يا مسيحيينا … كفاناً أن نكون عبيداً!

يا مسيحيينا … كفاناً أن نكون عبيداً!

المونسنيور بيوس قاشا

في البدء:

في زمنٍ فاسدٍ وتاريخٍ مزيّفٍ وحياةٍ صاخبةٍ ملؤها حب المال والدنيا وكراسيها، ومناصبها، وجاهها وجمالها، وحواءها وأنانيتها، وحسدها ونفاقها، وحيث ثقافة الموت تتصدر الحياة، وفي مسيرة الخطف المخيفة والإرهاب وتدمير المقدسات وهدم القيم والابتعاد عن المسيحية الأمينة. أمام هذا كله أتساءل:

هل المسيح لا زال بعدُ يدعونا لحمل البشارة؟. هل المسيح لا زال يريد منا أن نشهد لمسيحيتنا ووجود جرن عماذنا؟. هل المسيح بعدُ يدعونا لنحيا الإيمان ونأمل الرجاء ونلمس المحبة وعملياتها في الخدمة والطاعة والفقر والعفة والتواضع والغفران والمسامحة وقبول الآخر في حوار اللقاء؟. لماذا يكره المختلف مسيحية المسيحيين، وينعتهم بالكفّار؟. هل لا زالوا يقولون عنا إننا نحب مسيحهم ولا نحب مسيحيتهم؟. هل نحن فعلاً مسيحيون سطحيون لا ننشد إلا شهادةً للرحيل وكتابَ حسن السيرة والسلوك دون استحقاقنا ودون علمنا برسالة إيماننا وكنيستنا؟. وهل الصليب أصبح لنا عثرة مرة أخرى كما كان لليهود (كو23:1)، أم إن الإنجيل لا يجوز إعلانه خوفاً من أن يكون رسالة التبشير أو الإفصاح عن إعلانه بشارة الحياة والخلاص خوفاً من الأصولية الإرهابية المزيفة للدين؟. هل أصبح حديثنا لغة الهجرة وإنْ كنا مهجّرين، أم لفّةً هانئة وعلبةَ مشروب متربعةً قارسةَ المذاق؟.

إبادة جماعية…

هل وهل وهل… وأخرى مثلها. وأقول: أليست الحياة تظهر لنا رسالة تقول أن الحياة معركة يومية، وكما تقول مادري تيريزا:”الحياة فرصة عليك استغلالها”. وصراعٌ أبدي بدأ بولادتنا ولا ينتهي حتى مع رحيلنا بل بانتهاء سني أرضنا، ونغادر الفانية وماضيها إلى حيث دُعي المخلوق من خالقه ليسكن في النعيم أو في الجحيم؟. مما لاشكّ فيه أننا كمسيحيين عشنا صعوباتٍ كثيرة ومآسي لا تُحصى ولا تُعَدّ، ولا يمكن أن نسمّي مسبّبيها لخوفنا من الآتي عنهم، فلا زلنا نعيش حاضرنا بمآسي ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، طردٌ واتهام وتكفير وتهجير وسلب أملاكنا وتهديم بيوتنا وقتل أبنائنا، ولا زال المستقبل وما يحمله يعشعش في ضباب الفكر والهموم والعيش الأليم، وتحيط بنا الاضطهادات من كل حدب وصوب وتقتل همّتَنا جنيناً كي لا نكون، وإذا ما كنا بقدرة الخالق فعلينا أن نكون لهم عبيداً أو علينا أن نغادر في ليلةٍ لا ترانا فيها حتى نجوم السماء كون الخوف قد ملك على قلوبنا وأصبحنا كما يقول ربنا يسوع:”أنتم خراف بين ذئاب” (متى 16:10). وفي ذلك يكون تهجيرنا وتكون الغربة خارطة طريق لواقعنا، ليحلّ محلنا آخرون، وبسبب ذلك ترانا راحلين ولا نرى غير هذا وإن كانت هذه الأمور تلف كثيرين من مكونات شعبنا، إضافة إلى رسالة الإرهاب السيئة في حمل الضيق إلينا والعنف والتعب والطائفية فيكون العالم وعولمته متفرجاً وعارفاً بما يحصل ولكنه لا يحرك ساكناً وإذا ما حرّكه فكما يشاء، تهديدٌ واضح وإبادةٌ جماعية نظير الشمس، والظلام يزداد بكبر مآسينا وكوارثنا وبلايانا، فأين الشاهد الأمين لحقيقة الإبادة والتهجير والقتل والتدمير، فهم يعرفون إنها من صنعهم كما يعرفون ما نحن إلا أبرياء. ولكن!!!.

أن نموت…

        المسيحية تعني شمولية الحياة، ومعنى ذلك إننا نتقاسم المسيرة في بناء الجسور وكسر الحواجز عبر البشارة بالعطاء والغفران والتوبة، ونشهد للدم من أجل الحياة “في أن يبذل الإنسان نفسه فداءً عن أحبائه” (يو13:15). والرسالة تدعونا لا إلى أن نهرب من الشر والألم بل أن نقاوم هبوب العواصف وأمطار السيول ورياح الاضطهاد وإطلاقة الحقد والكراهية بعجين في تراب وطننا، نبني فيه مسيرة حبنا لأرضنا كي لا نضيع بين قتلى الزمن. فنحن شعبٌ نوجد في أرضنا بل أرضنا توجد فينا وتحيا من دماء عروقنا ولا نقبل بأن نفنى ونموت كي نكون سبباً في ضياع إيماننا وفقدان مسيحيتنا، فتُقلَع جذورُنا وتموت أصولُنا في أرضٍ غنّينا لها أغانينا وزمّرنا لها ورقصنا من أجلها وأنشدنا “هذي الكاع ما ننطيها، ايشوع ومريم ساكنين فيها”… وما حصل حصل، وما حلّ فينا حلّ دون إرادتنا وعدم علمنا واستعدادنا، فقلوبنا لا زالت وستبقى تفيض بنِعَم إيماننا ولا أجمل، فمعركتنا _ كما يقول مار بولس _ وصارعتنا ليست “مع اللحم والدم” (أفسس 12:6) فأما نوجَد كشعب مسيحي في أرض الله وإما أن نموت ليس إلا.

قامات شامخة…

لنا كل الفخر بما قام به آباؤنا وأجدادنا وقد عُرفوا ببُناة الحضارة وبدورٍ كبير في النهضة، في التحرر من الدولة المستعبدة، المستعمرة، وهذا ما يُظهر أنهم رجالٌ أقوياء بالإيمان، وهذا ما يدعونا نحن أبناء هذا الجيل أن ننهض من سُباتنا لنسير برفقة المسيح فهو ينتظرنا كي تكون ثقتنا به حتى الموت فقد قال لنا:”ثقوا فقد غلبتُ العالم” (يو16:33). وفي ثقتنا هذه ما يجعلنا أن لا يخيب رجاءنا والعمل في ذلك ما نحتاج هو بلورة مسيرة حضورنا المسيحي وليس الرحيل بل يجب أن يبقى الأمل فينا حياً فهكذا فعل أجدادنا في الماضي وآباؤنا في القرن العشرين، وواجهوا حد سيوف الأعداء بقامات شامخة وبصدور عارية وبرقاب لا تنحني إلا لله، وعبر قرارات ظالمة حملوا حقيقة المسيح الحي فيهم، وبدمائهم سقوا شجرة الحياة الوافرة فكانت دماؤهم علامة سلام وينبوع خلاص، وحافظوا على وجودهم ودينهم المسيحي فكنا نحن أحفادهم نحدو الحياة كأبطال من أجل أرضهم وإيمانهم، وبدمائهم بذروا زرع الحياة لنحيا وننمو ونكبر ثم نشهد.

رسالة وبقاء…

لننتبه قليلاً، فالمخططات عديدة تنازع مسيرتنا في أرضنا الأصيلة، ولا زال الربيع الدامي تجاهنا يفتك بنا ونفتش عن ملاذنا فلا علم لنا ولا دراية في ذلك، فالدمار والألم والحقد تجاهنا، والكراهية نحو وجودنا والبغضاء في مسيرتنا تنتقل من شخص إلى آخر ومن حارة إلى أخرى ومن بيت إلى آخر، وزادت المساحة فصارت من بلد إلى آخر وأصبحنا مذهباً مكروهاً وديناً كافراً وأمةً لا حول لها ولا قوة وشعباً يقاسي وحده، فكلٌّ يدلو بدلوه لأمته، فقد أدركوا إنهم زائلون إنْ لم يكونوا متحدين. ونحن، هل ندلو بدلونا؟ كي نجمع أفكارنا، ونوحّد هدفنا، فهناك المخلصون لا تغمض لهم أجفان فهم أصلٌ وأصلاء، رسالةٌ وبقاء، وهناك مَن يصعدون المنابر كبرياءً ويصيحون ويحيّون بأحسن التحايا وأروع الكلمات بأمريكيتها وغربيتها وعربيتها الشرتونية والحقيقة هم بعيدون عن إيمانهم في أصالتهم وأصولهم، ولا يرون إلا أنفسَهم وقاماتهم كنخلةٍ بطولها ليس إلا، ولا أظن يحملون رسالتهم بأمانة ووفاء وهم ينعتون أنفسهم بمخلّصي شعوبهم مدّعين أنهم سياسيو وأمراء الدنيا وأولياء الزمن والحكم وما هم إلا المارشال الأوحد، فهم فيتامين للهروب والنزوح، والطرد وإفراغ الوطن من حقيقة الأصول، وفي النهاية للرحيل، بكلمة غير مسؤولة أو بتجارة تدرّ بشراً وديناراً وقبلةً وضحكةً، من أجل ضحكة للحاضر المزيف، من أجل مستقبل الضمان، هؤلاء عُرف ماضيهم ولكن عجلة الدنيا سارت معهم فأضحوا بين ليلة وأخرى وصبحٍ وآخر أمراء وأولياء، وأمسوا وأصبحوا ثانية رؤساء، ومسلَّطين، وعناوين، وهذا ما جعلنا أن نكون من الخاسرين وإنْ كنا أو لا زلنا من الشاربين والآكلين، ولكن لا وجود لنا والحقيقة إنما هي للمتأوهين، نعم للمتأوهين على ظلم المسيرة، وهذه هي مزيفّات الحياة ليس إلا.

درهم النفاق…

فنحن وطننا اهتزت أعمدته بسببنا وبسبب أهلنا، ألم يقول المسيح عيسى الحي:”أعداء الإنسان أهل بيته” (متى36:10)؟. نعم، اهتزت أساساتنا وابتُليت شعوبنا بفقر الاتحاد وزيادة الإنجماد في مال الدنيا والفساد وكأننا أصبحنا مدراء بنوك بعناد أو بمراد، فبيعت الحقيقة بأموالٍ مسروقة ودرهم النفاق والغش والرياء وكأن هذه هي الأصالة، ونسينا أن حقيقة الأصالة هي أن نكون للحقيقة شهداء وللإنجيل أمناء وللصليب أوفياء كي لا يقولوا عنا إننا دَفنّا حضارتنا ورفعنا راية الموت على حدود قرانا ومدننا وقصباتنا… إنها مظالم لم نتعرف إليها بشكل أمين، وكل ذلك ما سوى إلا صفقات مشبوهة لغايات دفينة في تجميل الصورة أمام المجتمع المسيحي البسيط والمجتمع الدولي المتفرج. فلماذا الهروب من الشر وكأننا غنم تهرول أمام ذئاب الزمن وعلامة الخوف على جباهنا تقول أنتم تركتم قريتكم ومدينتكم والساكن فيها ينتظركم؟. فقد هرولنا قبل طردنا، وطُردنا وسُرقنا بِبُعد نظرنا، وأصبحنا علامة خوف وهروب، وجعلنا من حياتنا فزعاً وضياعاً لحقيقة إيمانية، وفكّرنا أن أرضنا قد عشقت الإرهاب الآتي إليها ليدنّسها، ولكن الحقيقة يجب أن تقال هو إننا أحببنا الحياة المزيفة لغاية بقائنا، والرب يسوع قال:”اكنزوا لكم كنوزاً في السماء” (متى 20:6).

أُصلاء … أصلاء…

نقولها حقيقةً وواقعاً، فضروب الاعتداء على المسيحيين والمكونات الأخرى تجاوزت الحدود والأعداد، فقد تعرض شعبنا للإبادة منذ الستينات وحتى اليوم وكأننا كرة طائرة، مرة يرفعوننا ويهيبون بوجودنا وينشدون لنا “أصلاء، أصلاء”، وأخرى بكبسة قاسية وحاقدة يدمّرون كل شيء ويقتلون أجنّة الأمهات في بطونهن أو يرسمون لنا حلولاً ترقيعية ومبادرات مغلَّفة ببسمة سياسية وحقوق إنسانية مزيفة ويقولون إننا متساوون كما المكونات الأخرى، ولكن الفساد رسالة والكذب حقوق، لذا، لماذا يريدون منا الحضور المسيحي وهم لأبسط حقوق قد لا يفقهون وكأن الدستور مقدس أُوحي به من العلياء. فالدستور وضعته الأفكار والعقول وكتبته الأيادي والمطابع فبإمكان مَن وضعه وأبناءهم وأحفادهم ووكلاءهم أن يغيّروا ويعدّلوا ويحذفوا ما هو ضد الإنسان.

ملحاً وطريقاً…

ما نحتاجه هو محاسبة أنفسنا، سائلين عن معوقات عملنا، هل نريد التغيير؟. هل نستطيع أن نحرر مناطقنا؟. هل حضورنا إيماني الرسالة والتزامنا حقيقة أرضنا أم تُحسَب الأيام بتسلسلها وكأننا هامشيين على هذه البسيطة وخُلقنا كي نكون بل كي لا نُحسب؟. أيجوز أن نعيد ذاكرتنا إلى تاريخ آبائنا وأجدادنا والتفكير في التزامنا برسالتنا وإيماننا؟… لذا يجب أن نجدد إيماننا بكنيستنا لتبقى نوراً كما هي ملحاً وطريقاً وخبزاً وماءً لعطاشى الحاضر وجائعي الحياة بأبواب مفتوحة كي ينير النور مسيرة أبنائها… لذا ما نحتاجه هو أن ندرك ما معنى حضورنا المسيحي في بلدنا الجريح… أكيد ما نحتاجه هو كلمة حق في شجاعة الكلمة. فلا يجوز أبداً أن ننغلق ونتقوقع على ذواتنا أو نذوب أو نستسلم للعنف خائفين، بل يجب أن يكون التحدي هو السراط المستقيم، هو القائم وسيبقى قائماً ومصيرياً. فالوطن وطننا وما نحن إلا أبناؤه ولسنا غرباء عنه، بل أن نكون شهوداً حقيقيين لإيماننا كما سنبقى لطريق الحق سالكين.

نحن كمسيحيين أمام أكبر أزمة إرهاب تطردنا من ديارنا باسم الإسلام (والإسلام منه براء)، إرهاب باسم الدين ولا يجوز ذلك. كما إن المسيحية وإنْ لا زالت منذ قيامها وحتى الساعة مجبولة بالمآسي فهي مدعوة إلى أن تكون العلامة المنيرة في تاريخ الإنسانية وتاريخ بلادنا، تاريخ مجبول بدماء قديسينا. فالأرض مقدسة، والتراب مكرَّس، وبقاء الأرض يعني بقاء الإنسان وما علينا إلا المشاركة في صنع التاريخ، تاريخ أرضنا وتاريخ شرقنا وتاريخ عالمنا، فحمل اسم المسيحي ما هو إلا تحدٍّ له معناه، وله رسالته، فهو خميرة العجين. صحيح ومن المؤكد نحن نبقى أقوياء بإيماننا وليست قوتنا بمحسوبيتنا أو مذهبيتنا، بطائفتنا أو بجاليتنا، بمكانتنا أو بجاهنا، بمالنا أو بمنصبنا، بحوّائنا أو بعنادنا، لأن دعوتنا هي الانخراط في التقوى، فما الطائفة إلا إطار الإيمان بينما الحقيقة هو إننا مؤمنون.

البابا فرنسيس…

ومع البابا فرنسيس نشهد مثالاً حياً عن المحبة الخالصة والرحمة الإلهية داعياً مخلصاً لرفع الغبار عن مسيرتنا الكنسية والانطلاق نحو آفاقٍ جديدة هي بالأصل أساس مسيحيتنا… والجميع يتحمل المسؤولية في تحقيق تجديد الإيمان. ويقول قداسته أيضاً: ليفهم المسيحيون بعمق معنى انتمائهم إلى الكنيسة وبأن قائد هذه السفينة “هو هو اليوم وأمس وإلى الأبد” (عبر8:13)… فما نحتاجه هو شجاعة الإيمان ورسالة الشركة والشهادة، وليس أن نشاركهم في سيرة أعداء صليب المسح (قداس للبابا في دار القديسة مرتا 7/12/2014).

من المؤسف أن شبابنا وصلوا إلى حالة اليأس والشيخوخة قبل الأوان، فكفروا بأنفسهم وأصبحوا لا يبالون بسبب خوفهم، وأصبحنا ننتقم حتى من ذواتنا ولا نعرف هدف حياتنا. فالمسيحيون لا يجوز أن يقفوا متفرجين ولا محايدين بل أصلاء وأصيلين كونهم حاملو قدرات وكفاءات على مستويات عديدة. الحقيقة إن أبناء كنائسنا يشعرون اليوم بالإحباط وخيبة الأمل من جراء الوضع الحالي، ولا زالت الخيبة قائمة بالرغم ما حصل من متغيرات في المجالات الكنسية والحضارية، وقد زاد إحباطهم بنزوحهم وهجرتهم وتركهم لبلادهم وأصبحنا في زمن الاحتقار. بالأمس كنا مناطق متنازَع عليها، واليوم أصبحنا مهاجرين. بالأمس القريب قرروا أن لا قومية لنا بل نحن طائفة وأحياناً أقلية وأخرى جالية وأخرى جماعة، وبذلك أحنوا رؤوسنا وإرادتنا وأرادونا أن نصلّي كما يشاؤون وأن نقول لا كتاب لنا ولا مؤمنين، فكتابنا هو أوامرهم وخطبهم، وعنواننا ما زاد عنهم وكتبوا لنا ما علينا إلا قراpءته وأرادونا عبيداً مطيعين، خنوعين، إذا ما ناشدنا حياة أمينة وكريمة، وإلا حُسبنا من المعارضين المارقين البائسين… إنها إبادة لحقيقة الجماعة ومسيرتها.

الخاتمة…

مشكلتنا من هنا تنطلق ولا تُحَل بالبكاء والعويل والرحيل وكلام الخوف ولغة الهجرة، بل بالمثابرة تحت لواء الشجاعة والحقوق والاستمرار في أن نكون صوتاً صارخاً (مر3:1) ، ليس في الفيافي بل في آذان كبار الزمن والدنيا وأصحاب القرار ليس إلا، لأن ما يجري في شرقنا من المؤكد ليس صدفة بل علامة، وما إعلانها إلا علامات الأزمنة. لذا علينا أن نصنع مستقبلنا بحكمتنا ووداعتنا والمطالبة بحقوقنا، فنحن لا يجوز أن نكون عبيداً بل “نحن أخوة” كما يقول البابا فرنسيس و”نحن أحباء” كما يقول ربنا يسوع. وعلينا أن ندرك جيداً ماذا نريد وما ينتظرون، فإذا أرادوا لنا الرحيل والهجرة فَلِمَ الحديث عن الأصالة والأصلاء، عن الحضور المسيحي وقبول الآخر… فالأرض لنا ولهم، وفوقها نعيش نحن وهم وليس تحتها… وإذا خسرنا حقنا في أرضنا _ أقولها وبصوت مخيف ومؤلم _ فقد خسرنا كل شيء، وفي نهاية المطاف نذوب ونضمحل لأن الرحيل والتهجير كان بداية الحكاية ومن المؤسف، نهايتها أيضاً.

      فيا مسيحيينا،لا يجوز أن نكون عبيداً، فالمسيح ربنا سبق وأرشدنا إلى طرق الحق حيث يحررنا (يو32:8)، سلّحنا بثقة عدم الخوف وأعلمنا حقيقة الإيمان والمسيرة، فلا يجوز أبداً أن نكون عبيداً مطيعين، خنوعين، بل صوتاً وحقيقةً معلنة، كما لا يجوز أن ننتحل، كما يقول البابا فرنسيس، اسم المسيحية وفي باطننا وثني المسيرة، في عيش النفاق، بقول قداسته:”هؤلاء هم أعداء صليب المسيح، يأخذون الاسم ولكن لا يتبعون تعاليم المسيح”. ألسنا اليوم، نحن مجانين الزمن، بحرب لا ربح منها بل كلنا فيها من الخاسرين، إن لم نوّحد كلمتنا، ومسيرة غايتنا، وإلا لا وجود لنا؟. أقولها خاتماً: كفاناً أن نكون عبيداً (يو15:15)، فنحن أحباء المسيح الرب، نعم وآمين.