عظة البابا في قداس إعلان قداسة ستة طوباويين

"الإيمان أساسي كقاعدة وضع الصلاة"

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 18 أكتوبر 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها بندكتس السادس عشر يوم الأحد خلال القداس الذي أقيم في ساحة القديس بطرس لإعلان قداسة ستانيسلو سولتيس، أندريه بيسيت، كانديدا ماريا دي خيسوس ثيبيتريا إي باريولا، وماري ماكيلوب، وجوليا سالزانو وباتيستا كاميلا فارانو.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

ها هو عيد القداسة يتجدد اليوم في ساحة القديس بطرس. إني أرحب بفرح بكم أنتم الذين جئتم من بعيد للمشاركة فيه. وأوجه تحية خاصة للكرادلة والأساقفة والرؤساء العامين للجمعيات التي أسسها القديسون الجدد، وللوفود الرسمية ولكافة السلطات المدنية. إننا نسعى معاً إلى قبول ما يقوله لنا الرب في الكتب المقدسة التي أعلنت للتو. تقدم لنا ليتورجيا هذا الأحد قراءة أساسية: ضرورة الصلاة على الدوام من دون انقطاع. نحن نتعب أحياناً من الصلاة ويراودنا شعور بأن الصلاة ليست مفيدة كثيراً للحياة وأن فعاليتها ضئيلة. لذلك، نميل إلى تكريس أنفسنا للنشاط، واستخدام كافة الوسائل البشرية لتحقيق أهدافنا، ولا نلتجئ إلى الله. غير أن يسوع يقول أنه من الضروري أن نصلي دائماً، ويفعل ذلك من خلال مثل محدد (لو 18: 1-8).

هذا المثل يتحدث عن قاض لا يخاف الله ولا يكترث لأحد، قاض لا يحترم الغير. الشخصية الأخرى هي أرملة، إنسانة تعيش في حالة ضعف. في الكتاب المقدس، نرى أن الأرامل والأيتام يشكلون الفئتين الأكثر احتياجاً بسبب عجزهم وافتقارهم إلى الإمكانيات. تذهب الأرملة إلى القاضي طالبة منه إنصافها. إن إمكانيات الإصغاء إليها هي شبه معدومة لأن القاضي يحتقرها وهي لا تستطيع الضغط عليه أو حتى اللجوء إلى المبادئ الدينية لأن القاضي لا يخاف الله. لذلك، تبدو هذه الأرملة محرومة من كل الإمكانيات. لكنها تصر وتطلب من دون انقطاع، وتلح، وهكذا تتمكن في نهاية المطاف من نيل النتيجة من القاضي. هنا يتأمل يسوع مستخدماً حجة أولى قائلاً: إن كان قاض ظالم قد اقتنع بابتهال أرملة، فكم سيصغي الله الصالح إلى الذين يتضرعون إليه. ففي الواقع أن الله هو الجود شخصياً، هو الرحمة، وبالتالي فهو مستعد دائماً للإصغاء إلى الابتهالات. لذلك، يجب ألا نيأس أبداً، بل أن نصر دائماً في الصلاة.

تتحدث خاتمة المقطع الإنجيلي عن الإيمان: "عندما يعود ابن الإنسان، أيجد إيماناً على الأرض؟" (لو 18، 8). إنه سؤال من شأنه أن يحثنا على تنمية إيماننا. ومن الواضح أن الصلاة يجب أن تعبر عن الإيمان وإلا فهي ليست صلاة حقيقية. إن كان المرء لا يؤمن بصلاح الله، فهو لا يستطيع الصلاة بطريقة ملائمة. فالإيمان أساسي كقاعدة وضع الصلاة. هكذا رأى القديسون الستة الجدد المقدمون اليوم للكنيسة جمعاء لكي تكرمهم: ستانيسلو سولتيس، أندريه بيسيت، كانديدا ماريا دي خيسوس ثيبيتريا إي باريولا، وماري ماكيلوب، وجوليا سالزانو وباتيستا كاميلا فارانو.

وتابع البابا عظته بلغات مختلفة. فقال بالبولندية:

إن القديس ستانيسلو كازيميرتشيك، الراهب الذي عاش في القرن الخامس عشر، يمكنه أن يكون أيضاً مثالاً وشفيعاً لنا. كانت حياته كلها مرتبطة بسر الافخارستيا. بداية في كنيسة "جسد الرب" في كازيميرز المعروفة حالياً بكراكوفيا حيث تعلم مع والده ووالدته الإيمان والتقوى؛ وحيث نذر نذوره الرهبانية في رهبنة الكهنة القانونيين؛ وحيث عمل ككاهن ومرب مهتم بالعناية بالمحتاجين. لكنه كان متعلقاً بخاصة بسر الافخارستيا من خلال المحبة الحارة للمسيح الحاضر في أعراض الخبز والخمر؛ بعيش سر الموت والقيامة الذي يتحقق بطريقة غير دموية في الذبيحة المقدسة؛ ومن خلال محبة الغير التي تعتبر الشركة مصدرها ورمزها.

وقال بالفرنسية:

إن الأخ أندريه بيسيت المتحدر من كيبيك الكندية والراهب في رهبنة الصليب المقدس عاش الألم والفقر في وقت مبكر جداً. هذا ما دفعه إلى اللجوء إلى الله من خلال الصلاة وحياة روحية عظيمة. كحارس لمعهد نوتردام في مونريال، أظهر محبة لا حدود لها واجتهد في تخفيف معاناة الذين كانوا يأتون إليه. على الرغم من أنه لم يكن مثقفاً كثيراً، إلا أنه فهم أين يجد جوهر إيمانه. كان يعتبر أن الإيمان يعني إخضاع ذاته بحرية ومحبة للمشيئة الإلهية. ولأنه كان ممتلئاً بسر يسوع، عاش سعادة القلوب الطاهرة، سعادة الاستقامة الشخصية. هذه البساطة هي التي سمحت لكثيرين برؤية الله. كان مسؤولاً عن بناء كنيسة القديس يوسف في جبل مون روايال، وبقي حارساً أميناً لها حتى وفاته سنة 1937. كان شاهداً على العديد من الشفاءات والاهتداءات. وكان يقول: "لا تسعوا إلى التخلص من المحن، بل اطلبوا النعمة لمواجهتها جيداً". وكان يعتبر أن كل شيء كان يتحدث عن الله وحضوره. فلنتمكن على مثاله من البحث عن الله بصدق لاكتشاف حضوره الدائم في حياتنا!

فليلهم مثال الأخ أندريه الحياة المسيحية الكندية!

وقال بالإسبانية:

عندما يعود ابن الإنسان لينصف مختاريه، أيجد إيماناً على الأرض؟ (لو 18، 8). نستطيع اليوم أن نقول "أجل" بتعزية وقوة عند تأمل أشخاص كالأم كانديدا ماريا دي خيسوس ثيبيتريا إي باريولا. فهذه المرأة ذات الأصول البسيطة هي صاحبة قلب وضع الله ختمه عليه ودفعها بهدي مرشديها الروحيين اليسوعيين إلى اتخاذ قرار ثابت بالعيش "فقط من أجل الله". إنه قرار حافظت عليه بأمانة، كما ذكرت بنفسها عندما كانت على وشك الموت. عاشت من أجل الله ومن أجل ما أراده هو: الوصول إلى الجميع، حمل الرجاء غير المتردد، وبخاصة لمن هم بأكثر حاجة إليه. "حيث لا مكان للفقراء، لا مكان لي أنا أيضاً"، هذا ما كانت تقوله القديسة الجديدة التي بموارد نادرة ألهمت أخواتها الأخريات لاتباع يسوع وتكريس أنفسهن للتربية وتنمية المرأة. هكذا نشأت بنات يسوع اللواتي يجدن في مؤسستهن مثالاً سامياً يحتذى به، ونشأت رسالة مثيرة لا بد من استكمالها في البلدان العديدة التي وصلت إليها روح الأم كانديدا وطموحاتها الرسولية.

وقال بالانكليزية:

"تذكروا من كانوا معلميكم – فمنهم تستطيعون أن تتعلموا الحكمة التي تؤدي إلى الخلاص من خلال الإيمان بيسوع المسيح". خلال سنوات عديدة، حظي شباب كثيرون في كافة أنحاء أستراليا بأساتذة استلهموا من مثال الأم ماري ماكيلوب، مثال الشجاعة والقداسة والاندفاع والثبات والصلاة. فقد كرست نفسها كشابة لتربية الفقراء المتألمين في الأراضي الأسترالية الريفية الوعرة، وألهمت نساء أخريات للاتحاد معها في الجمعية النسائية الأولى للأخوات الراهبات في تلك البلاد. لبت احتياجات كل شاب أوكل إليها من دون الاهتمام بالمكانة الاجتماعية أو الثروة، وأمنت التنشئة الفكرية والروحية. وعلى الرغم من التحديات العديدة، فإن صلواتها إلى القديس يوسف وعبادتها التي لا تعرف الكلل لقلب يسوع الأقدس الذي كرست له جمعيتها الجديدة، أعطت هذه المرأة النعم الضرورية للحفاظ على أمانتها لله وللكنيسة. بشفاعتها، فليتمكن أتباعها من الاستمرار حالياً في خدمة الله والكنيسة بإيمان وتواضع!

وقال بالإيطالية:

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي كامبانيا الواقعة في جنوب إيطاليا، دعا الرب شابة تعلم الصفوف الابتدائية واسمها جوليا سالزانو، وجعلها رسولة التربية المسيحية ومؤسسة رهبنة الأخوات معلمات الدين لقلب يسوع الأقدس. فهمت الأم جوليا أهمية التعليم الديني في الكنيسة، وبجمع الإعداد التربوي مع الاندفاع الروحي، كرست ذاتها له بسخاء وذكاء مسهمة في تنشئة أشخاص من كافة الأعمار والطبقات الاجتماعية. كانت تكرر لأخواتها أنها ترغب في تعليم الدين حتى آخر ساعة في حياتها، مظهرة بكل كيانها "إن كان الله قد خلقنا لنعرفه ونحبه ونخدمه في هذه الحياة"، فلا شيء يجب أن يسبق هذه المهمة. فلتساند قدوة وشفاعة القديسة جوليا سالزانو الكنيسة في مهمتها الدائمة القائمة على إعلان المسيح وتنشئة ضمائر مسيحية حقيقية.

إن القديسة باتيستا كاميلا فارانو، الراهبة الكلارية التي عاشت في القرن الخامس عشر شهدت حتى الأعماق لمعنى الحياة الإنجيلي، مواظبة بخاصة على الصلاة. دخلت إلى دير أوربينو بعمر 23 سنة، وأدت دوراً رئيسياً في هذه الحركة الإصلاحية العظيمة التابعة للروحانية الفرنسيسكانية النسائية التي كانت تسعى إلى استعادة موهبة القديسة كلارا الأسيزية. نمت مؤسسات رهبانية جديدة في كاميرينو التي انتخبت فيها رئيسة دير لمرات عديدة، وفي فيرمو وفي سان سيفيرينو. لقد كانت حياة القديسة باتيستا المنغمسة تماماً في الأعماق الإلهية ارتقاءً دائماً على درب الكمال، بمحبة بطولية لله والقريب. وتميزت بآلام كبيرة وتعزيات روحية؛ لذا قررت حسبما كتبت بنفسها "أن تدخل إلى قلب يسوع الكلي القداسة، وتغرق في محيط آلامه الكلية المرارة". في وقت كانت تعاني فيه الكنيسة من انحطاط الأخلاق، سارت هي بحزم على درب التكفير والصلاة، وتقوت برغبة شديدة في تجديد جسد المسيح السري.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلنشكر الرب على هبة القداسة التي تشع في الكنيسة وتنعكس اليوم في أوجه إخوتنا وأخواتنا هؤلاء. ويسوع أيضاً يدعو كل واحد منا إلى اتباعه ليرث الحياة الأبدية. دعونا نفتتن بالمثل النيرة، ولنسر بهدي تعاليمهم لكي يصبح وجودنا نشيد تسبيح لله. أرجو أن تنال لنا هذه النعمة مريم العذراء وشفاعة القديسين الستة الجدد الذين نكرمهم اليوم بفرح. آمين.  

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010