حوار مع الأب الدكتور شنودة شفيق

 " عمل الروح القدس قاد الكنيسة لعقد سينودس الشرق الأوسط في هذا التوقيت"

مقابلة مع رئيس كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية للأقباط الكاثوليك في مصر

حاوره إميل أمين

القاهرة، الخميس 21 أكتوبر 2010 (zenit.org).

جاء انعقاد سينودس الشرق الأوسط في حاضرة الفاتيكان ليلقى الكثير من الترحيب والتفاؤل في الأوساط الكاثوليكية المصرية، ولا غرو فانه الحدث الأول من نوعه ولهذا فان ردود الأفعال عليه وهو على مشارف نهاية الأسبوع الثاني والأخير من أعماله تتوالى في مصر .

وفي طريق تلمس ردود الفعل على الحدث واستحقاقاته في الفترات القادمة كان لنا هذا اللقاء مع الأب الدكتور شنودة شفيق رئيس كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية " الكلية الاكليريكية " للأقباط الكاثوليك في مصر حول رؤيته للسينودس بشكل عام .

في تقديركم هل جاء هذا السينودس في الوقت الملائم بالفعل ؟

مؤكد ان اختيار التوقيت كان موفقا الى ابعد حد ومد وأنا اعزي هذا الأمر الى عمل الروح القدس من خلال قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر الذي  رأى  احتياج الكنيسة في الشرق الأوسط لهذا المجمع  حتى تقوم برسالتها الفعالة من خلال الواقع الحياتي اليومي وكي تتحقق فعلا رسالة يسوع المسيح وهي الشهادة بالروح والحق رغم الظروف الصعبة التي نعيشها في الشرق .

ما هي ردود الفعل الأولية لدى كهنة المستقبل في الاكليريكية طرفكم تجاه هذا الحدث الهام ؟

ما يفعله الاكليريكيون وما تقوم به الاكليريكية هو المشاركة مع السينودس بالصلاة  أولا لإنجاح أعمال اللقاء،  وبلا شك هناك حالة انتظار وترقب شديدة لنتائج اللقاء وتبعاته الروحية والزمنية خاصة بالنسبة للذين سيصبحون كهنة وحملة بشارة الخلاص .

 

كيف نظرتم الى عظة الحبر الأعظم في قداس افتتاح أعمال السينودس بوصفكم المسؤول الأول عن تكوين الآباء الكهنة الجدد؟

 في ذلك الوقت كنا نقيم الذبيحة الإلهية ، ولاحقا قرأت كلمة قداسته ومن وجهة نظر كانت الفكرة الأساسية لقداسة البابا انه لا شهادة بدون شركة بين الكنائس سواء على المستوى المحلي  أو الدولي وانه لا رجاء إلا بالعودة الى حياة الشركة الأولى التي كانت للمسيحيين الآباء في بداية المسيحية ، هذا  في تقديري أهم منطلق طرحه الحبر الأعظم أمام ناظرينا للتأمل فيه  إذا كنا نريد الاستمرار في بلداننا  ونتمسك   بإيماننا .

ما هو سقف أحلامكم وتطلعاتكم فيما يخص نتائج أعمال هذا السينودس ؟

 تمنياتي وتطلعاتي ان لا يكون الحدث الجلل هذا مناسبة لإلقاء كلمات احتفالية أو محاضرات نظرية بل ان تتحول هذه الى معطيات حياة تتنقل لاحقا الى الذين لم يقدر لهم ان يشاركوا في أعمال السينودس ولاسيما لجهة الاكليروس الذين بدورهم  سينقلون روح السينودس الى العلمانيين حتى يقدر لكل منهم في مجاله الحياتي ان يؤدي شهادته على أكمل وجه .

هل لكم كمؤسسة تعليمية كاثوليكية مشرقية احتياجات ومتطلبات خاصة ترفعونها للسينودس؟

مؤكد ان قضية  التنشئة التكوينية  للاكليريكيين  تأتي في مقدمة القضايا التي أتمنى ان تحظى باهتمام المشاركين من الآباء البطاركة والأساقفة سيما وان هولاء هم شهود المسيح في المستقبل وفي زمن العولمة هناك صعوبات كثيرة تقابل هولاء في خدمتهم من تعاطي مع أتباع  الأديان الأخرى ، إضافة الى  القضايا المسكونية وتقاطعاتها عطفا على الصعوبات السياسية والاقتصادية في أوقاتنا الحالية .

كيف ترى مشاركة بعض المراقبين من الإخوة المسلمين من الشيعة والسنة على نحو خاص؟

 اتابع ما يجري في الداخل والخارج وأحب ان أشير الى إنني تأثرت كثيرا بكلمة الأستاذ محمد السماك في السينودس ورأيت  مساحة التطلع المشترك ما بين المسيحيين والمسلمين  وكنت تمنى ان تكون المشاركة الإسلامية أوسع وان تكون هناك مشاركة مصرية إسلامية  حتى وان كان من بين الآباء الأساقفة المشاركين من سيقدم وجهة نظر عن  الرؤية والفكر الإسلامي المصري ، كنت أتمنى ذلك حتى يسود مناخ من الفهم الواعي بان ما يجري في الفاتيكان  ليس تخطيطا للضد بل لخير الوطن والمصلحة العامة والتعايش المشترك لان مصلحة الوطن هي مصلحتنا كلنا وما يهم المسيحي في العالم العربي يهم المسلم كذلك .

البعض في العلام الإسلامي ذهب الى ان ما جرى في الفاتيكان هو نوع من الاصطفاف الديني أو الإيديولوجي المقصود به مواجهة  المسلمين . كيف تقيم هذا الكلام ؟

 اعتقد ان هذا في الأساس حديث لا أساس له من الصحة بداية وان كنت أتفهم انه رد فعل طبيعي في مثل هذه الأجواء المحتقنة دينيا حول العالم ،  فعندما يدعو البابا الروماني كبار المسؤولين الروحيين المشرقيين  لاجتماع  على أعلى مستوي روحي مثل هذا فان أول ما يتبادر الى الذهن هو فكر المواجهة والمجابهة ولكن مع وجود مشاركة إسلامية سنية وشيعية وبل مع حضور يهودي كمراقبين أظن ان مثل هذه الأوهام الذهنية تتبخر  وتبطل وتبقى حقيقة ان السينودس يسعى لتعميق العيش المشترك وعمل الحق بالمحبة .

قضية الإسلام السياسي وتصاعد الراديكالية الإسلامية هل باتت تزعج مسيحي مصر فعلا ؟

 لا يمكن ان ننكر أبدا ان صعود الإسلام السياسي وتنامي الحركات الأصولية  على نحو خاص ظواهر باتت تؤرق مسيحي الشرق الأوسط وان كانت نسبتهما  اقل بكثير من الإسلام السمح المعتدل  سيما في مصر ، فالإسلام المصري معروف بقبوله الآخر عبر الزمان والمكان ، وأنا أعتقد ان المد الديني الأصولي له أسباب كثيرة ينبغي مواجهتها بالعقلانية والفكر الهادئ بدون عصبية في القول أو الفعل فهو فكر لابد من أن  يناظره فكر أخر .

 

هل أنت راض عن أحوال الحوار الإسلامي المسيحي في مصر ؟

كما هو معروف هناك لجنة حوار بين الفاتيكان والأزهر لكني أرى ان عملها يتوقف بمجرد انتهاء أعمال اللقاءات السنوية الموسمية ان جاز القول ، وفي لقائنا الأخير مع فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الجامع الأزهر اتفقنا على تكوين لجنة حوار محلية بين الأزهر الشريف وبين الكنيسة الكاثوليكية في مصر وأتمنى ان تجد هذه الفكرة ترجمة في الواقع حتى تصل روح الحوار الحقيقي للقاعدة العريضة من المصريين مسلمين ومسيحيين .

 

البعض يرى ان مشاركة الطوائف الأخرى وخاصة أرثوذكس مصر لم تكن كافية لماذا ؟

هناك مشاركة أرثوذكسية في السينودس ولو بصفة المراقب  وما يهمنا بالأكثر ليس العدد بل ما بعد السينودس وعلى صعيد الحياة والعلاقات المسكونية واعتقد ان هناك رغبة في تلمس  الجوانب المشتركة الايجابية وكيفية تخطي نقاط الخلاف وفي مقدمتها اشكالية إعادة سر العماد من قبل بعض الطوائف المسيحية  وهي اشكالية مهمة للغاية ان كنا نريد ان نعيش حياة الشركة الحقيقية كشهود للمسيح .

هل تعتقد ان السينودس الحالي فرصة لتلاقي الكنائس الكاثوليكية المشاركة تتجاوز الاثنيات والعرقيات الى الأصل الواحد في الإيمان ؟

 اعتقد ان آباء السينودس يلمسوا أهمية هذه القضية في هذا المنعطف التاريخي المهم وهذا يتبدى  واضحا في  حواراتهم وأنشطتهم المتبادلة لكن  تمنى ان لا يكون الأمر  على مستوى  واقعهم الابائي الرفيع  وفكرهم المتقدم  كبطاركة وأساقفة  وان يمتد هذا الفهم وتتبلور تلك الرؤية لدى القاعدة العريضة من كاثوليك الشرق عن بكرة أبيهم .

ما الذي يقوي العلاقة في تقديركم بين البابوية الغربية والكنائس المشرقية الكاثوليكية ؟

ما يدعم ويقوي هذه العلاقة أولا وأخرا في تقديري وحدة الإيمان المشترك والتي يعمقها ويعززها عمل الروح القدس الذي يعمق دعوة الشرقي والغربي  على حد سواء ، إضافة الى تراتبية الرئاسة  في الجسد المسيحي الواحد نهاية الأمر.

هل هناك مقاربة أو شبه مقاربة بين عمل الفاتيكان مع مسيحي شرق أوربا وفكره تجاه مسيحي الشر ق الأوسط ؟

 في كل الأحوال أنا أقول ان عمل الكنيسة هو  عمل الله الذي يستخدم رعاة الكنيسة للشهود للحق والإيمان في وجه التحديات وتمهيد الطريق لبشارة الخلاص واحترام كرامة الإنسان  المتعطش للبحث عن الإله الذي يتبعه في المسيح .

ألا ترى ان العلاقات المسيحية – المسيحية في مصر بين الطوائف محتقنة بشكل واضح ؟

 أنا ككنيسة كاثوليكية لا اوجد ولا أسعى لإيجاد أجواء الاحتقان هذه ، نحن نسعى تحت شعار دائم هو عمل الحق بالمحبة كما ينادي دائما غبطة الأب البطريرك الأنبا انطونيوس نجيب ،  نسعى  ان نعيش ما يقربنا من بعضنا البعض ، لكن هناك عقبات نجدها من قبل كنائس أخرى ومن مسؤولين بعينهم  سيما وان وجهات نظرهم العقائدية تنطلق من فكرة " ملاك الحقيقة والعقيدة المطلقة " فهم الوجهة الصحيحة أبدا ودوما وغيرهم مغرق في الخطأ شكلا وموضوعا وطوال التاريخ،  ومن أسف غالبية الناس تنقاد وراءهم لتهافت المستوى الفكري والروحي بين العوام .

 

ماذا عن الدعوات الكهنوتية الجديدة فيما يخص مؤسستكم الاكليريكية ؟

 بالنسبة لأعداد الأقباط الكاثوليك  في مصر يبقى عدد الدعوات طيب وان كانت ظاهرة تناقص أعداد الدعوات بشكل عام ملحوظ ففي هذا العام تقدم 10 أفراد اختير منهم 6 فقط ومن بدؤوا الدراسة بالفعل أربعة فقط .

إلام تعزي هذا  التراجع في أعداد المقبلين على سر الكهنوت ؟

 هذا الموضوع المهم ناقشناه مؤخرا في سينودس للكنيسة القبطية الكاثوليكية والأمر في  حقيقته له أسباب كثر رغم عملية تنشيط الدعوات التي تهتم  بها الايبارشيات المختلفة على صعيد مصر ، ربما هناك نموذج القداسة والقدوة وما اعتراه من تغير واضح ، هناك بالتأكيد الظروف الاقتصادية التي باتت تؤثر على كافة مناحي الحياة ، الفتور الذي يضرب في جواب المجتمع وفقدان ألغيرة والحماس ، ناهيك عن تراجع فكرة الإحساس بالمسؤولية والإقدام على مجازفة الاختيار كما يعلمنا الحبر الأعظم ، الشباب الآن يسعى  للحصول على كل شيء جاهز وبدون نضال أو كفاح في سبيل قضية ما .

هل اشكالية  البتولية هي السبب الرئيس في انصراف الشباب عن الكهنوت  الايبارشي ؟

لا أظن ذلك فالقانون الكنسي الشرقي يسمح بكهنوت المتزوجين ولدينا سيامات كثيرة تجرى بين المتزوجين حتى ان بعض الايبارشيات بها نسبة تصل الى 75% من الكهنة المتزوجين ، أنا أظن ان هناك عوامل أخرى كما أسلفت وهناك كذلك البعض يفضل الانضمام للرهبانيات حيث يروا ان الحياة الجماعية أيسر في الحال وأفضل في الاستقبال والمصير من الكهنوت الايبارشي الذي يواجه فيه الكاهن كافة صعوبات الحياة بشكل منفرد  بعكس حياة الجماعة في الرهبانية .

 

هل تخشى على مستقبل الحضور المسيحي في مصر ؟

بالمطلق أقرر لا . وأنبه في هذا السياق الى ان اشكالية  الحضور المسيحي ليس  قضية حضور عددي  ، إنما هو حضور يقوم على  الشهادة الحية ، فأعداد  لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة يشهدون بمحبة وحق في وسط متعدد الأديان أفضل بكثير من جماهير عريضة سطحية مغيبة لا حضور لها ، وحضورنا الكاثوليكي في ارض مصر والمجتمع المصري رغم قلة عددنا النسبي مشهود له من جميع المصريين مسلمين قبل المسيحيين،  من خلال ما تقوم به  الكنيسة الكاثوليكية من  شهادة حية إنسانية   فعالة على مستوى الخدمات الإنسانية والتربوية والصحية والتثقيفية  وهذه اكبر شهادة نبوية  لحضورنا المسيحي على ارض مصر المحروسة .