تعظــيم سلام لحراس الفجـر الجـديد

 

بقلم: ناجح سمعـان

فيما كان الركود يخيم على قطاعات عريضة من وحدات المجتمع جاءت ثورة الشباب بميدان التحرير في 25 يناير 2011 كعلامة فارقة في الخروج من الواقع المأزوم وإيقاظ  الوعي العام بقيمة الوطن وعظمة الشعب . وسيبقى لثوار التحرير الفضل في تفجير هذه الثورة الشعبية وعليهم أن يتقدموا الصفوف دائماً ويظلوا حراساً ساهرين على هذا الفجر الجديد .

أولاً – شباب الفيس بوك .. محاولة للفهم :

إن محاولة قراءة التكوين النفسي و الاجتماعي للشباب من مستخدمي الإنترنت والمعروفين حديثاً في القاموس السياسي بشباب الفيس بوك قد تساعد في الكشف عن بعض أسباب الحدث المعجزة الذي سجله التاريخ المعاصر في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ألا وهو ثورة الشعب المصري ونضاله نحو الحرية والعدالة والديمقراطية . لقد حمل شباب الفيس بوك في خلفيته خبرات عديدة من الأمراض الاجتماعية التي توطنت على أرض الواقع كان على رأسها الفساد الإداري الذي أطاح بحقوق الشباب في الحصول على فرصة عمل تقود إلى حياة كريمة . كذلك الملاحقات الأمنية التي انتزعت عن الشباب الحق في الحركة والتعبير عن المواقف السياسية .وأخيراً جاء التشدد الديني ليقطع الطريق على حرية التفكير الناقد والإبداع الخلاق. ولما كانت برامج التواصل الاجتماعي الإلكترونية نافذة للتعبير وساحة للإبداع وجسراً للقاء مع الأخر في صورة أكثر رحابة من قيود الواقع التقليدية ، تولد لدى الشباب الرغبة في الحوار حول قضاياهم وأحلامهم ومع اتساع المشاركات والتعقيبات فيما بينهم بدا يتشكل لديهم رأي عام تجاه قضايا الحرية والمواطنة . ولما كانت مرحلة الشباب ذات خصوصية فريدة في المغامرة والحماس انطلقت الدعوة نحو الإصلاح والتغيير في الحياة السياسية بالطرق السلمية المعاصرة وفى محاولة لاختبار الواقع خرجت الدعوة من عالم الغرف التخيلية إلى أرصفة الشوارع حتى وجدت قاعدة ارتكازها بميدان التحرير الذي ولدت على أرضه مصر جديدة .

ثانياً – الخوف .. الجدار الذي هوى :

          على مدى عقود كان الخوف جداراً عازلاً يحكم العلاقة بين المواطن والسلطة فقد سعت السلطة إلى تكريس ثقافة الخوف في قلوب الناس فانصرفوا بدورهم إلى البحث عن لقمة للعيش وكساء للجسد ودواء للعلل . وأمام قيم الأنانية والمحسوبية وغياب العدل تحلى غالبية المصريين بحكمة الصبر أهم مقومات المخزون الحضاري في الشخصية المصرية .  وعندما جاءت الساعة حينما أطلق الشباب الثائر صوته عالياً ينادى بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية التفت كافة أطياف المجتمع حوله وولدت الثورة الشعبية وكانت الصيحات الهادرة من الجماهير أشبه بمعاول الهدم في جدار الخوف الذي هوى سريعاً تحت الأقدام الراسخة وأضحى التغيير مشروعاً قومياً للجميع . " الشعب يريد إسقاط النظام "  لم تكن عبارة مستوحاة من ثورة الياسمين التونسية فحسب بقدر ما كانت رؤية للخلاص ورغبة عامة في البداية الجديدة . وأمام غضبة النظام وعناده ازداد صمود الملايين وفى ظل غياب الشرطة عن أداء رسالتها كانت موقعة الجمل التي سال خلالها دم ذكى وصعدت أرواح طاهرة إلى السماء كانت كافية لأن تكتب عهداً جديداً من التاريخ الوطني وتفتح الطريق إلى الميلاد الحقيقي لثورة الحرية .

 

ثالثاً – ثورة التحرير وأفاق المستقبل :

نجحت ثورة الشباب في مصر وحققت أولى مطالبها عندما تنحى الرئيس حسنى مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية يوم الجمعة 11 فبراير 2011 بعد أن سلم سلطة إدارة البلاد إلى الجيش المصري . لا شك أن الحدث جلل وسيظل مشهد ثورة التحرير محفوراً في أذهان معاصريه بل وستتناقله الأجيال شفاهة إلى مدى بعيد كما سترويه كتب التاريخ إلى الأبناء والأحفاد بالرصد والتحليل . ولكن .. بعيداً عن الاندهاش باللحظة التاريخية الحاضرة علينا أن نعي جسامة المسئولية الملقاة على عاتق الشعب المصري في صياغة صورة المستقبل الذي يتطلع إليه أبناء مصر كافة وأود في ختام هذه القراءة الاجتماعية لحدث الثورة أن أسجل عدد من الملاحظات قد تعين في رسم معالم الطريق :

(1)- لقد حمى الجيش المصري ثورة الشباب منذ اخترقت دباباته أرض ميدان التحرير يوم الجمعة 28 يناير 2011 واستقبلته الجماهير بالحفاوة اللائقة والثقة الكاملة في موقف القوات المسلحة كدرع واقي للشرعية .

(2)- ما صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من بيانات يؤكد مشروعية مطالب الثورة كما يعلن مسئوليته في تسليم إدارة البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة وبناء دولة ديمقراطية حرة .

(3)- إن قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلسي الشعب والشورى وتشكيل لجنة لتعديل بعض مواد الدستور ووضع سقف زمني للمرحلة الانتقالية لاقت جميعها رضا جماهيري وأعطت مؤشراً ذا دلالة على طريق التغيير المنشود .

(4)- إن سقوط رموز الفساد من وزراء وسياسيين ورجال أعمال من النظام السابق ومحاكمتهم مؤشراً مهم نحو تأكيد مبدأ المحاسبة والشفافية في هذه المرحلة التاريخية .

(5)-لقد أحيت الثورة في نفوس الكثيرين الرغبة في المشاركة المجتمعية وفى هذا دعماً كبيراً لمعنى المواطنة وضمانة شعبية تساعد على نجاح الثورة في تحقيق كامل أهدافها .

(6)- إن طبيعة المراحل الانتقالية في حياة الشعوب تتطلب ترتيب الأولويات في تحقيق الآمال واعتقد أن إشاعة مناخ الحرية في ظل سيادة القانون هي أولى الآمال المرجوة نحو تحقيق عقد اجتماعي جديد .

(7)- باتت الديمقراطية مطلباً لا غنى عنه نحو الوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية ومحليات ونقابات تعكس إرادة الناخبين ولعل في هذا دافع قوى للأحزاب والمجتمع المدني والحركات الشبابية الاحتجاجية للحوار المجتمعي والتواصل مع الجماهير لصياغة ملامح مستقبل زاهي لدولة حرة .