مداخلة المطران جورج بكر

 

النائب البطريركي العام للروم الكاثوليك في مصر والسودان


سينودس الشرق الأوسط

فيما يلي جانب من مداخلة المطران جورج بكر، النائب البطريركي العام للروم الملكيين الكاثوليك في مصر والسودان، في سينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط:

 

التربيةُ التي أساسُها الحريةِ خطوةٌ أساسية للتعايش. في المجتمعِ المتعددِ الأديان فليس هناك تعايشاً بين الفئاتِ المختلفة في المجتمعِ دون أن يتمتعَ الفرد من كل فئة بحريته الذاتية، ويؤمن كلُ فردٍ من كلِ فئةٍ بحريةِ الأخر وتقتنع بأن حريتَه من حريةِ الأخر" وهذا يتطلب سعيٌ وجدٌ وحكمة.

 

سعيٌ في أن نربيَ الأجيالَ الصاعدةَ على مبدِأ احترام الآخر, احترام عقيدتِه, وإيمانِه, والعمل معاً حول ما يمكن أن يجمعَ من مبادئِ وقيم إنسانية سعيًا نحو الدخول بالمجتمع نحو تحقيق المدنية الإنساني.

 

هذه المسيرة تتطلب الدخول بالتربيةِ إلى تنشئة جيلٍ مسؤول عن الآخرين, ويقبل بمسؤولية الآخرين عنه، جيلٍ يقبل التواصل مع الآخر ليكون شريكاً له في بناء وصياغة مستقبل المجتمعِ الذي يحيا فيه, والمكّون من أفراد مختلفين يتحملوا المسؤولية معاً في بناء الجسورِ بدل الجدران.

 

من هذا المنطلق نحن نطالب بخطابٍ إنساني ديني جديد وخطاب تعليمي جديد في مؤسساتنا التربوية. يدعو إلى الانفتاح على الآخر. وتربية النشئ على أن غايةَ جميعَ الأديان بالمرتبة الأولى هي الإنسان خليقةَ الله. على صورتهِ ومثالهِ وخلقه, فمن لا يحترم الخليقة لا يحترم الخالق.

 

إن الأديانَ كلهَا تسعى لخدمة الإنسان وإرشاده إلى الطريقِ القويم في ممارسةِ الفضيلةِ ومكارمِ الأخلاق, والنهي عن المنكر, والشر, والأثم, والخطيئة بواسطةِ التعاليمِ الدينية, وهذا يتم في حياتِنا المسيحية من خلالِ وصية واحدة هي "المحبة" (أحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم) ويفصّل يسوع ذلك من خلال موعظة الجبل (مت: 5, 6, 7) فمن خلالها يعطينا منهجاً لحيِاتنا المسيحية وعلاقتِنا مع الآخرين وخاصة الفقيرِ, والمسكينِ, والجائعِ, والعطشانِ, والعريانِ, والمريضِ, والسجين, والأسير كما أوضح ذلك مثل الدينونة العامة.

 

فالمحبةِ التي نظهرها للآخر لأي إنسان ولكل إنسان دليل على محبتنا لله فإن قال أحدٌ أني أحب الله وهو يبغض أخاه فهو كاذب.

 

في الإسلام كذلك ينادى كبار الفقهاء والمفتين بأن الإسلامَ يسعى دوماً إلى السهر على إقامةِ علاقة الإنسان بأخيه الإنسان من خلالِ التعاون في الحياةِ العامةِ والسلم العام ففي الإسلام: "الدين المعاملة".

 

نحن في جمهوريةِ مصرَ العربية نسعى إلى تربيةِ النشئ من خلال 168 مدرسة كاثوليكية تستقبل التلاميذ مسيحيين ومسلمين وهى تسعى جميعًا وتسلط الضوء على أن المسيحية والإسلام يجعلان الإنسان مكتملاً فى إيمانِه وعلاقِته بالله بقدر ما هو منفتحٌ على الآخرِ محترماً لعقيدته.

 

أصحاب السادة والنيافة،

 

وحتى لا تغدو كلماتُنا مجرد شعارات ولاسيما أننا نواجه اليوم ثقافَة الموتِ والوحدةِ واليأس، لابد أن تكون مؤسساتُنا الكاثوليكية شهود للحياة التي ندافع عنها, والتي تحمي الإنسان منذ الحمل به إلى يوم وفاته الطبيعية وفى هذا الإطار نقدم لكم بعض التوصيات لتفعيل دور مؤسساتِنا الكاثوليكية التعليمية.

 

حتميةُ تجاوبُ مؤسساتِنا التربوية الكاثوليكية في العالم العربي مع المؤسساتِ الثقافية والفكرية في الداخلِ والخارجِ التي تحث على العيشِ المشترك والوعي الحضاري والثقافي بحيث لا تصبح مؤسساتُنا التربوية الكاثوليكية جزر منعزلة.

 

العودةُ إلى التوازنِ في مؤسساتِنا التربوية الكاثوليكية بين الجانبين الأكاديمي والروحي وخصوصاً بعد أن طغى التعليم العلماني على الديني.

 

اختيار عناصر مسيحية كاثوليكية من أبنائنا والقيام بدوراتِ تأهيل لإعداد كوادر قيادية جديدة.

 

العمل على تأسيس مراكز خاصة لإرشاد الأسر وخاصة حديثي الزواج فالعائلةِ السليمة هي منطلق الدعوات الكهنوتية, والرهبانية, والعلمانية الفاعلة والمثمرة.

 

ولأن التربيةَ بشقيها الأكاديمي والروحي هي عملية غاية في الأهمية نحو بناء أجيال مسيحية كاثوليكية تقود منعطفات حياة الكنيسة والمجتمع معاً, فليس أقل من المناداة بالدعوة إلى عقد سينودس دوري عربي عام لمجلس بطاركة الشرق الأوسط, وبحضور جميع رؤساء الأساقفة ورؤساء الأديار ومندوبي الكرسي الرسولي من كل بلدٍ عربي لبحث هذه الإشكالية المصيرية وكيفية التعامل مع عملية بناء أجيال مسيحية كاثوليكية تعيش بمحبة وانفتاح على مجتمع غالبيته من المسلمين في ضوء تطورات وتحركات المجتمعات السريعة جداً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.