الإسكندرية، مصر، الأربعاء 01 سبتمبر
على الرغم من أن مصر بلاد مسلمة ذات أقلية مسيحية ضئيلة، إلا أن التعايش المتناغم كثيراً ما يشكل القاعدة، وفقاً لبطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية في البلاد.
البطريرك أنطونيوس نجيب هو زعيم الجماعة الكاثوليكية الرئيسية في مصر. وإضافة إلى الكاثوليك الأقباط، هناك أيضاً جماعات الكاثوليك والأرثوذكس والأقباط الإنجيليين والبروتستانت.
في هذه المقابلة التي أجراها البرنامج التلفزيوني "حيث يبكي الله" الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع عون الكنيسة المتألمة، يتحدث البطريرك نجيب عن التعايش السلمي في مصر معترفاً بالتحديات التي تواجه المسيحيين.
س: لقد ولدتم في المنيا المصرية سنة 1935. هل نشأتم في أسرة متدينة؟
البطريرك نجيب: أجل. لقد كنا في مدينة بني سويف المرتبطة بالمنيا، وكانت العائلة قريبة جداً من الكنيسة ومقربة جداً إليها. كنت معتاداً على المشاركة في القداس والاحتفالات منذ الطفولة مع أهلي وإخوتي وأخواتي.
س: ما كانت القيم الأعمق أو الأكثر أهمية التي طبعها أهلكم فيكم خلال فترة الطفولة؟
البطريرك نجيب: كانت الصدق، والصلاة، وتأدية واجباتنا تجاه الله وتجاه بعضنا البعض، ومحبة بعضنا البعض، والانفتاح على الآخرين. آنذاك، كانت العلاقة وثيقة بين الجيران، بين المسيحيين والمسلمين، والمسيحيين من الكنائس الأخرى.
س: نلتم السيامة الكهنوتية بعمر 25 سنة مما يعني أنكم دخلتم إلى الإكليريكية في مقتبل العمر؟
البطريرك نجيب: أجل، دخلت إلى الإكليريكية الصغرى عندما كنت في التاسعة من عمري، وتابعت إلى أن اضطررت إلى اتخاذ قرار بشأن دخول الجامعة أو الإكليريكية الكبرى لدراسة الفلسفة واللاهوت. في هذه المرحلة، ترك لي أهلي حرية اتخاذ القرار.
س: لم يصدر عنهما إقناع بأمر معين أو ثني عنه بطريقة ما؟
البطريرك نجيب: لطالما قال لي أهلي: إن كنت تريد الذهاب إلى الجامعة، فإننا سندفع الأقساط الدراسية، لكن القرار يعود لك. القرار يعود لك في الوقوف أمام الله.
س: كبطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية، يعتبركم العديد من الكاثوليك في مصر كالبابا – إن صح التشبيه. كيف ترون دوركم؟
البطريرك نجيب: قد يجوز التعبير بحيث أن بطريرك كل كنيسة شرقية هو رأس تلك الكنيسة، لكننا في الكنيسة الكاثوليكية الشرقية متحدون مع روما، مما يعني أننا لسنا السلطة الرئيسية وأننا نتبع سلطة بابا روما. نحن ننتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. أجل، قد يجوز أن تقولوا أنني "بابا" أو رأس كنائسنا؛ لكنني لست السلطة الرئيسية.
س: ما هو دوركم في مصر؟
البطريرك نجيب: لبطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر ثلاثة أدوار. إنه أولاً رأس الكنيسة القبطية الكاثوليكية والأبرشيات السبع. وينبغي عليه أيضاً تنسيق وإحياء الكنيسة. كما يقضي دوره بالتحدث باسم الكنيسة إلى جانب الأساقفة الآخرين لأن الكنيسة الشرقية هي كنيسة سينودسية، مما يعني أن الأساقفة يعملون سوية مع البطريرك. والبطريرك هو ثانياً أسقف أبرشية الإسكندرية البطريركية التي تشمل ثلاث مناطق هي القاهرة، الدلتا والإسكندرية. وهو ثالثاً رئيس الهيئة الكاثوليكية للبطاركة والأساقفة في مصر.
س: هناك وشم صغير مطبوع في باطن معصم العديد من الكاثوليك الأقباط. ما معناه؟
البطريرك نجيب: إنه يعني الانتماء إلى المسيحية. والوشم لا يخص فقط الكاثوليك الأقباط وإنما أيضاً كل المسيحيين. الوشم سائد في الأغلب بين الأرثوذكس والكاثوليك. إنه رمز المسيحية وطريقة للتعبير عن الهوية المسيحية وسبيل للتعرف إلى بعضنا البعض.
س: أليس لديكم وشم؟
البطريرك نجيب: شخصياً، ليس لدي وشم، وهذا تقليد عائلي. ففي أسرتي، كان التقليد يقوم على العضوية الفعالة في الكنيسة بدلاً من استخدام هذه العلامة.
س: إن الجماعة القبطية الكاثوليكية هي كنيسة أقلية في البلاد. ما هي الحياة اليومية التي يعيشها المسيحيون الأقباط أو الكاثوليك في مصر؟
البطريرك نجيب: دينياً، لكل كنيسة أعضاؤها الذين يملكون حرية العبادة والمشاركة في نشاطات من دون قيود، ومشاكل وصراعات. وكل المسيحيين مندمجون كثيراً في المجتمع. فما من أماكن خاصة بالمسيحيين. قليلة هي القرى التي يشكل فيها المسيحيون الأغلبية. ومعظم المسيحيين مندمجون إلى حد بعيد في المجتمع – الذي تحدث فيه صراعات من حين إلى آخر، لكن ذلك يحصل بين الجيران في كل مكان. عندما توجد أقلية، تبرز صعاب في التعامل مع الأكثرية. نحن نعيش في وئام، ونجد من الجانب المسلم الانفتاح عينه والموقف عينه، على الرغم من عدائية بعض الجماعات، الأمر الذي يحصل في كل مكان.
س: لكن وضع المسيحيين في مصر ليس سهلاً بصورة عامة. الدستور يعترف بالحرية الدينية، ولكن مصر هي دولة إسلامية وإن صح فهمي فإن الشريعة الإسلامية هي مصدر كل الشرائع مما يعني أن المسيحيين يجدون في عدة مجالات العديد من العوائق في عيش إيمانهم. ما هي التحديات التي يواجهها المسيحيون في مصر، بخاصة في هذه البيئة؟
البطريرك نجيب: كما ذكرت، كل شيء يتعلق بسلوك الفرد وذهنيته. عندما نلتقي بإنسان منفتح الذهن والقلب على الآخرين، تكون العلاقة سهلة وجيدة. أحياناً، نلتقي بأشخاص أصحاب ميول مختلفة فتكون العلاقة صعبة. وقد يحصل ذلك أيضاً في الحكم في المسائل الإدارية، وإنما كثيراً ما تحل المسائل لأن ثقافتنا الشرقية وليس فقط المصرية تعتمد بشكل عام على العلاقات الشخصية. وبإمكانكم أن تجدوا دوماً شخصاً تجمعكم به صداقة ليساعدكم على حل مشكلتكم.
س: مع ذلك، هناك عوائق كثيرة. على سبيل المثال، من الصعب بناء كنائس جديدة، هذا إن لم يكن الأمر مستحيلاً؟
البطريرك نجيب: أجل، الأمر صعب. وهذا ناشئ عن قانون قديم جداً.
س: هل يمكنكم إخبارنا قليلاً عن هذا القانون؟
البطريرك نجيب. أجل. وضع هذا القانون خلال نهاية القرن الثامن عشر وفي ظل حكم الامبراطورية العثمانية. هناك عدة تفسيرات لهذا القانون. يقول البعض أنه كان يرمي إلى حماية المسيحيين من الاعتداءات. ويقول آخرون أنه وضع لتصعيب حصول المسيحيين على دار للعبادة. أياً يكن، كثيراً ما نتجادل مع السلطات – التي تدعي دوماً بأنه يرمي إلى حمايتنا – لأنها تصعب الأمر علينا. في هذه المنطقة، نواجه الصعاب مما يتطلب وقتاً طويلاً لكننا في النهاية نتمكن من حل هذه المسألة.
س: ماذا عن الحياة السياسية؟ فلا يستطيع المسيحيون الوصول إلى السدة الرئاسية. وهناك مسيحيان فقط في الحكومة. ولا يسمح للمسيحيين بأن يكونوا عُمد مدن أو قرى.
البطريرك نجيب: هذا الوضع قائم بسبب عوامل مختلفة. على الساحة السياسية، عندما تجري انتخابات مثلاً، ومع وجود مسيحي واحد بين كل عشرة مصريين، هل تعتقدون أن المسيحي سيكون له تأثير كاف ليُنتخب عضواً في مجلس النواب؟ هذا هو السبب الذي يدفع الرئيس دوماً إلى تعيين بين أربعة وسبعة مسيحيين ليكونوا أعضاء في مجلس النواب فيكون لهم صوت في المجلس. وفي القطاع الإداري الحكومي، لا يُنتخب الموظفون بل يعينون. لذلك، يعطى المسيحيون بعض المناصب حتى ولو كانت رمزية. وعادة لا يشغل المسيحيون مناصب الإدارة المحلية كعمدة القرية أو زعيمها أو حاكمها، وهذا الأمر متعلق بالتقليد.
س: ألا تناضل الكنيسة من أجل تمثيل سياسي أكبر؟
البطريرك نجيب: الحقيقة هي أن الصحف المسيحية تكتب عن الموضوع وأن بعض المفكرين المسلمين يكتبون ويطالبون بتمثيل أفضل للمسيحيين. كما أن جماعات حقوق الإنسان في مصر تعبر عن قلقها حيال الموضوع. إذاً، هناك دعوة لذلك، وهناك أيضاً ضغط اجتماعي ديني لتحقيق هذه الغاية.
س: في مصر، ينبغي على كل فرد أن يحمل بطاقة هوية يذكر عليها الانتماء الديني. هل هذه أداة للتمييز – بل إنها أداة تمييز – مثلاً عندما يتقدم مسيحي للحصول على وظيفة ويضطر لإظهار بطاقة الهوية؟
البطريرك نجيب: هذه المسألة تناقش علناً. خلال السنوات الأخيرة، ظهرت مقالات عديدة لمسيحيين ومسلمين حول هذا الشأن في الصحف المحلية. يمكن تفسير ذلك بطريقتين. يدعي البعض بأنها تمييزية، فيما يقول آخرون أنها ضرورية ضمن البيئة الاجتماعية، ويعطون مثلاً عن المحاكم المعنية بالمسائل العائلية كالزواج والطلاق وغيرهما. ويتساءلون كيف يصدر القاضي حكماً عادلاً وفقاً للقانون الذي يُلزم الفرد في حال عدم ذكر الانتماء الديني؟ عندها، سيصدر حكماً استناداً إلى الشرائع الإسلامية فقط.
إن القانون المصري يسمح بمحاكمة كل شخص وفقاً للقوانين التي تلزم الفرد استناداً لانتمائه الديني. إذاً يقولون أن القانون عادل من هذه الناحية، وأذكر مثلاً أن الطلاق لن يكون مسموحاً للكاثوليك لأن قانونهم الديني لا يسمح به. وللأرثوذكس قوانين خاصة بشأن الطلاق، وبالتالي فإن القاضي الذي كثيراً ما يكون مسلماً يصدر الحكم بناءً على هذه القوانين (قوانين الكنيسة الأرثوذكسية). مع ذلك، كثيرون يقولون أنه من الأفضل بناء الهوية على المواطنية وحدها، وترك كافة الشؤون المتعلقة بالعائلات والزيجات لمختلف الجماعات الدينية.
س: هناك ادعاء أو اقتراح بأن بعض عمليات التخلي عن المسيحية لاعتناق الإسلام قائمة على أسباب اقتصادية أو مكاسب. لقد تحدثنا عن ذلك منذ قليل وقلنا أن المسيحيين يواجهون أحياناً صعوبة في ضمان وظيفة بسبب بطاقاتهم المشيرة إلى انتمائهم الديني. إن معدل البطالة المرتفع في مصر يقارب الـ 10%؛ هل يستفيد المسيحي من اعتناق الإسلام فقط للحصول على فرص العمل؟ وهل هذا صحيح؟
البطريرك نجيب: هناك بعض الحالات، لكنني لا أوافق على القول بأن هذا هو السبب الرئيسي (لاعتناق الدين الإسلامي). برأيي، هناك سببان رئيسيان. الأول قائم على الزواج. فالسبيل الأسهل للمسيحيين – النساء والرجال – لإنهاء الزواج يكمن في اعتناق الدين الإسلامي – الذي يسهل الطلاق والحصول على الحقوق الكاملة من الشريك وحضانة الأطفال. أما السبب الثاني فهو يتعلق بضعف الإيمان. وذلك بسبب انعدام التنشئة الجيدة على الإيمان. فهناك بعض المناطق والقرى والأحياء المدينية التي تفتقر إلى الاهتمام الرعوي الكافي. كما أن الدعوات الإسلامية ووسائل الإعلام العلمانية تؤثر بشدة وتسهم بسهولة في هذا الفشل في الرسوخ في الإيمان بسبب الافتقار إلى أساس الإيمان المتين.
س: إن أحد المجالات التي تؤدي فيها الكنيسة الكاثوليكية عملاً جيداً هو مجال التعليم. كيف تنظرون إلى أهمية التربية لمستقبل المسيحية في مصر؟
البطريرك نجيب: لدينا 186 مدرسة كاثوليكية في البلاد وأكثر من 150000 طالب منهم 50% من المسلمين. من هنا، تدركون أهمية التربية. إنها تمنح أولاً الأمان لشعبنا لكي يحظى بتنشئة دينية وأخلاقية جيدة ومتينة وبمستوى تربوي جيد. وتسمح ثانياً للمسيحيين والمسلمين بالاختلاط منذ الطفولة. هم يكبرون معاً، ويبنون صداقات، كما يصبح الأهالي مقربين من بعضهم البعض، من هنا يكنون التقدير للكنيسة الكاثوليكية والدين المسيحي عامة. هؤلاء الطلاب، الفتيان والفتيات، الذين ينمون في مدارسنا الكاثوليكية، سيصبحون في المستقبل أعضاء مسؤولين في المجتمع، وسيتمكن المختلفون عنا في الدين من الانفتاح علينا وفهمنا بطريقة أفضل – ليس فقط كعقيدة وإنما أيضاً كأشخاص – وسيتمكنون من مساعدتنا عندما نواجه المشاكل.
س: يمكن القول إذاً أن التربية الكاثوليكية هي المفتاح لاعتدال الأجواء السياسية في المستقبل؟
البطريرك نجيب: للاعتدال والحوار بين الأديان؛ هذا أمر مهم.
س: صاحب الغبطة، ما هي مناشدتكم الموجهة للمجتمع الدولي؟
البطريرك نجيب: إلى المجتمع الدولي، أقول أننا نقدر كثيراً الأعمال القائمة لتعزيز الديمقراطية والحرية في كل مكان، وللمساعدة على تحسين الظروف الاقتصادية لكافة البلدان ولمصر بخاصة. ومن الجانب الديني، نحن ممتنون كثيراً لصلوات الجماعات الروحية، لاهتمامها ومشاركتها في محننا، وللعون الذي قدمته لكنائسنا ولمؤسساتنا في سبيل إتمام مهمتنا، ليس فقط للمسيحيين بل للجميع أيضاً. كما أغتنم هذه الفرصة لأشكر عون الكنيسة المتألمة والمنظمات الكاثوليكية الأخرى على دعمها ومساندتها.
هذه المقابلة أجراها مارك ريدمان للبرنامج التلفزيوني الأسبوعي "حيث يبكي الله" الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع المنظمة الخيرية الكاثوليكية الدولية "عون الكنيسة المتألمة".
على شبكة الإنترنت:
للمزيد من المعلومات: www.WhereGodWeeps.org