نظرة إلى تعليم البابا في شأن الكهنوت

في معرض السنة الكهنوتية

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 10 يونيو 2010 (Zenit.org).

إذ تشارف السنة الكهنوتية على ختامها، نقدم نظرة سريعة وجد مقتضبة إلى أهم مداخلات البابا خلال هذه السنة الكهنوتية، لنحصد منها تعليمًا ناجعًا روحيًا ولاهوتيًا حول سر الكهنوت المقدس وعيش الكهنة.

في مطلع السنة الكهنوتية كرس البابا تعليمًا خاصًا قدم فيه مقاربة بين السنة البولسية التي انتهت والسنة الكهنوتية التي بدأت حينها، في معرض الاحتفال بالقداس الإلهي في افتتاح السنة الكهنوتية في 24 يونيو 2009.

 

الكهنوت: اتحاد حميمي بالمسيح

رغم الفرق الكبير بين أسلوب حياة الرسول بولس وخوري آرس – إذ نرانا ننتقل من مثال المبشر الذي قام بعدة رحلات إرسالية لنشر الإنجيل، إلى مزارع أضحى خوري رعية متواضع، وقام بخدمته الرعوية في حدود قرية صغيرة – هناك نقطة مشتركة بينهما، وهي أمر هام وأساسي: "مماثلتهما الكاملة مع خدمتهما، وشركتهما مع المسيح الذي كان يجعل القديس بولس يقول: "لقد صلبت مع المسيح. لست أنا من أحيا بل المسيح حي فيّ". والقديس جان ماري فياني كان يحب أن يردد: "إذا كان لدينا الإيمان، لرأينا الله مختبئًا في الكاهن مثل النور خلف البلور، ومثل الخمر الممزوجة بالماء".

وقد ذكر البابا حينها أن السنة الكهنوتية تود "تعزيز نزعة كل كاهن نحو الكمال الروحي الذي تعتمد عليه بشكل خاص فعالية خدمته، ومساعدة الكهنة بشكل خاص، ومعهم الشعب بأسره، على إعادة اكتشاف وتقوية وعي هبة النعمة الفائقة والتي لا غنى عنها المتمثلة بكهنوت الخدمة لمن تلقاه، للكنيسة بأسرها وللعالم، الذي يضيع من دون حضور المسيح الحق".

 

كهنوت الخدمة-كهنوت الكينونة

في معرض ذلك التعليم الذي يمكننا اعتباره برنامجيًا للسنة الكهنوتية، لفت البابا إلى نزعتين أساسيتين في فهم الكهنوت في أيامنا: "من ناحية مفهوم اجتماعي-عَمَلاني يصف جوهر الكهنوت بمفهوم ‘خدمة‘: خدمة الجماعة عبر القيام بمهمة… من ناحية أخرى، هناك مفهوم أسراري-أنطولوجي، الذي لا ينكر بالطبع طابع الخدمة في الكهنوت، ولكنه يراه مرتكزًا في كيان الخدمة ويعتبر أن هذا الكيان مبني على هبة يعطيها الرب من خلال وساطة الكنيسة، ذات الطابع الأسراري".

وسعى البابا في حديثه إلى أن يبرهن بأننا لسنا بصدد مفاهيم متناقضة وطرح السؤال: "ماذا يعني تحديدًا التبشير بالنسبة للكهنة؟ مما يتألف ما يعرف بأولية البشارة؟".

وأجاب: "يتحدث يسوع عن التبشير بالملكوت كالهدف الحق من مجيئه إلى هذا العالم، وإعلانه ليس مجرد "خطاب". فهو يتضمن في الوقت عينه عمله هو: العلامات والأعاجيب التي يقوم بها تدل على أن ملكوت الله يأتي إلى العالم كواقع حاضر، ويطابق في المقام الأخير شخص يسوع بالذات. بهذا المعنى، من الواجب أن نذكر أنه في أولية البشارة، لا يمكن الفصل بين الكلمة والعلامة. الوعظ المسيحي لا يعلن "كلمات" بل الكلمة، والبشرى تطابق شخص يسوع بالذات، المنفتح أنطولوجيًا على العلاقة مع الآب والمطيع لإرادته.

الكاهن: مسيح آخر

ثم استشهد بندكتس السادس عشر بمفهوم تقليدي عزيز بشكل خاص على القديس أغسطينوس الذي يتحدث عن المسيح، وبشكل خاص عن الكاهن فيتعتبره مسيًحًا آخر (Alter Christus). وقال الأب الأقدس: "يتحد الكاهن بعمق بكلمة الآب، الذي بتجسده أخذ صورة الخادم، صار خادمًا(راجع فيل 2، 5 – 11). الكاهن هو خادم المسيح، بمعنى أن وجوده، المطابق للمسيح أنطولوجيًا، يأخذ في جوهره طابعًا علائقيًا: فهو في المسيح، للمسيح، ومع المسيح في خدمة البشر".

الثقة وأعجوبة تخليص النفوس

وفي مداخلة أخرى قبيل صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 26 يوليو 2009، ركز البابا على بعد الثقة، ثقة الكاهن بالمسيح التي تجعل منه "وسيلة في يدي الرب من أجل خلاص الجميع".

فقد ربط البابا بين إنجيل تكثير الخبز وحياة الكاهن فقال: "كيف لنا ألا نذكر أننا نحن الكهنة بشكل خاص نستطيع أن نرى ذواتنا في هذا النص اليوحنوي، وأن نطابق أنفسنا مع الرسل، عندما يقولون: كيف لنا أن نجد الخبز لهذا الجمع الغفير؟".

ومن هذا المنطلق صرح قائلاً: "وإذ نقرأ عن ذلك الفتى المجهول الذي يملك خمسة أرغفة وسمكتين، يتوارد إلى لساننا القول العفوي: ولكن ما هذا لكل هذا الجمع؟ بكلمات أخرى: من أنا؟ كيف لي، مع كل محدوديتي، أن أساعد يسوع في رسالته؟".

ثم أردف بالقول: "الجواب يقدمه لنا الرب: من خلال وضع كيانهم البخس في "يديه المقدستين والجليلتين"، يضحي الكهنة وسيلة خلاص من أجل الكثيرين، للجميع!".