الكلمة الوادعية التي وجهها رئيس حكومة المملكة المتحدة للحبر الأعظم

"لقد قدمتم رسالة ليس فقط للكنيسة الكاثوليكية بل أيضاً لكل واحد منا"

بيرمينغهام، انكلترا، الاثنين 20 سبتمبر 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة الوداعية التي وجهها يوم أمس رئيس الحكومة دايفيد كاميرون لبندكتس السادس عشر في مطار بيرمينغهام الدولي في ختام زيارة الدولة التي قام بها البابا إلى المملكة المتحدة.

***

صاحب القداسة بندكتس السادس عشر، أصحاب السيادة، سيداتي وسادتي،

هذا الاحتفال يختتم أربعة أيام مؤثرة جداً لبلادنا.

صاحب القداسة، في زيارة الدولة التاريخية الأولى لبريطانيا، تحدثتم إلى أمة تضم 6 ملايين كاثوليكي لكنكم حظيتم بإصغاء أمة تضم أكثر من 60 مليون مواطن وبإصغاء الملايين حول العالم.

لأنكم قدمتم رسالة ليس فقط للكنيسة الكاثوليكية بل أيضاً لكل واحد منا أكان مؤمناً أو غير مؤمن.

إنه تحد لنا جميعاً لنتبع ضميرنا فلا نتساءل عن حقوقنا بل عن واجباتنا، ولا نتساءل عما يمكننا فعله لأنفسنا بل عما يمكننا فعله للآخرين.

لقد قال مرة الكاردينال نيومان الذي طوب هنا في هذا الصباح في بيرمينغهام أن عملاً متواضعاً يقوم به من يساعد "على تخفيف آلام المرضى والمحتاجين" أو من "يغفر لعدو" يثبت الإيمان الفعلي أكثر من "أبلغ حوار ديني" أو من أعمق معرفة بالكتاب المقدس.

في إسهامه الكبير في فلسفة التعليم العالي، ذكر الكاردينال نيومان العالم بالحاجة إلى التربية للحياة وليس فقط لمركز العمل.

هذه التربية الواسعة للحياة كانت مهمة بسبب مسؤوليات كل فرد في واجبات المجتمع وفرصه التي انبثقت عما وصفه الكاردينال نيومان بـ "رباط الوحدة المشترك" الذي نتشاطره جميعاً.

صاحب القداسة، هذا الرباط المشترك شكل جزءاً مهماً جداً من رسالتكم لنا.

وهو يشكل محور الثقافة الجديدة للمسؤولية الاجتماعية التي نريد بناءها في بريطانيا.

فالمؤمنون – ومن بينهم جمعياتنا الخيرية الـ 30000 القائمة على أساس إيماني – هم الصناع العظام لتلك الثقافة الجديدة. كثيرون يعتبرون أن الإيمان هو الذي يحفز العمل. ويصوغ معتقداتهم وتصرفاتهم؛ ويعطيهم غاية محددة. إن إيمانهم هو الذي يلهمهم على مساعدة الآخرين. ولا بد لنا من إعلان ذلك.

الإيمان هو جزء من بنية بلادنا. لطالما كان كذلك وسيظل دوماً كذلك.

كما قلتم يا صاحب القداسة، إن الإيمان ليس مشكلة يجب أن يحلها المشرعون بل هو جزء أساسي من حوارنا الوطني.

ونحن فخورون بذلك.

لكن الناس ليسوا بحاجة إلى مشاطرة معتقد ديني أو الموافقة مع الدين على كل الأمور ليفهموا الفائدة من طرح الأسئلة الدقيقة التي طرحتموها علينا يا صاحب القداسة عن مجتمعنا وكيفية معاملة أنفسنا وبعضنا البعض.

لقد دعوتم البلاد جمعاء إلى التوقف والتفكير مما يعتبر أمراً جيداً. لأنني أؤمن بأنه بإمكاننا جميعاً أن نشارك في رسالتكم للعمل من أجل المصلحة العامة، وأن عندنا جميعاً واجبات اجتماعية تجاه بعضنا البعض وتجاه عائلاتنا وجماعاتنا. وبالتأكيد أن واجباتنا تجاه بعضنا البعض – واهتمامنا ببعض البعض – يجب أن يمتد أيضاً إلى أنحاء أبعد من هذه الشواطئ.

صاحب القداسة، في لقائنا يوم أمس وفي المحادثات مع الوفد البابوي مساء الجمعة، وافقنا على تنمية التعاون بين هذه البلاد والكرسي الرسولي حول المسائل الدولية الأساسية التي يجمعنا فيها هدف مشترك والتي تتمثل في كسب النقاش للسيطرة على التغير المناخي، وفي تعزيز حوار بين الأديان، والعمل من أجل السلام في عالمنا، ومكافحة الفقر والأوبئة.

إنني أؤمن بشدة بأنه ينبغي علينا الاستمرار في مساعدة أفقر الفقراء حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة. فقد تصبح الفجوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء أكثر خطورة وأقل أمناً لنا جميعاً.

لذلك، فإن هذه البلاد ستحافظ على وعودها بالمساعدة. وسنعمل على مساندة بلدان أخرى للحفاظ على وعودها أيضاً، وللتأكد من أن المال الذي نخصصه للمساعدة يعطى للمحتاجين إليه. ويسرني أن الكرسي الرسولي سيعمل بنشاط معنا لبذل كل ما في وسعنا لتحقيق ذلك.

صاحب القداسة، إن حضوركم هنا شرف بلادي. والآن، أنتم تغادروننا – بذكريات مؤثرة على ما أرجو.

عندما تفكرون في بلادنا، فكروا فيها كبلاد تعز الإيمان فقط بل كبلاد رحيمة بشدة.

هذا ما أراه في الاستجابة الاستثنائية للفيضانات في باكستان. أراه في روح الجماعة التي تحث على القيام يومياً بأعمال صالحة كثيرة للأصدقاء والجيران. وفي حياتي الخاصة، رأيت ذلك في العديد من الرسائل اللطيفة التي تلقيتها عندما رزقت بابنة جديدة وودعت أباً رائعاً.

فيما نقف هنا في بيرمينغهام لنودعكم، دعوني أعود لكلمات الكاردينال نيومان. فالكاردينال معروف هنا في بيرمينغهام برعاية شعبه. خلال تفشي وباء الكوليرا في المدينة، عمل بلا كلل بين الفقراء والمرضى. وعندما توفي، اصطف آلاف فقراء المدينة في الشوارع. وعلى غطاء نعشه، نقش شعاره "القلب يخاطب القلب" الذي شكل موضوع هذه الزيارة الاستثنائية.

أرجو أن يكون ذلك انعكاساً للترحيب الذي حظيتم به. إنه تقدير مناسب للكلمات التي قلتموها والمشاعر التي أثرتموها. أتمنى لكم ولوفدكم عودة سليمة إلى روما. كما أتطلع إلى تعاون أوثق بين المملكة المتحدة والكرسي الرسولي فيما نضاعف جهودنا للعمل من أجل المصلحة العامة هنا في بريطانيا ومع شركائنا في الخارج.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010