تقاليد عيد الميلاد المجيد

خاص بالموقع

مقدّمة:

إنّ تجسد يسوع المسيح هي الوسيلة الوحيدة الملموسة للإعلان عن الله الآب كصاحب مبادرة لإقامة شركة مع الإنسان، وهذا التجسد العجيب هو فرح لكل إنسان. لقد جاءت بشارة الملاك بالخبر السعيد، لرعاة كانوا يحرسون حراسة الليل على قطيعهم، فهم أجراء يعملون لدي الخير، كانوا ساهرين، متيقظين، منشغلين في أعمالهم الاعتيادية. فتجسد يسوع المسيح الذي صار إنسانًا هو علامة تحقيق الآب، وعلامة لوجود الله، وظهر للبشر على هيئة إنسان كرمز، وتحقيق، لمحبّة الثالوث الأقدس للبشر للمسيح هو الذي أرسله الآب ليكون الآب منظورًا في ابنه يسوع المسيح:« والكَلِمَةُ صارَ لحمًا»(يو1/14).

وبتجسد يسوع المسيح تجددت صورة الله في الإنسان التي شوهتها الخطيئة وحسد إبليس وهذا ما يقوله الكاهن في أوشية الصلح في الطقس القبطي:«… والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحي الذي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح…». وحضور جند السماء في أثناء ولادة يسوع المسيح هو طريق للتعبير عن حضور الله في المذود، وعيد الميلاد هو عيد ارتباط اللاهوت بالبشرية، وهو عيد التجسد، والتجسد يدل على ارتباط الله الكامل بالبشر منذ هذه اللحظة اتحدت البشرية بالله جسدًا، وروحًا، وعقلاً، وحياةً. ويقول القديس أثناسيوس الرسول:«إبن الله صار إنسانًا حتى يصير الإنسان إبن الله»، فإن الكلمة صار لحمًا في يسوع المسيح ليتجسد فينا لنكون إمتداد لتجسده حتى قال القديس يوحنا ذهبي الفم: «في المناولة المقدّسة، يدخل الله فينا جسديًا، ونلمس بفمنا جسد المسيح، كما لمسته شفتا أمّه مريم».

 أولاً: تقليد زمن ولادة يسوع المسيح:-

يكتب القديس متى البشير في إنجيله الذي دون حوالي السنة 80-90: «ولمَّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحمِ اليهودِيَّة، في أيَّامِ المَلِكِ هيرودُس، إِذا مَجوسٌ قدِمُوا أُورَشليمَ مِنَ المَشرِقِ » مت 2/1 . علاوة علي ذلك يخبرنا القديس لوقا الإنجيلي, الذي حرر كتابه ما بين العام 80-90: «وفي تِلكَ الأَيَّام، صدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ الـمَعمور. وجَرى هذا الإِحصاءُ الأَوَّلُ إِذ كانَ قيرينِيوس حاكمَ سورية »لو 2/1و2. ومن هنا نستلهم أن يسوع المسيح ولد في سنة 4 قبل الميلاد في بيت لحم, في فلسطين, يهوديا من أمه مريم العذراء الدائمة البتولية. وكانت فلسطين يومذاك يديرها تحت سلطة الروماني هيرودس الأدومي, حيث الشعب اليهودي المقسوم دينيا كان قد خسر استقلاله الوطني, وحيث وضعت في إطار الإمبراطورية الرومانية والحضارة اليونانية الرومانية سنتذاك. وأثناء ولاية القيصر أوغسطس ولد يسوع المسيح[1]

وقبل أن نتحدث عن هذا التقويم لابد لنا أن نتعرف علي عائلة الإمبراطور هيرودس لكي لا يحدث أي التباس في شان هذا الموضوع. هو أن هيرودس الكبير (40-4ق0م ) الذي تزوج خمس زوجات و هنّ درويس, ومريم الحشمناوية, ومريم الثانية, ملتكه السامرية, كليوباترة الأورشليمية. فأنجبت الزوجة الثالثة (مريم الثانية) ابنا ودعيت اسمه هيرودس أنتيباس (4ق.م- 20ب.م ) وهو الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان  ذلك بسبب هيروديا التي كانت هجرت زوجها, واسمه هيرودس أيضا وكان عمها. لترتبط بهيرودس أنتيباس, فكان يوحنا يوبخه بأمر ذلك و يقول له: «ذلك بِأَنَّ هيرودُسَ كان قد أَمسَكَ يُوحَنَّا، فأَوثقَهُ ووَضَعَه في السِّجْن مِن أَجلِ هِيروديّا امرَأَةِ أَخيهِ فِيلبُّس، لأَنَّ يُوحَنَّا كانَ يقولُ لَه: إِنَّها لا تَحِلُّ لَكَ.  وأَرادَ أَن يَقتُلَه فَخافَ الشَّعبَ لأَنَّهم كانوا يَعُدُّونَه نَبِياً. ولَمَّا احتَفَلَ هِيرودُسُ بِذِكرى مَولِدِه رَقَصتِ ابنَةُ هِيروديّا في الحَفْل، فَأَعْجَبَت هِيرودُس، فوَعَدَها مُؤَكِّداً وَعدَه بِيَمين أَن يُعطِيَها أَيَّ شَيءٍ تَطلُبُه. فلَقَّنَتها أُمُّها فقالت: أَعطِني هَهُنا على طَبَقٍ رَأسَ يُوحَنَّا المَعمَدان. فاغتَمَّ المَلِكُ ولكنَّه أَمَرَ بإِعطائِها إِيَّاه مِن أَجلِ أَيْمانِه ومُراعاةً لِجُلَسائِه. وأَرسَلَ فقَطَعَ رَأسَ يُوحَنَّا في السِّجْن. وأُتِيَ بِالرَّأسِ على طَبَقٍ فأُعطِيَ للصَّبِيَّة، فحمَلَتهُ إِلى أُمِّها. وأَتى تلاميذُ يُوحَنَّا فحَملوا الجُثْمانَ ودَفَنوه، ثُمَّ ذَهَبوا فأَخبَروا يسوع» مت 14/1-12. ولما احتفل هيرودس بذكري مولده رقصت سالومة بنت هيروديا في الحفل, فأعجبت هيرودس, فوعدها مؤكدًا وعده أن يعطيها أي شيء تطلبه «فلَقَّنَتها أُمُّها فقالت: أَعطِني هَهُنا على طَبَقٍ رَأسَ يُوحَنَّا المَعمَدان. فاغتَمَّ المَلِكُ ولكنَّه أَمَرَ بإِعطائِها إِيَّاه مِن أَجلِ أَيْمانِه ومُراعاةً لِجُلَسائِه. وأَرسَلَ فقَطَعَ رَأسَ يُوحَنَّا في السِّجْن. وأُتِيَ بِالرَّأسِ على طَبَقٍ فأُعطِيَ للصَّبِيَّة، فحمَلَتهُ إِلى أُمِّها. وأَتى تلاميذُ يُوحَنَّا فحَملوا الجُثْمانَ ودَفَنوه، ثُمَّ ذَهَبوا فأَخبَروا يسوع » مت 14/9و 10. وهناك أيضا هيرودس بن أرسطوبولس (7ق.م)  وهو حفيد هيرودس الكبير[2], ونستلهم من ذلك أن المسيح ولد في عصر هيرودس الكبير, والإحصاء الذي تحدث عنه القديس لوقا في إنجيله أتمه القيصر أوغسطس قبل وفاة هيرودس.  في بدء انتشار المسيحية في أركان المسكونة بأسرها نشا تقليد للاحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع وكان يحتفل بهذا العيد في اليوم 25ديسمبر ويشهد لهذا التقليد القديس أفود أسقف أنطاكيا في القرن الأول الميلادي. وتخبرنا الدسقولية في القرن الثاني, في الباب 18: « يا إخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي هي ميلاد الرب وكملوه في 25» ويشهد علي ذلك يوليوس أفريقانوس المؤرخ في القرن الثالث الميلادي, والقديسون أثناسيوس، وايرونيموس، وأغسطينوس، ويوحنا ذهبي الفم[3].  وقد اقترح هيبوليتوس الروماني الاحتفال بعيد الميلاد في يوم 25ديسمبر, بينما إكليمنس الإسكندري يقترح الاحتفال بعيد الميلاد في يوم 18 أو 19 من شهر أبريل و أيضا 29 من مايو. وهناك كتاب مجهول مؤلفه وعنوانه: «الحساب الفصحى» الذي حرر في إيطاليا أو أفريقيا في حوالي سنة 243 ويحدد فيه الاحتفال بميلاد يسوع المسيح في 28 مارس بينما الشرق اختار 6 يناير[4]. ويسرد القديس يوحنا ذهبي الفم في عظته التي ألقاها في بدء كهنوته في العام سنة 386: « إن كنيسة روما عندها في ذلك أصدق الإعلامات».  والكنائس الشرقية قبل القرن الخامس لم تعيد منفردا لعيد الميلاد بل كانت تجمع بين عيدي الميلاد، والغطاس لأن الرب ظهر للشعوب يوم عماده ومازال هذا التقليد بقاياه موجودة في كنيسة الأرمن التي تحتفل بالعيدين معا. وظهر عيد الميلاد لأول مرة في روما في السنة 354 ومن الأرجح أسس هذا العيد هو الحبر الروماني يوليوس الأول (337-352).     

فانتشر في إيطاليا ومنها إلي أنطاكيا فبدأ الاحتفال به لأول مرة هناك في العام 376  كما يشهد يوحنا ذهبي الفم[5], وأدخل إلي كبادوكية في عهد القديس باسيليوس الكبير وأدخله إلي القسطنطينية غريغوريوس النازينزي وشاهدت اتيريا الاحتفال بميلاد المسيح في مدينة أورشليم الذي في عهد يوفينال في سنة 439، ولكن ليس بتاريخ 25 ديسمبر كما يشهد القديس ايرونيموس الذي توفي 420 بل بتاريخ  6يناير، وكان يعيد مع الغطاس في آن واحد أيّ الاحتفال بعيدي الميلاد والغطاس معا. وفي الإسكندرية لا يتحدث عنه القديس يوحنا كسيانوس في محاضراته التي حررها ما بين 418و428. وأول أثر لهذا العيد نجده لسنة430 في عظة لبولس ألحمصي عن ميلاد المسيح ألقاها في حضور البطريرك كيرلس الإسكندري ( 412-444) في اليوم التاسع والعشرون من شهر كيهك. وادخل الاحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع في كنيسة الإسكندرية رسميا في يوم 6يناير هو البطريرك كيرلس الإسكندري ( 412-444) في سنة 432.  ففي هذا اليوم (6 يناير) كان الوثنيون يحتفلون بعيد النور تكريمًا لمولد الإله الزمن "أيون" من العذراء "كوري"، وهو اليوم الذي كان إنقلاب الشمس الشتوي يصل فيه إلى أقصى درجاته. ففي الليلة الواقعة بين 5 و6 يناير كان الوثنيون في مصر يقومون باحتفال بهيج يجعلهم يشربون من النيل ما يستطيعونه شُربه للتبرُّك بمائِه. وربما يكون هذا السبب الرئيسي الذي جعل مسيحي الشرق يقصرون احتفالهم في يوم الإبيفانيا (6يناير) بعيد الغطاس تذكارًا لعماد الرب[6].  وفي الغرب أخذوا يحتفلون بعيد الميلاد في يوم 25ديسمبر حتى يمكنهم أن يقاوموا العيد الوثني الذي كان يقام في مثل هذا اليوم عيد ميلاد الشمس فأصبح هذا اليوم يسمي بميلاد المسيح لأنه هو نور العالم و شمس البر[7].

و يسطر لنا أحمد ابن علي ابن عبد القادر المقريزي (1365-1442), في مؤلفه «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» وصف للاحتفال بعيد الميلاد في مصر:« أن في ليلة عيد الميلاد والذي يقع كل سنة في 29 كيهك كان من رسوم الدولة الفاطمية فيه تفرقة الجامات المملوءة من الحلاوات القاهرية, والمتارد التي فيها السمك, وقرابات الجلاّب وطيافر الزلابية والبوري  فيشمل ذلك أرباب الدولة أصحاب السيوب والأقلام, بتقرير معلوم ما ذكر ابن المأمون في تاريخه»[8]. وفي الحقيقة إن تاريخ اليوم والشهر وحتى السنة مجهولين تمامًا، وكل هذه التواريخ ليس بالدقة التاريخية، لأن عيد الميلاد لم يحدد إلا بعد عدة قرون من انتشار المسيحية في أرجاء المسكونة بأسرها[9].

وإننا نعرف إنّ المسيح ولد في 4 قبل الميلاد في بيت لحم، في فلسطين، يهوديا من أمّه مريم، وزمن فلسطين يديرها تحت سلطة الرومان وهيرودس الأدومي حيث الشعب اليهودي المقسوم دينيا كان قد حسر استقلاله الوطني، وحيث وضعت في إطار الإمبراطورية الرومانية، والحضارة اليونانية الرومانية سنتذاك[10] . وأثناء ولاية أوغسطس قيصر ولد يسوع المسيح[11]. وبدأت خدمة يسوع المسيح العلنية كما دونها القديس لوقا الإنجيلي: «وكانَ يسوعُ عِندَ بَدءِ رِسالتِه، في نَحوِ الثَّلاثينَ مِن عُمرِه، وكانَ النَّاسُ يَحسَبونَه ابنَ يُوسُفَ بنِ عالي…» على الأرجح في العام 28 ميلادية[12].

 

ثانيا: تقليد نجم المجوس:-

هذا النجم كان قد أرشد المجوس على طريق الطفل يسوع (المكان الذي ولد فيه) فهذا الحدث جري بعد خمسة أشهر من ولادة المسيح: « فدَعا هيرودُسُ الَمجوسَ سِرّاً وتَحقَّقَ مِنْهم في أَيِّ وَقْتٍ ظهَرَ النَّجْم. ثُمَّ أَرْسَلَهم إِلى بَيتَ لَحمَ وقال: اِذْهَبوا فابحَثوا عنِ الطِّفْلِ بَحْثاً دَقيقاً، فإِذا وَجَدْتُموه فأَخبِروني لأذهَبَ أَنا أَيضاً وأَسجُدَ لهفلمَّا سَمِعوا كَلامَ الَمِلكِ ذَهَبوا. وإِذا الَّنجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقفَ فَوقَه. فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحاً عَظيماً جِدّاً» (مت2/7-10)[13]. فظهور النجم للمجوس إنما هو أمر لا محالة. عجيب يعد أعظم خوارق الطبيعة ولذلك كان سبق الله وجعله آية لمجيء يسوع المسيح في سفر العدد24/17: «أَراه وليسَ في الحاضِر أُبصِرُه وليس مِن قَريب. يَخرُجُ كَوكَبٌ مِن يَعْقوب ويَقومُ صَولَجانٌ مِن إِسْرائيل فيُحَطمُ صُدغَي موآب وجُمجُمةَ جَميعِ بَني شِيت»قد شرح الآباء كإغناطيوس الإنطاكي، والعلامة أوريجانيوس الإسكندري، ويوحنا ذهبي الفم، وباسيليوس، وأمبروسيوس أن نجم المجوس كان أثرًا خصوصيا أحدثه الله يشبه نجما اقترب من الأرض[14]

 

 ثالثًا: تقليد أسماء المجوس:-

اختلفت الآراء في عددهم حتى جعل البعض يسرد عددهم اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو ثمانية, وعدت التقاليد السريانية والأرمنية حتى 12 مجوسًا، وإن خبر المجوس الهم الرسامين والشعراء, فزاد على ذلك نص القديس متى 2/1-12: « ولمَّا وُلِدَ يسوعُ في بَيتَ لَحمِ اليهودِيَّة، في أيَّامِ المَلِكِ هيرودُس، إِذا مَجوسٌ قدِمُوا أُورَشليمَ مِنَ المَشرِقِ وقالوا: أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه. فلمَّا بلَغَ الخَبَرُ المَلِكَ هيرودُس، اِضْطَرَبَ واضطَرَبَت مَعه أُورَشليمُ كُلُّها. فَجَمَعَ عُظَماءَ الكَهَنَةِ وكَتَبَةَ الشَّعْبِ كُلَّهم واستَخْبَرهم أَين يُولَدُ المسيح. فقالوا له: في بَيتَ لَحمِ اليَهودِيَّة، فقَد أُوحِيَ إِلى النَّبِيِّ فكَتب: وأَنتِ يا بَيتَ لَحمُ، أَرضَ يَهوذا لَسْتِ أَصغَرَ وِلاياتِ يَهوذا فَمِنكِ يَخرُجُ الوالي الَّذي يَرْعى شَعْبي إِسرائيل. فدَعا هيرودُسُ الَمجوسَ سِرّاً وتَحقَّقَ مِنْهم في أَيِّ وَقْتٍ ظهَرَ النَّجْم. ثُمَّ أَرْسَلَهم إِلى بَيتَ لَحمَ وقال: اِذْهَبوا فابحَثوا عنِ الطِّفْلِ بَحْثاً دَقيقاً، فإِذا وَجَدْتُموه فأَخبِروني لأذهَبَ أَنا أَيضاً وأَسجُدَ له.  فلمَّا سَمِعوا كَلامَ الَمِلكِ ذَهَبوا. وإِذا الَّنجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقفَ فَوقَه. فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحاً عَظيماً جِدّاً. وَدخَلوا الَبيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجِدين، ثُمَّ فتَحوا حَقائِبَهم وأَهْدَوا إِليه ذَهباً وبَخوراً ومُرّا. ثُمَّ أُوحِيَ إِليهِم في الحُلمِ أَلاَّ يَرجِعوا إِلى هيرودُس، فانصَرَفوا في طَريقٍ آخَرَ إِلى بِلادِهم». وقالوا مثلاً إن المجوس هم ثلاثة: واحد أسود، واسمه كسبار, وواحد أصفر واسمه ملكيور, وواحد أبيض، واسمه بلطشصر. وقد وردت هذه الأسماء للمرة الأولي في مخطوط باريس يرجع للقرن السابع[15].

وفي مخطوط إيطالي آخر يعود للقرن التاسع. ولكن العدد ثلاثة سيطر، وذلك بسبب الهدايا المقدمة الذهب، واللبان والمر، وقدّموها للطفل يسوع قبل شهر نوفمبر في سنة 6 قبل الميلاد.

وفي الحقيقة يمثلون المجوس الثلاثة لأمم الأرض الثلاثة: سامًا وحامًا ويافث.« ولَمَّا كانَ نُوحٌ آبنَ خَمْسِ مِئَةِ سَنَة، وَلَدَ سامًا وحامًا ويافَث»(تك5/32) واختلفت الآراء من أين قدموا المجوس؟ فالبعض قال: من مصر, والآخر قال: من سوريا, والآخر: قال من الحبشة, والآخر قال: من اليونان, والآخر قال: من فارس … وفي الحقيقة المجوس قدّموا من فارس، واعتمدنا ذاك الرأي على ما دون في رسالة سينودوسية من مجمع أورشليم المنعقد في العام  836 هو أن لما دمر جنود كسري الثاني الفارسي كل مدن فلسطين في سنة 614 فحين نظروا رسم الفسيفساء التي تمثل سجود المجوس للطفل يسوع ظنوا أنهم من بلادهم، وذلك بسبب ثيابهم[16].

 

رابعًا: تقليد المغارة:

إن تقليد المغارة الذي  قيل أنها وجدت في بيت لحم فيعود إلى القديس يوستينوس الفيلسوف في فلسطين. ونجد هذا التقليد أيضا في إنجيل يعقوب المنحول من القرن الثاني الميلادي علاوة علي نجد هذا التقليد لدي العلامة السكندري والقديس ايرينيموس. وكان أول من تكلم عن الثور والحمار في المغارة هو أوريجانيوس و استند علي قول أشعياء النبي:« عَرَفَ اكورُ مالِكَه والحِمارُ مَعلَفَ صاحِبِه لكِنَّ إِسْرائيلَ لم يَعرِفْ وشَعْبي لم يَفهَمْ » (1/3) حتى جاء القديس فرنسيس الأسيزي في العام 1223 ليقيم مغارة في غابة جرتشو فأقامها لكي يحي ذكري الميلاد بطريقة جديدة وبعد ذلك انتشرت في الغرب ثم انتقلت في الشرق حتى يومنا هذا[17]. وفي أيامنا هذه وخاصة في اليوم التاسع والعشرين من شهر كيهك ندخل الكنائس ونجد فيها مغارة ومكتوب عليها نشيد الملائكة: «الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه!»  (لو2/14). ونجد المؤمنين يتأملون في هذه المغارة ملك الملوك ورب الأرباب موضوعا في المذود ومضجعًا وكأنّه يقول لنا، ولدت في المذود، وهو إفقار الذات، وإني لفقير في ملبسي، ومسكني. علاوة علي ذلك السماء قدمت النجم للمجوس لكي يعرفوا المسيح في المغارة, والمجوس قدموا ذهبا لملك المسيح, وبخورًا لصعود الصلوات, ومرّ لإكليل الشوك وطعنه بالحربة علي عود الصليب, والرعاة قدموا نشيد الملائكة, والحيوانات قدمت المذود … وأنت ماذا تقدم لطفل المغارة في هذه اللحظة؟…

 

خامسًا: تاريخ صوم الميلاد في الكنيسة القبطية:

في أنطاكيا بدأ الاحتفال بميلاد يسوع المسيح في العام 376، وفي مدينة الإسكندرية، لا يتحدث عن القديس يوحنا كاسّيانوس في محاضراته التي حررها ما بين 418و428. وأوّل أثر لهذا العيد نجده سنة 430 في عظة لبولس الحمصي عن ميلاد المسيح، ألقاها في حضور البطريرك كيرلس الإسكندري(412-444) في اليوم التاسع والعشرين من شهر كيهك. وفي أورشليم ظهر هذا العيد على عهد يوفينال في السنة 439[18].

أن أردنا أن نبحث عن تاريخ هذا الصوم يجب علينا أن نبحث عن المصادر التاريخية  الكنسية كالبرديات والمخطوطات الطقسية القديمة جدا التي يعود أغلبها للقرون الأولي للمسيحية  . 

أولا :- من القرن الأول الميلادي حتى القرن العاشر الميلادي :-

يسرد لنا نص الديداكيه (50- 150) عن صوم الاستعداد أي اليوم الواحد، ويبدو من هنا نشأ البرامون لعيد الميلاد[19]. وتخبرنا الدسقولية في الباب الثامن كالآتي: « يا إخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي هي ميلاد الرب وكملوه في خمسة وعشرين من الشهر التاسع الذي  للعبرانيين الذي التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين. ومن بعد هذا ليكن جليلا عندكم عيد الغطاس»[20]. بالإضافة  إلى ذلك يسرد لنا الحبر الجليل الأنبا ساويروس بن المقفع  (915 -987)، أسقف الأشمونيين، في مؤلفه:« مصباح العقل» في شأن هذا الموضوع أن صوم الاستعداد لعيد الميلاد، ولكن دون ذكر المدة[21]. والملفت النظر  أن الأقباط في هذه الحقبة كانوا يصومون يومًا واحدًا فقط لا غير وكان يدعى هذا اليوم بيوم البرامون أيّ يوم  الاستعداد.

 

ثانيا:- من القرن الحادي عشر إلي يومنا هذا:- 

واستمر هذا البرامون إلى أن جاء البطريرك  عبد المسيح (1047-1077) فأصدر سلسلة من القوانين وهي تحوي علي 31 قانونًا وتنص على المادتي 15، 16كالآتي :- « وكذلك صوم الميلاد المقدس يكون من عيد مارى مينا خمسة عشر يومًا من هاتور إلى تسعة وعشرين يومًا من كيهك. وإن وافق عيد الميلاد الشريف يوم الأربعاء أو يوم الجمعة فيفرضوا فيه و لا يصوموا[22] وتقاليد هذه الحقبة تكتب بأن مدة صوم الميلاد كانت في هذه الحقبة التاريخية أربعين يوما فقط لا غير، وأما للثلاثة أيام التي أضيفت في وقت لاحق، إما لإحياء ذكرى معجزة نقل جبل المقطم ، و ذلك في العام 969 في عهد البطريرك إبرام بن زرعه (975- 978 ) فأصبح عدد أيام صوم الميلاد 43 يوما. وقوانين البطريرك غبريال بن تريك (1131- 1145) تنص المادتي 4و5 كالآتي:- « يا إخوتنا تحفظوا قي أيام الأعياد ،التي هي الميلاد للرب و تكملوه في خمسة وعشرين يومًا، من الشهر التاسع (أي 25 ديسمبر)  الذي للعبرانيين الذي هو التاسع وعشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين أيّ 29كيهك الموافق 25 ديسمبر» بالإضافة إلى  ذلك نصي القانونيين 39، 40كالتالي «لا تعملوا في يوم ميلاد المسيح، لأن النعمة أعطيت للبشر في ذلك اليوم بسرعة، ولما ولد الكلمة يسوع المسيح من مريم العذراء»[23].

ويخبرنا البطريرك كيرلس بن لقلق (1235- 1243) في قوانينه أن عيد الميلاد هو من الأعياد الكبرى المخصوصة لكبار القسس وكبار الشمامسة وأيضًا الأعياد المخصوصة بالثاني في الطقس وتصنف ليلة الميلاد من الخمسة أعياد المذكورة. علاوة علي أن عيد الميلاد هو من الأعياد المخصوصة بالثالث في الطقس وهو ثاني عيد الميلاد[24].

وفي كتاب مجموع القوانين الكنسية للأحكام الشرعية المسيحية للصفي أبو الفضائل ماجد ابن العسال ( وهو الأخ الثاني لأولاد العسال) يخبرنا علي هذا الصوم كالتالي: « وصوم اليوم الذي للميلاد غده  واليوم الذي للغطاس غدة ( يقصد بذلك اليومان اللذان يسبقان يومي عيدي الميلاد والغطاس ويسمي كل منهم برامون أي الاستعداد)[25].

وازدهر في النصف الأول من القرن الرابع عشر الكاهن شمس الرئاسة أبو البركات ابن كبر، الذي توفي في سنة1324 [26]، ويخبرنا هذا الكاتب في كتابة المعروف بمصباح الظلمة في إيضاح الخدمة عن صوم الميلاد في الباب الثاني عشر: «فرض علي المسيحيين عيدي الميلاد والغطاس ولكن دون ذكر المدة»[27] . وفي كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة للكاتب الأرشدياكون يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع، يخبرنا في الباب الثاني والثلاثون من كتابة كالتالي: « وما صوم الميلاد المجيد لم يكن رتبة في البيعة إلا الأنباء عبد المسيح ( 1047 – 1077) »[28] . ويرقي عيد الميلاد المجيد إلي فئة الأعياد السيدية الكبري ويحتفل به في يوم 29 كيهك[29] .

 

سادسًا: تقليد شجرة الكريسماس:-

كان اليونان يحبون هذه الشجرة لأنها رمز للحياة الأصيلة التي لا تزول أبدًا, لأنّ أوراقها في فصل الشتاء لا يتساقط أبدًا والأشجار الأخرى في الفصل عينه تتساقط أوراقها[30]. ويقال أنها ظهرت لأول مرة في ألمانيا في سنة 732, ومن عادة اليونانيين بالاحتفال بهذه الشجرة، وكان يقوم بعضهم في كل عيد يذبح لها طفلاً[31].

وعندما دخلت المسيحية هناك أخذ الكهنة يبشرون بالمسيحية بالإنثقاف أي الاندماج في ثقافة البلد والعادات كبولس الرسول عندما كان في أثينا: فوَقَفَ بولُسُ في وَسَطِ الأَرْيوباغُس وقال: يا أَهلَ آثينة، أَراكُم شَديدي التَّدَيُّنِ مِن كُلِّ وَجْه. فإِنِّي وأَنا سائِرٌ أَنظُرُ إِلى أَنصابِكُم وَجَدتُ هَيكَلاً كُتِبَ علَيه: إِلى الإِلهِ المَجْهول. فَما تَعبُدونَه وأَنتُم تَجهَلونَه، فذاكَ ما أَنا أُبَشِّرُكم بِه. إِنَّ اللهَ الَّذي صَنَعَ العالَمَ وما فيه، والَّذي هو رَبُّ السَّماءِ والأَرض، لا يَسكُنُ في هَياكِلَ صَنَعَتها الأَيدي، ولا تَخدُمُه أَيدٍ بَشَرِيَّة، كما لو كانَ يَحتاجُ إِلى شيَء. فهو الَّذي يَهَبُ لِجَميعِ الخَلْقِ الحَياةَ والنَّفَسَ وكُلَّ شَيء. فقَد صنَعَ جَميعَ الأُمَمِ البَشَرِيَّةِ مِن أَصْلٍ واحِد، لِيَسكُنوا على وَجْهِ الأَرضِ كُلِّها، وجَعلَ لِسُكناهُم أَزمِنَةً مَوقوتَة وأَمكِنَةً مَحْدودَة،  لِيَبحَثوا عَنِ اللهِ لَعَلَّهم يَتَحَسَّسونَه ويَهتَدونَ إِلَيه، معَ أَنَّه غَيرُ بَعيدٍ عن كُلٍّ مِنَّا ففيهِ حَياتُنا وحَرَكَتُنا وكِيانُنا، كما قالَ شُعَراءُ مِنكم: فنَحنُ أَيضًا مِن سُلالَتِه. فيَجِبُ علَينا، ونَحنُ مِن سُلالَةِ الله، أَلاَّ نَحسَبَ الَّلاهوتَ يُشبِهُ الذَّهَبَ أَوِ الفِضَّةَ أَوِ الحَجَر، إِذا مَثَّلَه الإِنْسانُ بِصِناعتِه وخَيالِه.فقَد أَغْضى اللّهُ طَرْفَه عن أَيَّامِ الجَهْل وهو يُعلِنُ الآنَ لِلنَّاسِ أَن يَتوبوا جَميعًا وفي كُلِّ مَكان، لأَنَّه حَدَّدَ يَومًا يَدينُ فيه العالَمَ دَينونَةَ عَدْلٍ عن يَدِ رَجُلٍ أَقامَه لِذلكَ، وقد جَعَلَ لِلنَّاسِ أَجمَعينَ بُرهانًا على الأمْر، إِذ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات. فَما إِن سَمِعوا كَلِمةَ قِيامةِ الأَموات حتَّى هَزِئَ بَعضُهم وقالَ بَعضُهمُ الآخَر: سنَستَمِعُ لَكَ عن ذلكَ مَرَّةً أُخرى. وهكذا خَرَجَ بولُسُ من بَينِهم، غَيرَ أَنَّ بَعضَ الرَّجالِ انضَمُّوا إِلَيه وآمنوا، ومِنهم دِيونيسيوسُ الأَرْيُوباغيّ، وامرَأَةٌ اسمُها دامَرِيس وآخَرونَ معَهُما» (أع 17/22 – 34).فبدأ الكهنة في هذه المنطقة يبشرون بأن الشجرة الخضراء هذه يرمز لونها الأخضر إلي الحياة الجديدة أيّ الحياة الإلهية و الإيمان بيسوع المسيح الذي لا يزول. و كما إن الشجرة متسربلة بالأنوار فهذه تشير أن يسوع المسيح هو نور العالم وهذا ما يعبر عنه يوحنا الإنجيلي: «لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم» يو1/9. وأيضًا في يو8/12: «وكَلَّمَهم أَيضاً يسوعُ قال: أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة»[32] وبدأت تظهر هذه الشجرة داخل المغارة في بقاع مصر مع الإرساليات البروتستانتية في إرهاصات القرن التاسع عشر. 

 

سابعًا: تقليد بابا نويل:-

يوجد تقليدان لبابا نويل فالتقليد الأول ينص كالتالي: أنه نشأ في اسكاندفيا, فتقليده يخبرنا عن شخص أسطوري, عاش بين الغابات في الصحراء كان حجمه الجسدي صغير جدا فكان يأتي للإنسان ليلا ويفعل له أشياء جميلة، وانتشر هذا التقليد في أميركا بواسطة اللاجئين من أوربا لأميركا[33].

أما التقليد الثاني: يسرد أن القديس نيقولاوس الصانع العجائب, رئيس أساقفة ميرالكيا, وهو عاش في زمن دقلديانوس الذي تسلم الحكم سنة 284, قسم العالم إلي قسمين هما :-

1-القسم الغربي:-

وتم تعيين الإمبراطور مكسيميانوس (286-305) ومقره في ميلانو, وكونستانس كلور  (305-306), بلقب قيصر, في بريطانيا, وغاليا وأسبانيا وهو والد الإمبراطور قسطنطين

2-القسم الشرقي:-

وكان فيه الإمبراطور دقلديانوس (284-305) وبلقب أوغست  وكان مقره نيكوميديا وغاليريوس (305-311) ومقره في ايليريا (البلقان) وهو زوج أخت دقلديانوس وبلقب قيصر[34] .

ففي أبرشية نيقولاوس استشهد ثلاثة أطفال بأمر الملك الحاكم يومذاك وهذا القديس دفنهم وعمل إحياء لذكرهم. فيبدو هذه الخبرة الأليمة أثرت في حياته, فبدأ يهتم بالأطفال ويزورهم في المدارس علاوة علي الاهتمام بالأطفال الأيتام والمتشردين والمحرومين سنتذاك لا بل يدافع عنهم في حق الحياة ومعيشتهم. وبع زمان طويل أي في القرون الوسطي تطورت الفكرة و ظهرت الهدايا و توزيعها في الليل. ونشأ هذا التقليد في ألمانيا ثم أخذتها أميركا ثم نقلوها اللاجئين الإيطاليين من أميركا, وفي نهاية القرن الثامن عشر كونت أميركا بابا نويل من التقاليد المذكورة آنفا. والقديس نيقولاوس تصنفه الكنيسة من الآباء اليونانيين, وكان حاضرا في المجمع المسكوني النيقاوي الأول المنعقد سنة 325[35], وتعيّد الكنيسة الغربية عيده في يوم 6 ديسمبر من كل سنة, والكنيسة الشرقية تحتفل به في يوم 19 ديسمبر من كل سنة, والكنيسة القبطية تعيد ذكراه في يوم 10كيهك من كل عام. يا وليد المذود ونحن نتطلع إلي عام جديد أعطنا أن نلتمس الفرح في وسط الشدة, أعطنا أن نري النور في قلب الظلام, أعطنا أن نجد الأمل في لحظات اليأس … يا طفل المغارة الذي قبلت في ذاك الزمان تقدمات المجوس …اسمح الآن واقبل ذهب حياتي, لبان صلواتي, ومرّ أتعابي…

 

ثامنًا: ألحان ليلة عيد الميلاد:

أدخل كثيرًا من ألحان الكنيسة اليونانية إلى الكنيسة القبطية اليعقوبية البطريرك كيرلس الرابع(1853-1861)، وذلك بسبب العلاقة الطيبة مع بطريرك الكنيسة اليونانية كالينيوس (1858- 1861)[36]. والذي اعتمد هذه الألحان في الكنيسة القبطية اليعقوبية هو القمص فيلوثاؤس إبراهيم بغدادي صالح (1837-1904).

وإننا نصف بعض ألحان الميلاد لكي لا أطيل في الموضوع البسيط جدًا[37]:

أ- اليوم البتول تلد الفائق الجوهر…

ب- الميلاد البتولي والطلقات الروحانية…

ج- ميلادًا عجيبًا، ومولدًا عظيمًا…

 قد وضع كلمات هذه الألحان هو رومانوس المرنّم، وهو من مواليد مدينة حمص في سوريا من والدين مسيحيين، وذلك في الربع الأخير من القرن الخامس، وصار شماسًا في كنيسة القيامة للروم الملكيين في بيروت سنتذاك. وذهب للقسطنطينية فيما بعد أثناء ولاية الإمبراطور أنسطاسيوس الأول، حتى توفيّ فيها. وأمّا جهة هيتينية الميلاد، ومرد الإبركسيس، والمحير، ومرد المزمور، ومرد الإنجيل، والأسبمسموس الآدام والواطس، البعض منها أضيف بعد القرن الثالث عشر، والآخر بعد القرن السابع عشر، والبعض أضيف في وقت لاحق.

كما أنّ هناك لحن اندثر من الكنيسة القبطية، وكما يُقال في دورة الإنجيل ليلة الاحتفال بعيد ميلاد الرب، وتنص كلامات هذا اللحن كالتالي: «فلتفرح السموات، ولتتهلل الأرض لأن يسوع المسيح ابن الله ولد في بيت لحم يهوذا الليلويا»[38] .

 

تاسعًا: إصلاح التقويم الغريغوي: 

وفي حبرية البابا غريغوريوس 13(1572-1585) لاحظ قداسته فرقا في موعد الأعياد الثابتة، وفي الاعتدال الربيعي عمّا كان أيام المجمع النيقاوي المنعقد سنة 325 بما يقدر بعشرة أيام[39]. فعين الحبر الروماني لجنة فلكية مختصة لدراسة هذا الموضوع فبعد الدراسة الفلكية قدّم التقويم 11يومًا أي 4/10الي 15/10علاوة علي تلافي ثلاثة أيام في كل 400 سنة، وبالتالي وصل الفرق بين الغرب والشرق 13يومًا[40] .

وقد اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية, برئاسة البابا كيرلس السادس، وقد قرر فيما بين 14و 15دسيمبر لسنة 1959: « أن لا تغيير ولا تبديل ولا تزحزح عمّا تم تسليمه لنا من الآباء والرسل الأطهار بخصوص تثبيت الأعياد عندنا علي أساس التقويم القبطي المصري النجمي»[41]. وعلي غرار ذلك جاء في المنشور البطريركي لغبطة أبينا البطريرك مكسيموس الرابع بطريرك أنطاكيا و الإسكندرية وأورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك, الصادر بتاريخ أول يناير لسنة 1967: « هذا الاختلاف في التاريخ لا علاقة له بجوهر الدين أي لا ينطوي علي المساس بأية قاعدة من قواعد الدين كما أنه لا يتضمن أي اختلاف في عقيدة من العقائد»[42].

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

ومراسل الموقع بإيبارشية سوهاج

stfanos2@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

 

 



1 راجع،  اسطفان شربنتييه (الأب)، «دليل إلى قراءة الكتاب المقدس»، ترجمة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1990، ص125.

2 راجع، فؤاد إفرام السرياني، «دائرة المعارف»، المجلد13، بيروت، 1980، ص168-169.  

3 راجع، لويس شيخو اليسوعي(الأب)، «عيد الميلاد»، مجلة المشرق، بيروت، العدد 7، نيسان، 1898، ص333-334.

4 راجع، يوحنّا كابس (الأب)، «عيد الميلاد في طقوسنا وتقاليدنا القبطية»، مجلة صديق الكاهن، القاهرة، السنة الرابعة، العدد العاشر، ديسمبر، 1952، ص289-299.

5 راجع حاشية 1، «إيجريا يوميات رحلة»، نقلها إلى العربية الأب نعمة الله الحلو، الراهب اللبناني، ودقق فيها ونسّقها وعلّق عليها الأب جورج باليكي البولسيّ،  أقدم النصوص المسيحية، سلسلة النصوص الليتورجية = 5، منشورات مجلس كنائس الشرق الأوسط، بيروت، 1994، 89.

 

6 راجع، ممدوح شهاب الفرنسيسكاني (الأب)، «قصّة الاحتفال بعيد الميلاد»، مجلة نور على الطريق، (مجلة غير دورية تصدر عن معهد التربية الدينية)، القاهرة، العدد 103/548، ديسمبر، 2009،ص7.

6 راجع، ملاك حنا صليب (الأب)، «ميلاد المسيح، سنته ويومه»، مجلة الصلاح، القاهرة، يناير، 1950، ص3-8.

7 راجع, أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي, «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار لتقي الدين, حققه وكتب مقدمته وحواشيه ووضع فهارسه الدكتور أيمن فؤاد سيد, مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي», المجلد الثاني, لندن, 2002, ص603.

8 راجع، «الموسوعة العربية الميسرة»، المجلد الثاني، بيروت، 1987، ص1981.

9 راجع، كارل راهنز، وهربرت ﭬورغريملر، «معجم اللاهوت الكاثوليكي»، ترجمة، بيروت، 1986، ص377-378.

10 راجع، «المنجد في اللغة والأدب والعلوم»، بيروت، الطبعة الخامسة، 1927، ص574.

11  راجع، مجموعة من المؤلفين، «دائرة المعارف الكتابية»، الجزء السابع، دار الثقافة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999، ص130-133.

12 راجع، مخطوط خليل سركيس، «تاريخ أورشليم»، بيروت، 1874، ص87-89.

13 راجع، سبستيان زنرفال اليسوعي(الأب)، «النيازك ونجم المجوس»، مجلة المشرق، بيروت، العدد الثاني، كانون الثاني، 1898، 49-55.

14 راجع، بولس الفغالي (الخوري)، «من القراءة إلى التأمل مع القديس متى»، الجزء الأول، القراءات الربية =1،  لبنان، 1993، ص22.

15 راجع، بولس الفغالي (الخوري)، «إنجيل متى بداية الملكوت»، الجزء الأول، دراسات بيبلية = 14، لبنان، 1996، ص129-130.

16 راجع، مقالنا المنشور، «تأمل في عيد ميلاد الرب»، مجلة رسالة الدعوات، القاهرة، السنة 22، العدد 86، 2005، ص10-11.

17 راجع، جاك ماسّون اليسوعي (الأب)، «الأصوام في التقليد القبطيّ وجذورها التاريخية»، مجلة المشرق، بيروت، الجزء الثاني، تموز – كانون الأول، 1998، ص381.

18  راجع راهب من الكنيسة القبطية، «الديداخي أي تعليم الرسل»، مصادر طقوس الكنيسة = 1/1، القاهرة ،2000، ص 172.

19  راجع مرقس داود (القمص )، «الدسقولية»، تعريب، مكتبة المحبة، القاهرة ، 1979، الطبعة الخامسة ، ص 122.

20 راجع ،ساو يرس بن المقفع (الأنبا)،«مصباح العقل» ،تقديم وتحقيق الأب سمير خليل اليسوعي، التراث العربي المسيحي = القاهرة، 1978، ص  79 .

21 راجع, O . E . E . Khs- BURMESTER , THE CANONS OF CHISTODULOS, PATRIARCH OF ALEXANDRIA,IN:LE MUSEON,45 (1932),Z.71 – 84.    

22 راجع، أنطونيوس عزيز مينا (الأب )، «مجموع قوانين غبريال بن تريك البطريرك السبعين (1131- 1145) »، الجزء 2، التراث العربي المسيحي =13، بيروت ،1993، ص 310-314.

 

 

23   راجع     O.H.E . Khs- BURMESTER , THE CANONS OF CYRIL Ш  IBN LAKAK,

،مجلة جمعية الآثار القبطية ،المجلد الرابع ، ( 1950 – 1957 )، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية -1958، ص 124 – 12

 

24  راجع، يوسف تادرس الحومي (الأب)، «المجموع الصفوي ابن العسال»، القاهرة 1990، ص 173.

25  راجع وديع أبو الليف (الأخ)، «مقدمة في الأدب العربي المسيحي للأقباط»، مجلة COLLECTNEA (29-30 ) ،THE FRANCISCAN- CENTRE OF CHRISTIAN ORIENTAL STUD IES CO – EDITOR FRANCISAN PRINITING PRESS CAIRIO JERUSALEM 1998 , Z , 461 .

 

26 راجع ، ابن كبر، «مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة»، الجزء الثاني 2، القاهرة، 1998، ص 140.

27 راجع، يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع، «الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، حققه ونقلة إلى اللاتينية، الأب فيكتور منصور مستريح الفرنسيسي، مؤلفا ت المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية ،القاهرة ، 1966، ص 89.

28 راجع ، عبد المسيح صليب البراموسي المسعودي (القمص)، «الخولاجي المقدس»، القاهرة، 1902، ص 7 .                

29 مقابلة، جان فرانسوا الدومنيكاني (الأب)، موضوع الحديث: «شجرة الكريسماس»، قام بالحوار: عبد المسيح دانيال جرجس، المدينة: القاهرة، يوم الجمعة الموافق 8 ديسمبر 2006، الساعة 11:45 ظهرًا.

30 راجع، ميلا ذكي بطرس، «بستان القديسين»، دار مجلة مرقس، القاهرة، بدون تاريخ، ص24.

31 راجع، ميلاد ذكي بطرس، «أدوات الإضاءة»، الجزء الثالث، دار مجلة مار مرقس، القاهرة، الطبعة الثانية، 2002، ص95.

32 مقابلة، يوحنّا فرنتس أنطون كارل البلجيكي موضوع الحديث: «بابا نويل»، قام بالحوار: عبد المسيح دانيال جرجس، المدينة: القاهرة، يوم الجمعة الموافق 8 ديسمبر 2006، الساعة ..:2 ظهرًا.

33 راجع مقالنا المنشور، « الحياة الرهبانية عبر الأجيال»، السنة 75، يناير /فبراير، 2005، 33-38

34 راجع، صبحي حموي اليسوعي (الأب)، « معجم الإيمان المسيحي»، دار المشرق، بيروت، 1994، ص519.

35 راجع، بولس غريغوريوس، وليم لازاريث، نيكوس ينسيوتيس، «مجمع خلقيدونية أيفرّق أم يجمع؟ نحو تقارب في المسيحانية الأرثوذكسية»، نقله إلى العربية الأب ميشال نجم، منشورات النور، بيروت، 1987، ص205.

 

36 لقد قمنا بدارسة تاريخية وموثقة مع نظرة نقدية، لأننا بحثنا في بطون المخطوطات، والوثائق، والمصادر القديمة، عن تاريخ اللحن القبطي، وسوف نعد هذا البحث البسيط، وننشره على هذا الموقع، وقد أعطينا هذا البحث عنوانًا: «جذور الألحان القبطية، ومؤلفوها بين الماضي والحاضر والمستقبل».

37 لمن يهمه الأمر في شأن ذلك يراجع الآتي:

أ- أغابيوس صليب بشاي(الأنبا)، «خدمة الشماس»، روما، 1875، ص65.

ب- كيرلس الثاني مقار(البطريرك)، «خدمة الشماس»، القاهرة، 1898، ص11.

38 راجع، إقلاديوس إبراهيم (الشمّاس)، «عيد الميلاد 25 ديسمبر أم 7 يناير »، القاهرة، الطبعة الثانية، 1995، ص 34.

39 راجع، رشدي واصف بهمان دوس(الدكتور)، «التقويم وحساب الأبقطي»، القاهرة، 2001، ص30-32.

40 راجع، توفيق حداد(المحامي)، «بحث فلكي تاريخي متواضع»، القاهرة، 1967، ص27.

41 راجع، «المرجع السابق»، ص26.