عظة الأحد الثاني من بؤونة :غفران الخطايا

بقلم  الأب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

 

 إعداد ناجي كامل-مراسل الموقع بالقاهرة

لاشك أن خطيئة ادم الأولى التي تسببت ليس فقط في طرده من الفردوس بل في انفصام العلاقة الحميمية بينه وبين الله ، مما جعله يشعر بالخزي والعرى ويختبئ من لقيأه … ظلت ملازمة لبنيه من البشر على مدى الأجيال ، حيث يولد الإنسان في الخطيئة ويعيش محملا بالذنوب ويحاول دوما التخلص من هذا الإحساس بالذنب عن طريق الصلاة والتضرع والذبائح والمحرقات وأعمال البر لكن يظل الشعور بالذنب والخطيئة حيا في داخله لا يفارقه لحظة ولا يسمح له بالراحة.

وحاولت الأديان التخلص من ذلك الشعور عبر تعاويذ وارقيه وطقوس ..زادت الإنسان انغماسا في الخطيئة وعمقت إحساسه بالذنب  كما في تقديم الذبائح البشرية …الخ وجاء موسى ليحدد كل أنواع الذبائح ومنها ذبيحة الخطيئة " إذا اخطأ احد منكم ….." وكانت تقدم عن الأفراد وعن الشعب كله حيث يحضر رئيس الكهنة ويضع يديه عليه ويحمله خطيئة الشعب كله ويطلقه ليموت في البرية ، كما فشلت الشريعة بوصاياها السلبية  لا لا لا تقتل وطقوس التطهير قبل وبعد الأكل والصلاة وغيرها في مخ الإنسان بالأهلية والطهارة لدرجة جعلت النبي اشعيا يصرخ حين رأى مجد الرب" "ويل لي أنا الإنسان الشقي الدنس الشفتين .

هكذا ظل الإحساس بالخطيئة يؤرق الضمير البشرى إلى أن جاء المسيح وقدم تعليما جديدا لم تعرفه البشرية لكنه اثبت بحياته ومعجزاته وبتاريخ كنيسته الطويل المجيد أنه الدواء الناجح لكل أوجاع البشرية حتى يقول لسيموند فرويد "أن سر الاعتراف والتوبة والغفران الذي يمارسه المسيحيون الكاثوليك أفضل علاج عرفته البشرية لعلاج الإحساس بالذنب الذي ينجم عن الوسواس القهري … ولقد كان تعليم المسيح في هذا المجال جديدا عميق الأثر لكنه صدم اليهود في عمق عقيدتهم فمن يستطيع أن يغفر الخطايا سوى الله وحده.  

تعالوا نتأمل قراءات هذا الأحد المبارك التي تقدم لنا تعاليم الله والكنيسة عبر الكتاب المقدس.

+ البولس : من الرسالة إلا ولى إلى أهل كورنثوس 2/ 1- 16 

أتيتكم في ضعف وخوف وارتعاد كثير هكذا تكون النفس البشرية قبل معرفة يسوع والاعتراف به ربا ومسيحا لكنها تتحرر من كل ذلك  حين تعترف بالمسيح وإياه مصلوبا لان في ذلك تحرير وعتق من كل عبء مادة ومعنوي . فيكون الإيمان بحكم الله لا بكلام الناس .

+ الكاثوليكيون : من رسالة بطرس الثانية 1 /9 إلى 2/ 8

معرفة يسوع المسيح كما قال بولس تحرر وتعتق وتعطى نعمة وسلاما وتعطى مجانا حتى يعيد المؤمنون شركاء الطبيعة الإلهية ويهربون من شهوة الفساد وسيطرة الخطيئة فيعيشون الفضيلة في المعرفة والعفاف والصبر والتقوى والمحبة الأخوية والمحبة..

 

+ الابركسيس : من سفر أعمال الرسل 14 / 18-22

يعانى الرسل الاضطهاد في سبيل البشارة بالكلمة ويتعرض بولس للرجم والقتل إلى حد الموت لكنه يقوم من جديد ويدخل المدينة ليستأنف الكرازة ويثبت النفوس .فالدخول إلى ملكوت الله يمر بمضايق كثيرة.

 

+ المزمور: 12/6

أسبح الرب المحسن لي : كل ما يأتينا من الله من نعم وإحسان تستوجب

                                الشكر والتسبيح.

أرنم لاسم الرب العلى    : يمتد الفرح إلى داخل النفس في سلام سماوي

                             فيترنم باسم الرب.

أنا على رحمتك توكلت  : تنعم النفس بالرحمة وغفران الخطايا والزلات.

قلبي يتهلل بخلاصك     : يفرح القلب بالخلاص من الشر والشرير.

 

+ الإنجيل من لوقا : 5/ 17 – 26

معجزات يسوع كثيرة ومتعددة لا يمكن عدها أو إحصائها . حفظ لنا الرسل والآباء والإنجيليون منها ما هو نافع لتعليمنا وهادف إلى استنارة نفوسنا .

ليس الهدف من ذكر المعجزات هو مجد زمني أو إبراز قدرة يسوع فليس هذا موضع مناقشة أو شك في الأناجيل لكن لكل معجزة هدف ودرس. 

         معجزة الخبز تشير إلى أن الرب يسوع هو موسى الجديد الذي يقود شعبه .

         معجزة إخراج الشياطين تشير إلى انه المحرر من كل قوى الشر والخطية .

         معجزة قيامة لعاذر التي سبقت قيامة يسوع بأسبوع تشير إلى انه مصدر الحياة وله سلطان على الموت.

         معجزة فتح عيني الأعمى منذ مولده تشير إلى انه الطريق و الحق والحياة واغتسال الأعمى يدل على ميلاد جديد في النور والحق .

         معجزة قيامة ابن ارملة نائين تشير إلى جانب قدرته على قهر الموت وانه الحياة لكل مؤمن به ، إلى تحنن الله ورحمته ورأفته.

         معجزة شفاء ذو اليد اليابسة تدل انه رب السبت وسيد البشرية الجديدة .

معجزة اليوم تشير إلى قدرة الرب يسوع على غفران الخطايا:

ليظل إحساس الإنسان بالذنب والخطية ملازما له وظل يستعرض الله طالبا الغفران دون أن يصل إلى راحة كاملة لضميره المعذب …لذلك أراد الرب بهذه المعجزة أن يشفى مريضا معقدا غير قادر على الإفلات من الخطية ومن أوجاعه الإنسانية الأسيرة في يدي الشيطان ،فتدلى أمامه محمولا وقد سدت في وجهه كل طرق النجاة  ولم يعد أمامه إلا المخاطرة ولو بالحياة نفسها فما نفع الحياة بلا حرية ولا حركة بلا صحة بلا سلام بلا أمل بلا رجاء …يشعر الرب يسوع بحاجة البشر إليه وبحثهم عنه وإيمانه به انه وحده القادر على تحريرهم ويعجبه هذا التعبير الواثق عن الإيمان واللجوء إليه وهو لا يخذل أبدا من يتوجهون إليه بكل توبتهم لذا يبادر بالعلاج الناجح الذي يقدم الحل لمشاكل البشرية كافة جسدية كانت ام نفسية ام روحية.

·       مغفورة لك خطاياك : شخص الطبيب المرض :المرض هو الخطيئة .

                               حدد الطبيب الدواء: الدواء هو الغفران.

                               صرف الطبيب الروشته: منح الرب للمريض الغفران.

                               نال المريض الشفاء: قام المريض بريئا من المرض  

                               وانطلق حاملا (سريره ، صليبه) رمز الألم والمرض

                               والموت.

انه طبيب عجيب ،بلا حقيبة أدوات ، بلا قلم ولا أوراق بلا بحث ولا لمس ، بنظرة عرف المرض ووصف الدواء وحقق الشفاء  ولكن

         كيف يتطاول على احد أهم اختصاصات الله؟

         لقد تطاول على السبت أكثر من مرة وتجاوزنا ذلك.

         لقد تطاول على الشريعة مرات وجاء لنا بتفسير ذلك مجازا (قيل لكم أما أنا فأقول ) .

         لقد تطاول على الناموس وتجاوز تفاسير الأنبياء .

         لقد سخر من طقوسنا وعاداتنا وتقاليدنا وقد قلل من أهمية الهيكل .

         لقد ناقض أعرافنا وجالس العشارين والخطاة.

لعلك قلت تكون سقطتك الأخيرة وليس لك من منقذ ولا يحتمل كلامك اى تفسير أو تأويل فالخطية موجهة ضد الله وحده قادر على غفرانها والغفران يتطلب كفارة وذبيحة ، فكيف هذا التبسيط الأليم لكل العقائد والأعراف ، من أنت ومن تجعل نفسك؟؟

·       فعلم يسوع أفكارهم: يقرا دوما ما في فكر الإنسان دون أن يتكلم

 

         الم يفعل هذا مع سمعان الفريسى يوم أتته المرأة الزانية.

         الم يفعل هذا مع الفريسى في مواقف كثيرة.

         الم يقرا ما في فكر وقلب أصدقاء المخلع دون أن يتكلموا؟!

         أليس هذا بحد ذاته برهان انه بالحقيقة ابن الله؟

·       ابن الإنسان: لقب رائع أحبه يسوع كثير وأطلقه على نفسه مرارا عديدة ، ورد هذا اللقب في الكتاب المقدس 86 مرة (4 مرات في العهد القديم و 82 مرة في العهد الجديد) لم يناده احد بهذا اللقب بل كان هو يطلقه على ذاته وهو عزيز على قلبه لأنه يميز الاقنوم الثاني من الثالوث في ملء الزمان صار الكلمة جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجد ابن وحيد لأنه ابن الله وابن الإنسان لذلك فلديه كل صفات البشر ما عدا الخطية ولديه كل صفات الله حتى القدرة على غفران الخطايا.

·        أقول لك قم: القيام هو عكس السقوط ،النهوض هو عكس الوقوع ، كثيرا ما يستخدم يسوع هذا الفعل في معجزاته لأنه آتى ليعلم الإنسان ويرده إلى مكانه فقد خلق الإنسان لينمو ويكثر ويتسلط على الطبيعة ولم يخلقه ليقع ويسقط عاجزا محطما ومهزوما…!!

فإذ ا كان العدو هو المرض : قم جئت لأخلصك من كل أسقامك

فإذا كان العدو هو الموت: قم واخرج من قبر موتك

فإذا كان العدو هو الخطية: قم مغفورة لك خطاياك

مادمت معي ، مادمت رجعت إلى حضني ،مادمت قد أتيت منطرحا امامى تطلب رحمة فهاك رحمة وشفاء وغفرانا ،هاك صحة وسلاما وعافية ،هاك عودة من غربة ورجعة بعد اغتراب ودخول إلى بيت الأب الذي يحضن ويقبل ويأمر بالوليمة.

·       للوقت قام : نعم هذا ما كنت ابحث عنه وانتظره وأتمناه وارجوه ،أن ألقاك وفيك أجد الرحمة والمغفرة والشفاء …سأقوم وامضي ليس إلى بيتي هذه المرة بل سأعلن مبشرا بحبك وعفوك وغفرانك .سأكون لك رسولا حبك وحنانك ،سأبشر باسمك اخوتى وفى وسط الجماعة سوف أسبحك.

عظيم أنت يا ربى يسوع ، كبيرة هي رحمتك ، جزيل تحننك

حررتني من العبودية وحولت العقوبة لي خلاصا ، غفرت لي خطاياي وكسوتني بثوب برك لذلك اعترف لك بخطاياي  وذنوبي واثامى طالبا غفرانك وواثق باني سأعود فرحا فعندك وحدك غفران الخطايا ، عندك وحدك ينبوع  الحياة .