حوار مع الأنبا كيرلس وليم

 

مطران كرسي أسيوط "ليكوبوليس":

** إشعاع الكنيسة الكاثوليكية لا يقتصر فقط على الكاثوليك بل يمتد ليشمل كل المصريين

** بسبب ضيق الوقت لم نستطع أن ندرس كل الغني الموجود في الخطوط الرئيسية لسينودس الشرق الأوسط.

** قناعتي الشخصية هي أن التكوين الخاص بالعلمانيين يمثل مستقبل حضور الكنيسة ولهذا نوليه كثير الاهتمام.

** بدأنا في مسيرة تجديد للكنيسة الكاثوليكية في مصر عن طريق الاهتمام بالكاهن وروحانيته وتكوينه واحتياجات.

 

أجرى الحوار : إميل أمين

تعد ايبارشية أسيوط للأقباط الكاثوليك في مصر قلب الكنيسة القبطية الكاثوليكية النابض وعن حق دون تهوين أو تهويل، وربما لا يرجع الأمر إلى عدد مؤمنيها والذي يتجاوز بحسب أخر إحصائيات أل " خمسين ألف نسمة "، فقط بل يعزى الأمر كذلك إلى أنها ايبارشية تجمع بين الأصالة الروحية والمعاصرة الشبابية في دينامية مبدعة كان وراءها سيادة المطران كيرلس وليم والذي تولى مهام مطران أسيوط في العام 1990.

في هذا الحوار الذي لا تنقصه الصراحة والمباشرة نفتح مع سيادته أهم الملفات الآنية التي تهم الكنيسة الكاثوليكية في مصر وقبلها نتوقف معه بمزيد من التوضيح الذي يغيب عن عيون معظمنا عن مفهوم أل "سينودس" سيما وان سيادته معروف بقربه من الدوائر الفاتيكانية صانعة القرار ولعل اختيار سيادته مؤخرا كعضو في لجنة سينودس أساقفة إفريقيا دليل على ذلك.

والى نص الحوار :

 

** مؤخرا تم تعيين نيافتكم عضوا بالمجلس الخاص بإفريقيا التابع للأمانة العامة لسينودس الأساقفة بروما.. ماذا يعني هذا الاختيار لكم وللكنيسة القبطية الكاثوليكية على نحو عام ؟

بالتأكيد التعيين جاء تقديرا للدور التاريخي العريق للكنسية القبطية الكاثوليكية، ومع أن مصر جزء من إفريقيا إلا انه في واقع الحال نبقى بالأكثر قريبين من الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، أكثر من قربنا لكنائس إفريقيا، ومؤخرا اجتمعت اللجنة التنفيذية لاتحاد أساقفة إفريقيا ومدغشقر في القاهرة وطلبوا منا المزيد من التعاون المتبادل عبر ترشيح أسقف يمثل الكنيسة الكاثوليكية في مصر في الاتحاد.

 أما ما يعنيه تعيين المجلس لي كعضو وموافقة الحبر الأعظم فهو شرف كبير وكما قلت للسفير البابوي في مصر لدى إعلامه إياي بخبر التعيين "لا يمكن للكنيسة المقدسة أن تطلبنا في خدمة ما ونتأخر في جواب طلبها في أي بقعة من بقاع العالم وأصقاعه.

 

** كثيرون مؤخرا استمعوا إلى مصطلح "سينودس " وبدا وكأنه غير مفهوم أو واضح المعالم بالنسبة لهم.. حال حاولنا تبسيط المعنى وإيضاح المبنى ما الذي يتوجب قوله؟

السينودس هو تجمع لعدد معين من أساقفة الكنيسة للتشاور في شؤونها والتفكير سويا في التحديات والالتزامات التي تقابلها فالسينودس هو تجمع للمسئولين عن الهيئات الوطنية الأسقفية الكاثوليكية، وهذا ما حصل في سينودس إفريقيا ودعوتهم لنا ككنيسة مصرية كاثوليكية أمر له بعدان الأول هو أن الكنيسة القبطية لديها زخم وتراث روحي يعود إلى بدايات المسيحية، وقادرة على أن تغني بالتراث الروحي الذي لديها فكرا وقولا وطقسا فيما كنائس إفريقيا الجديدة مليئة بدينامية شبابية وإيمان متجدد وهي كنائس متعطشة للمزيد من الحضور الروحي، في هذا الإطار تضحى الحاجة إلى التجمع الذي يطلق عليه سينودس أمر واجب الوجود كما يقال.

 

** كيف انبثقت فكرة السينودس بشكل عام في تاريخ حاضرة الفاتيكان سيما في العقود التي أعقبت المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ؟

المجمع المسكوني هو تجمع لكل أساقفة الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، وهو أمر يستدعي تحضيرات وتجهيزات وإنفاق طائل وقد كانت المسافة الزمنية بين المجمع المسكوني الفاتيكاني الأول والفاتيكاني الثاني مائة سنة، ولان إيقاع الحياة يتطور بشكل سريع وتطفو على السطح قضايا ومستجدات تستوجب متابعة الكنيسة لها، فقد نشأت الحاجة لآلية تقوم بنفس عمل المجمع لكن لا تكلف من الجهد والمال الكثير.

 وتعود فكرة السينودس إلى سعيد الذكر البابا بولس السادس الذي اقترح فكرة : انعقاد " سينودس الأساقفة " كل ثلاث أو أربع سنوات للنقاش في موضع تقتضيه الحاجة العصرية وتختاره الكنيسة، ولا يشارك فيه كل أساقفة العالم بل ممثلين عن الهيئات الأسقفية بنسبة وتناسب، بمعنى أن يحضر أسقف عن كل خمسة أساقفة، بحيث لا يزيد عدد المشاركين عن ثلاثمائة بمن فيهم المراقبين والمتابعين للسينودس المعين.

وهناك نوعين من السينودس، سينودس الدورات العادية وعادة يختار موضع الساعة من الموضوعات العصرية الملحة على التفكير، المرة الأخيرة كان عن الكتاب المقدس كلمة الله، والتي سبقتها كان عن الافخارستيا، قبلها كان عن العلمانيين والمكرسين، بمعنى اختيار الموضع الأكثر إلحاحا وحداثة وعصرانية.

ويتم تحضير كل سينودس بنفس الآلية، ويختار مجلس لها السينودس، والمجلس يتم اختياره على أساس نوعية الموضوع الذي ستتم مناقشته.

أما النوع الثاني فهو عادة ما يكون عبارة عن دعوة يوجهها الحبر الأعظم لمناقشة قضية خاصة، على سبيل المثال سينودس من اجل لبنان كما جرى بالفعل، أو سينودس بشان دول أوربا الشرقية، ثم سينودس إفريقيا بشان العدالة والسلام والمصالحة هناك وفي أكتوبر القادم لدينا سينودس الشر ق الأوسط.

 

** كيف تجرى عادة احدثا ووقائع السينودس منذ دعوة الحبر الأعظم للانعقاد وصولا إلى خروج الإرشاد ألرسولي عن الموضوع ذاته إلى المؤمنين ؟

بعد دعوة الحبر الأعظم للسينودس المختار، تضع اللجنة الخاصة بالسينودس الخطوط العريضة بمعنى تحديد ما هي القضايا التي تريد الكنيسة مناقشتها، ويتم كتابة نص من فصلين أو ثلاثة حسب الظروف ولكل فصل عليه مجموعة أسئلة، وهذه ترسل لكل من سيشترك في السينودس من أساقفة لمناقشتها مع فئات من المؤمنين في بلادهم بهدف إضفاء فكر ورؤية جديدة، تتجمع الإجابات ومنها يقدم المجلس ورقة اكبر تسمى وثيقة العمل تتضمن الشكل النهائي للموضوعات التي ستناقش.

مع افتتاح السينودس يطرح المقرر العام الوثيقة ويشير إلى التفكير الذي جرى حولها ثم تبدآ المناقشات، وكل مشارك يسجل اسمه ويدلي برأيه في وقت محدد ويكون لديه ملخص صغير للصحافة ينشر في نشرة السينودس ويعلن في الجريدة الرسمية للفاتيكان.

مقرر السينودس من جهته يسجل كل ما يقال ويبذل جهدا كبيرا في تنسيق ما يدار من حوارات للخروج لاحقا بوثيقة أكثر حداثة بناء على المناقشات التي دارت بين الأساقفة المشاركين، وتسمى وثيقة ما بعد المناقشات، وكأنها بمثابة ورقة عمل جديدة، هذه تطبع بسرعة وتوزع على المشاركين ثم تعقد مجموعات عمل، مجدولة بجلسات وتوقيتات محددة، كل مجموعة تصل لتوصيات بشان ما جاء في الوثيقة الأحدث، وهذه كلها تجمع وتنسق لتنقيتها من أي تكرار ثم تصدر في كتيب ثم تعود لنا ثانية للتصويت عليها.

هذا التصويت يعكس الرأي الجماعي والحر والديمقراطي في الكنيسة الكاثوليكية حيث ينادي على كل أسقف ويعلن انه حاضر باسمه ويضع صوته في صندوق زجاجي من اكبر كاردينال إلى اصغر أسقف مشارك، هذا بجانب وجود تصويت الكتروني فوري يظهر نتائج التصويت.

بعد التصويت على التوصيات تتولى لجنة من المجلس عمل مسودة لها ورفعها إلى سكرتارية الدولة لتنقيحها إذا كان بها تقاطعات أو تجاذبات مع القضايا السياسية الحساسة وأخيرا تمضي إلى الحبر الأعظم ليخرج منها الإرشاد ألرسولي ثم يجتمع المجلس من جديد كي يأخذها ويناقش كيفية توصيلها للمؤمنين في بلاد العالم.

 

** عودة من جديد إلى سينودس إفريقيا… ماذا عن أهم القضايا التي طرحت للمناقشة فيه والى أي مرحلة وصلت أعماله ؟

قبل نحو عشر سنوات أو يزيد قليلا كان هناك في الفاتيكان سينودس خاص بإفريقيا، لكن طفا على السطح من القضايا الجديدة ما استدعى عقد هذا السينودس والذي تركز موضوعه على الكنيسة الكاثوليكية في إفريقيا ودورها في خدمة العدالة والسلام والمصالحة وكانت الآية الإنجيلية التي استظل بها السينودس " انتم نور العالم انتم ملح الأرض "، وتركزت النقاشات جول الكيفية التي يمكن للكنيسة من خلالها أن تكون تنور يشع في ظلام بلاد خيمت عليها الحروب الأهلية وساد فيها الفقر، وانتشر بين أهليها الفساد. والآن نحن في مرحلة المراجعة الأخيرة لتوصيات سينودس إفريقيا، وضعنا ملاحظاتنا على التوصيات وراجعناها وهي شبه جاهزة لتقدم للحبر الأعظم، وفي أكتوبر 2011 سيصدر الإرشاد ألرسولي لإفريقيا في صورته النهائية.

 

** في سياق الحديث عن فكرة السينودس بشكل عام يطرح سينودس الشرق الأوسط نفسه بنوع خاص وهل تم الإعداد له بشكل مناسب ووقت كافي وماذا عن التواصل مع الإعلام المحلي العربي بشأنه ؟

بشكل عام نشعر كأساقفة أن التواصل مع المؤمنين لم يكن بالشكل أو النوعية المطلوبة فعامل الوقت كان يلاحقنا بقوة، نحن تسلمنا الخطوط العريضة والأسئلة في أول يناير وكان علينا أن نقدمها في أول ابريل ولذلك كان التواصل مع الكهنة والرهبان والراهبات وعدد قليل من العلمانيين لضيق الوقت ولهذا قلت في اجتماع لجنة سينودس إفريقيا الأخير للمطران ايتروفيتش الأمين العام لسينودس الأساقفة بالفاتيكان إننا لم نستطع أن ندرس كل الغني الموجود في الخطوط الرئيسية للموضوع وكان الرد أن ضغط الوقت يضطرنا لذلك لكي نتمكن من إصدار ورقة العمل في الوقت المناسب ونرسلها لجميع المشاركين قبل انعقاد السينودس بفترة كافية حتى يتمكنوا من دراستها بعناية.

أما على صعيد التواصل الإعلامي في مجتمعاتنا المحلية فإننا نحاول قدر المستطاع وفي إطار الوقت المتبقي التواصل مع المؤمنين من غير الكاثوليك مثل الأقباط الأرثوذكس في مصر، وكذلك إلقاء الضوء عبر البرامج التلفزيونية الرسمية، و الكتابة للصحف الصادرة في بلادنا لإفهام العوام الأهداف الرئيسية من السينودس دون مداراة أو مواراة، وكذلك دون تهوين أو تهويل وبلا مغالاة.

 

** عودة إلى الشأن المحلي المصري وإشكالية الهوية للكنيسة القبطية الكاثوليكية.. إلى أين تمضي في المجتمع المصري في تقدير نيافتكم ؟

الأقباط الكاثوليك هم جزء أصيل من الشعب المصري وكون هويتهم الإيمانية تتحد في شراكة مع كنيسة روما فهذا أمر يعزز من حضورهم على الصعيد الوطني بوصفهم أصحاب جذور ثابتة في الأرض والوطن من جهة، وفي الوقت عينه يمثلون جسورا منفتحة على الغرب بكل طوائفه وأديانه ومذاهبه الفكرية والدينية.

ولذلك أقول إن لنا خطا مميزا بين أقباط مصر، يتسم برؤية متسعة وافق بعيد واحترام من الآخرين وللآخرين لدرجة أن البعض قد يرى هذا المفهوم هو بمثابة ذوبان أو ضياع في قوى وثنايا النسيج الوطني المصري، لكن هذا غير صحيح.

وفي كل الأحوال تحتاج كل مؤسسة روحية أو بشرية من وقت لأخر لإعادة قراءة خريطتها الإستراتيجية ولتحديد رؤيتها لقادمات الأيام على نحو أفضل، دون مبالغة في جلد الذات، وكذلك بدون التواري والتواضع الشديد الذي يختزل من رصيد الحضور الكاثوليكي على الصعيد الاجتماعي والإعلامي والتعليمي المصري.

 

** صاحب النيافة.. هناك بعض الأصوات من داخل الكنيسة القبطية الكاثوليكية ترى أن هناك تسرب لبعض أبناء الكنيسة إلى طوائف أخرى. ما صحة هذا الأمر وكيف تعالجونه إذا كان صحيحا ؟

في حقيقة الأمر نحن نشعر بان هناك بعض حالات التسرب بالفعل ولهذا وحتى تكون لدينا صورة واضحة ومحددة عن أعداد المنتمين للكنيسة القبطية الكاثوليكية وأماكن تواجدهم وحتى يقدر لنا خدمتهم رعويا بضمير مرتاح، كلف صاحب الغبطة الأب البطريرك الأنبا انطونيوس نجيب نشاط جنود مريم بعمل إحصاء دقيق جدا للطائفة وتبيان كافة تفاصيل الحضور في محافظات مصر من أقصى الشمال إلى ادني الجنوب، من اجل المساعدة في الاهتمام بكل الفئات المنتمية للكنيسة القبطية الكاثوليكية.

 على أن هناك في إشكالية التسرب بعض الأمور الخارجة عن أيدينا مثل انتشار أبناء الطائفة أو البعض منهم على الأقل في المدن الجديدة التي لا توجد لنا بها كنائس كاثوليكية وهؤلاء يضحى حالهم كحال بعض أبنائنا في المهجر فإذا كانوا من المهتمين بالطقوس سيذهبون إلى اقرب كنيسة أرثوذكسية وإذا كانوا يبحثون فقط عن كلمة الله سيذهبون إلى اقرب جماعة مسيحية منهم جغرافيا ولهذا نسعى للحضور في المدن الجديدة لمواجهة هذه الظاهرة من خلال بناء كنائس جديدة للطائفة.

 

** على صعيد متصل البعض يرى انه ربما حان الوقت لإعادة تقسيم الايبارشيات القبطية الكاثوليكية في محافظات مصر وخلق عدد اكبر من الأسقفيات الجديدة لمواجهة التسرب وزيادة الرعاية.. ماذا عن هذا الطرح ؟

الفكرة بلا شك واردة، سيما مع تواجد متزايد لكنائس أخرى من حولنا، وبالفعل عندما تكون الايبارشيات واسعة يضحى الأب المطران والمسئول بشكل عام غير قادر على التواصل المباشر كما ينبغي ولا يقوم بخدمته بضمير مرتاح ومطمئن، وكلما كان عدد الرعايا المسئول عنها محدود، تضحى خدمته مكثفة وتواجده أكثر وتواصله مستمر.

وسينودس الكنيسة القبطية يشعر بهذه الإشكالية وكل الاحتمالات واردة سيما في ضوء التطور التاريخي الطبيعي للحضور الكاثوليكي المصري ففي عام 1885 وعند إنشاء البطريركية في القاهرة كان لدينا فقط ايبارشيتين هما المنيا وطيبة ( الأقصر )، وخلال 125 سنة أصبح لدينا سبع ايبارشيات والفكرة واردة مستقبلا بلا شك.

 

** حضور الكاثوليكي المصري كان أكثر إشعاعا في العقود الماضية منه الآن.. هل تشعرون كرعاة للكنيسة أن هناك حاجة ماسة لإعادة تفعيل هذا الدور من جديد؟

نحن أقلية طائفية مذهبية داخل أقلية مسيحية اكبر، لكن ومع ذلك إشعاع هذه الأقلية واضح ومشهود له، لدينا رسالة واضحة ونلعب أدوارا متميزة على صعيد خدمة الوطن والمواطنين بشكل عام، إشعاع الكنيسة الكاثوليكية لا يقتصر فقط على الكاثوليك بل يمتد ليشمل كل المصريين، يحتضنهم ويضئ لهم الطرقات، لدينا انفتاح مجتمعي ينطلق من رؤية إنجيلية للمحبة والسلام، نحن رسل وئام في وسط إشكاليات الخصام وربما لهذا بدأت كنيستنا في العامين الأخيرين حركة تعرف ب" مسيرة التجديد ".

 

** ماذا عن هذه المسيرة على وجه خاص وما هي محدداتها ومستقبلياتها في حقل الخدمة ؟

لهذه المسيرة قصة مثيرة، فقد تلقيت عبر البريد الالكتروني رسالة من إحدى بناتنا المغتربات في دولة عربية وعنوان الرسالة " لماذا ؟" والرسالة مملؤة بغيرة رسولية ومقاربات بين أوضاع الكنائس الأخرى وكنيستنا، وبالفعل قمت بتحويل الرسالة لصاحب الغبطة الأب البطريرك، والذي وضعها على جدول أعمال السينودس، كان ذلك منذ نحو عامين تقريبا وبدأنا مع مجموعة من الآباء الكهنة عددهم 17 يمثلوا الايبارشيات وقطاعات العمل، مع عدد من الآباء الأساقفة واستمر الاجتماع لمدة ثلاثة أيام كان الحديث فيها عن تجديد المسيرة القبطية الكاثوليكية في مصر عن طريق الاهتمام بالكاهن وروحانيته وتكوينه واحتياجاته، لاحقا الأمور سارت ببطء على نحو ما، وان كانت السنة الكهنوتية فرصة طيبة استغلت لمواصلة العمل والبحث في مسيرة التجديد.

 

** هل من حديث قريب عن بلورة توجه استراتيجي عبر خطط زمنية مجدولة بعناية ودقة لانجاز أهداف بعينها في عدد من السنوات تتعلق بالبشر والحجر على حد سواء ؟

البعض في مسيرة التجديد طالب بهذه الرؤية بالفعل، قالوا نحتاج لخطة خمسية، بها جداول زمنية وأهداف واضحة ينبغي السعي في طريق انجازها، لكن من ناحية أخرى هناك إشكالية الإمكانيات المادية التي تؤثر على العمل والخدمة ولهذا فإننا ندرس الآن أفكارا كثيرة للاعتماد على الذات فالخبرة تعلمنا أن الاستمرار على المعونات والمساعدات أمور لن تبقى طويلا سيما وان الأتقياء من المحسنين كبار السن في الغرب يقضون تباعا، والأجيال الجديدة من شبابا أوربا وأمريكا ليس لديهم الحس الإيماني القوي كما الأجيال السابقة، وهنا أود أن أشير إلى ظاهرة ايجابية وهي انه رغم الظروف المالية والاقتصادية الصعبة لشعبنا إلا انه يساهم دائما بمجهودات ذاتية تمثل ركنا هاما في أعمال البناء والتشييد لخدمة الكنيسة.

 

** ما هو الشكل الذي تمضي عليه العلاقة بين الكهنة الايبارشيين والأب المطران في الكنيسة المصرية بشكل عام ؟

كانت تلك العلاقة وستظل مثار ملاحظة وإعجاب من الكنائس والجماعات المسيحية الأخرى لما فيها من البساطة الشديدة فالمطران يعيش في وسطهم، بخلاف المشهد خارج مصر حيث يعيش المطران بعيدا عن الكهنة ويتعاطى معهم من خلال جهاز إداري، فنحن عددنا قليل و نعرف بعضنا البعض وجميع الآباء المطارنة والأساقفة في مصر لديهم مبادرات شخصية وجماعية يشعر معها الكاهن في مصر انه في وسط أسرته، نتبادل الزيارات ومشاكلهم وحياتهم هي الشغل الشاغل للسينودس، ونسعى دائما لتزويدهم بما يحتاجونه من اجل الخدمة والحياة الكريمة بالمقارنة بكثير من طبقات الشعب لا يمكن للكاهن أن يشتكي من ظروف المعيشة وبالطبع لا نستطيع توفير كل الإمكانيات دفعة واحدة لكن بقدر المستطاع نتدبر الأمور.

 

** نجحت ايبارشيتكم في تقديم تكوين ديني ولاهوتي متقدم جدا للعلمانيين ودورات تكوين الصيف للشباب شاهد على هذا وامتداد له.. حدثنا نيافتكم في هذا المجال ؟

قناعتي الشخصية هي أن التكوين الخاص بالعلمانيين يمثل مستقبل حضور الكنيسة، وقد وجد في أسيوط معهد التكوين الديني منذ زمن صاحب النيافة الأنبا الكسندروس في ستينات اقرن المنصرم، ثم في عهد مثلث الرحمات الأنبا يوحنا نوير استمر العمل بعد توقف لبضعة أعوام، وقد كان اقل بكثير مما هو عليه اليوم لكن الفكرة كانت عبارة عن وجود معهد في كل ايبارشية يرعى تكوين العلمانيين من خلال منهج ديني متقدم.

أما فكرة ندوات الصيف فبدأت سنة 1990 مع مسؤوليتي كمطران للايبارشية بعدد حوالي 20 إلى 30 فرد اليوم وصل عدد المشاركين في ندوات هذا الصيف إلى 500 فرد يناقشون قضية الكنيسة والإعلام.

لدينا أيضا برامج تكوينية خاصة بالأسرة والمخطوبين وفي الإجازات الشتوية والصيفية نعقد دورات خاصة لخدام مدارس الأحد ثم للأطفال المخدومين.

ووصل بنا الأمر إلى محاولة آنية لبلورة فكرة وجود معهد لعلوم اللاهوت المتقدمة للشباب الذين ينهون علوم معهد التكوين وهذا يعكس الجوع والعطش للمعرفة الروحية عند شبابنا وهي فكرة قيد البحث والتفكير.

 

** يبقى بعد التنمية الاقتصادية من الأبعاد التي اوليتمونها نيافتكم اهتماما منذ بداية رعايتكم.. إلى أين يمضي هذا النهج الجديد على الكنيسة نسبيا ؟

بحلول العام 1990 وفي اوائله تحديدا كان السينودس قد انتخبني كمطران لأسيوط ولم أكن قد حصلت على السيامة الأسقفية، وقد تحدث إلي وقتها مثلث الرحمات الكاردينال الأنبا اسطفانوس الثاني عن نية هيئة التنمية الكاثوليكية CRS عمل مجموعات تنمية في أسيوط لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بدأنا بمشروع تجريبي عبارة عن تربية " بط بكيني " في قرية تدعى كمبوها في المحافظة وبعدد أفراد لا يزيد عن ثلاثة، اليوم يعمل في برامج التنمية نحو 100 شخص، والمستفيدين عدة آلاف، هناك ستة برامج احدها اقتصادي يقدم قروض صغيرة لمشروعات صغيرة، ثم برنامج لمكافحة محو الأمية، وثالث لمتابعة صحة الأمهات والمرضعات، ورابع لذوي الاحتياجات الخاصة، ثم برنامج للشباب والطفولة، والاستفادة متاحة لكل أبناء الرعايا كاثوليك وغير كاثوليك، مسيحيين ومسلمين وخاصة في دور الحضانة ومحو الأمية.

 

** من خلال متابعة أعمال التنمية وجدنا أن ايبارشيتكم ومكتب التنمية فيها على نحو خاص لعبت دورا رائدا على صعيد مواجهة الكوارث والأزمات المجتمعية.. ماذا عن أهم الأدوار في هذا السياق ؟

في العام 1994 ضربت السيول عدة قرى فقيرة في المحافظة، وساعتها اقترح علي البعض الآباء الكهنة أن نتحرك بشكل ايجابي لمواجهة الأزمة، فشكلنا بالفعل ثلاثي كاثوليكي تمثل في جمعية الصعيد للمدارس والتنمية وهي هيئة كاثوليكية بالأساس ثم كاريتاس مصر، وأخيرا مكتب التنمية في المطرانية، ثم نظمنا لجنة من أولادنا لمتابعة الأوضاع وإحصاء الخسائر وعملت بصورة إحصائية دقيقة، وقد شكرتنا المحافظة في أسيوط على هذه المعلومات التي ساعدت في خدمة المضارين، بدأنا بتقديم معونة مالية عاجلة تمثلت في مبلغ مالي رمزي " خمس آلاف جنيه " ثم طلبنا من السيد المحافظ أن يحدد لنا قريتين من بين القرى الأكثر احتياجا للعمل فيهما " عرب مطير "، أبو خرس، ويذكر هنا أن احد الآباء الكهنة هناك قد استضاف في منزل الكنيسة نحو سبعين فرد من المسلمين المسحيين، هناك عملنا خيام وكنا نرسل لهم وجبات ساخنة كل يوم لمدة شهر متواصل.

ثم لاحقا قدمنا لهم مع الهيئات المانحة مساعدات عينية ملابس ومفروشات وأغطية، وأخيرا ساهمنا في بناء 16 وحدة سكنية في قرية المشايعة مركز الغنايم لمن فقدوا منازلهم وشكرتنا المحافظة على هذا الجهد الذي رسخ الحضور الكاثوليكي في صعيد مصر.

 

** ماذا عن الدعوات الكهنوتية والرهبانية في أسيوط.. وكيف تمضي العلاقة بين الأب المطران الايبارشي والحضور الرهباني هناك ؟

في أسيوط 57 كاهن ايبارشي 47 يعملون داخل المحافظة، و 10 خارج الايبارشية، لدينا 17 بيت راهبات من 13 رهبنة يخدمها نحو 60 راهبة، وعدد الكنائس 39 كنيسة.

وهناك لجنة تهتم بالدعوات ومنشطين للدعوات من الآباء الكهنة مهمتهم متابعة الذين يشعرون بدعوة كهنوتية وكل عام نقيم تساعية دعوات تنتقل بالصلوات والمحاضرات والأنشطة في ربوع المحافظة ونلمس الثمار فعلا من خلال تنامي عدد الدعوات.

أما علاقتنا مع الرهبان والراهبات فهي تكاملية، الرهبان يخدمون كالكهنة الايبارشيين ونشاركهم احتفالاتهم دائما واحرص على زيارة الرهبانيات بشكل دوري كتقدير من الكنيسة في كل عيد لدورهم ونلتقي بالرئاسات الخاصة بهم في وصل وتواصل لا ينقطع.

 

** جامعة أسيوط هي من اكبر الصروح العلمية في صعيد مصر.. هل من خدمات تقدمونها لأبنائنا هناك… وماذا عن فكرة إنشاء جامعة كاثوليكية في ارض مصر بشكل عام؟

علاقتنا بداية مع رئيس جامعة أسيوط وكذلك مع رئيس جامعة الأزهر، ولدينا بيت إيواء للطالبات المغتربات يسع 270 طالبه ونبني حاليا بيت للطلبة ونوفر لهم بجانب الإيواء كاهن للمتابعة الروحية، كما نحرص على متابعة الطلبة الكاثوليك الذين يدرسون في الجامعة من مختلف ايبارشيات ألجمهوريه من خلال لقاء دوري لأسرة تسمى باسم سعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني.

أما عن فكرة الجامعة الكاثوليكية في مصر فهي مطروحة حاليا على مستوى اجتماع هيئة البطاركة والأساقفة في مصر وأظنها أمر مهم لتثبيت الحضور الفكري والعلمي الكاثوليكي في مصر لكنها فكرة ومشروع كبير في حاجة لدراسة جيدة قبل الانطلاق.

 

** صاحب النيافة من كل القلب خالص الشكر على محبتكم وسعة صدركم وعلى هذه الرؤيا البانورامية الرائعة لايبارشيتكم العامرة.

الشكر لكم ولوكالة زينت التي تحمل نور المسيح للعالم عبر تغطيتها لأخبار الكنيسة في كل أرجاء العالم.

***********************