٍ؛ والذِّكْرَى الْأوْلَى لِتَوْقِيعِ الْوَثِيقَةِ وَلِقَاءِ الإعلاميين.

أولًا: الأُخُوَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ كَخَارِطَةِ طَرِيق

تَرْتَكِزُ المُمَارَسَةُ الدِّينِيَّةُ السَّلِيمَةُ عَلَى وَصِيَّةِ اللهِ – عِزَّ وَجَل – المَوْجُودَةِ فِي الدِّيَانَاتِ السَّمَاوِيَّةِ: “أحِبَّ الرَّبَ إلهَكَ بِكُل قَلبِكَ، وبِكُل نفسِكَ، وبكُل عَقلِكَ. هذِهِ هيَ الوصِيَّةُ الأولى والعُظمى. والوصِيَّةُ الثّانِيةُ مِثْلُها: أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحبُّ نفسَكَ. على هاتينِ الوصِيَّتَينِ تَقومُ الشَّريعةُ كُلُّها وتَعاليمُ الأنبياءِ” (متى 22، 37-40). إِنَّ مَحَبَّةَ القَرِيبِ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ، وَعِبَادَةَ اللهِ تُتَرْجَمُ فِي مَحَبَّةِ الْقَرِيبِ. بِحَيْثُ لَا يُمكِنُ للمرءِ أَن يُحِبَّ الله دُونَ أَن يحترمَ مَخْلُوقَاتِهُ وَخَلِيقَتَهُ، دُونَ أن يُحِبَّ الْإِنْسَانَ هَامَةَ الْخَلِيقَةِ.

فِي هَذِهِ المَدِينَةِ الْعَزِيزَةِ، أَبُو ظَبْي، قَالَ الْأَبُ الأقدس: “إِنَّ نُقْطَةَ الْاِنْطِلَاقِ هِي الْاِعْتِرَافُ بِأَنَّ اللهَ هُوَ أَصْلُ الْعَائِلَةِ الْبَشَرِيَّةِ الْوَاحِدَةِ. فَهُوَ، وَلِكَوَّنِهِ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقَ الْجَمِيعِ، يُرِيدُ أَن نعيشَ كَإِخْوَةٍ وَأُخُوَّاتٍ، وَأَن نُقِيمَ فِي الْبَيْتِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي مَنَحَنَا هُوَ إِيَّاهُ. هُنَا تَتَأَسَّسُ الأُخُوَّةُ، عِنْدَ جُذُورِ بَشَرِيَّتِنَا المُشتَرَكَةِ، مِثلُ دَعْوَةٍ مَاثِلَةٍ فِي مُخَطَّطِ اللهِ لِلْخَلْقِ. إِنَّهَا الدَّعْوَةُ الَّتِي تُخَبِّرُنَا بِأَنَّنَا جَمِيعًا نَمْلِكُ الْكَرَامَةَ عَيْنَهَا، وَبِأَنَّهُ لَا يُمكِنُ لِأَحدٍ أَن يَكُونُ سيِّدًا للآخرين أَوْ عَبْدًا لَهُمْ”([1]).

فَعَلَى هَذِهِ الْأرْضِ الطَّيِّبَةِ، كَمَا فِي كُلِّ بِقَاعِ الْأرْضِ، تَعِيشُ جِنْسِيَّاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَحيَا أشخاصٌ يَنْتَمُونَ إِلَى لُغَاتٍ وَأَعْرَاقٍ وَدِيَانَاتٍ وَثَقَافَاتٍ وَأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَة، فِي تَأْكِيدٍ عَلَى أَنَّ الْاِخْتِلَاَفَ هُوَ مَشِيئَةٌ إلْهِيَةٌ، وِأَنَّ مَا يُوَحِّدُ كُلَّ شَيْءٍ، بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ، يَكمنُ فِي حَقِيقَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ تَعُودُ لِنَفْسِ الْمَصْدَرِ، وَلِذَاتِ الْخَالِقِ.

وَمِنْ ثَمَّ، فَالتَّعَدُّدِيَّةُ وَالتَّنَوُّعُ مُوجودانِ بِسَبَبِ “إِرَادَةٍ إلَهِيَّةٍ حَكِيمَة” (كَمَا تُؤَكِّدُ وَثِيقَةُ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ)، وَلَا يُحِقُّ لِأَيِّ إنْسَانٍ أن يَعْمَل عَلَى إلْغَاءِ الْاِخْتِلَاَفِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَعْمَلُ ضِدّ مَشِيئَةِ اللهِ، عَزَلَ وَجَل. لذا أَكَّدَ قَدَّاسَةُ الْبَابَا وَفَضِيلَةُ الأمام الْأكْبَر عَلَى ضَرُورَةِ اِحْتِرَامِ قُدْسِيَّة كُلِّ حَيَاةٍ إِنْسَانِيَّةٍ؛ فَلَا عِبَادَة حَقِيقِيَّة لله بِدُونِ اِحْتِرَامٍ لِحُقوق كُلِّ إِنْسَانٍ وَخَاصَّةً الضَّعِيف وَالْمُحْتَاج.

مِنْ حَقّ كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنَّ يَدْعُو لِدِينِهِ، وَلَكِن بِالْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ وَبِأَعْمَالِ الْخَيْرِ، لَا بِالْعُنْفِ أَوْ بِالرَّغْبَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي إلْغَاءِ الآخَر أَوْ تَحْقِيرِهِ أَوْ حَتَّى التَّقْليلِ مِنْهُ([2]).

لَيْسَتْ الْأُخْوَّةُ الْإِنْسَانِيَّة إِذًا مُجَرَّدَ قِيمَةٍ نَظَرِيَّةٍ، إِنَّهَا حَقِيقَةٌ لَا يمكِن إِنْكَارُهَا، إِنَّهَا السَّبِيلُ الَّذِي لَا يُمكِنُ بِدُونِهِ الْوُصُولُ لله، إِنَّهَا وَاقِعٌ غَيْرُ مَرِّئِيٍّ، وَلَكِنَّهَا تجعلُنا نَرَى مَدَى صِدْق وَاِسْتِقَامَة إيمَانِنَا بِالله غَيْر الْمَرْئِيِّ.

لَيْسَ مُؤْمِنًا حَقًّا مَنْ يَرَى أَخَاهُ فِي الْإِنْسَانِيَّة مُعْوِزًا وَلَا يُسَاعِدهُ بِحُجَّةِ أَنَّه لَا يَنْتَمِي لَهُ؛ لَيْسَ مُؤْمِنًا حَقًّا مَنْ يُصَنِّفُ النَّاسَ بِحَسْبِ أَلوَانِهمْ أَوْ دِينِهمْ أَوْ لُغَتِهمْ، وَيَحْتَقِرُ مَنْ لَيْسَ مُشَابِهًا لَهُ؛ لَيْسَ مُؤْمِنًا حَقًّا مَنْ لَا يُقَاوِمُ، بِحَسْبِ إِمْكَانِيَّاتِه، كُلَّ مَا مِن شَأْنِه أَن يُهِين كَرَامَة الإِنسَان، مِثْلُ الْفَقْر وَالْحُروب، وَالْبَطَالَةِ، وَأَشْكَالِ الْعُبُودِيَّة الْجَدِيدَةِ، وَالْاِتِّجَار بِالْبَشَر، وَالْإِرْهَاب الْمُتَخَفِّي بِالدِّين؛ لَيْسَ مُؤْمِنًا حَقًّا مَنْ يَتَأَثَّرُ بِحَادِثٍ إِرْهَابِيٍّ ضِدَّ إِخْوَانِه فِي الْوَطَنِ أَوْ الدِّينِ وَلَا يَتَأَثَّر إِنْ كَانَتْ الضَّحَايَا مِنْ بَلَدٍ أَوْ مِن دِينٍ أَخَر.

تَقُوم وَثِيقَةُ الْإِخْوَة الْإِنْسَانِيَّة إِذًا عَلَى الْإيمَانِ بِضَرُورَةِ تَحْوِيل مَبْدَأ الْأُخُوَّةِ مِن شِعَارٍ إِلَى حَقِيقَةٍ، مِن كَلِمَةٍ إِلَى فَعَلٍّ، مِن رَغْبَةٍ إِلَى عَمَل؛ لِذَا تَذَكُرُ وتُذَكِّرُ الْوَثِيقَةُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمَصَائِب وَالْأسْقَام الَّتِي تُعَانِي مِنْهَا إِنْسَانِيَّتُنَا، لا مِن أجل أن تَدْفَع إِلَى التَّشَاؤُم، وَلَكِنْ إِلَى إِدْرَاك ضَرُورَةِ فَهَمِ أَنَّ قِمَّة الْعِبَادَةِ لله تَكْمُن في تَحْوِيل الْإيمَان بِه إِلَى إجلال لِخَلَائِقه، وفِي رُؤْيَةِ الْاِخْتِلَاَف كَغِنًى وَلَيْسَ كَخَطَرٍ أَوْ تَهْدِيد.

وَتَأْكِيدًا لِمَبَادِئِ الْوَثِيقَةِ، اُسْمُحُوا لِي هُنَا أَن أَكَشْف عَنْ سِرٍّ، يُعْلِنُ لِأَوَّلَ مرَّة: قَامَ قُدَّاسَةُ الْبَابَا بِالتَّبَرُّعِ بِكَامِلِ قِيمَةِ جَائِزِ الْإِخْوَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى الْإِخْوَةِ الْمُضْطَهَدِينَ، الروهنجيا، لِرَفْعِ مُعَانَاتِهم وَآلَاَمِهِم.

ثانيًا: الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الوثيقة ولقاء الإعلاميِّين

تَبْدَأُ وَثِيقَةُ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِعِبَارَةٍ فِي غَايَةِ الْأهَمِّيَّةِ: “إنَّنا نحن – المُؤمِنين باللهِ وبلِقائِه وبحِسابِه – ومن مُنطَلَقِ مَسؤُوليَّتِنا الدِّينيَّةِ والأدَبيَّةِ، وعَبْرَ هذه الوثيقةِ، نُطالِبُ أنفُسَنا وقادَةَ العالَمِ، وصُنَّاعَ السِّياساتِ الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ، بالعمَلِ جدِّيًّا على نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْرًا لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ، ووَقْفِ ما يَشهَدُه العالَمُ حاليًّا من حُرُوبٍ وصِراعاتٍ وتَراجُعٍ مناخِيٍّ وانحِدارٍ ثقافيٍّ وأخلاقيٍّ” (وثيقة الأخوة الإنسانية).

إِنَّ هَذَا النِّدَاءَ الَّذِي وَجَّهَه قَدَّاسَةُ البَابَا وَفَضِيلَةُ الْإمَام الْأكْبَر لَا يُمكِن إِلَّا أَنَّ يَكُونَ دَعْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِتَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّاتِهمْ، وَلِمَعْرِفَةِ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ يَعْتَمِدُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْمُتَبَادَلَة وَعلى الْحِوَارِ وَالتَّعَاوُنِ الْأَخَوِيِّ. فِي الْوَاقِعِ هَذِهِ الْوَثِيقَةُ نَفْسُهَا هِي نِتَاجُ تَعَاوُنٍ مُشْتَرَكٍ تَمَّ عَبْر عِدَّةِ لِقَاءَاتٍ، وَهِي ثَمَرَةُ صَدَاقَةٍ أخوِيَّةٍ جَمَعَتْ بَيْنَ شَخْصَيْنِ يَنْتَمِيان لِدِينين مُخْتَلِفين، وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يرا فِي اِخْتِلَاَفِهمَا الدِّينِيّ سَبَبَ خِلَاَفٍ، بَلْ دَافِعًا لِلِقَاءِ وَلِلْعَمَلِ مِنْ أَجَلْ خَيْر الآخَرين. فَبَعْدَ أَنَّ تَشَارَكا معًا أَفَرَاحَ وَأحزانَ وَمَشَاكِل الْعَالم الْمُعَاصِر، أَدْرَكَا أهَمِّيَّةَ تَقْديمِ نَمُوذَجٍ صَالِحٍ لِلْعَالَم، فقَرَّرَا كِتَابَةَ هَذَا الْإعْلَاَنِ الْمُشْتَرَك لِتَأْكِيد أَنَّ التَّنَوُّعَ فِي الْبَشَرِيَّة هُوَ مَشِيئَةٌ إلْهِيَة.

هَكَذَا وُلِدَتْ الْوَثِيقَةُ كَدَليلٍ عَلَى طَرِيقِ إِعَادَة بِنَاء البشريةِ الْمُمَزَّقَة؛ كَدَليلٍ يُعَزِّزُ الْأَمَلَ فِي مُسْتَقْبَلٍ مَشْرِقٍ لِجَمِيعِ الْبَشَر، كَخَارِطَةِ طَرِيقٍ لِمُسْتَقْبَلٍ أفْضَل. وُلِدَتْ كَنِدَاءٍ مُوَجَّهٍ لِلْجَمِيعِ “للمُفكِّرينَ والفَلاسِفةِ ورِجالِ الدِّينِ والفَنَّانِينَ والإعلاميِّين والمُبدِعِينَ في كُلِّ مكانٍ ليُعِيدُوا اكتشافَ قِيَمِ السَّلامِ والعَدْلِ والخَيْرِ والجَمالِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ، وليُؤكِّدوا أهميَّتَها كطَوْقِ نَجاةٍ للجَمِيعِ، وليَسعَوْا في نَشْرِ هذه القِيَمِ بينَ الناسِ في كلِّ مكان” (وثيقة الأخوة الإنسانية).

جَاءَت الْوَثِيقَةُ لِتُؤَكِّدَ أَيْضًا أَنَّ مَا يُوَحِّد الْمُؤْمِنَيْنِ هُوَ أَكْثَر بِكَثِير مِمَّا يُفَصِّلهُمْ، وَأَنَّهُ تَوَجُّد مَبَادِئ إِنْسَانِيَّة سَامِيَة، غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْمُسَاوَمَة.

وَقَدْ تَعَهَّد قُدَّاسَةُ الْبَابَا وَفَضِيلَةُ الأمام الْأكْبَر بِالْعَمَل “على إيصالِ هذه الوثيقةِ إلى صُنَّاعِ القرارِ العالميِّ، والقياداتِ المؤثِّرةِ ورجالِ الدِّين في العالمِ، والمُنظَّماتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ المَعنِيَّةِ، ومُنظَّماتِ المُجتَمَعِ المدنيِّ، والمؤسساتِ الدينيَّة وقادَةِ الفِكْرِ والرَّأيِ، وأن نَسْعَى لنشرِ ما جاءَ بها من مَبادِئَ على كافَّةِ المُستوياتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ، وأن نَدعُوَ إلى تَرجمتِها إلى سِياساتٍ وقَراراتٍ ونُصوصٍ تشريعيَّةٍ، ومَناهجَ تعليميَّةٍ ومَوادَّ إعلاميَّةٍ” (وثيقة الأخوة الإنسانية).

السادةُ الكرامُ،

أَجِدُ هُنَا دَعْوَةً مُوَجَّهَةً إِلَيْكُمْ، يَا رِجَال وَنِسَاء عَالَم الْإعْلَاَم، فَبِفَضْلِ مُهِمَّتِكَم وَرِسَالَتِكُمْ يُمْكِنُ إيصال مَبَادِئَ الْوَثِيقَةِ إِلَى كُبَّار الشَّخْصِيَّاتِ وَالْهَيْئَاتِ فِي مُخْتَلِف بُلْدَان الْعَالَم؛ يُمْكِنُ جَعَلَهَا ثَقَافَةً فَعَّالَةً فِي الْأَجْيَالِ الشَّابَّةِ، “بُغيةَ الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ في هذه الحياةِ” (وثيقة الأخوة الإنسانية).

فَأَمَامَ اسْتِغْلَاَل الدِّين لِإِشْعَال الْحُروب وَتَأْجِيج مَشَاعِر الْكَرَاهِيَّةِ وَالْإِرْهَابِ تَأْتِي الْوَثِيقَةُ لِتُؤَكِّدَ أَنَّ قُوَّةَ الحسِّ الدِّينِيِّ، الَّذِي يَدْفَعُ بِالْبَعْض لِتَفْجِير نَفْسَّهُ، يُمْكِنُ، إِذَ تَمّ تَوْجِيَهه بِطَرِيقٍ إِيجَابِيَّةٍ، أَنْ يُفَجِّر فِي الْكَثِيرِينَ يَنَابِيع الْخَيْر وَالصُّلَاَّح وَالْبِنَاء.

ومَا أَحُوجّ عَالَمنَا المتألم إِلَى رِجَال وَنِسَاء مِنْ ذَوِي الْإِرَادَة الصَّالِحَة؛ إلى رِجِالٍ وَنِسَاء شُجْعَان يَسِيرُون عَلَى الدَّرْب الَّذِي اِفْتَتَحهُ قُدَّاسَةُ الْبَابَا وَفَضِيلَةُ الْإمَام.

فَتْحِيَّةٌ لِقُدَّاسَة وَلِفَضِيلَة الْإمَام وَلِرِجَالَاَت دَوْلَة الْإمَارَات الْغَالِيَة عَلَى هَذِهِ الْوَثِيقَة وَعَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِف الشِّجَاعَة الَّتِي سَيَتَوَقَّف أَمَامَهَا التَّارِيخ طَوِيلَا، وَسَتَتَحَوَّل لِلْأَجْيَال الْقَادِمَة نُورًا يَهتَدُونَ بِهِ!

تحية واجبة أيضًا لسيادة الدكتور فيصل الرميثي، أمين عام مجلس حكماء المسلمين، ولسيادة المستشار محمد عبد السلام، الأمبن العام للجنة الأخوة الإنسانية، على تنظيم لقاء الإعلاميين. جزيل الشكر!

الأب د. يوأنس لحظي جيد

السكرتير الشخصي لقداسة البابا فرنسيس

وعضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية

أبو ظبي، 4 فبراير 2020


[1] كلمة قداسة البابا فرنسيس أثناء لقاء حوار الأديان، أبو ظبي 4 فبراير 2019.

[2]  “يحملُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى في الآخَر أخًا له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه. وانطلاقًا من الإيمان بالله الذي خَلَقَ الناسَ جميعًا وخَلَقَ الكونَ والخلائقَ وساوَى بينَهم برحمتِه، فإنَّ المؤمنَ مَدعُوٌّ للتعبيرِ عن هذه الأُخوَّةِ الإنسانيَّةِ بالاعتناءِ بالخَلِيقةِ وبالكَوْنِ كُلِّه، وبتقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسانٍ، لا سيَّما الضُّعفاءِ منهم والأشخاصِ الأكثرِ حاجَةً وعَوَزًا” (وثيقة الأخوة الإنسانية).