حديث غبطة البطريرك لمجلة روزاليوسف

ارسله للموقع الأب يوسف أسعد

أنطونيوس نجيب .. أول كاردينال مصرى من حقه أن يصبح بابا للفاتيكان يتحث لـ روزاليوسف.. من حق أي شخص أن يقول للبطرك «لا»  لم أنحن لتقبيل يده كما أنه لم يمدها بشكل يوحي لمن يصافحه بالتقبيل.. مددت يدي إلي الكاردينال أنطونيوس نجيب بطرك الأقباط الكاثوليك وأنا منتصبة الرأس.. أنظر في عينيه علي نفس مستوي بصره المبتسم في طيبة ووداعة تعيد إلي الذهن صورة رجل الدين القديمة التي ربما تجردت من كثير من سماتها. عندما دخل مصور «روزاليوسف» ليلتقط صورا.. لم يأبه البطرك لأن يرتدي حلته الكهنوتية الفخمة حتي طلبنا منه أن يرتديها، لكنك لا تحتاج إلي أكثر من نصف ساعة من الحديث معه حتي تفقد اندهاشك وتجيب علي كل الأسئلة، فهو رجل فلسفته الخاصة غير المنطوقة في الحياة هي أنه يستمد قيمته من داخله ولا يعاني من نقص يعوضه بحلة كهنوتية ولا من قبلة تطبعها شفاه المؤمنين علي يده. أصبح الأنبا أنطونيوس نجيب الكاردينال المصري الوحيد بعد أن أصدر البابا بنديكتس السادس عشر بابا روما قرارا في 20 من أكتوبر الماضي أثناء انعقاد مجمع أساقفة الشرق الأوسط بتعيينه كاردينالا بمجمع الكرادلة بالفاتيكان.

وباعتباره بطرك للكاثوليك المصريين فإن أنطونيوس نجيب يناظر في موقعه البابا شنودة الثالث علي رأس الكنيسة الأرثوذكسية والدكتور صفوت البياضي علي رأس الكنيسة الإنجيلية. تعيين البطرك المصري كاردينالا وهو لايزال في عامه الـ 76يعني أنه لو توفي بابا روما سيكون اسم أنطونيوس نجيب مطروحا ضمن 124 كاردينالا من حقهم الترشح للباباوية لأن من شروط الترشح هو أن يكون كاردينالا ولم يتعد الـ80 من عمره.

كيف تنظر إلي التهديدات التي أطلقها تنظيم القاعدة وخاصة أنك عائد للتو من مجمع عنوانه «الأقباط في الشرق الأوسط»؟ .. قال بيان القاعدة «ليعلم هؤلاء المشركون وفي مقدمتهم طاغوت الفاتيكان الخرف أن سيف القتل لن يرفع عن رقاب أتباعهم حتي يعلنوا براءتهم مما تفعل الكنيسة المصرية».

– التعليق الوحيد أنها أقوال غير مسئولة وغير عاقلة.

لكن ما هو سببها من وجهة نظرك؟

– السبب في رأيي سواء بالنسبة لهذه التصريحات أو غيرها أنها محاولة لتبرير أعمال إجرامية.

هل تعني أن مسألة الأديرة مجرد حجة لنوايا مسبقة؟

– نعم هي مجرد تبريرات للعنف والعدوانية.

ألم تصبك هذه التهديدات الإرهابية بخيبة أمل أو شعور بأن ما يتردد في مجامعكم هو مجرد كلام يظهر ضعفه أمام الواقع؟

– بل أشعر بأهمية انعقاد مثل هذه المجامع، فنحن لا نجتمع لتبادل آراء وخطب بل نسعي لتفعيل كل كلمة نتناقش حولها وهذا الحضور وهذه الشركة هما من أجل الشهادة للإيمان المسيحي الذي يدعونا إلي المحبة والخدمة المفتوحة للجميع بدون أي حدود أو فواصل.

هل شعرت بالخوف؟

– الأمن الأساسي لنا هو الصلاة لهداية البعيدين عن الطريق الصحيح والصلاة لله من أجل أن يحفظ بلادنا وكنائسنا. وأنت جئت اليوم إلي الدير ورأيت بنفسك أنه لا يوجد أي قلق.

كيف رأيت رد فعل الدولة؟

– الدولة عملت ما فيه الكفاية.. الإعلان والتصاريح جاءت من أعلي المستويات للتنديد بهذا الفعل وتأكيد الوحدة بين كل المواطنين وتم تشديد الإجراءات الأمنية علي الكنائس والمؤسسات المسيحية.. وسفر الدكتور أحمد الطيب للعلاج في الخارج لم يمنع إعلان الأزهر الفوري عن رده علي لسان نائب شيخ الأزهر، لحقه تصريح فضيلة الإمام الأكبر بنفسه.

تناقشتم حول «الإسلام السياسي» كإحدي القضايا التي تهدد المسيحيين في الشرق الأوسط.. ماذا قلتوا؟

– الكلام عن الإسلام عموما كان موضع مداخلات عديدة وكان إيجابيا في أغلب الأحيان ويدعو إلي مزيد من الحوار والتعاون علي أساس المواطنة التامة لبناء مجتمعات تعاون ومحبة وعدالة وسلام.

ماذا عن الإسلام السياسي؟

– موضوع الإسلام السياسي جاء ذكره حيث إنه ظاهرة لا يمكن تجاهلها في إطار الحياة الحالية في البلاد العربية.. وذلك ليس أمرا طارئا إنما هو موجود منذ منتصف القرن الماضي.. وأشار البعض إلي ما أثاره هذا التيار من تعصب ملحوظ عند المتشددين من أتباعه.

هل تحدثتم عن الإخوان المسلمين؟

– لم نتحدث عن الإخوان المسلمين تحديدا لكننا تحدثنا عن هذا التيار الديني السياسي وما يمثله من خطورة.

ما مظاهر هذه الخطورة في رأيك؟

– كان رد فعل البعض من المسيحيين في هذه البلاد الانطواء داخل مؤسساتهم الدينية. لكنني أشير أيضا إلي أن القائمين بمسئولية قيادة البلاد حاليا يبذلون جهدا كبيرا في سبيل التواصل بين أبناء الأوطان ونأمل أن يحقق ذلك أهدافه.

أليس غريبا أن ينتقد الكاثوليك الإسلام السياسي بينما الكاثوليكية هي المسئولة تاريخيًا عن خلط الدين بالسياسة؟

– أوضحي سؤالك أكثر.

عندما كانت هناك سلطة باباوية في أوروبا تتخطي السلطة الدينية إلي السياسية في عصور سميت تاريخيا بعصور الظلام لم تتقدم أوروبا إلا بالتخلص منها.. هل تري أن الإسلام السياسي اليوم يشبه هذه السلطة الباباوية؟

– هذا في الواقع لم يكن تعليما لاهوتيا أو صورة مقصودة لوجود الكنيسة الكاثوليكية في المجتمع وإنما حدث فعلا أن الرئاسة الدينية للكنيسة الكاثوليكية أي الفاتيكان وعلي رأسه بابا روما أخذوا مكانة وسلطة مدنية ويرجع هذا الواقع إلي عوامل تاريخية خاصة بإيطاليا التي كانت عبارة عن إمارات صغيرة علي رأس كل منها ملك أو أمير ولم تكن هناك وحدة وطنية وكان الأقوي يستولي علي الأضعف وسط هذا الواقع كان لابد للكيان الديني الرئيسي للعالم الكاثوليكي أن يكون له موقع ونظام يضمن وجوده ورسالته ومن هنا نشأت دولة الفاتيكان التي تعرضت لهجمات من الإمارات المجاورة وكانت تضطر إلي الدفاع عن نفسها، ومن هنا توسعت السلطة المدنية للفاتيكان وبابا روما حتي قيام الحركة الإيطالية التحررية وصولا إلي معاهدة دولة إيطاليا الحديثة بأن يكون للفاتيكان دولة تقل مساحتها عن فدان مربع ولا جيش لها وهدفها الوحيد هو ضمان حرية وإمكانية قداسة بابا روما في الاتصال بالكاثوليك والكنائس الكاثوليكية في العالم أجمع.

هل تعني أن السلطة السياسية لبابا روما التي تشبه ما يريده الإسلام السياسي اليوم هو خطأ ديني؟

– هو خطأ لم يكن مقصودا وليس مبنيا علي أساس ديني لكنه جاء لظروف سياسية معينة.

هل دولة الفاتيكان اليوم لا تتدخل في السياسة أبدا؟

– تتدخل في حدود الحفاظ علي مبادئ العدل والقيم الأخلاقية الإنسانية الصحيحة.. والمثال علي ذلك موقفها الثابت والمعلن من القضية الفلسطينية.

أريد أن أفهم.. هل أنتم مع الفصل التام للدين عن الدولة؟

– تعليم الكنيسة الكاثوليكية الحالي هو العمل بما أعلنه السيد المسيح نفسه «اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله».. فالمؤسسة الدينية هي التي تهتم بالمجال الديني والمؤسسة المدنية تهتم بالمجال المدني في تعاون بين المجالين بحيث إن المجال المدني لا يتبني ولا يقرر أمورا ضد حقوق الإنسان من حيث حريته الدينية ومن حيث القيم والمبادئ الأخلاقية.

كلامك عن الحرية الدينية وحقوق الإنسان مفهوم، لكن ألا تري أن حرمان الأقباط من حق الطلاق هو ضد الحرية الدينية وحقوق الإنسان؟ خاصة أن الكاثوليك يحرمون الطلاق مهما كانت الأسباب؟

– أظن أن قداسة البابا شنودة أوضح هذا الأمر من قبل.

أريد رأي قداستك؟

– رأيي أنني أرفض أن يفرض علي الكنيسة القبول بالزواج الثاني.. والمبدأ الذي تحدثنا عنه من قبل هو قبول القوانين المدنية مادامت لا تتعارض مع الثوابت الأكيدة لتعليم المسيح، وبالتالي كما سبق وقال قداسته وكما أقول أنا.. من يريد أن يبقي في حضن الكنيسة عليه الالتزام بهذا الإيمان.

لماذا تجبرون المسيحيين علي اتباع تعاليم الكنيسة؟ أليس هذا ضد الدولة المدنية وحقوق الإنسان والحرية الدينية؟

– الكنيسة لا تستطيع أن تفرض علي أي شخص الالتزام بقواعدها قسرًا وقهرا ضد إرادته.. لكن في نفس الوقت هو من جانبه ليس له أي حق أن يطالب الكنيسة بأن تعمل ما هو مخالف لتعاليمها، إذن الإنسان حر لكن من حق الكنيسة أيضا أن تلتزم بتعاليمها.

ما هي نسبة الانفصال (لأنه ليس لديكم طلاق) في الطائفة الكاثوليكية؟

– ليس لدينا إحصائيات لكن طلبات الانفصال التي شهدتها أنا علي مدار حياتي كلها لا تزيد علي 5 طلبات. وعندما نحكم بالانفصال يكون عادة لفترة مؤقتة للوصول إلي حل روحي واجتماعي يعيد الوحدة للعائلة.هذا فضلا عن أننا لا نسمح بالزواج إلا بشهادة حضور دورات إعداد الزواج والنجاح فيها.

-الزواج عندكم سر مقدس والطلاق من رابع المستحيلات.. فلماذا أعلن البابا شنودة عدم اعترافه بزواجكم؟ وكيف ترون ذلك؟

– الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت تعترف دائما بالزواج الكاثوليكي حتي زمن قداسة البابا كيرلس السادس، وفي بداية عهد قداسة البابا شنودة الثالث، وطبعا لابد أن قداسته له اعتباراته اللاهوتية لاتخاذ هذا التعليم.

– وماذا عن موقفكم أنتم من الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية؟

– نحن نعترف بالزواج في الكنيسة الأرثوذكسية. وبناء عليه لا نقبل أي حكم محكمة مدنية بحل وثاق مثل هذا الزواج.

– ألا ترون أن رفض البابا شنودة للاعتراف بزواجكم يعرقل الحوار الذي تسعون إليه بين الطوائف المسيحية؟

– قداسته يشجع جدا الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية وقد وعد لدراسة هذا الموضوع من أجل الوصول إلي صيغة يتفق عليها الجميع.

– هل سبق وتحدثت معه حول هذا الشأن؟

– نعم تحدثت مع قداسته في هذا الموضوع وكان جوابه واضحا حيث قال أنه عندما نصل إلي الشركة الكاملة في الإيمان سيتبع تلقائيا الشركة الكاملة في الأسرار. ولذلك فالدراسة وخصوصا الصلاة ضرورية في هذه المرحلة.

– هل تعرقل مثل هذه التصريحات التعاون بين الكنائس المصرية؟

– هي أحد الأسباب التي تمنع تحقيق الشركة الكاملة .. لذلك نصلي كما قال المسيح «أن يكون الكل واحدا حتي يؤمن العالم أنك أرسلتني».

– هل من الممكن أن تقوم أنت وأنت بطرك الأقباط الكاثوليك بالصلاة في كنائس تنتمي إلي طوائف أخري؟

– طبعا.. أنا أصلي في أي كنيسة طوال عمري ومازلت.

– إذن لماذا تطلقون في كل بياناتكم الرسمية علي البروتستانت «الجماعات الإنجيلية»؟ – أنا عن نفسي أتعامل مع الكنيسة الإنجيلية علي أنها كنيسة وأعترف بها تماما وكذلك الفاتيكان لكن تسمية «كنيسة» لها قواعد خاصة من ضمنها التسلسل الرسولي.. مجرد مسميات وهذا لا يعوقنا إطلاقا عن حوارنا مع البروتستانت.

– ما هو تعليقك علي الانزعاج الإسرائيلي من مجمع أساقفة الشرق الأوسط؟

– الفاتيكان يتبني وجهة النظر المؤيدة لإقامة الدولة الفلسطينية والمعارضة لأي انتهاك لحقوق الإنسان منذ بداية القضية الفلسطينية وهذا الرأي تم التعبيرعنه بوضوح في الوثائق النهائية للمجمع وطبعا قد أزعج ذلك دولة إسرائيل. .

– كيف تستطيع الحفاظ علي الثوابت الدينية في ظل تطور في فكرك الديني؟

– دراسة الثوابت الدينية في حد ذاته يوضح اعتبارات جديدة وهي ليست اختراعات إنما سر الله هو بحر لا يمكن سبر أغواره.

– أعطني أمثلة علي المجالات الدينية التي تقبل التطور والتغيير؟

– هناك أمور تنظيمية يمكن جدًا تغييرها مثل أوقات الأصوام، فلا يوجد أي نص يقول صوموا يوم كذا من كذا لكذا.. أيضا بخصوص استخدام اللغة العربية في كنائسنا، فالمسيحية في مصر بدأت يونانية ولما تغلغلت صارت قبطية ولما دخل الإسلام صارت عربية.. فلماذا أستخدم القبطية في الكنائس حتي اليوم؟

– لاحظت في كثير من إجاباتك استخدامك لكلمات مثل «في رأيي» و«أعتقد أن».. هل يمكن أن يقول أحد للبطرك «لا»؟

– طبعا من حق أي شخص أن يقول للبطرك «لا» وأي شخص يمكنه أن يدخل معي في نقاش مادام لا يمس ذلك ثوابت العقيدة المسيحية.

بقي أن نقول أن الكاردينال أنطونيوس نجيب كان قد قرر التقاعد عن الخدمة قبل اختياره بطريركا للأقباط الكاثوليك، فعاش حياة منزهة تماما عن أي أحلام بالوصول إلي السلطة الدينية حتي تم ترشيحه دون علمه أو إرادته ليصبح البطرك فقبل رضوخا لما وصفه بـ«الدعوة الإلهية»