"هو أيضاً مدعو إلى أن يكون تلميذ يسوع"
حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء 06 يوليو 2010 (Zenit.org)
ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر نهار أمس في الحدائق الفاتيكانية عندما دشن وبارك نافورة مكرسة للقديس يوسف أهدتها حاكمية دولة حاضرة الفاتيكان.
***
نيافة الكرادلة،
إخوتي الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،
سيداتي وسادتي،
يسرني أن أدشن هذه النافورة في الحدائق الفاتيكانية، في محيط طبيعي ذات جمال استثنائي. إنه عمل سيحسن الإرث الفني لهذه المساحة الخضراء الساحرة في حاضرة الفاتيكان، والغنية بالشهادات التاريخية والفنية من عدة حقبات. فالأعشاب الخضراء والأزهار والأشجار ليست وحدها التي تجعل هذه الحدائق رائعة فاتنة، وإنما أيضاً الأبراج والبيوت الصغيرة والسرادقات والنوافير والتماثيل والأبنية الأخرى. لطالما كانت لأسلافي ولي أنا أيضاً مساحة حيوية، مكاناً كثيراً ما أقصده لتمضية بعض الوقت في الصلاة والاسترخاء الهادئ.
إني إذ أوجه تحياتي الحارة لكل واحد منكم، أرغب في التعبير لكم عن امتناني القلبي لهذه الهدية التي منحتموني إياها وكرستموها للقديس يوسف. أشكركم على هذا الاهتمام اللطيف والكيس! لقد كان عملاً صعباً شهد تعاون الكثيرين. أشكر أولاً نيافة الكاردينال جوفاني لايولو على الكلمات التي وجهها لي وعلى العرض المثير للاهتمام للأعمال المنجزة. معه أشكر رئيس الأساقفة، المونسنيور كارلو ماريا فيغانو، والأسقف المونسنيور جورجيو كوربيليني، اللذين يشغلان على التوالي منصبي أمين عام ونائب أمين عام الحاكمية. إنني أعبر عن امتناني الكبير لدائرة الخدمات التقنية، وللمخطط والنحات، والمستشارين وفريق العمل، وأفكر بخاصة بشركة هينتزي وبالسيد كاسترينيانو من لندن اللذين مولا العمل بسخاء، وبراهبات القديس يوسف في كيوتو. كذلك، أعبر عن امتناني لمقاطعة ترينت، للبلديات ولشركات ترينت، على إسهامها.
هذه النافورة مكرسة للقديس يوسف، الشخصية المحبوبة والمقربة من قلب شعب الله ومن قلبي. واللوحات البرونزية الست التي تجملها تثير ذكرى لحظات عديدة في حياته. أرغب في التوقف قليلاً عندها. تمثل اللوحة الأولى خطبة يوسف ومريم؛ وهذه المرحلة هي مهمة جداً. كان يوسف متحدراً من سلالة داود الملكية، وبفضل زواجه من مريم، سيمنح لابن العذراء – ابن الله – الاسم الشرعي "ابن داود" لتتحقق النبوءات. لذا، فإن خطبة يوسف ومريم هي حدث بشري وإنما حاسم في تاريخ خلاص البشرية، في تحقق وعود الله؛ لذلك، لها دلالة خارقة يوافق عليها الاثنان بتواضع وثقة.
وسرعان ما يعيش يوسف في زمن تجربة، تجربة تشكل خطراً على إيمانه.
عندما كان مخطوباً لمريم، وقبل العيش معها، اكتشف أمومتها الخفية وشعر بالانزعاج. يشدد الإنجيلي متى على أنه لم يرغب في التشهير بها لأنه كان باراً، فقرر أن يتركها سراً (مت 1، 19). لكنه في الحلم – كما تظهر اللوحة الثانية – فهم بفضل الملاك أن ما يحصل مع مريم هو عمل الروح القدس؛ ويوسف الواثق بالله يقبل ويتعاون في المخطط الخلاصي. من المؤكد أن التدخل الإلهي في حياته شوش قلبه. فالثقة بالله لا تعني رؤية الأمور وفقاً لمعاييرنا الخاصة، ولا تعني إنجاز مخططاتنا؛ الثقة بالله تعني إخلاء ذواتنا وإنكار أنفسنا لأن الإنسان الذي يقبل بخسارة ذاته من أجل الله هو وحده الذي يستطيع أن يكون باراً كيوسف أي أن يطابق إرادته مع المشيئة الإلهية وتتحقق ذاته.
الإنجيل، كما نعلم، لم يحفظ كلمة واحدة من يوسف الذي يقوم بنشاطه بصمت. هذا هو الأسلوب الذي يميز وجوده، قبل إيجاد ذاته أمام سر عمل الله في خطيبته، وعندما يكون مع مريم عند ميلاد يسوع بعد إدراك هذا السر – في الصورة الثالثة. في تلك الليلة المقدسة في بيت لحم، مع مريم والطفل، يوجد يوسف الذي أوكل إليه الآب السماوي الاهتمام اليومي بابنه على الأرض، الاهتمام المنجز بتواضع وصمت.
تمثل الصورة الرابعة المشهد المؤثر للفرار إلى مصر هرباً من عنف هيرودس القاتل. اضطر يوسف لمغادرة أرضه مع عائلته بعجلة، مما يشكل لحظات خفية أخرى في حياته؛ تجربة أخرى يطلب فيها أن يكون أميناً بالكامل للمخطط الإلهي.
بعدها، يظهر يوسف في الإنجيل في حدث آخر عندما يذهب إلى أورشليم ويعيش ألم فقدان الابن يسوع. يصف القديس لوقا البحث القلق والتعجب عند إيجاده في الهيكل – كما يظهر في الصورة الخامسة – والذهول الأكبر عند سماع الكلمات الخفية: "لماذا كنتما تبحثان عني؟ ألم تعلما أن علي أن أكون في ما يخص أبي؟" (لو 2، 49). هذا السؤال المزدوج الذي طرحه ابن الله يساعدنا لكي نفهم سر أبوة يوسف. من خلال تذكير والديه بأولوية من يدعوه "أبي"، يؤكد يسوع على سمو المشيئة الإلهية فوق كل مشيئة أخرى، ويكشف ليوسف حقيقة دوره: هو أيضاً مدعو إلى أن يكون تلميذ يسوع بتكريس وجوده لخدمة ابن الله والأم العذراء والطاعة للآب السماوي.
تمثل الصورة السادسة عمل يوسف في مشغله في الناصرة . هناك عمل يسوع معه. فابن الله مستتر عن البشر ومريم ويوسف يقومان وحدهما بحفظ سره وعيشه يومياً: الكلمة المتجسد ينمو كإنسان في ظل والديه لكنهما يبقيان في الوقت عينه مستترين في المسيح، في سره، بعيش دعوتهما.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، هذه النافورة الرائعة المكرسة للقديس يوسف تشكل تذكيراً رمزياً بقيمتي البساطة والتواضع في إنجاز مشيئة الله يومياً، القيمتين اللتين ميزتا حياة حارس الفادي الصامتة وإنما الرائعة. إلى شفاعته، أوكل آمال الكنيسة والعالم. فليرشد مع خطيبته مريم العذراء دربي ودربكم على الدوام، لنكون وسائل سارة للسلام والخلاص.
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010