مقابلة مع سفير الكرسي الرسولي في جمهورية مصر العربية

مصر – سفير الفاتيكان: البابا لم يتدخل بشؤون الدولة، بل دعا فقط إلى الأخوّة والأمن واللاعنف

حاوره إميل أمين

مصر، الاثنين 17 ديسمبر 2011 (ZENIT.org).

ألقت الأحداث الأخيرة التي جرت في مصر عشية رأس السنة من اعتداء على كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط وما تلاها من تصريحات حول العالم بظلالها على الأجواء الفكرية والدينية بل والسياسية في مصر ، وفي القلب منها كانت تصريحات الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر بخصوص أقباط مصر والتي اعتبرت في القاهرة خاصة من جانب الأزهر الشريف والخارجية المصرية تدخلا في الشؤون الداخلية المحلية.

 للوقوف على أبعاد المشهد وتحليلاته التقت زينت رئيس الأساقفة مايكل لويس فيتزجيرالد سفير دولة الفاتيكان في مصر وكان لنا مع سيادته هذا الحوار. 

** بداية كيف ترون سيادتكم المشهد الآني المصري  بعد الأحداث التي جرت في الأسابيع الماضية؟

أثار تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية ردود أفعال متباينة. في البداية كانت هناك مظاهرات من جانب الأقباط، ليست ضد المسلمين بل ضد قوات النظام. كان السبب الرئيسي للمظاهرات شعور الأقباط بعدم حماية الحكومة الكافية لهم. ومع ذلك، أثار الحدث المؤسف مظاهرات أخرى مشتركة بين مسيحيين ومسلمين رغبة في توضيح وحدتهم ضد الإرهاب.

** بعض المراقبين رأوا ملامح ايجابية ما في مشاهد التضامن المصري الأخيرة .. كيف تراها من جانبكم؟

من الجيد أيضاً ملاحظة أن مسلمين كثيرين قدموا العزاء للمسيحيين مبينين أن حركة التلاحم ليست مجرد شعاراً سياسياً. ومنذ التفجير ارتفع مستوى الأمن حول الكنائس، ومع ذلك ما زال هناك شعور بالتوجس والخوف. تم الاحتفال بصلاة عيد الميلاد الأرثوذكسي كالمعتاد، لكن الحالة المزاجية كانت سيئة. كما تم إلغاء أو اختصار احتفالات أخرى. هناك شك في ظل وجود تهديدات القاعدة. ومع ذلك هناك إجماع شعبي على استنكار مثل هذه الهجمات.

** في تقديركم هل ما جرى في الإسكندرية حادث طائفي أم جريمة إرهابية ؟

يبدو تفجير كنيسة الإسكندرية هجوماً إرهابياً حقاً يختلف عن أعمال عنف أخرى عانى منها المسيحيون مثل مقتل ستة مسيحيين ومسلم في نجع حمادي أثناء عيد الميلاد الأرثوذكسي في 2010 أو مهاجمة أفراد في قطار في سمالوط. رغم أن متعبدين في كنيسة مسيحية كانوا مستهدفين، يبدو الهدف وكأنه زعزعة المجتمع.

** حتى نزيل أي لبس لجهة تصريحات الحبر الأعظم البابا بنكدتس ما الذي قاله بخصوص حادثة الإسكندرية  بالتحديد؟

خلال عظته "طريق السلام"  قال البابا ما يلي: "أبلغت بمزيد من الألم خبر الاعتداء ضد الأقباط المسيحيين في الإسكندرية بمصر ، هذه الجريمة الآثمة – تشابه ما حدث في العراق بوضع قنابل بجوار منازل المسيحيين ، بهدف إرهابهم ودفعهم لترك بلادهم". وأشار إلى " أن هذا الحادث جريمة بحق الله والبشرية جمعاء " وأضاف :" من اجل مواجهة خطط العنف التي تستهدف المسيحيين والسكان كافة ، ارفع الصلاة إلى الله من اجل الضحايا وأسرهم ، كما أشجع الجماعات الكنسية كي تثبت في الإيمان وتكون شهادة ل " لا عنف " جوهر الكتاب المقدس ."

 ** ما دلالات هذه الكلمات أن أردنا تحليلها بموضوعية وحياد وبعيدا عن أي مواقف نمطية سابقة ؟

يمكن أن نخلص إلى أمرين :

 أولا : إن الهجوم الذي وقع ضد المسيحيين قد اثر على السكان كافة وليس المسيحيين فحسب .

 ثانيا : الحبر الأعظم يطالب بان لا يكون العنف المضاد هو الوسيلة للرد على هذا الذي جرى في الإسكندرية.

** لكن البابا تحدث من جديد في مناسبة اليوم العالمي السلام .. ما الذي قاله قداسته في هذا الشأن؟

في الأول من يناير وفي ساحة القديس بطرس قال قداسته ما نصه : "في هذه المناسبة  ارفع الصلاة  لكل إنسان  في هذه الدول وخاصة لحكامها أن يسلكوا بكل حزم في طريق السلام".

كما طلب قداسته من الشعب ألا يعطي للقلق فرصة أو الانصياع لقوة الأنانية والعنف.

** البعض قال أن البابا طالب السلطات المحلية بإجراءات تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لتلك الدول .. ما صحة هذا  القول  من عدمه ؟

قداسة البابا قال  بالنص : "إن الكلمات ليست كافية بل يجب أن تصاحبها أفعال ملموسة من قبل السلطات السياسية كافة". وبالإشارة  إلى رسالة اليوم العالمي للسلام تحت عنوان " الحرية الدينية درب للسلام "، فقد استهلت بالكلام على الهجوم الذي وقع على كنيسة سيدة النجاة في بغداد وأسفر عن مقتل  العديد من المسيحيين . كما تحدثت الرسالة عن الخطط المسبقة التي  تستهدف المؤمنين والرموز الدينية ". وعلى الرغم من أن المسيحيين هم الجماعة الأكثر معاناة بسبب إيمانهم ألا أن هذه الرسالة موجهة لكل المؤمنين .

** هل يمكن أن يفهم من أحاديث البابا بندكتس أنها تهديد للتعايش بين الأقليات والأغلبية أو لهوية الأغلبية ؟

البابا شدد في كلماته على أن " الدفاع عن الدين هو دفاعا عن الحقوق  والحريات لكافة الجماعات المؤمنة . ومن هنا على القادة الدينيين والسياسيين تقديم الدعم الكافي لحماية الحريات والأقليات الدينية . فهذا ليس تهديدا لهوية  الأغلبية بل دعوة للحوار  والتواصل الثقافي ".. ومن خلال  هذه المبادرات سيكون هناك انفتاحا متبادلا للحريات والحقوق في كل أنحاء العالم وليس للمسيحيين وحسب بل لإتباع الديانات كافة ".

** كيف تفسرون إذن موقف الأزهر الشريف من الفاتيكان والبابا  رغم أن على رأسه إمام ذو أفكار تقدمية وله علاقات طيبة مع الغرب عموم

 يبدو أن هناك سوء فهم من جانب شيخ الأزهر بخصوص ملاحظات البابا بندكتس السادس عشر. وبصفتي الممثل الرسمي للبابا هنا في مصر، أصدرتُ تصريحاً أُرسل للصحف لتوضيح الموضوع.

كما أن مسألة الحرية الدينية، وهي موضوع كلمة البابا بندكتس ليوم السلام هذا العام، محل اهتمام دول كثيرة وخصوصاً في أوربا. ومن هنا يكون من الطبيعي أن مطالبات هذه الدول من أجل حماية الأقليات الدينية شبيهة بمطالبات قداسته.

ومن ثم فان تصريحات البابا بندكتس السادس عشر  ليست تدخلا في السياسات الداخلية للدول ، بل دعوة للإفراد والقادة لاحترام المعتقدات الدينية وتشجيع كافة المبادرات السلمية .

** في وسط هذا الجدل الفكري أطلق الحبر الأعظم دعوة للقاء في اسيزي هل كان الوقت ملائم لهذه الدعوة؟

قداسة البابا أشار  إلى تزامن عام 2011 الذكرى الخامسة والعشرون لليوم العالمي للصلاة من اجل السلام الذي دعا إليه في اسيزي السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني .

 ولهذه المناسبة أعرب البابا عن رغبته في دعوة المسيحيين بمختلف طوائفهم وجميع مؤمني الديانات الأخرى ذوي الإرادة الحسنة لزيارة اسيزي بهدف تجديد وعد كل إنسان كي يعيش إيمانه في خدمة السلام".

** شيخ الأزهر فضيلة الدكتور احمد الطيب قال إننا لن نشارك في مؤتمرات حواريه مع الغرب  إلا إذا كانت هناك فرصة لتوضيح  آرائنا …. هل تخشى على عملية الحوار   القائمة بين الأزهر والفاتيكان على نحو خاص؟

 نرجو أن لا يؤثر سوء الفهم الحالي على الحوار بين الكرسي البابوي والأزهر، ذاك الحوار الذي كان متقدماً لسنوات طويلة. في الحقيقة، تؤدي حالات سوء الفهم إلى زيادة الحاجة إلى الحوار.

أما فيما يختص بدعوة الحبر الأعظم للقاء اسيزي لكل أتباع الديانات فقد تم فقط  الإعلان عنه ولكن لم تُرسل دعوات ولذلك لم نتلق ردودا رسمية.

** هل تعتقد سيادتكم أن هذا هو الوقت الملائم لان تكثف الكنيسة الكاثوليكية في مصر من تلاحمها مع جموع الشعب المصري بهدف تعزيز حضورها الايجابي؟

من المهم في الموقف الحالي بالنسبة لكل مواطني مصر أن يتحدوا حتى يتم الترحيب بكل مبادرات اتحاد الشعب. وفي هذا الإطار، فإن الكنيسة الكاثوليكية في مصر بكل طقوسها المختلفة لديها دورها. لا يتعلق الأمر بزيادة أهمية الكنيسة الكاثوليكية. ولكن البيانات الختامية لسينودس الشرق الأوسط تتعلق بإثبات الوحدة من خلال خدمة المجتمع الأكبر.