حوار: مايكل فيكتور -تصوير: ناصر صبحي
الكنيسة تستعد لمناقشة أوضاع المسيحيين بالشرق الأوسط
نصلي من أجل وحدة الكنيسة ونشتاق لها – علاقتي بالبابا شنودة علاقة محبة ولها ذكريات – أمنع تنظيم زيارات للقدس باسم البطريركية – نعمل لتشكيل لجنة محلية للحوار مع الأزهر الشريف
لكنيسة الأقباط الكاثوليك مكانة في عقول وقلوب أعداد كبيرة من شعب مصر – مسلمين ومسيحيين – فهي الكنيسة التي سايرت عصر النهضة في مصر مع بدايات حكم محمد علي وساهمت في النهضة العظيمة التي أدخلتها إلي عتبات الحضارة الحديثة بما أنشأته من مدارس.. كما أنها كنيسة لها خدمات كثيرة للمجتمع المصري فلديها أكثر من مائتي مستوصف يخدم الطبقات الفقيرة داخل الأحياء الشعبية والعشوائيات كما لديها الكثير من الجمعيات الخيرية الشهيرة بالمجتمع مثل كاريتاس، مارمنصور والصعيد… وعندما انتشر خبر تقديم غبطة الأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك الأقباط الكاثوليك استقالته انتاب الكثيرين القلق وشاعت التساؤلات حول حقيقة هذه الاستقالة، وكان لـوطني هذا الحوار مع غبطة البطريرك لكشف الحقائق والحديث عن دور الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر والعالم.
* ما حقيقة تقديم استقالة غبطتكم للمجمع المقدس؟
** أعرف أن هذه الاستقالة أوجدت الكثير من الإزعاج عند البعض، مع أنها أمر طبيعي جدا، ففي الكنيسة الكاثوليكية العالمية هناك قانون كنسي – دستور – ينص علي أنه إذا بلغ البطريرك المنتخب من العمر 75 عاما يرجي بتقديم استقالته، وبالفعل تقدمت باستقالتي لمجمع أساقفة الكنيسة الكاثوليكية، مؤكدا لهم حبي للكنيسة وشعبها والتي أري أنها تحتاج إلي جهد وطاقة جديدة، ولكن مجمع الأساقفة رفضوا الاستقالة وطالبوني بالاستمرار في خدمتي كبطريرك لفترة أخري.
* أعلن عن قيام كنيسة الأقباط الكاثوليك بعمل تعداد لرعاياها.. إلي أين وصلتم؟
** المتصور أن عدد الأقباط الكاثوليك في مصر 250 ألفا تقريبا، وفي ظل غياب إحصاء دقيق يصعب توجيه الخدمة لرعايانا التوجيه الأكمل لذلك كلفت جمعية جنود مريم منذ بداية العام – 2010 – بعمل إحصاء دقيق للرعية، ومازال العمل جاريا ولكنه عمل ضخم وسيحتاج إلي جهد.. ونأمل الوصول إليه في أقرب وقت فأنا أسعي إليه ليس من أجل معرفة العدد ولكن من أجل العمل الرعوي، فسوف نبني علي أساسه احتياجات الخدمة حتى لا يكون هناك أحد مهملا.
* المعروف أنه يوجد 160 كنيسة قبطية كاثوليكية موزعة علي سبع إيبارشيات، فهل عدد الكنائس مناسب لأعداد الشعب؟
** هناك مناطق بها كنائس تكفي شعبها وأخري لا تكفي، ولكن المؤلم أن جميع المناطق الجديدة لا يوجد بها أي كنيسة، وسكانها يأتون إلينا ويطالبوننا ببناء كنيسة لهم ونحن نسعي بكل جهدنا للحصول علي التراخيص.
* نحن نقترب الآن من نهاية السنة الكهنوتية التي كان البابا بنديكت أعلن عنها منذ يونية 2009.. فما المقصود بها؟
** قداسة البابا يختار سنويا موضوع دراسة ونهضة روحية تعيشها الكنيسة ككل علي مدار عام في وحدة، وهذا العام سميت السنة الكهنوتية وفيها تصلي الكنيسة من أجل الكهنة، وأيضا نعيش معا في نهضة يكتشف فيها الكاهن ذاته روحيا من خلال قراءات كثيرة وطلبات وزيارات للأديرة فالكاهن ليس مجرد موزع للأسرار المقدسة بل هو معلن للكلمة وكارز للإنجيل وخادم للكل.
* أعلن أن أكتوبر المقبل سيشهد انعقاد أول سنودس خاص بكنائس الشرق الأوسط.. فما الهدف من وراء انعقاد هذا السنودس؟
** جاءت الفكرة خلال اجتماع البابا بنديكت ببطاركة الشرق الأوسط في سبتمبر من العام الماضي لدراسة أحوال المسيحيين الشرقيين، وسنودس الشرق الأوسط هو أول مجمع خاص بمنطقة الشرق ونظرا لصغر المنطقة سيشترك بالمجمع جميع مطارنة الكنائس الشرقية الكاثوليكية علاوة علي ممثلين عن الرهبان والراهبات والعلمانيين مدعوين من الكنائس الشقيقة، كما سيدعي لحضوره شخصيات من ديانات أخري – مسلمة ويهودية – وهذا السنودس الذي سيعقد بروما في الفترة من 10 إلي 24 أكتوبر المقبل تحت عنوان الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة يهدف إلي تدعيم الشركة وتقوية الشهادة المسيحية في بلاد الشرق الأوسط ونحن نقصد بالشركة أن يكون داخل كل كنيسة مزيد من الترابط والتنسيق وأن يكون أيضا في الحوار المسكوني بين الكنائس الكاثوليكية والكنائس الشقيقة، حتي تمتد روح الشركة إلي الحوار بين الأديان، وأن نكون قادرين علي شهادة مسيحيتنا برغم الصعوبات التي نعيشها في منطقتنا.
* أعلن أيضا بابا الفاتيكان قرار تعيين غبطتكم مقررا عاما لهذا السنودس فما دوركم؟
** في البداية أريد أن أعرب عن سعادتي وامتناني لتكليف البابا بنديكت لي وبالقيام بمهام المقرر العام لسنودس الشرق الأوسط، وسأقوم خلال الجلسة الافتتاحية بعرض أهم الخطوط الرئيسية التي توصل إليها بطاركة الشرق الأوسط ثم البدء في طرح المداخلات واستقبال الآراء والأفكار من الآباء المشاركين كافة وتسجيلها.
* إلي أين وصل الحوار المسيحي – الإسلامي مع الكاثوليك؟
** الحوار الديني بين المسلمين والفاتيكان ليس حديثا معاصرا، ولكنه يرجع إلي زمن قديم، ولنا خطوات طيبة مع الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل، وهو حوار سنوي يعقد مرة بمصر وفي العام التالي بروما، ولكني بصفة شخصية أرى أننا في حاجة إلي أن يشعر الشارع المصري بهذا الحوار وانعكاساته الإيجابية لذلك في زيارتي لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لتهنئته بالمنصب اقترحت عليه تأسيس لجنة حوار ديني محلية حتي يشعر المواطن المصري بأهمية نتائجه، ورحب فضيلته بالفكرة. والكنيسة تضع الآن تصورا لتشكيل هذه اللجنة وبرنامج عمل لها لمناشة القضايا المشتركة خاصة القضايا الأخلاقية التي تمس المجتمع والناس والحياة، بعيدا عن العقائد.
* لماذا لا يناقش الحوار العقائد؟
** الحقيقة، نحن مازلنا لا نحتمل هذا الحوار، لأن العقائد لا نقاش فيها، والمعلوم لدي الجميع أن بها تعارضات جذرية ومن ثم لا تتحمل النقاش، ولكن يظل حوارنا في الأمور المشتركة وهي كثيرة جدا علي المستوي الإنساني، الاجتماعي، الوطني والأخلاقي.
* ما رأي غبطتكم في الخطاب الديني في هذه الفترة؟
** الخطاب الديني هو ما يخاطب ضمائر الناس ليجعل منهم أفرادا صالحين لله وللوطن عن طريق شرح العمق الروحي للنص، ومن هنا يجب أن نتخلي عن التعصب والتشدد تجاه الآخر وأن لا يقتصر الخطاب علي الحديث عن الحلال والحرام دون التدخل في العمق الروحي للإنسان.
* نسمع كثيرا عن حوارات من أجل وحدة الكنيسة، ولكننا لا نلمس وحدة بين الطوائف المسيحية.. ما تعليق غبطتكم؟
** بالتأكيد هذه الرغبة وهذا الشوق عند جميع المسيحيين، وهي تعاليم المسيح الأساسية حتي يؤمن العالم أنك أرسلتني والكنيسة الكاثوليكية ترفع صلواتها كثيرا من أجل أن يحقق الرب وحدة الكنائس، لكن هناك أسبابا تاريخية مختلفة تعوق حدوث هذا بالسرعة التي نشتاق لها، وأعلم أنها تحتاج إلي وقت، ولكني واثق في فاعلية الصلاة، ومؤمن أن الوحدة هي عطية من الله، لأن الرب هو الوحيد القادر علي هذا العمل وكل مجهوداتنا البشرية هي صلوات لتهيئة القلوب ولتصفية المعوقات، ونحن دائما نقول اطلبوا إلي رب الحصاد أن يجمعنا جميعا في رعايته الواحدة، وأنا أؤكد إن عشنا حياة المحبة فسوف نمهد طريق عمل الله بيننا من أجل وحدة الكنيسة.
* ما رأي غبطتكم في اشتغال رجال الدين في السياسة؟
** توجهات الكنيسة الكاثوليكية وقوانينها تمنع انخراط رجال الدين في العمل السياسي نهائيا، وأنا أري أن رجل الدين من أجل الصلاة، ولكن الكنيسة تنظر أيضا إلي صالح الوطن، لأن مصر لن تنهض بالمسلمين وحدهم.. ولن تنهض بالمسيحيين وحدهم، ولن تتقدم إلا بتقدمنا معا.
* ما موقف الكنيسة الكاثوليكية من زيارة القدس؟
** أنا أرفض أي تنظيم رحلات لزيارة القدس باسم بطريركية الأقباط الكاثوليك، ولا أشجع مثل هذه الزيارات تجنبا للمشاكل التي يمكن أن تحدث هناك في هذه الفترة، وإن كنت لا أشجع إلا أني لا أحرم أي شخص من حقه في الزيارة ولكن ليس باسم البطريركية إطلاقا.
* من خلال لقاءات عايشناها لغبطتكم مع قداسة البابا شنودة الثالث لمسنا محبتكم لقداسته.. نريد أن نعرف مدي علاقة المحبة بينكم؟
** علاقتي بقداسة البابا شنودة علاقة محبة وأخوة وصداقة قوية لها سنين عديدة وذكرياتها لا تفارقني، فتعرفت علي قداسته منذ كان يلقي محاضراته بقاعة الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية وهو أسقف للتعليم وحضرت له الكثير من اللقاءات وصارت بيننا صداقة شخصية، وبعد ذلك تم انتخابي عام 1977 مطرانا لإيبارشية المنيا، كنت حريصا علي الاتصال به بانتظام من خلال نيافة الأنبا أرسانيوس مطران المنيا الذي جمعتني به المحبة منذ وصولي لخدمة إيبارشية المنيا، وزادت لقاءاتي المنتظمة والمتعددة مع قداسة البابا شنودة منذ انتخابي بطريركيا عام 2006, وكثيرا ما نتبادل الأفكار سويا وكم أشعر بمحبته العميقة نحو كنيستنا وزيارته لنا دائما في المؤتمرات والأعياد والمناسبات.