كلمة السفير العراقي لدى الكرسي الرسولي بمناسبة تقديم اوراق اعتماده

الفاتيكان (2 تموز/يوليو) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء
تنشر وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء النص العربي الذي صدر على صفحات أوسيرفاتوري رومانو، لسان حال دولة الفاتيكان، لكلمة السفير العراقي الجديد لدى الكرسي الرسولي حبيب علي الصدر، التي ألقاها أمام البابا الجمعة بمناسبة تقديم اوراق اعتماده

قداسة الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر

لشرف عظيم أن أقف اليوم بإكبار و إجلال بين يدي قداستكم لأقدم لكم أوراق اعتمادي سفيرا فوق العادة و مفوضاً لجمهورية العراق لدى الكرسي الرسولي. تلك التي شعّت عراقتها وإمتدت مآثرها إلى أقاصي الأرض منذ سالف العصور وبقيت إلى الآن حصنا للأقداس ومأمنا للأخلاق وواحة للفضيلة ونبراساً للحكمة وموئلا للكرامة الإنسانية .

و وقوفي اليوم في حضرتكم وقوف بين يدي أب أعدته الأقدار كي ينهض بجلائل المقاصد و عظائم الغايات.، لم تبصر منه البشرية ألا وجها طلق المحيا و طوية ترسها التقوى ، و لبا ألمعيا منهله الكلم الطيب، و وهجة الفكر الحصيف ، و فيؤه دوجة الإيمان مغسولة أوراقها بنور اليقين. من فِتنها الداني قطفنا –وما زلنا- كل موعظة حسنة و رأي سديد و موقف أصيل.

وفدت عليكم من بغداد قلب الدنيا و دار السلام إلى حاضرة الأب الأقدس محملاً بتحيات وتمنيات شعب العراق ورئيسه فخامة جلال طالباني بموفور الصحة و دوام العز و التوفيق. و لا ننقل تثمين قادة العراق الساسيين و مرجعياته الدينية لكم لما بذلتموه من مساع حثيثة لإشاعة قيم الخير و التسامح و العدالة و الحوار بين الشعوب و الثقافات في عالم يئن من العنف و التطرف و تعصف به الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية وتفتك به الكوراث البيئية.

وإذا انتدبت سفيرا لدى الكرسي الرسولي فإن قلبي مفعم بالتصميم الأكيد على توطيد أواصر المحبة و التفاهم و التعاون بين العراق و الكرسي الرسولي في كافة المجالات. و لي وطيد الأمل أن تكون سنوات خدمتي في ظل حاضرتكم زاخرة بالعطاء و حافلة بالعمل المشترك المثمر البناء

و يسجل العراقيون أنكم كلما تكاثرت في خاصرتهم حراب أعداء الحرية كنتم تلامسون باناملكم الوادعة جروحهم الفاغرة ونفوسهم الملتاعة بكلمات الصبر و صلوات الرجاء. ولن ينسوا أن قاصدكم الرسولي ببغداد لم يغادرها قط في أشد الظروف و أحلك الأيام. و هم الذين شاءت إرادة الله أن يتنفسوا طقس خلاص مذاقة الديمقراطية و فيؤة التعددية و سقياه الشراكة في الوطن و الهدف و المصير بعد عقود عجاف من الظلم و الحروب والحصارات. لكن أعداء المشروع التحولي لبلادنا قد راعهم إصرار العراقيين المدهش على خيارهم الديمقراطي مهما كلفهم من تضحيات، وارادتهم على الانتقال ببلدهم من العزلة إلى الانفتاح و من هوس الصراعات إلى منطق العقل و التوازن و المصالحة و الحوار، ومن تكبيل الفكر و اعتقال الرأي و انتهاك الرموز الدينية وحظر الشعائر إلى فضاءات شاسعة تنفست فيها حقوق الإنسان العراقي الصعداء. و هم اليوم يتمتعون بحرية كاملة في التعبير عن الرأي و المعتقد من خلال العشرات من وسائل الإعلام المقروءة و المرئية والمسموعة المملوكة إلى القطاع الخاص. كما تمكنت المرأة العراقية و بجدارة النهوض من كبوتها الطويلة و تهميشها الجائر والوثوب إلى مواقع صنع القرار والانخراط في عملية تحقيق النموذج اليدمقراطي و المنجز السياسي. و أهل العراق على اختلاف أديانهم و مذاهبهم يمارسون طقوسهم دون خوف أو وجل من خفير أو رقيب .

نعم، كان لابد لفن الصمود الذي اتقنه العراقيون أن يجهض فعل الأصابع الحاقدة من أن تبث الموت في شعب يضج بالحياة، وكان لابد لدورة الدم العراقي الطهور أن تتوقف لتبدأ دورة الأحلام المؤجلة. وها هو العالم كله يشهد ولادة البرلمان العراقي المنتخب الجديد الذي ترشح عن ملحمة انتخابية قل نظيرها فيما نترقب انبثاق حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في إطار ما أفرزته عملية التغيير من تداول سلمي سلس للسلطة. والعراق اليوم بحمد الله قد استعاد مكانته الدولية و اندمج بشكل كامل في حركة المجتمع المدني. و غدت بعثاته الدبلوماسية السبع والثمانين مأوى فسيحا لكل العراقيين و منطلقا للعمل الدبلوماسي المهني الرصين. وهاجسا متحركا لتطوير العلاقات مع المحيط الدولي على أساس المصالح المتبادلة و عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ونبذ سياسات التسلح بأسلحة الدمار الشامل. و بهذا الخصوص تتطلع حكومتنا إلى قداستم لتناشدوا الأمم ورؤساءها للوقوف إلى جانب العراق و مؤازرته كي يخرج من ظروفه الصعبة منيعاً موحدا معافى ليكون عاملاً فاعلاً في تحقيق الاستقرار و الأمن الدوليين .

وحكومتنا تغدو ممتنة من قداستكم لو حثثتم – كذلك – ميحيي العراق للتشبث بالبقاء في بلدهم و تفويت الفرصة على تربص الأشرار بهم، فضلاً عن الطلب ممن هاجر بالعودة إلى بلدهم و الالتحاق بركب مسيرة النهوض و البناء الجارية فيه. إن مواطني بلدي يكنون لأخوتهم المسيحيين كل المحبة و الاحترام و يتبرونهم مكونا أساسيا وتأريخيا في العراق. و قد أفرد لهم القانون حصة من خمسة مقاعد نيابية عدا المقاعد التي يفوزون بها ضمن القوائم الانتخابية الأخرى. كما كفل لهم الدستور العراقي حقوق المواطنة الكاملة و اتخاذ لغتهم السريانية أو الأرامية لغة رسمية في المدارس و الدوائر الحكومية في المناطق التي شكلون فيها أغلبية .

إن الإرهاب لم يفرق يوما بين مسيحي ومسلم بل طالت أعتداءاته و ترويعاته كل المكونات العراقية على حد سواء . والإسلام الحنيف يحرم في تعاليمه قتل النفس البريئة و يعده من الكبائر الشنيعة. و الحق إن الحكومة العراقية قد بادرت إلى توفير المناخات الأمنية لكل الأديرة والكنائس المنتشرة في العراق و بأكثر مما وفرته للجوامع، كما فتحت تحقيقات عاجلة في كل الحوادث و عاقبت من ثبت تقصيره من رجال الأمن. و ليس من المعقول أن تضع شرطيا يلازم كل مسيحي في حله وترحاله. و على الإخوة المسيحيين توخي الحيطة و الحذر وتطوير حسهم الأمني لتفادي أن شكلوا أهدافا سهلة للإرهابيين

ويجدر بي، أيها الأب الأقدس، أن أحيط قداستكم علما بأن حكومتنا تتابع بإهتمام التحضيرات الجارية للإعداد إلى السنودس الذي سينعقد برعايتكم في شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم و يخصص لدراسة سبل التعايش الأمثل بين المسيحيين و المسلمين وغيرهم في منطقة الشرق الأوسط تجنيبا لهذه المنطقة الحيوية في العالم و التي هي مهد الحضارات والأديان السماوية عوامل التوتر و التطرف وعدم الاستقرار. وحكومتنا تأمل أن يكون للمطارنة العراقيين دور محوري في انجاح هذا السنودس، و أن يحظي الشأن العراقي بالحيز المناسب

إن المفاهيم الجديدة التي أولدها العراق الجديد ترفض نظرية حتمية الصراع بين الحضارات و تؤكد أن جوهر الديانات هو الإنسان و كرامته

ولأجل إرساء عائلة بشرية منسجمة واحدة لابد من تبني حوار صادق بين الأديان و الحضارات يفعل المشتركات و ينحي الاختلافات وصولاً إلى فهم واع مشترك يجنب الانسانية ويلات العنف و التطرف والاقتتالات الطائفية و العنصرية، و يخلق موقفا متماسكا حيال التحديات الكبيرة التي تواجهها البشرية ومنها الالحاد و الجريمة و الجوع والفقر و التشتت وتلوث البيئة

و ختاما اتقدم لقداستكم بوافر الشكر و جزيل الامتنان على حسن الوفادة و كرم الضيافة مبتهلاً إلى الله عز وجل أن يحفظكم و أن يرعى هذا الرحاب الطاهر ذخرا وسندا للإنسانية جمعاء، و أن تتحقق مبتغياتكم في نشر الأمن والسلام و الرخاء و العدالة في كل ربوع المعمورة، إنه سميع مجيب.

السفير العراقي إلى البابا: "ذكر بأن الإسلام الحنيف يمنع قتل الأنفس البريئة، ويعتبره من أكبر الخطايا"

ويطلب إلى الأب الأقدس أن يحض مسيحيي العراق على البقاء متجذرين في أرضهم

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الجمعة 2 يوليو 2010 (Zenit.org). – "رجائي وطيد أن تأتي سنوات خدمتي، في ظل مدينة قداستكم، بثمار خصبة، وأن يكون العمل المشترك مثمرًا وبناءً"، هذا ما قاله صباح اليوم السفير الجديد للجمهورية العراقية لدى الكرسي الرسولي خلال تقديمه لأوراق اعتماده للبابا بندكتس السادس عشر.

وقد عبر السفير حبيب محمد هادي علي الصدر عن فخره بلقاء الأب الأقدس بندكتس السادس عشر قائلاً: "إن حضوري اليوم أمام حضرتكم هو مثل وقوف أمام أب أعده مصيره لكي يحقق أنبل الأهداف وأسمى الغايات".

وأضاف: "لقد أتيت إلى حضرتكم من بغداد، قلب العالم ودار السام، إلى مدينة الأب الأقدس حاملاً معي تحيات وتمنيات شعب العراق ورئيسه، فخامة الرئيس جلال الطالباني بالصحة والعافية".

هذا وعبّر السفير الجديد عن مقاصده وإرادته الثابتة بأن "يثبت علاقات الود، التفاهم والتعاون بين العراق والكرسي الرسولي على جميع الأصعدة".

 

عرفان لوقوف الكرسي الرسولي إلى جانب العراق

وأشاد السفير الجديد بجهود الكرسي الرسولي لصالح الشعب العراقي في هذه السنوات التي تكاثر فيها "أعداء حرية" شعب العراق. وذكر بأن النائب الرسولي في العراق لم يتخل أبدًا عن مدينة بغداد حتى "في الحالات الصعبة والأيام المظلمة".

وشرح الصدر بأن "العراقيين يتمتعون الآن بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم بفضل حضور الكثير من وسائل التواصل المكتوبة، المسموعة والمرئية، التابعة للقطاع الخاص".

ومن ناحية أخرى، "تمكنت المرأة العراقية أن تنهض من جديد بعد فترة انحطاط طويلة وتهميش جائر، لكي تأخذ مكانها في أخذ القرارات السياسية، والدخول في ملء دورها في برنامج تحقيق نموذج الديمقراطية والعمل السياسي".

هذا وعبّر إلى البابا عن رغبات المسؤولين العراقيين بأن يقوم الأب الأقدس إلى جانب العراقيين "مطالبًا الدول ومسؤوليها بالوقوف إلى جانب العراق ومساعدته للخروج من حالاته الصعبة، منيعًا، متحدًا، ومتعافيًا بالكامل، لكي يكون عنصرًا فاعلاً للوصول إلى امن وسلام عالمي".

دعوة إلى تشجيع مسيحيي العراق للثبات في أرضهم

وبالحديث عن المسيحيين في العراق، صرح الصدر بأن الدولة العراقية "ستكون ممتنة إلى البابا إذا ما حض مسيحيي العراق على البقاء متجذرين في أرضهم، وألا يقدموا فرصًا إلى أولئك الأشرار الذين ينوون الشر ضدهم".

وتابع: "ستكون [الدولة العراقية] ممتنة إذا حرض الأب الأقدس الذين هاجروا على العودة إلى بلدهم لكي يسيروا درب الولادة من جديد والبناء القائم في الأمة الآن".

وصرح بأن "المواطنين العراقيين يحفظون في قلوبهم كل العاطفة والاحترام نحو إخوتهم المسيحيين، ويعتبرونهم عنصرًا أساسيًا وتاريخيًا في العراق"، مشيرًا إلى أن خمسة مقاعد نيابية أُعطيت شرعًا إلى المسيحيين، إضافة إلى المقاعد التي يستطيعون الحصول عليها من خلال لوائحهم الانتخابية.

كما ونوه إلى أن الدستور العراقي يضمن للمسيحيين كامل حقوق المواطنية، واعتبار لغتهم السريانية والأرامية لغة رسمية في المدارس ومكاتب الحكومة حيث يشكل المسيحيون الأكثرية.

ولفت إلى أن الإرهاب في الحقيقة "لم يميز بين المسيحيين والمسلمين، بل على العكس، إن تهديداته وترهيبه قد طاول كل عناصر الشعب العراقي على حد سواء".

وذكر بأن الإسلام الحنيف يمنع قتل الأنفس البريئة، ويعتبره من أكبر الخطايا منوهًا بأن الحكومة العراقية قد التزمت بتأمين الأمن والسلام في كل الأديار والكنائس المنتشرة في العراق أكثر مما فعلت نحو الجوامع.

هذا وذكر السفير بأنه "من المستحسن أن يأخذ المسيحيون الحيطة وأن يُنموا حس الأمن لكي لا يضحوا أهداف سهلة للإرهابيين".

ثم عبّر عن اهتمام الحكومة بالجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة لأجل الشرق الأوسط التي ستعقد في روما لأجل الشرق الأوسط لما سيحمله من تعمق في إمكانيات التعايش بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط، "للحوؤل دون أن تضحي هذه المنطقة الحيوية في العالم – مهد الحضارات والأديان السماوية – عامل توتر، تزمت".

وأخيرًا، ذكر السفير الجديد بأن الحكومة العراقية "ترفض نظرية حتمية صراع الحضارات"، وتؤمن بالمقابل بأن "جوهر الأديان يكمن في الإنسان وفي كرامته"، وعليه يجب العمل على توطيد "الحوار الصادق بين الأديان والحضارات"، بغية التوصل إلى وعي مشترك ينقذ البشرية من أهوال العنف، التزمت، الصراعات بين الطوائف، والتمييز العنصري.

 

السفير الجديد

هذا وقد ولد السيد حبيب محمد هادي علي الصدر في كربلاء في 24 ديسمبر 1951، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد. تخرج في اللغة العربية في جامعة بغداد في عام 1974، كما وحاز على دكتورا فخرية في وسائل الاتصال لدى جامعة الحرة في هولندا (2007).

شغل منصب مدير في راديو وتلفزيون السلام في بغداد (2003 – 2004). ويتقن العربية والإنكليزية.