الفاتيكان: لا أساس للاتهامات ضد البابا

 

الناطق بأسم الفاتيكان: البابا اعترف بالأخطاء التي ارتكبها الأساقفة (الفرنسية)

حاورته -غادة دعيبس

رفض الناطق باسم الفاتيكان فيديريكو لومباردي التهم التي وجهها البعض للبابا بنديكت السادس عشر ووزير خارجيته بإخفائهما الحقيقة بشأن التحرشات الجنسية بالأطفال على يد قساوسة بالكنيسة الكاثوليكية.

وأكد لومباردي في حوار مع الجزيرة نت أن البابا بنديكت السادس عشر أول من تدارك هذه القضية وأنه أول من أخرج الفضائح الجنسية إلى النور، حيث اقترح على البابا الراحل يوحنا بولص الثاني أن تعالج هذه القضايا عبر هيئة عقيدة الإيمان، وهي إحدى مؤسسات الفاتيكان المختصة بمراقبة قضايا الانتهاكات الجنسية، ووضع قوانين وإجراءات شفافة لملاحقة القضية ولتهيئة أجواء آمنة في المؤسسات الكنسية.

وتاليا نص الحوار:

ما ردك على الاتهامات التي وجهت للبابا بنديكت السادس عشر ووزير خارجيته الكاردينال تارشيزيو بيرتوني بإخفائهما الحقيقة بشأن التحرشات الجنسية بأطفال على يد قساوسة بالكنيسة الكاثوليكية؟
لا أساس لهذه التهم، وعلينا أن نفهم إلى ماذا يشيرون. إنها حالات محلية تقع في مختلف الرعايا في الأقاليم المختلفة حيث توجد الكنيسة، في هذه الحالة على السلطات المدنية والشرطة المحلية معالجتها، وعندما يتعلق الأمر بالقساوسة وبموظفي الكنسية يجب التوجه إلى أسقف المنطقة لأنه هو المسؤول عما يحدث في أبرشيته.

إذن لماذا كل هذا الغموض من قبل الكنيسة؟ ولماذا بقيت هذه القضايا مخفية حتى هذا اليوم؟
هذا صحيح، ففي السابق لم يكن هناك وضوح كاف لكيفية التعامل مع هذه الحالات في الكنائس المحلية، ولهذا تم إخفاؤها أحيانا، وأحيانا أخرى لم يتمكنوا من التوصل إلى قرارات ملائمة بصددها.

كيف تداركت الكنيسة هذا الوضع؟
كان الكاردينال راتسنغر، البابا بنديكت السادس عشر الحالي، أول من تدارك هذا الوضع بسبب استمرار وصول شكاوى ومعلومات عن وقوع مشاكل جنسية، وهو أول من أخرج الفضائح الجنسية إلى النور. حيث اقترح الكاردينال راتسنغر حينها على البابا الراحل يوحنا بولص الثاني أن تعالج هذه القضايا عبر "هيئة عقيدة الإيمان"، وهي إحدى مؤسسات الفاتيكان المختصة بمراقبة قضايا الانتهاكات الجنسية، ووضع قوانين وإجراءات شفافة لملاحقة القضية ولتهيئة أجواء آمنة في المؤسسات الكنسية.


ومع ذلك توجه أصابع الاتهام إلى البابا بنديكت السادس عشر ورئيس الأساقفة تارشيزيو لأنهما كانا متسامحين مع مرتكبي العنف الجنسي وتأخرا في معالجة هذه المشاكل؟
كانت هذه بعض الأخطاء التي اعترفت بها الكنيسة، وفي واقع الأمر في رسالة البابا إلى الأيرلنديين اعترف البابا بالأخطاء التي ارتكبها الأساقفة الذين لم يفهموا أو لم يدركوا مدى خطورة المشكلة آنذاك مما أدى إلى عدم توصلهم إلى حلول ضرورية وإخفائها.

 لومباردي: الكثيرون يهاجمون الكنيسة  عندما تسنح لهم الفرصة (الجزيرة نت)

 

ما هي الإجراءات الجديدة؟
أولا، يجب إبلاغ أسقف الأبرشية بالجرائم الجنسية وبدوره يتدخل على الفور، ثم يتحرى ويفتح قضية إذا كانت الاتهامات جدية ومبنية على أسس حقيقية. لهذا النوع من القضايا قوانين وقواعد سارية المفعول، تلزم الأسقف المحلي بإبلاغ "هيئة عقيدة الإيمان" المعنية بالأمر. وفي حال ثبوت التهمة يقوم مكتب عقيدة الإيمان باتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة بحق القسيس المتورط بطبيعة الحال، وحتى لا يقع الأساقفة في الكنائس المحلية في مشاكل وصعوبات في مواجهة القضية يُطلب منهم إطلاع كنيسة روما، حتى تتمكن من التعمق والمضي قدماً بالقضية والتوصل إلى قرارات ملائمة. وهذه الإجراءات سارية منذ نحو سبع سنوات.

هل أسفرت هذه الإجراءات عن نتائج ملموسة؟
بالطبع، التقرير الأخير الذي أصدره مجلس الأساقفة كشف أن الوضع قد تحسن بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة وأصبح المحيط التربوي للشباب والأطفال في مؤسسات الكنيسة آمناً. كما أن الأساقفة الألمان الذين ناقشوا الوضع في أبرشياتهم في يناير/كانون الثاني الماضي أشاروا إلى النتائج الإيجابية التي جاءت بها هذه الإجراءات منذ عدة أعوام.

ما العقاب الذي تفرضه الكنيسة على القساوسة المتورطين؟
في الحالات الخطرة وعند إثبات التهمة يتم حرمان الكاهن كلياً من رتبة الكهنوت وتحجيمه إلى الوضع العلماني، وبالتالي يمنع كليا من ممارسة سر الكهنوت وتلاوة القداس. في حالاتٍ أخرى أقل خطورة يتم إبعاده إلى أديرة نائية وعزله عن الرعايا وعن المجتمع وإجباره على العيش في ظل ظروف تؤكد على عدم وقوعه مرة أخرى في الخطأ إلى أن يثبت ندامته.

لماذا تعاني بعض الكنائس أكثر من غيرها من هذه المشاكل؟
لأسباب مختلفة، أولاً هناك مشاكل في اختيار المرشحين لممارسة سر الكهنوت حيث إن المسؤولين لم يكونوا مؤهلين في اختيار المرشحين لدخول الكهنوت. وفي كنيسة أيرلندا بالذات كان الوضع صعبا بسبب خلفيات الصبيان الذين كانوا يدخلون السيمينار. حيث كانوا أطفالا يمرون بمشاكل عائلية ونفسية وبعضهم كانوا يتامى وغالبا ما كانوا منغلقين على أنفسهم. وبالتالي كان المكان مليئا بالتوتر. ويمكن القول أيضا إن المربين والمعلمين لم يكونوا مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات الصعبة وخاصة في المدارس الداخلية.


هل يمكن أن يكون خيار العزوبية أحد العوامل التي قد تجرف الكاهن إلى مثل هذه التصرفات الشاذة؟
في الحقيقة لا، وأصر هنا على عدم الخلط بين الأمرين. فمشكلة التحرش الجنسي بالأطفال شائعة في المجتمعات وفي الأسر وبين أشخاص متزوجين. هناك آباء وأقارب وأجداد يمارسون العنف الجنسي على صغارهم. ومن يَلُم بمشاكل التحرش الجنسي يعرف أنه لا يوجد ارتباط بين العزوبية والشذوذ الجنسي. هذه مشاكل تتعلق بعدم نضوج الشخص.

من الصعب على البعض أن يفهم لماذا لا يستطيع الكاهن أن يخدم الله والكنيسة وإلى جانبه امرأة وأسرة؟
في بعض الرهبانيات يحق للكاهن أن يتزوج كما هو الحال في الكنائس الشرقية، لكن التقليد الروحاني المسيحي في الكنيسة الكاثوليكية يأخذ شكل العزوبية التي غالبا ما تكون مرتبطة بتكريس حياة وذات الشخص إلى الله وفي خدمة الكنيسة والمؤمنين، هؤلاء الذين يضعون الله في مركز حياتهم يدركون جيدا أنهم يتنازلون عن حب إنساني والتزامات عائلية مقابل تخصيص كل وقتهم لخدمة الإله.



 

لماذا تحدثت في بادئ الأمر عن هجوم ضد الفاتيكان وعلى وجه الخصوص ضد البابا؟
في الأيام الأخيرة تناقلت الصحف ووسائل الإعلام أخبارا وانتقادات كثيرة ضد دور الكنيسة والبابا راتسنغر في الفضائح الجنسية، مع أن راتسنغر كما أوضحت سابقا كان له دور أساسي في "مؤسسة عقيدة الإيمان" وهو الذي كشف عن هذه الجرائم. يوجد العديد من الوثائق التي تؤكد موقفه بهذا الصدد وبوضوح. وهنا أُذكر برسالة راتسنغر إلى الأساقفة الأيرلنديين عام 2000 عندما جاؤوا في زيارة إلى الفاتيكان. كما أنه التقى مع بعض ضحايا التحرش الجنسي في واشنطن خلال رحلته إلى الولايات المتحدة، وفي أستراليا تدخل أكثر من مرة والتقى مع الضحايا في سيدني، ومرة أخرى التقى مع الضحايا الكنديين هنا في الفاتيكان. ثم جاءت رسالته الأخيرة الموجهة إلى الشعب الأيرلندي يوم 19 مارس/آذار الماضي، في هذه الرسالة البابا قال كل شيء.

ما أهم ما جاء في الرسالة حسب رأيك؟
أولا، وجه خطابا إلى ضحايا التحرشات الجنسية على يد قساوسة معربا لهم عن مشاركته الفاعلة والعميقة لآلامهم واستيعاب مشاكلهم. ومن ثم توجه بلهجة حادة إلى الأساقفة والمسؤولين عن التستر على الانتهاكات وإهمالهم معالجة تلك القضايا. والأهم من ذلك لهجته الشديدة وتوبيخه للقساوسة مرتكبي الجرائم الجنسية بحق أطفال، إذ قال لهم "عليكم أن تستجيبوا أمام الله وأمام العدل الإنساني على خطاياكم وجرائمكم، وعليكم أن تستجيبوا إلى مسؤولياتكم وأن تخجلوا من أنفسكم" في نفس الوقت حثهم على أن لا ييأسوا من رحمة الله.

بالتالي من يريد أن يسمع ويفهم يعلم جيدا موقفه وما قاله وما فعله البابا، يدرك أنه لا أساس للتهم التي وجهت إليه.


إذن، هل هناك برأيك جهات لها مصلحة في تشويه صورة الفاتيكان والبابا على وجه الخصوص؟
للكنيسة دور ثابت تجاه قيم أخلاقية وسلوكية لا يؤيدها عليه كثيرون في المجتمع العلماني الحالي، فهي تواجه تحديات كثيرة وغالبا ما تكون قيمُها ومواقفها ضد التيار. على سبيل المثال مواقفها في صالح العائلة والزواج بين المرأة والرجل ونبذها التعايش بين الأفراد دون زواج رسمي ورفضها زواج الشواذ جنسيا والاعتراف بحقوقهم مثلهم مثل الأزواج الآخرين، مواقفها الكثيرة في الدفاع عن الحياة ضد الإجهاض، موقفها ضد الموت الرحيم لإنهاء الحياة.

كلها مواقف معادية للمجتمع العلماني الحالي. وبما أن الكثيرين ضد هذه المواقف فإن انتقاداتهم وتهجماتهم تزيد عندما تسنح لهم الفرصة. وبهذا الصدد أعتقد أن العالم العربي والإسلامي يقاسمنا الرأي حيال هذه القيم. فهناك تفاهم ونظرة مشتركة بين الكنيسة والعالم الإسلامي حيال بعض ميول المجتمع العلماني الغربي.

ومع ذلك لا أريد أن أبرر الأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة وهي فرصة علينا اغتنامها لتطهيرها وتقويتها.


هل تعتقد أن رسالة البابا إلى الأيرلنديين ستؤثر على مسيرة الكنيسة بعد الآن؟
هذا مؤكد، في رسالة الأيرلنديين تحدث البابا عن تنظيم زيارات رعوية وفتح تحقيقات بهذه القضايا. كما تحدث عن إرسال أشخاص مكلفين بتقييم الوضع الراهن في مختلف الأبرشيات واتخاذ الإجراءات المناسبة للمساعدة في تجديد الكنيسة وتنظيمها باتجاه إيجابي.

وما الخطوات التي ستتبعها الكنيسة لتجنب مثل هذه المشاكل في المستقبل؟

الآن الكنيسة تفرض معايير مشددة في اختيار المرشحين للكهنوت بحيث تكون على ثقة بأن هؤلاء الأشخاص مناسبون وليس لديهم أي ميول شاذة. هناك دورات لتأهيل الكهنة والموظفين في قطاع التعليم، ودورات تأهيلية للشباب بحيث يتداركون الوضع إذا شعروا بأي تحرشات جنسية أو غيرها من قبل كهنة أو موظفين في الكنيسة.

ولأن الماضي علمنا أن الكثير من هذه المشاكل مرّ بصمت بسبب خوف الأشخاص الذين تعرضوا لمثل هذه التحرشات من التبليغ عنها، تم تعيين أشخاص ليسوا موظفين في الكنيسة وليست لهم ارتباطات قوية معها، بحيث يتم اللجوء إليهم لتقديم أي شكوى أو تهمة بحرية تامة وبدون خوف. ثم إن هناك أجهزة خاصة بالمراقبة تتابع جيدا الوضع وتلتقط أي إشارات قد تبدر في هذا الخصوص.

هل تعترف الكنيسة بالسلطات المدنية؟
بالطبع، وهذه هي السياسة التي تتحرك بموجبها الكنيسة اليوم وهذا ما أشار إليه أيضا البابا راتسنغر في رسالته إلى الأيرلنديين، هناك مسؤوليات تتعلق بقوانين البلد من أجل حماية الشباب والقاصرين ومعاقبة المجرمين. القسيس مواطن عادي وعليه أن يخضع لقضاء البلد حيث يعيش. في نفس الوقت يخضع القسيس الشاذ للمحكمة الكنسية التي تخرج بحكم تجريده من ثوب الرهبانية وسر الكهنوت إذا ثبتت عليه التهمة. إنهما نظامان منفصلان. الكنيسة لها نظامها وفي نفس الوقت تعترف بالنظام المدني ولا يمكن لأحد أن يعترضه، لا بل أنا أدعو الضحايا للتوجه إلى السلطات المدنية لتقديم شكواهم ضد أي انتهاكات جنسية بحقهم.

 عن الجزيرة