كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي

 

الفاتيكان، الاثنين 14 فبراير 2011 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي القاها البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء !

في ليتورجية هذا الأحد نواصلُ قراءة ما نسمّيه "حديث يسوع على الجبل" والذي يحتل الفصول 5 و6 و7 من إنجيل متّى. فبعد "التطويبات"، برنامج حياته، يعلنُ يسوع الشريعة الجديدة، أي التوراة كما يسمّيها أخوتنا اليهود. في الواقع، كان على المسيح عند مجيئه أن يأتي بالكشف النهائي للشريعة، وهذا ما يعلنه يسوع بالضبط: "لا تظنّوا أني جئتُ لأبطل الشريعة أو الأنبياء، ما جئتُ لأبطل بل لأكمّل". ومتوجّهًا إلى الرسل، يضيف: "إن لم يزدْ برّكم على برّ الكتبة والفريسين، لا تدخلوا ملكوت السموات" (متى 5، 17.20). ولكن، ماذا تتضمنُ شريعةُ المسيح الكاملة وهذا البرّ المتسامي الذي حققه بشخصه؟

يشرح يسوع هذا من خلال مجموعة من التناقضات، بين الوصايا القديمة وطريقته في تقديمها. في كلّ مرّة يبدأ: "سمعتم أنّه قيلَ للأولين …"، ليؤكد بعدها: "أمّا أنا فأقول لكم…". على سبيل المثال: "سمعتم أنه قيلَ للأوّلين: ((لاتقتلْ، فإن مَن يَقتل يستوجب حكم القَضاء)). أمّا أنا فأقول لكم: مَن غَضِبَ على أخيه استوجب حكم القَضاء" (متى 5، 21-22). وهذا يتكررُ ستّ مرات.

هذه الطريقة في الحديث حرّكت مشاعر الناس بصورةٍ كبيرة، بحيث بقت مصدومة، لأن "أمّا أنا فأقولُ لكم" هذه كانت تعني المطالبة لنفسه بنفس سلطة الله، مصدر الشريعة. إن جديدَ يسوع يكمنُ جوهريًا في أنّه "يملأ" شخصيًا الوصايا بحبّ الله وبقوّة الروح القدس الذي يسكن فيه. ونحنُ، من خلال الإيمان بالمسيح، يمكننا أن ننفتح على فعل الروح القدس الذي يجعلنا قادرين على عيش الحبّ الإلهي. ولذلك كلّ وصيّة تصبحُ حقًا حاجة للحبّ، وتتوّحد جميعُها في وصيّةٍ واحدة: أحببْ الربّ من كلّ قلبك وقريبَك كنفسك. ويقولُ مار بولس إنّ "ملأ الشريعة هو المحبة" (روما 13، 10). أمام هذه الحاجة مثلاً، تجعلنا حالةُ الأطفال الأربعة الذين ماتوا الأسبوع الماضي في كوخهم المحترق في أطراف هذه المدينة، نطرحُ على أنفسنا سؤالاً: لو كان هناك مجتمعٌ أكثر تضامنًا وأخويّة ويتعاملُ بالحبّ، أي مجتمعٌ مسيحي، ألم يكن قادرًا على تجنّب هذا الحادث المأسوي! هذا السؤالُ يمكنُ طرحه أمام الكثير من الحالات المؤلمة الأخرى، المعروفة نوعًا ما، والتي تحدثُ يوميًا في مدننا وبلداننا.

أصدقائي الأعزّاء، ربما ليست من قبيل الصدفة أن تُدعى أولُ عظةٍ ليسوع بـ"حديث الجبل"! فموسى صعد إلى جبل سيناء ليستلم شريعة الله ويحملها إلى الشعب المختار. يسوع ابن الله ذاته نزلَ من السماء ليحملنا إلى السماء، إلى سموّ الله، على طريق الحبّ. لا بل إنّه هو الطريق، وليس علينا سوى اتّباعه لتطبيق إرادة الله والدخول إلى الملكوت في الحياة الأبدية. إنّ خليقة واحدة وصلت إلى قمّة الجبل: العذراء مريم. فبرّها كان كاملاً بفضل وحدتها مع يسوع. ولذلك ندعوها مرآة العدل. فلنتوكل عليها لتقد خطواتنا أيضًا في طريق الأمانة لشريعة المسيح.