أمنا مريم العذراء وتواضعها اللامحدود

 

خاص بالموقع –

فضيلة التواضع لأمنا مريم العذراء لا يوجد كائن في السماء أو على الأرض مَلَكَ فضيلة التواضع مثل مريم العذراء.

فالتواضع ليس مجرد مظهر خارجي يظهر به الإنسان، كالملبس الخشن، أو الصوت الخفيض، أو الرأس المنحنى للأسفل، وليس مجرد يرددها الإنسان عن نفسه على مسامع الآخرين، أنه إنسان خاطيء، وشرير، وغير مستحق، وليس هو مجرد عبارات يرددها في حضرة الله معلنا حقارته وذله ومسكنته، ولكن التواضع حياة يحياها الإنسان، بين نفسه وبين الله، فيها يشعر بأنه عدم، ولا شيء، بل أقل من لاشيء، وإن كل ما فيه من حسن وخير هو من الله، وأنه بدون الله، تراب وظلمة وشر…

القديس بولس الرسول في رسائله يكتب أكثر من 166 مرة: لست أنا أحيا بل يسوع المسيح يحيا فيّ"، أستطيع كل شيء في المسيح الذي يُقويني"…

وأن كل الفضائل المسيحية مبنية على فضيلة التواضع، وأن كل فضيلة مسيحية بدون تواضع هي باطلة، ومرذولة من الله.

والتواضع لا يقتني بقراءة الكتب المقدسة أو الاستماع إلى الأحاديث الروحية عنه أو حتى معاشرة القديسين، لكن التواضع يقتني بحياة عميقة بين النفس والله لا تهدأ، والإنسان يجاهد في فضيلة التواضع حتى يتحرر من سجن جسده وقيود الخطية الخادعة إلى إنكار الذات. فالتواضع هو الباب الضيق الذي يجب أن يسلكه طالبو الملكوت، وهو الطريق الكرب الذي يجب أن يسيروا فيه، وهو الصليب الذي يحمله التلميذ الأمين. متمثلاً بالمعلّم الصالح يسوع المسيح الذي اتزر بمنديل وغسل أرجل تلاميذه.

إنه امتحان دقيق لطالبي الرب قال يشوع بن سيراخ:" فإِنَّ الذَّهَبَ يُمتَحَنُ في النَّار والمَرضِيِّينَ مِنَ النَّاسِ في أتّونِ الذُّلّ"(2/5).

هكذا سلكوا الآباء القديسين التواضع في أتون الذل، فقال القديس باخميوس: " إذا رأيت إنسانًا متواضع القلب طاهرًا، فهذا أعظم من سائر المناظر، لأنك بواسطته تشاهد الله الذي لا يري".

ويقول القديس أغسطينوس:" إن التواضع يجتذب الله إليه، مع أن الله عال، فإن اتضعت فهو يتنازل إليك، وإن تكبرت فإنه يبتعد عنك نائيا، فيا أيها الاتضاع المقدس، ما أكثر رفعتك وتميزك عن الكبرياء!

بالكبرياء طُردت الملائكة من السماء، والإتضاع جعل ابن الله ينزل من السماء ليتجسد على الأرض.

بالكبرياء أخرج آدم من الفردوس، والإتضاع أدخل اللص إليه.

بالكبرياء بلبلت ألسن الجبابرة (برج بابل)، والاتضاع ألّف الناس المبلبلي الألسن( العنصرة).

بالكبرياء جعل نبوخذ نصّر وحشًا بريا. والاتضاع أقام يوسف متسلطًا على مصر.بالكبرياء أغرق فرعون وجنوده في البحر، والتواضع رفع موسي وعلاّه". 

فمريم العذراء بشرها الملاك بالبشارة فقبلت البشارة بكل تواضع، مع علمها بأنها صارت أم للكلمة المتجسدة. قالت في عمق تواضعها ها أنا أمة الرب ليكن لي كقولك.

وحين قال لها الملاك أن نسيبتها أليصابات حبلى في شيخوختها ولها ستة أشهر قامت مسرعة إلى بيت زكريا وتبعد المسافة بين مريم وأليصابات تسع ساعات.

مضت مسرعة وبسرعة لتهنيء وتُفرح أليصابات بحبلها بيوحنا المعمدان، والمعروف عند الناس أن الخادم يذهب للمخدوم والبد يخدم ويحترم السيد.

أما مريم وهي السيدة أم السيد والملكة أم الملك العظيم، وفي بطنها خالق الأكوان لم تفكر في شيء من هذا.

فتسبحة مريم تبرز تواضعها اللامحدود: فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي لأنه نظر إلى اتضاع آمته فهوذا منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم. فأين نجد هذا التواضع أن تضع مريم ولدها في مزود بقر، وهي راصية مرضية بذلك ومجدة وشاكرة على ذلك.

منجاة

يا سيدتنا وملكتنا كلّنا تشفعي لدى ابنك وحيدك حتى نتعلّم أن نعيش فضيلة التواضع في كلّ شيء، وإن كانت هناك شذرات من الكبرياء تصارع مع فضيلة التواضع فيّ فتشفعي لدي العرش الإلهي حتى تُستأصل من داخلي، وأعيش فضيلة التواضع بكل معانيها في حياتي. آمين.

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

ومراسل الموقع لأبرشية سوهاج

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com