عظة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة عيد الرسولين بطرس وبولس
الفاتيكان، الثلاثاء 29 يونيو 2010 (zenit.org).
ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر خلال القداس الإلهي الذي ترأسه بمناسبة عيد الرسولين بطرس وبولس في البازيليك الفاتيكانية بحضور 38 رئيس أساقفة متروبوليتي، وقد قام خلالها بتسليم الدرع الرسولي.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
النصوص الكتابية لليتورجية قداس عيد الرسولين بطرس وبولس، في غناها الكبير، تسلط الضوء على موضوع يمكننا أن نلخصه بهذا الشكل: الله قريب من خدامه الأمناء ويحررهم من كل شر، ويحرر الكنيسة من السلاطين السلبية. هذا هو موضوع حرية الكنيسة، التي تقدم بعدًا تاريخيًا وآخر روحيًا عميقًا.
هذا الموضوع يتخلل كل ليتورجية الكلمة اليوم. القراءة الأولى عن القديس بطرس والقراءة الثانية عن القديس بولس تشدد على عمل الله المحرر تجاههما. وخصوصًا نص أعمال الرسل يصف بالتفصيل تدخل ملاك الرب، الذي يحل بطرس من القيود ويقوده خارج سجن أورشليم، حيث كان قد وضعه الملك هيرودس تحت حراسة مشددة (راجه أع 12، 1 – 11).
بينما يكتب بولس لتلميذه تيموثاوس وقد قاربت مسيرته الأرضية الختام، ويقدم ميزانية يتبين فيها كيف أن الله كان قريبًا منه دائمًا، وقد خلصه من الكثير من المخاطر وسيحرره أيضًا مدخلاً إياه في ملكوته الأبدي (راجع 2 تيم 4، 6 – 8 . 17 – 18). يقوي مزمور القراءات الموضوع (مز 33)، ويتوسع في النص الإنجيلي الذي يسرد اعتراف إيمان بطرس، حيث يعد يسوع بأن قوى الجحيم لن تقوى على كنيسته (راجع مت 16، 18).
إننا وإذ نتأمل بإمعان في هذا الموضوع نلاحظ نوعًا من تقدم. في الرسالة الأولى نسمع خبر حدث محدد يبين تدخل الرب لكي يحرر بطرس من السجن؛ في القراءة الثانية، يقول بولس – انطلاقًا من خبرة رسولية مميزة – أنه مقتنع بأن الرب، الذي سبق وحرره من "فم الأسد"، سيحرره أيضًا "من كل شر" فاتحًا له أبواب السماوات: أما الإنجيل فلا يتحدث عن الرسل المفردين، بل عن الكنيسة بمجملها وعن الضمانة ضد قوى الشر بمعناها العميق والواسع. بهذا الشكل نرى أن وعد يسوع – "قوى الجحيم لن تقوى" على الكنيسة – تتضمن أيضًا خبرات الاضطهاد التاريخية التي عاشها بطرس وبولس وشهود الإنجيل الآخرين، وتذهب أبعد من ذلك، مريدة أن تضمن الأمان بشكل خاص ضد التهديدات ذات الطابع الروحي؛ بحسب ما يكتبه بولس عينه في رسالته إلى أهل أفسس: "إن صراعنا ليس مع لحم ودم، بل ضد رؤساء وسلاطين وأسياد هذا العالم، ضد أرواح الشر التي تقيم في المناطق العلوية" (أف 6، 12).
بالواقع، إذا فكرنا في ألفي سنة من تاريخ الكنيسة، يمكننا أن نلاحظ – كما سبق وأعلن الرب يسوع ( راجع مت 10، 16 – 33) – أنه لا يمكن أن تنقص التجارب للمسيحيين، وأن هذه قد أخذت في بعض الحقبات طابع اضطهاد حقيقي. ولكن هذه الاضطهادات، بالرغم من الآلام التي تتسبب بها، لا تشكل الخطر الأكبر للكنيسة. الضرر الأكبر، بالواقع، يأتي مما يلوث الإيمان وحياة المسيحيين والجماعات المسيحية، ومما يتعدى على وحدة الجسد السري، مضعفًا قدرته النبوية على الشهادة، وملوثًا جمال وجهه.
وهذا الأمر تشهد له رسائل بولس. الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، على سبيل المثال، تجيب على بعض مشاكل الانقسام، عدم التماسك وعدم الأمانة للإنجيل التي تهدد الكنيسة بشكل جدي. ولكن أيضًا الرسالة الثانية إلى تيموثاوس – التي سمعنا مقطعًا منها اليوم – تتحدث عن مخاطر "الأزمنة الأخيرة"، مطابقًا إياها مع تصرفات دنيوية تستطيع أن تعدي الجماعة المسيحية: الأنانية، المجد الباطل، الكبرياء، التعلق بالمال، وما إلى ذلك (راجع 3، 1 – 5). خلاصة الرسول تحمل الطمأنينة: الأشخاص الذين يفعلون الشر – يكتب بولس – "لن يطول بهم الأمر كثيرًا، لأن حماقتهم ستظهر للجميع" (3، 9). هناك إذًا ضمانة حرية يضمنها الله للكنيسة، حرية من القيود المادية التي تسعى لكي تمنع أو تعرقل رسالتها، ومن الشرور الروحية والأخلاقية التي تستطيع أن تعكر أصالتها ومصداقيتها.
موضوع حرية الكنيسة، التي يؤكدها يسوع لبطرس، ترتبط أيضًا برتبة وضع الدرع، الذي يجدده اليوم 38 رئيس أساقفة متروبوليتي، أوجه لهم تحيتي القلبية، وأشمل بها بعطف جميع الذين أرادوا أن يرافقوا هذا الحج. الشركة مع بطرس وخلفائه هي ضمانة حرية لرعاة الكنيسة وللجماعات الموكلة إليهم. وهي كذلك على الصعيدين اللذين أشرت إليهما آنفًا. على الصعيد التاريخي، الاتحاد مع الكرسي الرسولي يضمن للكنائس الخاصة وللمجالس الأسقفية الحرية تجاه السلطات المحلية، الوطنية والدولية، التي تستطيع في بعض الأحيان أن تعرقل الرسالة الكنسية. إضافة إلى ذلك، الخدمة البطرسية هي ضمانة حرية بمعنى ملء الالتزام بالحقيقة، بأصالة التقليد، بشكل يحمي شعب الله من الأخطاء المرتبطة بالإيمان والأخلاق. إن مجيء المتروبوليت الجدد كل عام إلى روما لقبول الدرع من يد البابا يعني شيئًا محددًا: هو بادرة شراكة، وموضوع حرية الكنيسة يقدم لنا مفتاح قراءة هام جدًا. فهذا الأمر يظهر جليًا في الكنائس الموسومة بالاضطهاد، أو الخاضعة لتدخل السلطة السياسية أو تجارب قاسية أخرى. ولكن هذا الأمر ليس أقل أهمية في حال الجماعات التي تعاني من تأثير التعاليم المضلة، أو الميول الإيديولوجية والممارسات المناهضة للإنجيل. يضحي الدرع بهذا المعنى حافزًا على الحرية، مثل "نير" يسوع، الذي يدعونا إلى حمله على أكتافنا (راجع مت 11، 29 – 30). مثل وصية المسيح، التي رغم أنها متطلبة، إنما هي "طيبة وخفيفة"، وبدل أن تثقل على من يحملها إنما ترفعه، كذلك أيضًا الرباط مع الكرسي الرسولي، رغم أنه متطلب، إلا أنه يسند الراعي والكنيسة الموكلة إلى عنايته، وتجعلهما أكثر قوية وحرية.
أود أن أستخلص توجيهًا آخر من كلمة الله، وبشكل خاص في ما يتعلق بوعد المسيح أن قوى الجحيم لن تقوى على كنيسته. هذه الكلمات تستطيع أن تحمل معنى مسكوني هام، لأنها، كما سبق وأشرت، إن إحدى خصائص عمل الشرير هي التقسيم داخل الجماعة الكنسية. الانقسامات هي بالحقيقة مرادف لقوى الخطيئة، التي ما زالت تعمل في أعضاء الكنيسة حتى بعد الخلاص. ولكن كلمة المسيح واضحة: "لن تقوى – Non praevalebunt " (مت 16، 18). وحدة الكنيسة هي متجذرة في الاتحاد بالمسيح، وهي الدافع لملء وحدة المسيحيين – التي يجب التفتيش عنها دومًا وتجديدها، من جيل إلى جيل – وهي مسنودة دومًا بصلاة المسيح ووعده. في الحرب ضد روح الشر، أعطانا الله في يسوع "المحامي"، وبعد فصحه "برقليطًا آخر" (راجع يو 14، 16)، الروح القدس، الذي يبقى معنا دومًا ويقود الكنيسة نحو ملء الحقيقة (راجع يو 14، 16؛ 16، 13)، التي هي أيضًا ملء المحبة وملء الوحدة. مع عواطف الرجاء الواثق، يسرني أن أحيي بعثة بطريركية القسطنطينية، التي، تبعًا لتقليد الزيارات المتبادلة الجميل، تشارك في احتفالات شفيعَي روما. نشكر سوية الله لأجل التقدم في العلاقات المسكونية بين الكاثوليك والأرثوذكس، ونجدد التزامنا لكي نتجاوب بسخاء مع نعمة الله، التي تقودنا إلى ملء الوحدة.
أيها الأصدقاء الأعزاء، أحيي بحرارة كلاً منكم: السادة الكرادلة، الإخوة في الأسقفية، السادة السفراء والسلطات المدنية، وبشكل خاص عمدة روما، الكهنة، رجال الدين والمؤمنين العلمانيين. أشكركم جميعًا لحضوركم. فلينل لكم القديسان الرسولان بطرس وبولس أن تحبوا أكثر الكنيسة المقدسة، جسد المسيح السري ورسولة الوحدة والسلام لجميع البشر. فلينالا لكم أيضًا أن تقدموا بفرح لأجل قداستها ولأجل رسالتها الأتعاب والآلام التي تحتملونها لأجل أمانتكم للإنجيل. العذراء مريم، ملكة الرسل وأم الكنيسة تسهر دومًا عليكم، وبشكل خاص على خدمة رؤساء الأساقفة المتروبوليتيين. بمساعدتها السماوية، فلتستطيعوا أن تعيشوا وتتصرفوا دومًا في تلك الحرية، التي ربحها لنا المسيح. آمين.
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية.
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الرسولية.