مصر تشهد ولادة جديدة من رحم ميدان التحرير

 

 

مقابلة مع الدكتورة هالة مصطفى

حاورها إميل أمين

 

تمر القاهرة  بظروف عصيبة وربما خطيرة في الأيام الاخيرة ، سيما منذ يوم الخامس والعشرين من يناير حين انطلقت تظاهرات الشباب المصري المطالب بالتغيير  الفوري، وهي حركة على حد وصف نائب رئيس الجمهورية السيد عمر سليمان بأنها لم تكن تخريبية .

 غير ان المشهد يتطور بشكل متسارع حتى الساعة والجميع يأمل في الوصول الى حالة من التوافق الوطني حتى يعود الهدوء الى  المجتمع المصري وتبدأ مرحلة حقيقية من الإصلاح والتغيير .

 في هذا الإطار التقت زينت في القاهرة الدكتور هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام والخبيرة في الشؤون السياسية والإستراتيجية من اجل محاولة سريعة لتحليل الموقف.

ما هي الصورة الآنية التي باتت عليها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى الساعة ؟

اعتقد ان المنظر السائد الآن في مصر بشكل عام وسواء أكنت مع الواقفين والداعمين للنظام المصري أو من المعارضين له ، فان مرحلة النظام السابق قد انتهت بالفعل ،  وما نشهده الآن في واقع الأمر هو محاولة للبقاء من قبل بعض مراكز القوى التي كانت سائدة في النظام من قبل والتي سيطرت على مقدرات الأحداث  طوال السنوات العشر الماضية ،  والتمحور الآن حول فكرة بقاء أو رحيل الرئيس لن تغير كثيرا في المشهد فسواء رحل الرئيس الآن أو رحل خلال بضعة أشهر هناك حقائق جديدة ومصر جديدة على الأرض تظهر من رحم ميدان التحرير .

هل تنتابك المخاوف بشأن مستقبل مصر سيما وان المشهد ضبابي الى حد ما على الأرض ؟

حتى ولو كانت الرؤية ضبابية في الوقت الراهن وان كان احد لا يستطيع ان يجزم بمآل الأمور إلا ان الدولة المصرية كما تفضل السيد نائب الرئيس الجمهورية بالقول ما زالت قوية ومؤسساتها قوية وفي مقدمتها وأهمها الجيش المصري  الذي كان صمام الأمان في هذه الازمة ، واعتقد ان السيد نائب الرئيس وهو فعليا الرئيس الحالي يستطيع قيادة المرحلة  السياسية الآنية كمرحلة انتقالية تبشر بميلاد جديد لمصر والمصريين .

في تقديرك من كان يقف وراء هذه الفورة أو الثورة ؟ الشباب غير المسيّس ؟ ام الأخوان المسلمين ام بقية الأحزاب؟

اعتقد ان الأصل في هذه الحركة هم الشباب الذي ليس له أي انتماءات سياسية أو حزبية ، ومن تابع المشهد المصري في العامين أو الثلاثة أعوام الاخيرة يستطيع ان يرصد وجود حركات شبابية  جديدة والحركة الأساسية التي تستأثر بالقسم الأكبر منها هي حركة التغيير المتأثرة بالدكتور محمد البرادعي ، ولا يعني هذا عدم مشاركة الإخوان المسلمين أو بعض الأحزاب لكن هولاء انضموا لاحقا للشباب ولم يكونوا هم قيادات العملية المطالبة بالتغيير والإصلاح .

كيف تقرئين الموقف الأمريكي  الذي بدا متناقضاً فيما يخص مستقبل الرئيس مبارك ونظامه ؟

 اعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية لم تكن راضية عن الوضع السياسي في مصر، وقد ظن النظام المصري ان المطالبة بالإصلاح والديمقرطة هو طلب متعلق بإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش فقط ،  وفاتهم ان هناك قوى أخرى أمريكية لم تكن راضية عن الأوضاع في مصر مثل المنظمات الحقوقية والرأي العام  والخارجية ، كانت هناك أصوات ترى انه لا يجب الاقتراب من النظام المصري حتى لا يهتز الاستقرار في المنطقة سيما وان النظام المصري هو الذي حافظ على كامب ديفيد ثلاثة عقود مع إسرائيل وما يهم إسرائيل يهم أمريكا ، لكن هذا الفريق اكتشف لاحقا  بخلاف ما كان يتوقع .

هناك مخاوف كبيرة لدى عدد بالغ من المصريين الليبراليين والأقباط على نحو خاص من ان يكون ما يجري فرصة لصعود الإسلاميين ومعاناة هولاء .. هل هذه مخاوف حقيقية ؟

 لا اعتقد ان مصر بحال من الأحوال على حافة نموذج إيراني، ويمكن التأكد من صدقية هذا القول عبر النظر الى شكل ومحتوى الشباب والشابات المشاركين في هذه الحركة ، هم ليسوا بفريق من الملتحين جملة وتفصيلا بل نسيج من أطياف وأطراف مختلفة من لابسي الأزياء العصرية ومن الشابات المتحررات ما يتبدى من أزيائهن ، لكن الأخوان المسلمين ولا شك يسعون الى الحصول على  جزء من الكعكة عبر المشاركة  في الأحداث لكنهم لن يستطيعوا  الادعاء بأنهم الأب الشرعي لما جرى  واحتكار  نجاحات  المشهد .

 

هل تخشين على  الاستقرار في مصر في الفترة المقبلة بحال من الأحوال ؟

 إجمالا لا أخشى من ذلك ، لكن الخشية كل الخشية على الاستقرار في مصر إذا لم تكن الرسالة قد وصلت للنظام ، لأنه  في هذا الحال سيضحى البديل هو حرب شوارع أو حرب أهلية ، وهنا لن يستطيع احد الوقوف في وجه الخسائر التي ستصيب مصر ، ولهذا فانا أرى ان العودة الى  أفكار القمع والترهيب  وما كانت عليه الأمور من قبل من اجل فض الاعتصامات هو أمر غير معقول أو مقبول والبديل هو الحوار  الجاد والعميق والهادئ .

هل من خطوات إضافية في تقديرك يمكنها ان تخفف من احتقان الشارع والشباب إضافة الى ما اتخذ حتى الساعة من إجراءات ؟

اعتقد انه كلما فتحت ملفات لمسؤولين ووجوه سابقة في النظام والتحقيق مع كل الوجوه التي كان الشعب المصري يكرهها والتي كانت وراء إفساد الحياة السياسية والحزبية في مصر وبخاصة في الحزب الوطني الديمقراطي ، أو تلك التي استأثرت بالثروة والسلطة  معا ، والتي تسعى الآن لبناء ميليشيات وإرهاب  الشباب بها،  هذه إجراءات من شانها  تخفيف الاحتقان فعليا في الشارع المصري ، وهذه إجراءات ستعطي مصداقية اكبر للسيد نائب رئيس الجمهورية وللحكومة الجديدة .

ماذا عن رؤيتك للسيد نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان ؟

  أنا اعتقد انه قادر على قيادة مصر عبر مرحلة انتقالية  وبخاصة إذا ما ابعد نفسه عن رموز الحزب الوطني الديمقراطي الحكم بل ربما يمكنه  الإعلان لاحقا عن حل هذا الحزب وتشكيل حزب جديد يقود الحياة السياسية في مصر بشكل أكثر نزاهة وعدالة وشفافية .

على هامش ما يجري في مصر البعض في العالم العربي يرجع الانتكاسة الديمقراطية للاستعمار  الغربي  وليس لقصور عربي ذاتي .. هل توافقين على هذا الرأي ؟ 

يجب ألا نخجل من القول ان تراثنا العربي  مختلف عن التراث الأوربي الذي أنتج الديمقراطية الحديثة  هذا بداية ،  وهناك نماذج أسيوية وبعضها دول مسلمة مثل ماليزيا واندونيسيا وبنجلاديش تأثرت ايجابيا بالقوى الغربية الاستعمارية  وهناك دول  غير مسلمة بالمرة كما الهند التي اكتسبت تجربتها الديمقراطية  من الاستعمار البريطاني ،  اشكاليتنا الحقيقية في العالم العربي هي التخلي عن الرؤية الموضوعية للأشياء  ، نرى كل شيء  بشكل حدي اسود أو ابيض ، بينما الهنود لا ينكرون استفادتهم من التجربة البريطانية ، نحن حتى الساعة لا نريد الاعتراف بان الديمقراطية منتج غربي . 

ظهور الوسائل الجديدة للاتصالات مثل الفيس بوك  والانترنت والمدونات والمحمول .. الخ  هل ستعطي الشعوب العربية فرصة مضافة للتواصل الديمقراطي  ما يسهل المهمة مستقبلا ؟ 

اعتقد ان هذا صحيح فالأجيال الجديدة  ستضحى متحررة  بصورة  كبيرة من الخوف  السابق  أو عدم الوعي بالقضايا السياسية  العامة بسبب وفرة المعلومات وسرعة تدفقها  ونوعيتها عبر هذه  الوسائط الإعلامية  الجديدة   ولهذا فإننا في مصر  نشهد مولد جيل جديد لم ينخدع  بشعارات الراديكاليين كما حدث مع مواليد الستينات ،وبخاصة  انه نما وشب بعد ان رحل جيل الليبراليين عن عالمنا بنهايات السبعينات وأوائل الثمانينات ، اليوم نرى جيل جديد من شباب  منتصف السبعينات  وأوائل الثمانينات  يحرك كثير من المياه السياسية الراكدة في المجتمع . 

هل من وصفة ناجعة  تدفع الديمقراطية العربية للأمام سيما وسط الجدل الصاخب الدائر بين الداخل الوطني والخارج الدولي المحفز ؟ 

في عالم اليوم وفي ظل التجارب التي جرت على مستوى العالم في وسط آسيا  بدا انه ولابد من الوصول الى معادلة  معقولة  توائم بين الداخل والخارج ، الديمقراطية بحكم معطيات الواقع منتج غربي  نحاول ان نجعل مجتمعاتنا تتكيف معه ، والعالم يعيش مرحلة  من التبادل الاقتصادي  غير المسبوق  وكثير من الأنظمة تتلقى علنا ورسميا  مساعدات مالية وعينية من أوربا وأمريكا والنظام الدولي سواء قبلنا أو أبينا بات يتسم بهيراركية ( تراتبية ) نفوذية ان جاز التعبير  تسمح لبعض الدول  وعبر سياسياتها الخارجية بالتدخل سلبا أو إيجابا في سياسات دول أخرى  ، وهناك دائما احتكاك بين العنصر الداخلي والخارجي  ، لكن مهما كان من شان  التحفيز الخارجي  فانه بدون الصوت الوطني الصادق  في الداخل لن يفلح  أمر نشر الديمقراطية  في العوالم والعواصم العربية .