أنتم مـن فوق

                                       تــقــديـم            

"أنتم مـن فوق " هـى مجـموعـة من تأملات شخصيـة أو عِظات  أعددتهـا فـى أيام غربتـي على الأرض، وفيهـا بعض ما قرأت أو مـا أعددت عن علاقة الإنسان بالله، وخاصة علاقـاتـى بـالرب، ومدى تأثيـره فـى حياتـى الروحيـة. وهذا الكتاب يشمل فـى الجزء الأول منـه ما قد كتبتـه فـى أعوام 1997 وحتى 2000، والجزء الثانـى يشمل ما قد أعددتـه فـى أعوام 1969 وحتى 1975، وفيـهمـا يتضح مدى التباين فى مراحل نـمو حياتـي الروحـيـة. أنـي لا أدّعـي أنـى قد عرفت الله الـمعرفة اليقينيـة كمعرفة بولس الرسول وأخاف ان أقولهـا،فكم حار قديسوا الأرض فى معرفته،ولكن لا يـمكني أن أنكر حب الله لـي و الذى ألـمسه،وأحيا فيـه،فهذا هو يقيني وإيـمانـي.  

فأشكر الرب من أجـل نعمة وبركة وموهبـة روحـه القدوس التى يـمنحنـا إيـاهـا من أجل بنيان بعضنـا البعض فـى الـمسيح يسوع،وأطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة للجميع.                                                      

                              د. كيميائـى/نبيل حليم يعقوب

                         لوس أنجلوس فـى ديسمـبر 2000

 

 

                    الفهـرس

1. أنتـم مـن فوق

2. تـأمـلوا

3. إعـمـلوا

4."فقال لهم أهكذا أنتم بغير فهم" (مر18:7)

5. أين محبتك الأولـى

6. لـماذا تشكو

7. ليتقدس إسمك

8. الإستعداد وظهور الله

9.الجائزة العظـمى

10. "الكأس التى أعطانى الآب ألا أشربها"

11. إرضـاء اللـه وإرضـاء الناس

12. اللـه الـمُؤدِب

13.الـثـمرة الـمحرّمـة

14.الحيـاة مـع اللـه

15. الـخـَتـمْ

16وقفـة للتــأمــل

17.                     القضبـان

18.خيوط الشك

19.غـايـة الإنسان

20.حوار صـامـت102

21. الشاب وعلاقتـه بالله

22. أريـد أن أرى الله

 

                     +++++++++++++++++++

 

                "أنـتم مـن فوق" 

فـى صـلاة يسوع الأخـيـرة قـبـل الرحيـل قال هذه العبارة عـن الرسل:

" انـهـم ليـسوا مـن العـالـم كـمـا إنـي أنـا لستُ مـن العـالـم" (يوحنا16:17) ..

فـمــا مـعـنى قـول الرب لـنا: "أنـنا لسنا من الـعـالـم"

أو "أنتـم مـن فـوق"؟

قد نردد نفس القول كـما جاء على لسان الرسل "إنـا لا نفـهـم مـا تقـول؟!"

ولكن دعونـا نتأمـل مـاذا يعنـى الرب ، "أنتـم مـن فـوق" أو"انهـم ليسوا من العالـم" يعـنـى :

– " لايحـيـون بعد فـى الجسد" (1بطرس 2:4-3)

– " يحبون بعضهـم بعض حبـاً أخويـاً"(رومية10:12)

– " مضيفين بعضهم لبعض من دون تذمــــر" (1بطرس9:4)

– " يخـدم كل واحد الآخـرين"(1بطرس10:4)

– " يتكلمون كـمـا يلـيـق بأقوال اللـه"

– " لا يرتبكون بـهـموم الحياة" (2تيموثاوس 4)

– " جسد واحـد وروح واحـد" (أفسس 4:4)

– " يثمرون ثـمر الروح " (غلاطية 22:5)

– "لا يحسدون بعضهم بعضا" (غلاطية 26:5)

– " ليسوا عبيدا بل أبناء" (غلاطية 6:4-7)

-" فيهم من الأفكار والأخلاق ما هو فى المسيح يسوع"(فيليبى 5:2)

– " يسلكون بحسب الروح لا بحسب الجسد" (غلاطية 16:5)

 – " يعرفون الحق"

_"يـُـقـتـادون بروح اللـه" (رومية 14:8)

– " يـبتـغون مـا هـو فوق حيث الـمسيح" (كولوسي1:3)

– " يسمـعون أقوال اللـه" ( يوحنا 47:8)

– " مـولودين من الروح" (يوحنا 6:3)

– "أحقاؤهم مشدودة وسرجهم موقدة ينتظرون سيدهم متى يرجع"

   (لوقا 35:12)

– " لا يطلبون ما يأكلون أو مـا يشربون ولا يقلقوا بل يطلبون ملكوت اللـه" (لوقا 29:12)

– " مـخلوقين على صورة الله ومثاله" (تكوين 27:1)

– ذريـة اللـه (أعمال الرسل 28:17)

– أحبهـم اللـه (1يوحنا 10:4)

– إخـتارهـم اللـه (يوحنا 16:15)

– أخـوة للرب (عبرانيين 11:2)

– أُعطوا معرفـة أسرار الـملكوت (متى 9:13) .

– " جيل مـختار وكهنوت ملوكى" (1بطرس9:2)

" أنتم من فـوق = أنـهـم ليس من العـالـم " أي ليس من الأرض، بـل من السـماء  "مـن فـوق" . فالأرض التى نسير عليها هـى ليست أرضـاً انـهـا "سـماء" ولا يوجد عائق يـمكن أن يمنع من  أن يـمارس فيهـا أعمـال من هـم فـى السماء.

مكتوب " إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت اللـه" (يوحنا3:3)، فمن شاء أن يولد “من فوق" فلابد له من هـذه الولادة.وهذا ليس يعنى إصلاح طبيعة قديـمة أو تقويـمها ، بل خلق كائن جديد مولود من اللـه..فاللـه يطلب حياة جديدة ..ولادة جديدة. وهـذه الولادة الجديدة ليست وراثية بل هى علاقة شخصية مع اللـه والـمسيح والروح القدس.

إذاً هـذا يعـنى حكم بالـموت عن العالـم وما فـى العـالـم

هـو حياة فـى الكنيسة الـمنتصرة..

هـو كهنوت جديد..

هـو تقديس كامل وتسليم مطلق..

هـو تأكيد لـمعنى الغربـة فـى الأرض..

هـو نعمة لا توصف..

هـو بتولية للقلب والحب والروح..

هـو صحة للجسد وحكمة للعقل وقوة للإرادة و سر للإختيار وفرح للحياة مع يسوع..

هـو سلام وعدم خوف ..

هـو طريق وحق وحياة..

هـو دعوة للتأمـل والعـمـل ..

هـو تتويج لـمجد وعـمل الرب يسوع.

"أنتـم من فوق = ليسوا من العـالـم" ..ليست إذن شعاراً،إنهـا وسم منقوش.

هـو وجــود دائــم إلــى الأبــد مـع الرب، ولا يـكـون هـذا الوجـود فقط فـى مـحـنـة،أو تـجـربـة، أو منـاسبـة  أو أي ظـروف مـن ظـروف الـحـيـاة.

بــل هـو وجــود دائـــم،لأن الرب دائــم الـوجـود فـلا خـوف عـلـى مـن هـم ليسوا مـن العالـم لأن الرب هـو القـائـل ْ لا تخف لأنـى معـك"(اشعيا10:41).

فـلا إذاً إضـطـراب،و لا إنـــزعــاج،ولا تــردد، ولا خوف ألـيس الرب هـو إلــهنـا؟!..

الذى يـقـول لـنـا: "لا تـخف لأنـى مـعـك".

أيــوجــد تــأكـيـد أكـثـر مـن ذلـك؟

فلنسـيـر فـى هـذا الإيـمان دائـمـا متذكـرين بأن القـدوس قـد فـدانـا، والفـداء شـمـل كـل شيئ..غـسـلـنـا بـالدم،وبـهـذا الـغـسـل كان التـطهـيـر،الذى يـُبـعـد عـنـا كـل نـجـاسـات الـعـالـم، وكـل مـغـريــاتـه وكـل كـبـريـائـه.

فــدانـا ..فــدانـا بـدم كـريـم..وهـذا الدم قـادر دائـمـا أن يـصـُد عـنـا كـل تـجارب الـعـدو مـنـتصريـن..

إن عـدو خـلاصـنـا يـجـول حـولـنـا كـالأسد الـزائـر يـريـد أن يـفـتـرسـنـا،ولكن لن يـجـد فـيـنـا أي مجـال لأن قـوة الرب  فـيـنـا، تـعـضـدنـا وتـسـنـدنـا.

فـهـل عـرفـنـا الآن مـن نـحن يـا أحبـائـي..

شكراً لك يارب،ولكن لازلنا فـى الأرض، نعيش للأرض، قلوبـنـا مشدودة للأرض،وحتى مظالـنا أقـمناهـا على الأرض.

يارب..إنـنا لا زلنـا للآن لا نفهـم،لا نعرف،ولا نشعـر بـما فينـا من نعـمة.

فـهـَب لـنـا يارب روحك القدوس لكى نفهـم ونتأمـل معنى

أنـنا لسنـا مـن العالـم..أي أنـنـا مـن فـوق

وبروحك نعـمل فـى هـذا العالـم فـيتمجد اسـمك الآن وإلى دهر الدهـور آمين.                                [2/4/1999]

                    ++++++++++++++++

 

                   "تــأمـلــوا"

قيلت ذات يوم من الرب يسوع "تأملوا الغربـان" و "تأملوا الزنابـق"

(لوقا24،27:12)،وطالبنا الرسول بولس بالتأمـل قائلا: "تأملوا رسول إعترافنـا وحَبره يسوع"(عبرانيين 1:3)، وأيضا "وليتأمل بعضنـا فى بعض تحريضاً لنا على الـمحبة والأعمال الصالحة" (عبرانيين14:10)، فـمــا مـعـنى الـتأمـل؟!

يـتـأمـل الإنسان شيئـا يعنـى إنـه يـمعن النظر فيـه،يدقـق،يفحص، ويحلـله.

الـتأمـل،هـو إذن الدخـول إلـى العـمق سواء فـى عـمل الفكر أو الروح. هـو الوصـول إلـى لـون مـن الـمعرفـة فوق الـمعرفـة العادية بكـثير،كـمعرفـة بولس الرسول "عرفته وعرفت قوة قيامتـه".

التـأمـل،هـو تفتح العقـل والقلب والروح لإستقبال الـمعرفـة الإلهيـة الجديدة الـتى تأتـى مـن فـوق أو من روح اللـه الساكن داخـل الإنسان.

والـتأمـل،يناسبه السكون والهدوء والبعد عن الضوضاء التى تشغل الحواس

وبالتالى تشغل العقل وتبعده عن عـمل الروح فيـه. ويزداد التأمل عـمقا

كلـما تحرر الإنسان من سيطرة فكره الخاص.

مـجـالات الـتأمـل:

التأمل فـى الكتاب الـمقدس والصلاة والتراتيل والألحان،فـى الخليقـة والطبيعـة،فـىالسماء والـملائكـة والقديسين،فـىالـموت والدينونـة وما بعدهـا،فـى الأحداث،فـى سير القديسين،فـى الفضائـل،فـى الكتب الروحيـة،فـى وصايـا اللـه وفـى صفاتـه وكـمالاتـه.

فعندمـا نقرأ الكتاب الـمقدس نفهم ونعـى ويستنيـر العقل بالروح القدس "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب"(لوقا45:24).

والتفكيـر العقلي الـمحض الخالـى من عـمل الروح لا ينتج تأملا بل إنـه ينتج علـما أو فلسفة،فهناك فرق ما بين العالـِم والعابـد.

والقارئ السطحى قد يقرأ كثيـرا ولكنه لا يتأمـل،أما القارئ الروحى فالقليل من قراءاته يكون كنبع ملئ بالكنوز الروحيـّة،فيـمكن أن تأخذ آيـة واحدة كل يوم للتأمل وتصبح مجالا للتفكيـر طوال اليوم،وهذا الفكر يتعـمق فـى القلب.

وليس فقط الحفظ أو ترديد الآيـة يعتبـر تأملا،بـل حاول أن تطبقهـا على حياتك.

التأمـل فـى الطبيعـة والخليقـة " السموات تحدث بـمجد اللـه والفَلك يخبـر بعـمل يديه" (مز1:19)،والرب يسوع دعـانـا قائلا "تأملوا زنابق الحقـل..طيور السـماء " (مت 26:6و 28).

وإذا كانت السماء الـماديّة مجالا عظيما للتأمل فكم تكون السماء "التى هى عرش اللـه" (مت 34:5)،وكذا التأمل فـى كل القوات السماوية التى أمام العرش الإلهى.

وماذا عـن القيامـة والأجساد النورانية السماوية (1كو42:15-50).

التأمـل فـى الأحداث وما تدلّ عليه من حكمة اللـه وتدبيره وعنايته وتدخله فنلمس عِظم محبـة اللـه للإنسان ولنـا خاصّـة.

التأمل فـى الصلاة وكلماتها،فالصلاة ليست ترديد لألفاظ،بل هـى حياة مع اللـه.

قد نتأمـل فـى الكثيـر،ونستمع للكثيـر،الـمهم أن نـأخذ من هذا التأمـل القوة الروحيّة للعـمل. فالرب يسوع بعد أن ألقـى عظته على الجبل ختمهـا بقولـه " كل من يسمع أقوالـي هذه ويعـمل بها أشبه برجل عاقل بنـى بيته على الصخر…وكل من يسمع أقوالـي هذه ولا يعـمل بها يشبه برجل جاهل بنـى بيته على الرمـل" (مت24:7-26).

وأكّد هذا بقوله "وليس كل من يقول لـي يارب يارب يدخل ملكوت

السموات بل الذى يعمل إرادة أبى الذى فـى السموات" (متى21:7)

فدرّب نفسك على التأمـل ولا تتضايق وتيأس مـما فيك من عيوب أو فتور.ولا تغتـر وتقول إنـى أعلـم كل العـلم فتبرير النفس أوإلتماس الأعذار هو بداية السقوط.

جاهـد بإستمرار طالبـا معـونـة اللـه لأنه قال "بدونـى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا" (يوحنا5:15)."فلاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت َهذا تخلّص نفسك والذين يسمعونك" (1تـيموثاوس 16:4).

ونحن الذى قيـل لنـا "أنهم ليسوا من العالم" ولديـنـا كنـز إلهـي،سماوي هو الكتاب الـمقدس الذى لا ينضب من الأقوال والبـركات والنِعـم الـتـى تدفعـنـا للتأمـل ما بقـى لـنا من أيام الغربـة وليس تأملا فاتـراً،خامـلاً،غيـر مـثـمر،بـل تـأملاً عامـلاً علـى تنفيذ إرادة السـماء لـمن هـم مـن السـماء.

فأنـت يا من دُعيت لأن تكون مـن فـوق  تحتاج أولا لأن تعـرف وتـعـى وتفهـم جيدا:مـن أنـت؟،ومـن أي شعب؟،ومن أي أرض؟(يونان 8:1)،ولـماذ كان الإختيـار؟،ومـن هـو الذى إختـار ودعى؟(يوحنا16:15).

وتأمـل فـى كل ما حـملـته السـماء لك من بركات ونِعـم

وإختيـار خاص وروح حـي ومـحيي تـتحرك بـه دون أن تدرى،وفِكر سماوي،وبتوليـة فـى القلب والروح والعقـل،وصحـة فـى الجسد وحـكـمة فـى العقـل قـوة فـى الإرادة،وفـرحُ دائـم،وصفح ومغـفـرة بلا عقاب،وسـماء مفتوحـة تـنـتظـر مـن يدعـوهـا،وأبـوّة أبـديـة لا تقف عند حـد.

وأمـومـة حانيـة وحاميـة تـمسح الدمع وتغّيـر الثوب وتشفق علـىالأبنـاء، وأخـوّة مـن القديسين تقف متشفعـة،راجيـة،ومصّليـة.

أبعـد هـذا نقف ونصـّم الأذان ونغلـق القلب وندنّس الإختيـار

ولانـتـأمـل؟،فتــأمـلـوا، لــتعـمــلوا "الأعمال الصالحة" (عبرانيين14:10).

لقـد مضـت الأيام والسنون ومـا زلـنا نتحجج بالقـول إننـا ما زلنـا لا نعـى،"لا نفـهـم ما يقول"(يو18:16)،ولا نعـرف ما هـو التأمـل أو كيف نـتأمل.

عـهد كثيـر مضـى والوقت قـريب،والخـوف أن يـأتـى العريس ويجدنـا ما زلنـا فـى طور التأمـل،نـُعد الـمصابيح كالعذارى دون أن نـرى الطريق للعـمل لنصبح "من فوق".

               "إعــمـلـوا"

"إعـملوا كل شيئ لـمجد الله" (1كورنثوس31:10)

تأملـنـا قبل ذلك فـى معانـى:" أنـتم مـن فـوق"،و"تـأمـلوا"،والآن فلنـتأمـل فـى الأمر بأن نعـمل. الـعـمـــل.." إعـمـلــوا"..

فـى صلاة يسوع الأخيـرة قبـل الرحيـل أتت هـذه العبارة ..

" أنـا مـجّدتـك علـى الأرض وأتـممت العمل الذى أعطيتنى لأعملـه" (يوحنا4:17)

تـرى مـا هـو الـعـمل الذى "أتـمه" يسوع والذى كان هـو هدفـه الوحيد،لدرجـة إنـه كان هـو شغلـه الشاغـل ؟

" إن طعامي أن أعمل مشيئة من أرسلنى وأتـمم عملـه"(يوحنا34:14).

"إعـملـوا"،هـو أمـر بالعـمل، ولكن مـاذا نعـمل؟!

هذا هـو تساؤلنـا.

مـاذا نصنع؟!،مـاذا نعـمل؟!

انـه هـو نفس السؤال الذى طرحـته الـجموع للـمعمدان "ماذا نصنع" (لو10:3)،وكان أيضا نفس السؤال الذى طُرح على يسوع "ماذا نصنع حتى نعـمل أعـمال اللـه" (يوحنا 28:6).

"إعـملوا"..هـى دعـوة للعـمل،وليست فقط لأشخاص عاديـين، بل هـى خاصـة لـمن هـم "مـن فـوق"..

"إعـملوا"..هـو أمـر بالعـمل معـا وليس لـفـرد واحـد،لأننا جسد واحد وروح واحـد ولنـا عـمل واحـد،لأنـه أعطانـا هذه النعـمة أن نكون واحـد "ليكونوا بأجمعـهم واحدوأنـا قد أعطيت لهـم الـمجد الذى أعطيته لي ليكونوا واحداً كـما نحن واحد "(يوحنا21:17-22).

"إعـملوا"..إنـهـا دعوة للعـمل من الذى فرز ودعـى وإخـتار لأن نكون "من فـوق"،أي "انهم ليسوا مـن العالـم" (يوحنا 16:17)،كـما هـو "ليس مـن العالـم"،وكان شرطـه بعـد الإختـيار أن "نتـأمـل" لكى يمـكننا أن "نعمل"..

فـتفكيـرنـا وتـأملـنا فـى اللـه هـو العـمل الإيجابـى الأول الذى يجب أن يكون فـى حياتـنا الروحيـّة.

فلنـفكّر كثيـرا فـى اللـه،وهذا التفكيـر فـى اللـه يلد مـحبتـه فـى القلب،لهذا بُـدء بالتـأمـل ،أي فكّروا فيـه كثيـراً،فكّروا فـى "إنكم من فوق"،أي من اللـه،وإذا مـا أكثـرتم التفكيـر والتأمـل فـى اللـه وسماءه وملائكته وقديسيه وفـى كلامـه ووصاياه ودستوره و معاملات اللـه مع الناس ومعاملته معـنا خاصـة،حينئذ سينشغل الفِكر باللـه،وهذه الـمشغوليـة ستجعلنا نفكّر فيـه بالأكثـر،وهنا تزداد محبته فـى القلب. إنـهـا دائـرة فكر وحب.

لهـذ1 قيـل:"ليكن فيكم من الأفكار والأخلاق ما هو فـى الـمسيح يسوع" (فيليبى 5:2)و "أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك" (تثنية5:6). نتيجة التأمـل سنعرف "محبّة الـمسيح الفائقـة الـمعرفـة لكى نـمتلئ إلـى كل ملء اللـه" (أفسس 18:3).

إن الفتـور والعثـرات والسقوط هـى نتيجة حتـميه لعدم محبـة اللـه،فإن كان حب اللـه فينـا فلن نجد أي صعوبـة فـى العـمل.

ولهـذا فقبـل البدء فـى العـمل هـو أن نضع مـحبّة اللـه فـى قلوبـنـا.  أن نـضع فـى قلوبـنـا أولا اللـه،وتكوين علاقـة معـه وتعـميقهـا يوما بعد يوم،وهذا لـن يتأتـى بـمجرد مـمارسات خارجيـة وقوانين ونواميس،ولا يصلح لـها مظاهر خارجية ولا الشكليّات ولا السلوك الروحى كـمجرد واجب،بـل هـو عـمـل اللـه فيـنـا،دع اللـه يعـمل فيـك..دعـه يسكن فـى قلبك..لا تقاوم..إنـه هـو الذى يدعـو أن يسكن فـى قلبك يا أخـى ويا أختـى.."يـا إبنـى أعطنـى قلبك" (أمثال 26:23)،لأنـه مكتوب "لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك" (متى 21:6).

إن أول طريق العـمل هـو خـطوة، إبدأ إذن بهذه الخطـوة.مهما كانت قصيرة، ومهما كانت فاترة أو ضعيفـة.

أغصب نفسك على إتخاذ هذه الخطوة..الآن.."قـم".."عُـد"..

أطلب من اللـه أن يسكن فـى قلبك،لأن أي عـمل ظاهـر هو نتيجة ما فـى القلب و قـل لـه : "أنـا يارب غير قادر أن أصل إلـى محبتك،إذ توجد مـحبات أخرى عالـمية ومادية وجسدية تجتذبنـى بعيدا عنك،وأنا ضعيف أمامها،لذلك أريد أن تـمنحنى مـحبتك حتى تعـمل مـحبتك فـيّ فأتمم العـمل الذى أردته أنت"، وعندما يرى اللـه رغبتك فـى الحياة معه والعـمل معـه سيـرسل لك معونته الإلهية وتفتقدك نعـمته ويعـمل فيك روحه القدوس بكل قـوة.

الروح القدس الساكن فيـنا هـو الذى يعطى الكلـمة،والقـوة،وثـمر الروح(غلاطية22:5)،والإيـمان(1كورنثوس3:12)،والعزاء(يوحنا26:14)،

والقداسة(رومية4:1)،والحرارة فـى الخدمـة والعـمل.

"لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلـم فيكم"(متى20:10)، إذن كل شيئ بالروح،فعـملك ليس من ذاتك،بل دع الروح القدس يحركك ويعـمل بك وفيـك ومعـك،لهذا يدعونا الرب "إمتلئوا بالروح" (أفسس 18:5).

الروح القدس مستعد أن يعـمل فيـنا ولكننا بتهاونـنا وإهـمالـنا نطفئ حرارة الروح فيـنا،ومـا أسهـل إطفاء الروح بالبيئة الخاطئة والجو الغيـر روحى وبالـمشاكل والأحداث إذا مـا إستقطبت الإنسان وإستولت على فكره ومشاعره، بالفكاهات العابثة ، باللهـو والكسل والتـراخـى والتقصيـر فـى الصلوات ، بالفراغ، بالشهوات وخاصـة مـحبة العالـم.

فإبحث يا أخـى ويا أختـى أيّـة شهوة فـى القلب تلك التى أطفأت روحك؟!

الروح القدس ينشط بالقراءات الروحيـة التى تشغل الفكر باللـه،بالصلوات والخلوات الروحيـة التى يكون لها فاعليتها بكل ما فيها من تأملات وصلوات وقراءات وتراتيل وألحان وجو روحـى نافع وينشّط،وكذلك بالصداقات الروحيـة التى تقوى القلب وتقوده إلـى اللـه،وكذلك ينشط الروح القدس بالتناول من سر القربان الـمقدس وما يصحبه بإستـمرار من توبـة وإعتراف فهو "طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنـا" كـما نردد فـى القداس الإلهـى ومن أجل هذا "نثـبت فيـه وهـو فينـا" (يوحنا56:6).

ولهذا فلنحذر أن نطفئ الروح القدس لهذا صرخ الـمرنّم "روحك القدوس لا

تنـزعـه منـي" (مز50)،والرسول بولس دعانا " لا تحزنـوا روح اللـه

الذى به خـتـمتم" (أفسس 30:4).

"إعـمـلـوا"..والأعـمال أنواع " ولكن اللـه واحد الذى يعـمل الكل فـى الكل" (1كورنثوس6:12).

1. عـمل روحــي :

       " هـذا هـو عـمل اللـه أن تؤمنوا بالذى أرسله" (يوحنا29:6)

        " لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلّص نفسك والذين يسمعونك" (1تى 16:4)

        "من ردّ خاطئـا عن ضلال طريقه يخلّص نفسا من الـموت ويسـتر كثـرة من الخطايـا" (يع 20:5)

        "قد أعلنت إسـمك للناس الذى أعطيتهم لـي من العالـم"

     (يو 6:17)

        "يروا أعـمالكم الصالحـة فيـمجدوا أباكم الذى فى السـموات" (مت 16:5)

        "ولأجلهـم أقّدس ذاتـي ليكونوا هـم أيضا مقدسيـن بالحق"

    (يو 19:17)

        "فإذا أكلتم أو شربتم أو عـملتم شيئا فإعـملوا كل شيئ لـمجد اللـه" (1كو31:10)

        "فإن مشيئة اللـه هـى أن تُسكّتوا بأعـمالكم الصالحة جهالة القوم الأغبياء" (1بط 15:2)

       "إفـرحـوا فـى الرب"(فيليبى1:3).إضحكوا،إبتسمـوا،ففرحكم هو عـمل الروح فـى داخلكم ودليل إيـمانكم وإختياركم وسلامكم فهو القائل:"ولكنـنى سأراكم فتفرح قلوبكم ولا ينـزع أحـد فـرحكم" (يو 23:16)

        "إبـتـغـوا ما هـو فوق حيث الـمسيح" (كولوسى 1:3)

        " أنـتم ملح الأرض" (مت 13:5) فحافظوا على أن لا يفسد الـملح

       " أنتـم نور العالـم" (مت 14:5) فليضئ نوركم ولا يوقد سراجكم ويوضع تحت الـمكيـال..

       "أن نواظب على ما سمعناه أشد مواظبـة لئلا يسرب من قلوبنا"

   (عب 1:2)

        دراسة كلـمة اللـه " (2تيمو15:2)

وغيـرهـا مـن الأعـمال الروحيـة التى تعـمل على تـمجيد اللـه.

2. عـمل إجـتـماعـى:

       "الديانـة الطاهـرة عند اللـه الأب هـى هذه إفتقاد اليتامـى والأرامل فـى ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالـم"

     (يع 27:1).

– " ومن كانت له الـمعيشة العالـمية ورأى أخاه فـى فاقـة فحبس عنه أحشاءه فكيف تحـل مـحبـة اللـه فيـه" (1يو17:3).

3. عـمل إداري:

وهـى كل ما يتعلق بإدارة مسؤلياتك فـى بيتك وعملك ومدرستك وكنيستك كلها يجب أن تخضع لروحانيـة الخدمـة "إن إبن الإنسان لـم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه" (مت 28:20).

وكل الأعـمال الأخـرى الحسنة "فـمن يعرف أن يعـمل حسنـا ولا يفعل فتلك خطيّة لـه" (يع17:4)،"فكن عينـا للأعـمى ورجلاً للأعرج وأبا للمساكين" (أيوب 15:29)،وكن إنسانـا معطاء فكـما قيل عن السيد الرب "إنـه كان يجول يصنع خيـراً" (أع38:10).

عـمل لا يـأتـى منـه العثـرات لأنـه "ويل لـمن تأتى بواسطته العثرات" (لو1:17).

فإعـمل فـى أي مجال،فـى البيت،فـى مكان العـمل،فـى الكنيسة،فـى النادى،مع كل أحـد،الـمهـم أن تعـمـل ولا تكن خامـلا تدفـن الوزنـات.

هدف العـمل هـو تـمجيد اللـه.."أنـا مـجّدتك على الأرض"..

عندمـا نبدأ العـمل فلا بد من الإستـمرار" كونوا راسخين غيـر متـزعـزعـين مكثـرين فـى عـمل الرب كل حيـن"

(1كو58:15)

فلنبـدأ فـى العـمل..لأن الرب "سيأتى كلا منكم على حسب أعماله"(رؤ23:2)

فلا تكن أعـمالنا باردة أو بالفاتـرة (رؤ15:3) بل دائـمة وقـوية..فعّالـة ومقدسة.

وإحذر فـى أعـمالـك من الكبـريـاء لأن "قبل الكسر الكبـرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 18:16).

"فـمهـما أخذتم فيـه من قـول أو فعل فليكن الكل بإسم يسوع الـمسيح شاكرين بـه للـه الأب" (كولوسى 17:3).

" ومـتى فعلـتم كل مـا أُمرتـم بـه فقـولـوا إنـنـا عبيد بطالّون" (لو10:17)

ودائـما فلنتذكـر القـول " لا لنـا يارب لكن لإسمك أعطِ الـمجّد" (مز1:113).

"فـمن عند الرب كان ذلك وهو عجيب فـى أعيننـا" (مت 42:21)..

"إعـملـوا" .."فلا شدّة ولا ضيق ولا جوع ولا عري أو خطر أو إضطهاد أو سيف" (رو38:8) يـمكن أن أن يوقفـنا عـن العـمل.

قيـل ليونان النبـى يومـا "مـا عـملك ومن أين جئت وما أرضك ومن أي شعب أنت" (يونان 8:1) فـماذا يـمكن أن نقـول أو نجاوب إذا ما سألـنا الرب يومـا مـا؟!.

"فلـيختـبـر كل واحـد إذن عـمـلـه" (غلا4:6).

فـإنـه "لكل واحد منـا أعطيت النعـمة علـى مقدار مـوهـبة الـمسيح وهـو الذى جعل بعضا رسلا وبعضا أنبياء وبعض مبشرين وبعض رعاة ومعلـمين لأجل تكـميل القديسين ولعمل الخدمـة وبنيان جسد الـمسيح" (أف7:4، 11-12).

إن عـملنـا هـو تـميم إرادة اللـه، لأنـنـا "مـن فـوق".

فـأرضـنـا هـى السـماء،ونـحن مـن أهـل السـماء.

ولـيـتمجد الرب فـى كل شيئ الآن وإلـى الأبــد أميـن.

                         ++++++++++

 

 

       " فقال لهم أهكذا أنتم بغير فـهم"

                                      (مرقس 18:7)

" فلما رآهـم مكدودين فى قذفهم لأن الريح كانت مقاومة لهم….وافاهـم…فصرخوا.." (مر 48:6& 49)

الريح مقاومة..ومع هذا تصورتم أنفسكم خبيري فى فنون البحر والصيد فجدفتم وحدكم معتمدين على قوتكم الذاتية ونسيتم من أنتم ومن تكون تلك الرياح ومن هو رب الرياح والبحر..

إلـى متى لا تكفوا عن كبرياءكم..؟..إلـى متى لا تعترفون بأنكم لا شيئ مهما كنتم وبأي وسم وُسمـتم؟ ومهما كانت خبراتكم فى خضم هذا اليم؟؟؟

الريح التى أتعبتكم وجعلتكم بلا حراك ولا قوة …. تصمت بكلمة منه..

الريح التى تصدكـم عن هدفكم سوف تنعكس لتدفعكم  إلـى هدفكم بإردته هـو..

البحر الذى أراد إغراقكم ..هو عالـمكم..وبقوة روحه القدوس قهر سلطان هذا العالـم …فهل أنتم من العالـم؟؟..

و أهكذا أُثقلت قلوبكم فى الخلاعة والسكر والهموم الـمعيشية ونسيتم إنكم لستم من  أهل البحر ؟؟؟

إحترسوا لأنفسكم… فاليوم قريب..فإصرخوا صرخة الرجاء…

صرخة التوبة الحقيقية..صرخة الغريق..صرخة الفرح الحقيقي..

صرخة التلاميذ..صرخة الإبناء…صرخة أهل السماء..

وتذكروا انه لا يقبل صراخ الشفاه..او القلوب الجافة الفارغة…بل صرخة القلب الواحد..الخارجة من الإنسان الواحد..الـمحب…

الذى تعلن أفعاله بأنه إنسان السماء لا الأرض.

          +++++++++++++++++++++

 

      أيــن مـحبتـك  الأولـى؟

ذات يوم كانت الرسالة من الرب يسوع، الأول والآخـر، إلـى كنيسة أفسس هكذا: "عندى عليك انّك أهملت محبتـّك الأولـى" (رؤ4:2).

وقد طالب شعب تلك الكنيسة أن يعودوا على ما كانت عليـه أعمالهم الأولـى، والتى كانت كلهـا "بالـمحبـة".

فمهما كانت الأعمال أو الخدمـة التى قدموهـا سواء كانت أتعاب وصبـر وعدم إحتمال للأشرار،فهى كلا شيئ بغيـر الـمحبـة الأولـى.

وفـى لقـاء يسوع بسمعان بطرس بعد القيامـة كان السؤال"أتحبنـي" وعندما جاءتـه الإجـابـة "نعم يارب"، أعطاه الرب أن يرعـى القطيع (يو15:21-17)، فكأن الـمحبـة هـى كانت الأساس للخدمـة.

وفـى نشيد الـمحبـة أوصانـا الرسول أن تكون الـمحبة هـى مصدر كل عـمل من أعمال النبوة أو التعليـم أو مساعدة الـمساكين أو حتى بذل الجسد وإلاّ فكل تلك الأعمال زائلـة (1كور13). 

وفـى وصيـة يسوع الأخيـرة طالب تلاميذه قائلاً: "أثبتـوا فـى محبتـي" (يو9:15).

والآن إبحث فـى نفسك هـل كل خدامتك وأعمالك دافعهـا حبك ليسوع أم لغرض آخـر شخصي أو عالـمي؟.

أيـن محبتك؟..أين أخفيتهـا؟..

هذا هو سؤال الرب يسوع لك اليوم وفى هذه الساعة…

                            ++++++++++++++++++

 

         لـمـاذا تــشـكو ؟؟؟

نقرأ فى سفر العدد " وتكلّم الشعب على الله وقالوا لـماذا أصعدتنا من مصر لـنمـوت فـى البـريـّة فإنه ليس لنا خبز ولا مـاء وقد سئمت نفوسنا هذا الطعام الخفيف" (عدد 5:21). 

ولكي نعرف سر شكوى الشعب العبرانـي نجد ذلك فى الـمزمور  77 :

1. نسوا أعـماله ومعجزاته التى أراهم (مز 11:77) 

2. طالبين لأنفسهم أكثر مـمـن أعطاهم الله (مز18:77-19)

3. ندمـهم لـم يكن من القلب " فخادعوه بأفواههم وبألسنتهم كذبوا عليه أمـا قلوبهم فلم تكن مستقيمـة معه ولا أوفوا بعهده"

(مز36:77-37)

4. لـم يكونوا شاكرين مـا صنع بهم الرب.

ولنعد الآن للسؤال ..لـماذا تشكو؟.

غـالباً مـا تكون شكوانا لها جذور مشابهة لتلك الأفعال او النيات  السابق ذكرها فى مزمور داود. وعليه لا يـمكن لنا أن نوقف الشكوى إن لـم نقطع أسباب الشكوى من جذورها. فكل مرة تشكو حدد سبب تلك الشكوى من الله ثم إبدأ بإتخاذ الخطوات اللازمة لعلاج سبب الشكوى الحقيقي.

نقرأ فى سفر الـملوك الأول (1ملو 1:7-17) أن صموئيل النبي كلّم جميع بيت إسرائيل وقال لهم :

" إن كنتم تائبين إلى الرب من كل قلوبكم فأزيلوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من بينكم وأعدوا قلوبكم للرب وأعبدوه وحده فينقذكم من أيدي الفلسطينيين" (1ملو 7:7).

إن الحزن تـملك إسرائيل 20 سنة وتابوت العهد وُضع بعيداً كأنه صندوق غير مـرغوب فيه وُضع فى غير مكانه ، وظهر كأن الرب قد رذل شعبه وهنا دفعهم صموئيل النبي لأن يصنعوا شيئاً إن كانوا حقاً نادمين. فكـم من السهل علينا أن نشتكي من مشاكلنا وحتى نلعن السماء أو نعاتب الله قائلين لـماذا صنعت بنا هكذا، بينما نحن نرفض أن نعمـل أو نتغير ونصنع مشيئة الله " ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات لكن الذى يعمل إرادة أبي فى السموات هو يدخل ملكوت السموات"

(مت 21:7) ونحن للأسف لا نطيع الوصايا التى أعطاها لنا.

فهل تشعر أن الله قد تركك؟؟..

إفحص ذاتك إن كان قد قال الرب لك شيئاً من قبل يجب أن تصنعه وأنت لـم تصنعه، وربما لا تقدر على الحصول على إرشاد جديد حتى تتمـم ما سبق وأن أرشدك إليه من قبل. أفحص توبتك جيداً.هل توقفت عن إرتكابك لتلك الـمعصية التى سبق وأن إعترفت بها وأظهرت ندمك عليها، أم مازلت تخدع نفسك والله وتعبد آلهة أخرى؟. هـل قدّمت شكرك للرب على جميع عطاياه ومواهبه لك أم نسيت كعادتك؟.هـل أنت غير راض عن حياتك ، وأخفيت النعم والوزنات التى وهبها لك الرب وتطالب بغيرها؟.

وهكذا قبل أن تشكو،أبحث عن السبب وصلي لأبيك السماوي ونفذ مشيئته كما فى السماء كذلك على الأرض .

                        +++++++++++++++++++++

 

               "ليتقدس إسـمك"

لقد علّـمنا الرب يسوع فـى الصلاة الربانيـة أن أول طلبة بهـا هـى

" ليتقدس اسـمك"،أي اننا فـى كل مرّة نصليهـا يجب أن نتذكـر أن نقدس أسم الرب فـى أفكارنـا وكلامنا وأعـمالنـا كـما أن السرافييم يقدسونه مسبحين "قدوس قدوس قدوس "(اش 3:6).

فكيف نقدس إسم الرب:

1.  تقديس اللسان

    "فـم الصديق ينبوع حياة" (أم11:10)،"ومن أراد حب الحياة وأن يرى أيامـا صالحة فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه عن كلام الـمكر"

(1بط10:3).

2.  تقديس الـمظهر والـملبس

جسدنا هو هيكل اللـه "أنتم هيكل اللـه وروح اللـه ساكن فيكم"

(1كو16:3).

فـما معنى أن جسدنا هو هيكل اللـه،أي انـه مقدس،ومكان سكنى اللـه ولهذا يوصينا الرسول بولس "أن يعرف كل واحد منكم كيف يصون اناءه فـى القداسة والكرامـة (1تس 4:4)،ويطالبـنا "فمجّدوا اللـه واحملوه فـى اجسادكم" (1كو19:6-20).

3.  تقديس الفكـر

"فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى الـمسيح يسوع " (فيليبى 5:2) و "أما نحن فلنا فكر الـمسيح" (1كو16:2).

4.   تقديس البصـر

" من نظر الى إمرأة وإشتهاهـا فلقد زنـا فـى قلبـه" (مت 28:5).

" سراج الجسد العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّراً" (مت23:6).

5.  أن نظهـر اسـمه للناس

فـى صلاة يسوع الأخيـرة قبل الصلب قال "أنا أظهرت اسمك للناس"

(يو6:17) فلا بد أن نظهر اسمـه العظيم للناس ولا نخجل منه لأن فيه كل إحتياجات البشر.

"محبوب هو اسمك بارب فهو طول النهار تلاوتـى" (مز118).

6.  أن تكون كل أفعالنا وأقوالنـا بإسم الـمسيح

"كل ما عملتم بقول أو فعل فاعمملوا الكل بإسم الرب يسوع"

(كولوسي 17:3).

7.  أن نتعب من أجـل اسـمه

يقول الرب لملاك كنيسة أفسس أي اسقفها فى أولـى رسائله السبع كما جاءت فى سفر الرؤيـا "أنا عارف اعمالك وتعبك وصبرك..وقد احتملت ولك صبر وتعبت من أجل اسمي ولـم تكلّ" (رؤ 3:2).

إن الرب يكافئ كل تعب حتى ولو كان بسيطا مثل تقديم كأس ماء بارد بإسمه فلن  يضيع أجره (مت 11:5-12).

8.  أن نتـمسك باسمه ولا ننكره

يقول الرب لملاك كنيسة برغامس مشجعا له وسط الإضطهاد "أنا عارف أعمالك وأين تسكن حيث كرسي الشيطان وأنت متمسك باسمي ولـم تنكر إيـمانـي" (رؤ13:2)

9.  أن يكون اسم المسيح هو أعظم كنـز لنـا

"الذى لـي إيـاه أعطيك بإسم يسوع الناصري " (أع 6:3)

10.                     أن نتجنب الإثـم والخطية والعثـرات طالـما نحمل اسمه

"ليتجنب الإثـم كل من يسمـى بإسم الـمسيح" (2تى 19:2)

11.                     أن نمجده ونبارك اسمه حتى فى الضيق والحزن والـمرض والخسارة

فعندما انهالت التجارب على أيوب الصديق من خسارة ثروته وأولاده قال

مباركاً الرب فى شكر وتسليم "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب

مباركاً" (أي 21:1).

12.                     تقديس الذات فى الممارسات الطقسية داخل البيوت او فى الكنائس

أولادنا يروننا فى وضع الصلاة..فى الصوم..فى الذهاب الى الكنيسة كل أسبوع..فى العطاء..فى الـمحبة الـمتبادلة ما بين الزوجين..فى الطاعـة..فى روح الخدمـة..

فـى النموذج الـمثالـي فى البيت ..فـى الإلتزام بالمواعيد..فى الرعاية الروحية. والآن..فهل من منظري ولغتـي وتصرفـاتـي وهدوئـي ومحبتـي وخدمتـي ورعايتي لأسرتـي ينظر الناس الـمسيح فـيّ "فيمجدوا اللـه" فالرسول بولس يقول "اننـا صرنـا منظراً للعالـم للملائكة والناس" (1كو9:4) "فنحن سفراء الـمسيح" (2كو 20:5).

فهـل نقدس اسـم الرب ..ونعلن أسمـه القدوس ..أم تكون صلاتنـا بأن "يتقدس اسمك" هى تمتمات شفاه لا نعنيهـا وهنا يصدق علينا قول اللـه "هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فـمبتعد عني بعيداً"(اش 13:29).

          

 

 

         الإستعداد..وظهـور اللـه

نقرأ فـى العهد القديم عند ظهور الرب للشعب كانت هناك حدود وقواعد معينة تصحب هذا الظهور الإلهـي (خروج 10:19-19).

أولا: كان يجب عليهم أن يتقدّسوا

"قال الرب لـموسى أمض إلـى الشعب وقدّسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم ويكونوا مستعدين لليوم الثالث" ..

ثانيا: كان هناك حداً بين الله والشعب

"أجعل حداً للشعب من حواليه وقل لهم احذروا من أن تصعدوا الجبل أو تمسوا طرفه فإن كل  من مسّ الجبل يُقتل قتلا"

ثالثا: كان الظهور يصحبه بروق وظواهر طبيعية خارقة

"وفـى اليوم الثالث عند الصباح انها كانت أصوات بروق وغمام كثيف على الجبل وصوت بوق شديد جداً" ، "الجبل وطور سيناء مدخّن كله لأن الرب هبط عليه بالنار فسطع دخانه كدخان الآتون وارتجف كل الجبل جداً".

رابعا: كان الظهور يصحبه خوف

"فارتعد جميع الشعب الذين فى الـمحلّة" ، " وكان الـمنظر هائلاً حتى إن موسى قال إنـي خائف ومُرتعد" (عب 21:12).

خامسا: خاف الشعب أن يكلّمه الرب مباشرة

" وكان جميع الشعب يشاهدون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل الـمدّخن فلما رأى الشعب ذلك إرتاعوا ووقفوا على بعد وقالوا لموسى كلمنا أنت فنسمع ولا يكلّمنا الله لئلا نموت" (خر 18:20-19)..

سادسا: كان الظهور برهبة لكى لا يخطئ الشعب

"فقال موسى للشعب لا تخافوا إنما الله جاء ليمتحنكم ولتكون مهابته أمام وجوهكم لئلا تخطؤوا" (خر 20:20)

 واليوم عند إقتراب ذكرى إحتفالنـا بظهور الله فـى الجسد، هذا الظهور الـمستمر وليس فقط منذ ألفي سنة ، فهل ظلّت صورة الظهور الإلهـي كـما كانت فـى العهد القديـم ؟

يُعلن لنا الوحي الإلهى على لسان بولس الرسول "لـم ندنوا إلى جبل ملموس ولا إلى نار متقّدة وضباب وظلام وزوبعة وهُتاف بُوق وصوت كلمات استعفى الذين سمعوه أن يُزادوا كلمة" (عب 18:12-19)،

"بل دنونـا إلـى جبل صهيون ومدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلـى محفل رِبوات من الـملائكة…وإلـى يسوع  وسيط العهد الجديد" (عب 22:12-24).

يسوع هـو الله الـمتجسد ..كـما يُعلن الوحى على بولس الرسول "الذى

إذ هو فـى صورة الله لم يكن يُعتد مُساواته لله إختلاساً لكنه أخلى ذاته آخذا صورة عبد صائراً فى شبه البشر وموجوداً كبشر فى الهيئة" (فيليبي 6:2-7).

وكـما أعلن لنـا ذلك السيد الـمسيح :"من رآنـي فقد رأى الأب" (يو9:14)..

الظهور الجديد لا يوجـد فيه حدود تـمنع فهو القائل

"تعالوا إلـيّ"و "أنا هو الباب" (يو7:10) و "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14) و " أنا هو الراعي الصالح" (يو11:10)

الظهور الجديد يصحبـه فرح

"هأنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب" (لو10:2)

الظهور الجديد يصحبه تقديس من الله لنـا

"قدّسهم بحقك إن كلمتك هى الحق"، "ولأجلهم أقدّس ذاتى ليكونوا هم أيضا مُقدّسين بالحق" (من صلاة يسوع الأخيرة يوحنا 16:17،19).

الظهور الجديد يصحبه كلام مباشر من الله للإنسان

" أنـي أجعل شريعتي فـى ضمائرهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي أمة ولا يُعلّ بعد كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلا اعرف الرب لأنّ جميعهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم"(عب10:8-11).

فهـل نفهـم ونعـي مـاذا يعنـي ذكرى الـميلاد؟!

أم هـل نُدرك أنـه تجديداً للظهـور الإلهـي؟! 

لا يجب أن نجاري العـالـم عند إحتفالهـم بهذه الذِكرى والتى قد يقضونهـا فـى السلوك فـى الشهوات وسَرف الخمر والـمنادمات

(1بط 3:4) ..

1.  بـل يجب أن نتقدس ولهذا رتّبت الكنيسة صومـا للإستعداد

صـومـاً لا للخصومـة والـمشاجرة مع اللـه، بل صومـا محبوبا فيه حلّ لقيود النفاق، وفيه كسر الخبز للجائع،وكسوة للعريان(اش 6:58-7). 

 2. يجب البحث عن الـمولود.."أين الـمولود؟" (متى 1:2-2)

أين يـا تُرى الـمولود فـى حياتك؟!..

أين نجـمه؟!..

لـماذا إختفـى ذاك النجم من حياتك؟!

لهذا صارت حياتك كأنها سحب بلا مـاء تحملها الرياح أو كأشجار خَرفية غير مثمرة ..أو كأمواج بحر عاتيّة مُزبدة،أو كنجوم تائهـة(يهوذا 12-13)

+ يجب أن نحضـر أمام الرب بقلوب متواضعة

فصلاة الـمتواضع تنفُذ الغيوم (يشوع بن سيراخ 20:35)

3. يجب أن نحضر أمام الرب بتقدمـة "لاتحضر أمام الرب فارغاً"

(يشوع بن سيراخ 6:35) فلا تتحجج فالنعـمة التى فيك "تُغني كثيرين"

(2كور10:6)

فلـماذا لـم تأتِ وتسجد وتُـقدّم ذهبك ولبُانك ومُرك؟!

4. الظهور الإلهـى مستـمر وليس مُحتاج أن نُظهر الـمولود داخل مغارة من ورق أو من خلال زينات فهو موجود فـينـا،نراه،نلمسه ونسمعه (1يو2:1-3).

أليس الرب هو القائـل " لا يرانـى العالـم أمـا أنتم فترونـي لأنـي  حي" (يو19:14).

وبعد أيهـا الأخوة،أفرحوا،تعزّوا، استعدوا، وعيشوا التجسد الحقيقي وليس تجسد الذِكرى. أظهروا الرب للعالـم لكى يكون كل إنسان كاملاً فـى الـمسيح (كولوسي 38:1) ونعمـة ميلاد الرب تكون مع جميعكم.

 

 

                الجائزة العُظْـمى

"أما تعلـمون ان الذين يسابقون فـى الـميدان كلهم يسابقون ولكن واحداً ينال السبق فسابقوا أنتم حتى تفوزوا"(1كور24:9)

الجائزة او الجوائـز أصبحت الدافع القوي فـى حياة الإنسان عامـة، وفـى حياة الـمسيحي خاصـة، ولكن لا بد من فهم طبيعة تلك الجائزة لنفهم طبيعة دوافع الإنسان للحصول عليها.

الجوائـز التى يحصل عليها الإنسان الـمسيحي نتيجـة إتباعـه لوصايـا اللـه عديدة كـما جاء ذكرهـا فـى الكتاب الـمقدس:

1.  الوعد بالكنـز السماوي

كـما جاء فـى انجيل القديس متى:"كنوزا فـى السماء حيث لا يُفسد سوس ولا أكله ولا يُنقب السارقون ولا يسرقون" (مت20:6)، ورسالة القديس بطرس الأولـى : "لـميراث لا يبلى ولا يفسد ولا يضمحل محفوظ فـى السموات لكم"(1بط4:1).

2.  الوعد بالـمديح من اللـه

يـمكن أن نرى ذلك فـى رسالة القديس بولس الرسول الى أهل كورنثوس:" إلى أن يأتى الرب الذى سينير خفايا الظلام ويوضح أفكار القلوب وحينئذ فكل أحد يكون مدحـه من اللـه"(1كور5:4)، وأيضا فـى انجيل متى:"ومتى جاء إبن البشر فـى مجده وجميع الـملائكة معه فحينئذ يجلس على عرش مجده وتُجمع لديـه كل الأمم فيميّز بعضهم من بعض كـما يميّز الخراف من الجداء"(مت21:25-22)، وأيضا كـما جاء فـى انجيل لوقا:"فقال له أحسنت أيها العبد الصالح قد وُجدت أمينا فى القليل فليكن لك السلطان على عشر مدن"(لو17:19).

3.  الوعود بجوائـز النصـرة

كـما جاء فـى كتاب رؤيا القديس يوحنا اللاهوتـى:"من غلب فإنـى أؤتيه أن يأكل من شجرة الحياة التى فـى وسط فردوس إلهي"(رؤ7:2)،"من غلب فلا يضره الـموت الثانـى"(رؤ11:2)،"من غلب فإنـى أؤتيه الـمن الخفي وحصاة بيضاء مكتوبا عليها إسم جديد لا يعرفـه أحد إلاّ من أخذ"(رؤ17:2)، "من غلب وحفظ أعمالى إلى المنتهى فإنـى أوتيه سلطانا على الأمم"(رؤ26:2).

4.  الوعد بالحصول على مسؤليات خاصة وسلطانا من قِبل الرب

كما جاء فـى انجيل القديس متى:"متى جلس ابن ابشر على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا معى على اثنى عشر كرسيا وتدينون أسباط اسرائيل الإثنى عشر"(مت28:19)،

" من ترى ذلك العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيده على أهل بيته ليعطيهم الطعام فى حينه، طوبى لذلك العبد الذى يأتـى سيده فيجده يصنع هكذا الحق الحق أقول لكم انه يقيمه على جميع أمواله"(مت45:24-47).

5.  حضور وليـمة الحَـملْ

"طوبـى للـمدعويين إلـى عشاء عُرس الحمل"(رؤ9:19).

6.  الوعد بالإكليل

الإكليل هو رمز للنصر والسلطة والجـاه، وهناك أنواع منها:

إكليل الـمجد: "وحين يظهر رئيس الرعاة تحصلون على إكليل المجد الذى لا يذوى"(1بط4:5)

إكليل العدل:"وإنما يبقى اكليل العدل المحفوظ لـي الذى يجازيني به فى ذلك اليوم الرب الديـّان العادل"(2تيمو8:4)

أكاليل من ذهب:" وحول العرش أربعة وعشرون عرشا وعلى العروش أربعة وعشرون شيخا لابسين ثيابا بيضاء وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب"

(رؤ4:4)

اكليل الحيـاة: " كن أمينا حتى الـموت فسأعطيك اكليل الحياة"

(رؤ10:2)

اكليل الشوك رمز النصرة على الشر:"وضفّروا إكليلا من الشوك وجعلوه على رأسه" (مت29:27).

قـد يقول البعض ان السبق والتنافس من أجل الحصول على الجائزة العظـمى ينفـي ان خلاص الإنسان إنـما هو هِبـة من  اللـه، وليس نتيجة عـمل أو فعل الإنسان، وأن على الإنسان أن يخدم اللـه لأنـه يحبـه أولا، ولـمجد اللـه ثانيـا،وليس من أجل جائزة أو مكافاة. وللرد نقول فلـماذا يعلن الوحي الإلهـي عن ضرورة مشاركة الإنسان وعـمله لإستحقاق هذا الخلاص الـمجانـي؟    

يقول القديس بولس الرسول:"لكنى بنعمة اللـه صرت على ما أنا عليه ونعمته التى فـيّ لـم تكن باطلة بل تعبت….لكن لا أنا بل نعـمة اللـه التى معي"(1كور10:15)،

"فإن عـمل كل واحد سيكون بيّنـا لأن يوم الرب سيظهره إذ يُعلن بالنار وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو.فـمن بقى عمله الذى بناه على الأساس فسينال أجره" (1كور13:3-14)،" إن ذلك من أصدق ما يُقال وإياه أريد أن تُقرر حتى يكون الذين آمنوا ذوى إهتمام فـى القيام بالأعمال الصالحة فهذه هى التى تحسن وتنفع الناس"(تيطس8:3)، والقديس يعقوب يقول:"ترون إذن أنّ الإنسان بالأعمال يُبررّ لا بالإيـمان وحده"

(يع 24:2)، والسيد الـمسيح يعلن فـى رؤيا يوحنا قائلاً:"هـآنذا آت سريعا وجزائـي معـي لأكافـئ كل واحد حسب أعـمالـه"(رؤ12:22)، واللـه يعلن لإبراهيـم قائلا له:"أنـا أجرك العظيـم جـداً"(تك1:15).

ان من نال سر الـمعموديـة قد صاربالنعـمة عضواً فـى جسد السيد الـمسيح"نحن الكثيرين جسدُ واحد فـى الـمسيح"(رو4:12)،"لأنكم أنتم جملة من اعتمدتم فـى المسيح قد لبستم الـمسيح"(غلا27:3)، وبهذا أصبح ضـمن الـمتسابقون فـى السبق لنوال الجائزة العظمى..فهـل عرفت الآن لأي شيء تـتسابق؟.

مـا أسعدك ايها الـمسيحي إن كان اللـه هـو جائـزتـك العظـمى، فلا تتوان، أو تتكاسل، أو تخور فـى ميدان السبق، فـما أعذب وأقوى الإعلان بأنك قد نلت الفوز.

إذا أعوزتـك القوة فوّجـه نظرك إلـى يسوع فهو القائل لك: "لا تخف أنا أعينك لأنـى أنا الرب إلهك فإنـى قد نصرتك" (اش10:41،13)، وإذا مـا أصابك ضعف، أو فتور، أو ملل، أو خوف فتذكر قول الـمرنم: " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتـي فممن أرتعب"(مز1:26-5)، وإذا ما قلت اننى إنسان لا يمكننى الإنتصار،فأنظر إلـى السيد الـمسيح هذا الذى داس الـموت وإنتصر بصليبه وقام من بين الأموات وأتـمم العـمل الذى أعطاه له الأب السماوي" أنـا مـجّدتـك علـى الأرض وأتـممت العمل الذى أعطيتنى لأعمله"

(يو4:17)، ولهذا جاء ان الأب السماوي قد "أخضع كل شيئ تحت قدميه وجعله رأسا فوق الجميع للكنيسة" (أف21:1) ،وأيضا أنظر إلـى القديسة مريم، ابنة الناصرة التى صارت آية فـى السماء (رؤ 1:12) بعد أن نفذت مشيئة الأب السماوي عندما دعاها لأن تكون أمـا للكلـمة الإلهية.

إن الفتـور والعثـرات والسقوط هـى نتيجة حتـميه لعدم محبـة اللـه، فإن كان حب اللـه فينـا فلن نجد أي صعوبـة فـى التسابق،ولهـذا فلكى نضـمن الفوز فـى السبق يجب أن نضع مـحبّة اللـه فـى قلوبـنـا.نـضع فـى قلوبـنـا أولا اللـه،وتكوين علاقـة معـه وتعـميقهـا يوما بعد يوم،وهذا لـن يتأتـى بـمجرد مـمارسات خارجيـة وقوانين ونواميس،بـل هـو عـمـل اللـه فيـنـا.

الروح القدس الساكن فيـنا هـو الذى يعطى الكلـمة،والقـوة،وثـمر الروح والإيـمان،والعزاء،والقداسة،وهو الذى يدفعك للإنتصار.إذن كل شيئ بالروح.فدافعك ليس من ذاتك،بل دع الروح القدس يحركك ويعـمل بك وفيـك ومعـك.

الروح القدس مستعد أن يعـمل فيـنا ولكننا بتهاونـنا وإهـمالـنا نطفئ حرارة الروح فيـنا فنخسر السبق. فصلي لأبيك فـى السـموات طالبـا منـه العون والقوة وأن يجعل روحـه القدوس حي فيك عاملا ودافعـا لك للفـوز بالـمجد السـماوي.

"فلذلك أيها الإخوة اجتهدوا بالأحرى أن تجعلوا دعوتكم وانتخابكم ثابتين بالأعمال الصالحة فإنكم إذا فعلتم ذلك لا تزِلّون أبداً. وهكذا تُمنحون بسخاء أن تدخلوا ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع الـمسيح الأبدي"

(2بط10:1-11). آميـن.

                          ++++++++

 

" الكأس التـى أعطانـي الآب ألا أشربـهـا"                                                                     

                                     (يو11:18)

تُـرى مـا هـى الكأس التـى أراد السيد الـمسيح أن يشربهـا؟

وهـل هناك أنواع أخرى من الكؤوس؟

وهـل يـا تُرى هناك كأس أعطاهـا لنـا الرب؟

أنواع الكؤوس كـما جاء ذكرهـا فـى الكتاب الـمقدس:

1.  كأس بستان الزيتون

فـى بستان الزيتون عندما جاءت الفرقـة والُخدام من عند رؤساء الكهنة والفريسيين ومعهم يهوذا الإسخريوطى للقبض على السيد الـمسيح، ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة وقطع أذنـه، نجد ذِكر عن كأس قال عنها يسوع "الكأس التى أعطانى الآب ألا أشربهـا" (يو11:18)، تلك الكأس التى صلّى للآب القدوس قائلاً: "أبـا أيها الآب إن كل شيئ مستطاع عندك فأجز عني هذه الكأس لكن ليس مشيئتي تكون بل مشيئتك" (مر36:14).

2.  كأس الرحـمـة

كاس الرحمة او كأس ماء بارد بإسم السيد الـمسيح كما جاء فـى انجيل

 

 

مرقس: "من سقاكم كأس ماء بارد بإسـمي بـما انكم للمسيح فالحق أقول لكم انه لا يضيع أجره" (مر41:9).

3.  كأس العهد الجديـد

تلك الكأس التى باركهـا السيد الـمسيح ليلة الفصح:" وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم وقال اشربوا من هذا كلكم لأن هذا هو دمـي للعهد الجديد الذى يهراق عن كثيرين لـمغفرة الخطايـا"(مت27:26).

4.  كأس الإحتمال للحصول على الـمجد

جاء ذِكر تلك الكأس عندما دنـا يعقوب ويوحنا إبنا زبدي الى السيد الـمسيح طالبين أن يجلسا عن يـمينه ويساره فـى مجده: "فقال لهما يسوع انكما لا تعلمان ما تطلبان أتستطيعان أن تشربـا الكأس التى أشربها أنا أو تصطبغا الصبغة التى أصطبغها أنا فقالا له نستطيع. فقال لهما أمما الكأس التى أشربها فتشربانها والصبغة التى أصطبغها فتصطبغانها وأما جلوسكما عن يميني أو يساري فليس لـي أن أعطيه لكما بل للذين أُعد لهم" (مر35:10-40).

5.  كأس العبـادة الظاهـريـة

كأس العبادة الظاهريـة هـى تلك الكأس التى جاء ذكرهـا على لسان السيد الـمسيح عند توبيخه للكتبة والفريسيون فقال:" الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون الـمراءون فإنكم تنقون خارج الكأس والجام وداخلهما مملوء خطفا ودعارة أيها الفريسي الأعمى نق أولا داخل الكأس والجام حتى يتطهر خارجهما أيضا" (مت25:23-26).

6.  كأس البـَركـة

هـى سر الإفخارستيا كـما جاء فى رسالة القديس بولس الأولـى الى أهل كورنثوس:

"كأس البّركة التى نباركها أليست هـى شركة دم الـمسيح والخبـز الذى نكسره أليس هو شركة جسد الـمسيح"(1كو16:10).

7.  كأس الرب وكأس الشياطين

ضرورة التناول من جسد ودم السيد الـمسيح بإستحقاق كـما جاء فـى رسالة القديس بولس الأولـى الى أهل كورنثوس: "ان الذى تذبحه الأمم إنـما تذبحه للشياطين لا للـه فلا أريد أن تكونوا شركاء الشياطين. انكم لا تستطيعون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين"(1كو21:10).

8.  كأس الدينـونـة

"أي إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسه وهو على خلاف الإستحقاق فهو مجرم الى جسد الرب ودمه" (1كو29:11).

9.  كأس بابـل أو كأس الأرض والعالـم

" وكانت الـمرأة لابسة إرجوانا وقرمزا ومتحلية بالذهب والحجارة الثمينة

وبيدها كأس من ذهب مملوءة من رجاسات زناها ونجاساتـه" (رؤ4:17)

نأتـى إلـى السؤال عن ما هـى الكأس التى أراد السيد الـمسيح أن يشربهـا؟

إنهـا الكأس الـمُرّة الـمملوءة من كل خطايا الجنس البشري…هذه الكأس التى قدّمهـا لـه الأب الأزلـي لشربهـا، فقد حمل خطايـا العالـم وحلّ محل الخطأة.

والآن مـا هـى يـا ترى نوع الكأس التـى معك؟

أهـى كأس الرب، كأس البـركـة، كأس الرحـمة، كأس الإحتمال؟

أم هـى كأس بابل، أو كأس العبادة الظاهريـة، أو كأس الدينونـة؟

هـل تقول مع يسوع "الكأس التى أعطانـى الآب ألا أشربهـا"؟

هـل تقبـل كأس الرب التـى أعطاهـا لك، مهمـا كانت؟

قـد يكون فـى تلك الكأس معاناة..ضيق .بُعد عن ملذّات العالـم ..

ولكن تذّكـر ان كأس الرب مملوءة أيضاً بالبـركـات والـمجد والحب الأزلي.

إبحث يـا أخـي ويا أختـى عـن الكأس التى أعطاهـا لك الرب،أين هـى؟، أيـن أخفيـتـهـا؟ ولـماذا هـى بعيدة عنك؟

ايـن هـى كأس الرب التـى فيهـا الحب والرحـمة والـمجد؟

وإن كانت الكأس مازالت معك فلـماذا هناك كؤوس أخرى؟

كؤوس تقف أمامهـا حائراً،دامعـاً،و شاكيـاً.

إنهـا كأس واحدة التـى لك فألقـى بتلك الغريـبـة،الـمملوءة بالسُم القاتل وأشرب كأس عليّة صهيون،كأس بستان الزيتون،وكأس الجلجثـة، ففيهـا .. وفيهـا وحدهـا دم الحب والرحـمة والـمجد. آمين.

                       ++++++++++++++++++            

 

       إرضـاء اللـه..وإرضـاء النـاس

يذكر لنا القديس متى فـى انجيـله عن حادثـة حاول فيها بطرس الرسول أن يثنـي السيد الـمسيح من إتـمام إرادة الأب السـماوي عندما أعلن يسوع لتلاميذه من انه سيُصلب ويـموت ويقوم فـى اليوم الثالث:  

" فإلتفت وقال لبطرس إذهب خلفي يـا شيطان فقد صرتَ لـي شكاً لأنك لا تفطن لـما للـه لكن لـما للناس" متى 23:16).

تـرى لـماذا وصف السيد الـمسيح بطرس بهذه الصفات من انـه "شيطان"، "قد صار شكاً"،و"لا يفطن لـما للـه لكن لـما للناس"؟.

فدعونـا نتأمـل فـى هذه النقاط:

مـا الذى يفعله الشيطان؟، ومـا الذى يفعله الإنسان ليحرص على إرضاء الناس أكثـر من إرضاء الله؟،و مـا الذى يجعل الإنسان مشابهـا فـى أقوالـه وأفعالـه للشيطان؟

أولا مـا الذى يفعله الشيطان؟

إن عـمل الشيطان فـى جملته جعل الحقيقة شيئاً قبيحـاً وإبعاد أولاد اللـه عن أبيهـم السماوي.

فهـو مقاوم لعـمل اللـه:

" ,ارانـي يهوشع الكاهن العظيم قائما قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن

يمينه ليقاومه"(زك 1:3).

وهـو عـائـق للإنجيـل:

" كل من يسمع كلمة اللـه ولا يفهم فيأتى الشرير ويخطف مما قد زرع فى قلبه"(مت 19:13).

وهـو يـغري بالخطيئـة:

"فقال الرب الإله للـمرأة ما هذا الذى فعلتِ فقالت الـمرأة الحيّة غرّتنـي" (تك13:3).

وهـو قـتّـال:

"أنتم من أب هو ابليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتّالا للناس من البدء ولـم يثبت فى الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم لأنه كذّاب وأبو الكذّاب" (يو44:8).

هـذا هـو بعلزبول، بليعال،التنين،الروح الردئ،الحيّة القديـمة،سلطان الظلـمة،رئيس هذا العالـم،الـمجرّب،الروح النجس،زارع الزؤان،الذئب،والأسد الزائـر كـما جاء عنـه فـى الكتاب الـمقدس.

ثانـيا ما الأقوال أو الأفعال التى تبدر من الإنسان يكون فيهـا إرضاء الناس هـو الأكثـر أهميـة فـى الحيـاة؟

            ·     إنسان يصنع برّه أمام الناس لكي ينظروه وإذا صنع صدقـة يهتف قدامـه بالبوق  كـما يفعل الـمراؤون فـى الـمجامع والأزقـة لكي يـمجدهـم الناس (مت1:6-2).

            ·      إنسان إذا صلّى يكون كالـمراءين الذين يحبون القيام فـى الـمجامع وفـى زوايـا الشوارع يصلّون ليظهروا للناس (مت5:6).

            ·      إنسان عندمـا يصلّي يكثـر من الكلام مثل الوثنيين الذين يظنون بكثـرة كلامهم يستجاب لهـم (مت 7:6).

            ·     إنسان إذا صـام يكون عابس الوجـه كالـمراءين فإنهم ينكرون وجوهم ليظهروا للناس صائـمين (مت16:6).

            ·     إنسان يعبـد الـمال (مت 24:6).

            ·     إنسان يهتم بـما يأكل أو يشرب أو يلبس ولا يطلب أولا ملكوت اللـه (مت31:6).

            ·     إنسان يختنق بالهـموم والغِنـى وملذات الحياة ولا يأتـى بثـمر (لو14:8).

            ·     إنسان يحب دينونـة الآخريـن لكى يظهر هو بـار (رو1:2-3).

            ·     إنسان يعـمل كل أعماله ريـاء أمام الناس كالكتبة والفريسيين الذين يعرضون عصائبهم ويعظمون أهدابهم ويحبون أول المتكئات على العشاء وصدور المجالس فى المجامع والتحيات فى الأسواق وأن يدعوهم الناس معلـمين (مت 5:23-7).

            ·     إنسان يشبه القبور الـمجصصة التى تُـرى للناس من خارجهـا حسنة وهى من داخلهـا مـملوءة عظام أموات وكل نجاسة لذلك يرى الناس ظاهـر هذا الإنسان مثل الصديقين وهو من داخل ممتلئ رثاء وإثـماً (مت 27:23-28).

            ·     إنسان متشائم ذو سيرة سيئة يغلق ملكوت السموات فى وجوه الناس فلا هو يدخل ولا يترك الداخلين يدخلون (مت 13:23).

            ·     إنسان متزمـت ومتعصب فى تطبيق الوصايا والشرائع مثل الكتبة والفريسيين الـمراءون الذين يعشرون النعنع والشبت ويتركون أثقل ما فى الناموس وهو العدل والرحمة والإيمان (مت 23:23).

            ·     إنسان كانت لـه الـمعيشة العالـمية ورأى أخاه فـى فاقـة فحبس عنه  أحشاءه  (1يو3:3)

            ·     إنسان متذمـر دائـم الشكوى يسلك فـى شهواتـه وينطق بأمور مفخمـة يتكلف بها إعجاب الناس إبتغاء للربح (يهوذا 16).

            ·     إنسان يـزّكـي نفسه أمام الناس (لو 15:16).

كـل هـؤلاء يقول عنهـم الكتاب المقدس "سحب بلا ماء تحملها الرياح وأشجار حرفية غير مثـمرة قد ماتت مرتين واقتلعت من أصولهـا. أمواج بحر عاتية مزبدة بخزيهم. نجومم تائهـة"

(يهوذا 12-13).

لذلك حرص الرسول بولس فـى خدمتـه على إرضاء اللـه وليس الناس "لأنـا لـم نستعمل قط كلام الـملق كما تعلمون ولا عِلّة للطمع ولا التـمسنا مجداً من الناس لا منكم ولا من غيـركـم"

(1تس 5:2-6).

و لهذا كان فـى قـول بطرس ليسوع إعـاقـة لعـمل اللـه،وتشكيك فـى قدرة اللـه،وإرضاءً للـمجد البشري.

فأحرص يـا أخـي ويـا أختـي على إرضاء اللـه أكثـر من البشر ولتكن كل أعمـالنا لـمجد الرب ومن يضع محبة اللـة فـى قلبـه يعـمل أعمال اللـه "فيـروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكـم الذى فـى السموات" (مت16:5).

                    ++++++++++++++++++++++++

 

               اللـه الـمؤدِب 

1. تأديب اللـه مـمزوج بالرحـمة

اللـه يؤدِب ولكن لا ينـتقم لنفسه، ولكنـه كطبيب يوّد شفاء الـمريض، لذلك إمتزجت التأديـبات بالرحـمـة: "انـي ربيت بنين ورفعتهم لكنهم تـمردوا عليّ" (اش 2:1)، "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً الجاعلين الظلـمة نوراً والنور ظلمة. الجاعلين الـمرّ حلواً والحلو مرّاً. ويل للذين هم حكماء فـى  أعين أنفسهم عقلاء أمام وجوههم" (اش 21:5-22).

مـا من مرة يتكلم فيهـا اشعيا النبي عن الرب القدوس الـمؤدِب وعن العقاب كقوله: "فإضطرم غضب الرب على شعبه فـمد يده عليه وضربه فرجفت الجبال"(اش25:5)، إلاّ إنـه يظهـر لنا على الفور نبؤات كلها رجاء وثقـة فـى رحـمة اللـه، ففى الإصحاح العاشر مثلاً نجد الويلات:"ويل للذين يشترعون شرائع الظلم…"، ويعقبـه نشيد الخلاص فـى الإصحاح الثانى عشر: "هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أفزع…"،

وايضا عند قوله : تعالوا نتحاجج يقول الرب انه ولو كانت خطاياكم كالقِرمز تبيض كالثلج ولو كانت حمراء كصِبغ الدود تصير كالصوف"

(اش18:1)، "الشعب السالك فـى الظلـمة أبصر نوراً عظيماً..الجالسون فـى بقعة الـموت وظلاله أشرق عليهم نور" (اش2:9).

لو حاولنـا أن نشبّه مزج التأديب بالرحـمة، سوف نجد العديد من الآيات الكتابية فـى مواضع أخرى من الكتاب الـمقدس توضح العلاقـة ما بين الرب وشعبه: يقول سليمان الحكيم:"لكن بعقابهم شيئاً فشيئاً منحتهم مهلة للتوبـة وإن لـم يخف عليك ان جيلهم شرير وان خبثهم غريزي" (حكمة 10:12)، وداود يعلن:"الرب رؤوف رحيم طويل الآناة كثير الرحمة ليس على الدوام يسخط ولا الـى الأبد يحقد.. لا على حسب خطايانا عاملنا ولا على حسب آثامنا كافأنـا بل بمقدار إرتفاع السماء عن الأرض عظمت رحمته على الذين يتقونه.. بمقدار بعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينـا كرأفة أب ببنيه رئف الرب يالذين يتقونـه لأنه عالم بجبلتنـا وذاكرا انـّا تراب…" (مز102).

2.اللـه يؤدب لكن بروح الحب والأبوة

طويل للبنين العاقيـن يقول الرب يعقدون مشورة ليست مني ويـبّتون عهداً ليس من روحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة" (اش1:30). وهذا ما أكده الروح القدس على لسان القديس بولس فـى رسالته للعبرانيين قائلاً:"قد نسيتم التعزيـة التى تخاطبكم كالبنين فتقول يابنيّ لا تحتقر تأديب الرب ولا تخـر إذا وبخك فإن الذى يحبه الرب يؤدبـه ويجلد كل إبن يتخذه فأصبروا على التأديب فإن اللـه إنـما يعاملكم كالبنين وأي إبن لا يؤدبـه أبوه. وإن كنتم بـمعزل عن التأديب الذى اشترك فيه الجميع فأنتم إذن نغول لا بنون. وايضا قد كان آباء أجسادنايؤدبوننا ونحن نهابهم فهلا لا نكون بالحري خاضعين لأبـي الأرواح فنحيا فإنهم إنـما أدبونـا لأيام حياتنا القليلة وعلى هواهم أما هو فلمنفعتنا حتى نشترك فـى قداسته" (عب5:12-11)، وملاخـي النبي يعلن: "الإبن يكرم اباه والعبد يكرم سيده فإن كنت أن أبا فأين كرامتي وإن كنت سيداً فأين مهابتي قال لكم رب الجنود" (ملا6:1)، ويشوع ابن سيراخ يعلن أيضا قائلاً: "يوبخ ويؤدب ويعلّم ويرِد كالراعي رعيتـه" (يشوع ابن سيراخ 13:18).

3.حـالـة الشر والخطيئة هى السبب فـى شقاء الإنسان

يعلن اشعيا النبي عن السبب فـى شقاء الإنسان قائلاً:" فقلت ويل لـي قد هلكت لأنـي رجل دنس الشفتين وأنا مقيم بين شعي دنس الشِفاه وقد رأت عيناي الملك رب الجنود فطار إلـي أحد السرافين وبيده جمرة أخذ بملقط من المذبح ومسّ فمي وقال ها إن هذه قد مسّت شفتيك فأزيل إثـمك وكُفرت خطيئتك" (اش5:6-7)، ويقول يشوع ابن سيراخ: "هو صنع الإنسان فـى البدء وتركه فـى بد إختياره وأضاف الى ذلك وصاياه  وأوامره فإن شئت حفظت الوصايا ووفيت مرضاته وعرض لك النار والماء فتمد يدك الى ما شئت الحياة والموت أمام الإنسان فما أعجبه يعطى. له"(سيراخ14:15-18).

4. اللـه هو صاحب الكَرم الذى يشتاق أن يجد ثـمراً فـى كرمـه الـمحبوب لديـه

نقل لنا اشعيا النبي صورة اللـه صاحب الكرم الذى صنع كل شيئ حسنا لكرمـه وإنتظر أن يُثـمر ولكن أثـمراً بلا فائدة فقال: "انـي أنشد لحبيبي نشيد محبوبـي فـى كرمـه كان لحبيبي كرمْ فـى رابيـة ذات خصب وقد حوّطه وحصّاه وغرس فيه أفضل كرمـة وبنى برجا فـى وسطه وحفر فيه معصرة وإنتظر أن يثـمر عنبا فأثـمر حصرمـا بريـا، فالآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا أحكموا بيني وبين كرمـى أي شيئ يُصنع للكرم ولـم أصنعه لكرمـى فـما بالـي إنتظرت أن يُثـمر عنبا فأثتمر حِصرما بريـا فالآن أُعلمكم ما أصنع بكرمى. أزيل سياجه فيكون مباحاً وأهدم جداره فيكون مدوساً وأجعله بوراً لا يُقضب ولا يُفلح فيطلع فيـه القتاد والشوك وأوصي السحاب أن لا تـمطر عليه مطراً"

(اش 1:5-6).ومـثل شجرة التينـة التى بلا ثـمر والتى لعنها السيد الـمسيح: "فنظر عن بعد شجرة تين ذات ورق فدنا إليها لعله يجد عليها شيئا. فلما دنا لم يجد إلاّ ورقا فأجاب وقال لها لا يأكل أحد ثـمراً منك إلـى الأبد" (مر13:11-14) ، "فرأوا التينة قد يـبست من أصلها"

(مر20:11).

                ++++++++++++++++++++++++++

 

         الـثـمـرة الـمـحـّرمـة

الـثمرة مـحـّرمـة ..

ولـكنهـم وجـدوهـا طيـّبـة ..شـهيـّة…مُـنَيـة للعقـل..

فـأخـذوهـا ..قـضـموهـا..إبتلعـوهـا..

وتهشمت أسنانهـم..ولـم يـبـالـوا..

أكـلوا..فـتألـموا ..

ولكنهـم تـنـاسوا …

فالـثمرة طيـّبـة..شهيـّة..ومُـنيـة للعقـل..

إبتلعـوهـا..وصارت إلـى جوفـهـم..

فـتعـرّوا..وخـافـوا..وإخـتـبئـوا..

ولكنهـم مازالـوا يـتذّكرون..

أن الـثمرة طيـّبـة..شهيـّة..ومُـنيـة للعقـل..

فـأخـذوا يـبحـثون….أزالـوا الأسوار..ورفعوا الـحرّاس..

ودمّـروا الأبـار..وداسوا الشـرائع..وتشـتـتوا وراء كـل منادِ..

فالـحنيـن قـوي..والـنداء يـجذب إلـى مـذاق تلك الـثـمرة..

فالـثمرة طيـّبـة..شهيـّة..ومُـنيـة للعقـل..

لـم يـعـُد دفء الـحظيـرة..يـجذب..

لـم يعـد كلأ الـمَرعـى ..يُشـبِع..

لـم يـعُد عصـيـر الـكرمْ ..يـُروي..

ولـم يعـُد صوت الراعـي..يُـؤنـِب..

وحتـى دبـيـب الخطوات لـم يـعُد يُحـذّر..

ألـهذه الدرجـة الـثـمرة  طيـّبـة..شهيـّة..ومُـنيـة للعقـل..؟!

فأعـمـتْ..وأصـمـّت..وأزاغـت وحـطّمـت!!

ألا يـمكن أن تكون لـثـمرة أخـرى مذاق أطيب ..وأشهـى للعيون

أو أكثـرمسرّة للعقل؟!

الهـذه الدرجـة لا تـوجد ثـمرة أخـرى يُـمكن أن تجذب العين والنفس والقلب؟!

ألا يـمكن لـمن أنبت كل شجرة حسنة الـمنظـر وطيّـبة الـمأكـل أن يعطـى شجرة للـحياة تـثمر إثـنتي عشرة ثـمرة وتؤتى فى كل شهر ثـمرها وورقها يكون لشفاء الأمم ؟!

مـا زال الإختيـار حـرُُ لـك ..ما بيـن ثـمرة مـحرّمـة تودى للـموت أو ثـمرة سماويـة تعطى حيـاة أبـديـة؟!

                             

         الـحـيــاة مـع اللــه

مـاذا يعـنى الحـيـاة مـع اللـه؟!..

ومـا هـى فـائدتـهـا للإنسان الـمؤمـن؟!..

الـحـيـاة مـع اللـه تعطـى الإنسان:

1. قـوة وثـقـة

"إن سرت فـى وادى ظلّ الموت لا أخاف شراً لأنك معـى"(مز4:23)..

وبنفس القـوّة يقول الـمرنّم "الرب نوري وخلاصـى مـمن أخاف" (مز1:27).

2. قـوة أن لا يخطئ

هكذا كان يوسف الصّديق يشعر دائـما إنـه واقف أمام الرب واللـه يراه فكيف يخطئ فصرخ صرختـه الـمعروفـة عند محاولـة زوجـة فوطيفار إغراءه بالشر:

"كيف أصنع هـذا الشر العظيم وأخطئ إلـى اللـه" (تك 9:39)

3. الإيـمان بأن اللـه موجود معـنا

وجود دائـم للـه فـى حياة الـمؤمن وليس وجوداً مؤقـتـا

"كل الأيام وإلـى إنقضاء الدهـر"

4. الـفـرح بالأبـديـة

لـهـذا أعلـن القديس بولس "لـي إشتهـاء أن أنطلق وأكون مع الـمسيح فذاك أفضل جداً" (فيليبى 23:1)

5. أن يـدعـو الآخـريـن

فالإنسان الـمؤمن يدعو الكل إلـى العِشـرة مع اللـه ويقول لهـم ما قالـه الـمرّنم

"ذوقـوا وأنظروا ما أطيب الرّب" أو عندمـا عرف فيلبس يسوع دعا نثنائيل قائل " وجدنـا الذى كتب عنـه موسى فـى الناموس والذى كتب عنه الأنبياء"(يو45:1).

6. الشعور بوجود اللـه فـى الأماكن الـمقّدسة

كـما قال يعقوب عن بيت إيـل "إن اللـه فـى هـذا الـمكان"

(تك 28)..

7. حب الصلاة الدائـمة والحديث مع اللـه

كـما كان يفعل أباءنا القديسين "صلوا بكل صلاة ودعاء كل حين فـى الروح" (أف18:6) ..وكـما طلب الـمرّنم "واحدة طلبت من الرّب وإياها ألتـمس أن أسكن فـى بيت الرب كل أيام حياتـى لكى أعاين نعيم الرّب وأتأمـل فـى هيكله" (مز4:26).

8. حـب الوجـود مـع اللـه

"إلـى مـن نذهب وكلام الحياة الأبديّة هـو عندك" (يو68:6)

9. حـب تـنفيذ وصايـا الرب

" مـا أشّد حبّي لشريعتك. هـى تأملي النهار كلـه" (مز97:118)

  إذا فبـالـخطيّة يزول الإحساس بالوجـود والحياة مع اللـه ..ويشعر الـخاطئ بإنفصال عن اللـه . وقـد ظهـر هـذا الإنفصال فـى عـمقه حيـنما صرخ قايـين قائلا للرب " ذنبى أعظم من أن يُـحتـمل إنك طردتنى اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفـى" (تك13:4)

فأحرص يـا أخـى ويا أختـى علـى تكون حياتك هـى "فـى اللـه" و"مع اللـه" و"للـه"  وللـه الـمجد والكرامـة إلـى الأبـد أميـن.

 

                       +++++++++++++++++++++

 

                  الـخَـتـمْ 

فـى عِدة آيـات من الكتاب الـمقدس نـجد مـا يُشيـر إلـى وجود علامـة مـا.. أو خَتـمْ..أو وسمْ..أو مـسحة خاصـة..

هـذا الـخَتـمْ عجيب …فهو يـحـمى صاحبـه مـن الـموت ..

ولكن فـى أحيـان أخرى قـد يدفعـه للـموت ..

هـذا الـختـمْ ضرورة حـتـميـة للإنسان فلا بـد مـن الحصول عليـه..هذا إن أراد الحيـاة أو الـفـنـاء..!!

تـُرى مـا هـو ذلك الـختـمْ؟!…ومـاذا يعـنى؟!..وما هـى أهـميتـه؟..

فـى العهد القديـم نجد أن الرب قد ختـم قايين بعلامـة حتى لا يقتله كل من  وجده وذلك بعد أن قال للرب " إنك طردتنى اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أستتـر وأكون تائهـا شارداً على الأرض فيكون ان كل من وجدنـى يقتلنـى"(تك 15:4)..

إذن قـد خـُتم قاييـن وحـمل علامـة مـا من الرب جعلتـه لا يُقتـل!!..

وفـى مكان آخـر نـجد خـتمُ آخـرإذ قال الرب للـملاك "إجتـز فـى وسط أورشليم وإرسم تـِوآءََ على جباه الرجال الذين ينوحون ويندبـون على كل الأرجاس التى صُنعت فى وسطهـا" ..ثـم قال "اقتلوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء حتى الفناء ولكن كل من عليه التوآء لا تدنوا منـه" (حزقيال 4:9،6).

إذن..هناك علامـة مـا من الرب جعلت من إصطفاهم أن لا يُقتلون ..!!

وفـى سفر الرؤيـا نجـد خـتمْ آخـر: " ورأيت ملاكا يطلع من مشرق  الشمس ومعه ختـم الله الحي فنادى بصوت عظيم إلـى الـملائكة الأربعة الذين أُبيح لهم أن يضّروا الأرض والبحر قائلا لا تضّروا الأرض ولا البحر ولا الشجر إلـى أن نَختِم عِباد إلهنـا على جباههم" (رؤ2:7-3)..

وعندمـا فُتح بئر الهاوية وخرج من الدخان جراد على الأرض "أُمـر أن لا يضر عشب الأرض ولا شيئا مـما هو أخضر ولا الشجر إلا الناس الذين ليس فـى جباههم ختـم الله" (رؤ 4:9)..

وكـما أن هناك خـتم لله نجد ذِكر لـخَتـمْ آخـر …هـو ختم الوحش أو ختم الشيطان:

"جعل الجميع الصِغار والكِبار الأغنياء والفقراء الأحرار والعبيد يتسـمون بسِمة فـى أيديهم اليـمنى أو فـى جباههم ولا يستطيع أحد منهم أن يشترى أو يبيع إلا من كانت عليه السِمة أو اسم الوحش أو عدد اسـمه" (رؤ16:13-17)..

وهـذا الختـمْ الغريب يؤدى  إلـى الغضب والـموت الأبدي:

"إن سجد أحد للوحش ولصورتـه وإتّسم بالسِمة فـى جبهتـه أو فـى يده فـإنـه يُسقى من خـمر غضب اللـه الـمصبوبـة صِرفـاً فـى كأس غضبـه ويُعذب بالنار والكبريت أمام الـملائكة القديسين وبحضرة الـحَـمل ويصعد دخان عذابهم إلـى دهر الدهور ولا راحة لهم نهاراً وليلاً للذين قد سجدوا للوحش ولصورتـه ولـمن أخذ سِمـة اسـمه" (رؤ 9:14-11)..

ضربـات وويـلات..لـمن يسجد لذلك الـختـم الغريب "ختم الوحش":

" الناس الذين عليهم سِمة الوحش وفـى الذين يسجدون لصورته قَرْحُ خبيث أليم" (رؤ2:16)..

ولكن حيـاة ومُلك دائـم فـى مدينة أورشليم السماوية..مسكن الله مع الناس لـمن عليهم "ختم الله":

" الذين لـم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولـم يتّسموا بإسمه على جباههم ولا فـى أيديهم فحيوا وملكوا مع الـمسيح" (رؤ4:20) وأيضا "الذين غلبوا الوحش وصورته وسِمته وعدد اسمه واقفين على بحر الزجاج ومعهم كنارّات اللـه" (رؤ2:15)..

" ولا يكون لعن من بعد وسيكون فيها عرش الله والحـمل فيعبده عبّاده وينظرون وجهه ويكون اسمه على جباههم" (رؤ 3:22-4)..

والآن..تُـرى أي ختـمْ تحـمله ..؟!..أختـمْ اللـه أم ختـم الوحش؟!

إن الخـتمْ كـما تبين هـو إعلان عـن أن هذا  الشخص ذو العلامـة أو الختـم لـه إختيـار خاص إمـا للـه أو للشيطان..

إن قبول علامة الوحش هو دلالة واضحة على رفض يسوع الـمسيح وإنهاء أي فرصة لقبولـه..إنهـا تُعلن أن مالِك هذه العلامـة قد  أحب العالـم أكثـر من الله وانـه قد وصل إلـى حالـة يصعب فيهـا أن يعلن توبتـه ويعود لإيـمانه بالله وبإبنه يسوع الـمسيح وبالروح القدس ..

فكل من يؤمن بالله يُختـم بكل بـركة روحية سـماوية كـما يعُلن لنا الرسول بولس " الذى مسحنا هو اللـه الذى ختـمنا أيضا وجعل عربون روحـه فـى قلوبنـا" (2كور21:1-22)..

و أيضا " فبعد أن أمنـتم خُـتِمـتُم بروح الموعد القدوس" (أف13:1)..

"روح الله القدوس" هــو ذلك الخـتـم العجيب الذى وُهب لنـا نحن الذى إختارنـا الله لنكون قديسين وبغير عيب أمامه بالـمحبة

(أف 3:1-4) ..

 

لذلك دعـانـا الرسول قائلا:

 "لا تحزنـوا روح اللـه القدوس الذى خـُتمتم بـه ليوم الـفداء"

(أف 30:4)..  

فكون قبول الإنسان أن يـُختم بخاتـم ذاك "الوحش" هـو تجديف وشرك وخيانة وجحود لـختم روح اللـه القدوس..

وهذا مـا عناه السيد الـمسيح فـى قولـه "ان التجديف على الروح القدس فلا يغفـر لـه لا فـى هذا الدهـر ولا فـى الآتـى"

(مت 31:12-32) ..

والآن يـا مـن طـمست الخـتمْ..ختـم الروح ..وأصبح منطوق الخـتمْ لا يُقرأ..

لا يُرى لأنـه طُمس..

مـا من علاقـة؟!..

مـا من دليل يُثبت لـمن الـخَتـمْ؟!

مـا الكتابـة التـى عليه؟!..مـا الصورة التـى فيـه؟!

أيـن ختـم روح اللـه القدوس؟!..

أيـن العلامـة؟!..أيـن الصورة؟!..أين القراءة؟!..وأين الدليل؟!

لـمن الـخَتـمْ؟!..لقيصـر أم للرب؟!..للعالـم أم للسـماء؟!

إن الرب يدعـوك اليوم..فـى هذه الساعـة..

أن ترفـع الغِبـار عن ختـم الروح..

وأن تسمع صوت الحب الذى ينطلق من قوة الـختـم ..

وأن تعرف مقدار النعـمة التى وضعهـا فيك اللـه..

وأن تجعل الروح يعـمل فيك وبك ليتمجد الله فـى كل حين..

ولإلهـنـا كل الـمجد والكرامـة إلـى الأبد آميـن.

                      +++++++++++++++++++                                                                          

 

          وقــفــة للتــأمـــل

يـارب السماء والأرض..يـامن أخترتني يومامالأكون أحد رسلك..

يـا من أحببتني ودعوتني بالإبن و الحبيب..يـا من جعلت مريم  أمــاً لـي وملائكة السماء هم حراسي على الأرض وشفعائي فى السماء.

يـا من وضعتني بين كفيك ولم تسلمني ليد أعدائي،وتبدد كل محاولاتي للخطأ.

هــل لـي ياأبتِ أن أقف لأسألك أو أسائلك؟؟..

هل لي أن أقف للمعاتبة أو حتى للوم؟؟..

هـل لي أن أفتح فمي لأفهم وأعي لماذا صنعت بي هكذا؟؟؟..

صرخـة أيوب..ومراثي أرميا..وبكاء أنبياء السبي..تساؤلات داود تحت أنغام العود..وحكم سليمان وأمثاله..وحتى صرخة مريم ومرثا..تذكرتها كلها وهى تردد لك لِــــــم صنعت بنا هكذا؟؟؟؟..

لو كنت هاهنا لما حدث ما حدث؟؟..أين كنت..؟؟..وأين تختبئ..؟؟..لماذا رفعت السياج من كرمِك وأرحلت حراسك..؟؟..لماذا حينما أردد إنعاماتك بشكر وحمد، ترفعها الواحدة تلو الأخرى؟؟..هل لأنك تذكرت انها أكثر مـمـا يجب؟؟..أم ان هناك آياد أُخر قد تدخلت؟؟..

كمثـل أنبيائك ورسلك..لا أفهم طرقك ولا سبلك…

لماذا كلما أقترب منك تأتي الضربات والصعاب والدموع والآلام..فهل هذه هى ضريبة معرفتك؟؟

ولـِم العجب فى هذا وجميع رسلك وأصفياؤك ذاقوا الآلم ..وحتى أبنك صُلب ومات بين لصين!!

يارب..أني لا أسألك وأسائلك لكي أتبرر أمامك، فما من أحد على هذه المسكونة يستطيع أن يتبرر، وما الإنسان  إلا دودة الأرض الحقيرة وتراب ورماد..نفخة من هواء..بخار وسحاب مع سراب..قليل الأيام..وُلد فى الخطأ ..والخطيئة هى جزء من تكوينه الترابي!!

هـا أنا آت لا للمحاكمة..بل متضرعا..باكيا..متوسلا.

آت اليك صارخاً صرخة يونان فى بطن الحوت..ودانيال فى جب الأسود، ويوسف من سجنه..وداود من مغارة هروبه أمام طارديه..وصرخة سمعان إبن يونا فى غرقـه..وصرخة تلاميذك فى أوج العاصفة..وإستغاثة شعبك فى البرية وبكاء حزقيا فى مرضه.. آت اليك بتلهف العشار وقائد المئة وإمرأة كنعان..آت مردداً حتى صرختك وأنت فى الجلجثة..إلهـي..إلـهـي..لماذا تركتني؟؟؟؟

هـل لـي أن أذّكرك بقديم الأيام..وكيف عرفـتك؟؟..

لم تكن معرفتي بك أثر رؤية ما أو سماع لنداء…كم قالوا عنك ووصفوك وإمتلأت المنابر بالحديث عنك…ولكنى لم أفهم ولم أعي..وإتسمت علاقتي بك بالخوف والحرص..فقد لاحظت كلما صنعت الشر ، فإن خطراً يلم بأحبائي فحاولت المستحيل كبح جماح رغباتي محبة فيمن أحبهم وليست محبة لك؟؟؟..

ثم وجدت نفسي وسط جماعتك المختارة فعرفتك عن قرب ، وتغيرت العلاقة من علاقة خوف على من أحب الى علاقة تواكل ..فلقد لـمست حبك لـي..ورأيتك وانت تحميني من طرق الشر بل كنت معاندا لرغباتي وكنت أجدك تسابقني على طريق الملذات فأجدك هناك لتحطم كل محاولاتي..فكنت أضحك..لأن حبك كان مفضوحا لهذه الدرجة حتى انك كنت تذهب معي للهاوية لتنقذني؟؟؟

أي حب هذا..كان حباً عجيبا فلقد بثثت فى جسدي صحة..وغرست فى عقلى حكمة وبدلت إرادتى الى قوة..وحتى صلاتي كنت تستجيب لها حتى توهم البعض انني كموسى كليمك أو أيليا أو صموئيل العهد الجديد..وألهمني روحك القدوس فألقيت بعظات بادت للبعض انها رائعة وانها من كلماتى فحزت مجداً لاأستحقه..

وتواترت حياتى بين الفتور والمعاندة وتركت مختارك وهاجرت وهجرت كل طقوسك ورسائلك..

فلم أعهد بك الرب الحامي..المحب بلا شروط..ووجدتك الرب المُحاسب لكل لفظة نطق بها لساني وأختبرت قيامي وإيماني..وسقطت وكان سقوطي عظيمـا وتلوث ردائى الإرجواني وتمزق كهنوتى..

ولكن ياللعجب..ها أن حبك يظهر كما كان وأخذت باليد ومسحت الدمع وأقمت الحراس وفتحت السماء لى كما كانت لى أنا الخاطئ.. وأرسلتني الى كرمك الجديد وأعطيتنى رسالتك ..وبدأت غيرتك تملأ قلبي ..ولكن..وما أقسى كلمة لكن..عادت الأرض تجذب..والشهوة تعمي…فجف النبع وضاع الطريق..ووسط التواكل أتت الضربة..فأخذت الحبيب المختار مني..فكان زلزالا مدمراً وضعنى بين مفترقين..هل فعلت هذا لأنني صنعت الشر أمامك يوما ما وها قد أتـى الآن وقت المحاسبة ودفع الثمن؟؟.هل عدت لطريقتك القديمة معي بضرب أحبائي عند خطأي؟؟

ولم يعد أمامي إلا طريقان إما اليأس وإنكار معرفتى بك مهما كانت محاولاتك لإرجاعي..وإما أن ابقى معك…فالدرس لم ولن أعيه وانا بعيد عنك….وكان البقاء والرضوخ كما فعل ايليا ويونان فى قديم الأيام..فحوطنى روحك القدوس وأريتني حكمتك فى أحلام ورؤى عجيبة فى فهمها أو استقصاء طرقها..وهنا دفعنى روحك القدوس لنشر رسالتك وكلما كنت أخطو خطوة كان العواء والزئير..وحاول من كنت أعتقد يوما ما انه صديقي مـحاربـتي..ولاحظت انه فى كل مرة كنت أعتلي فيها منبر بيعتك لأعرّف شعبك من هو الرب كانت التجربة تأتي ولم أعد أدري هل هذه القسوة جاءت من السماء ام من تحت الآرض ؟؟..

ورُفعت الأم مني.. أنا من كنت أتباهى انه بصلاتي لك كنت أُبقيها معي..فكم كانت تلك المسكينة تؤمن بــى ..ولم يعد من حقي حتى أن أحزن.. فكما قيل لـي يا من تعظنـا لايمكن ان نرى دموع عينيك!!

هــا بدأ الخوف يتسرب لــي؟؟..من هو القادم؟؟…هل ستأخذ الرفيقة التى وهبتها لـي أم ترفع عنى الإبن ام الإبنة شبيهة العذراء؟؟..

ولكنك أخذت الأب فذقت مرارة اليتـم ولـم يعد على الأرض من يرفع الصلاة من أجلي أو يحيطنـى بالحنـان.

أواه  ..لم أعد أدري من أين ستأتي الضربة القادمة؟؟.هل ستطلب نفسي الآن وتوضع فى الجحيم؟؟..هل ستفتح الأرض فاها وتبتلعنا ؟؟..هـل..وهــل..؟؟؟؟ تساؤلات منبعها الخوف والياس وخبرة تعاملاتي معك فى القديم..

أقولها مرة أخرى..أين حبك القديم؟؟..أين أنت يامن أذقتني حلاوة القرب منك ولو لسويعات ..انـي لا أدعـي انى قدعرفتك وأخاف ان أقولها..فكم حار قديسوا الأرض فى معرفتك ..ولكني لا يمكن أن أنكر حبك لـي و الذى ألمسه..وأحيا فيه..فهذا هو يقيني وإيمانــي. أنى لا أهاب الموت ولكني أخاف ان اقف للمحاسبة ورصيدي مدين والوزنات قد صدأت..وكشف الأعمال باهت..

هـا ان أيام غربتى قد تعدت الخمسون ولم يعد للنهاية الا سويعات ..إني لاأطلب منك طول الأيام أو عِظم المعيشة بل أن ترينى حكمتك وتشعل فى قلبي محبتك وتغرس فـي علم معرفتك..حتى تثمر أعمالك فى حياتى…مجداً من الناس لست أقبل..ولكن مجدك انت وحدك ياربي .. وصديقي .. وأليفي..ويامن تحلو العشرة معــه..آمين.

                  +++++++++++++++++++++           

 

 

الجـزء الثـانــى

القضـبـان

لـم أشعر بقيمة الحياة إلاّ عندما حُرمت من العبث والحريـة ووُضعت خلف قضبـان.  خمس قضبـان تمنعنـي عن الحيـاة. وجدران تحاول أن تصّدنـي عن أحلامـي وتقف ساخرة من تأملاتـي وجنـونـي.  أجلس وأنظر إليها وكلّي ضيق وتعجب. قضبـان حديديـة فرضهـا أناس ليكبتـوا الحريـة لدى الإنسان.  أصبحت كعصفور سجين يقف تاركـاً لعينيـه الحريـة فى التجوال والمرور بين تلك القضبان إلـى الضوء والحياة.

غلالـة رقيقة تربطنـى بالحياة تعرفنـى متى بزغت الشمس أو متى تودع الحياة. لا أقوى على الثورة أو حتى الصراخ، فما جدواهمـا، وماذا تجدى الدموع أو العويـل فى تلك القضبان الحديديـة الصـمّاء!.

خمس قضبان تنظر إلـي محملقة وتبتسم وكأنهـا تقول أين حريتك أيها الإنسان والتى تنادى بها؟!. فـما معنى الحريـة؟!..أهـى حياة بدون قضبان؟!..أهـى حياة وحريـة وطن أم حريـة فرد؟!.

أجري وأتخبط فى الجدران وأدور وأتسآل أين أمضي وكيف أعود الى الحيـاة؟. وكلمـا تمضى الدقائق وتدور العقارب وأنا أزدد حيرة وقلق، فلا أجد مجيبـا لتساؤلاتـى سوى الصمت و ..القضبـان.

هكذا حُرمت من التنفس والهواء والإنطلاق واللهو والزهور والنجوم والليل والضحك والحب، وهكذا حرمتنـي تلك القضبان من حياتـي وحريـتـي.

يكفـى أن أكون خاطئـاً أو مجرمـاً أو حتى ثائـراً حتى أُوضع خلف قضبان من الحديد وأسوار عاليـة من الحجارة وكأنـي جرثومـة لا يود البعض أن يتدنس بهـا. ولست أدرى هل إعتباري خاطئـاً يكفى لوضعـي خلف الأسوار؟!.

وأتسآل من ذا الذى يقرر أنـي خاطئ أو ثائر، أوا ليس إنسان يتنفس ويحيا كما أحيـا؟، وهل هذا الإنسان معصوم هو الآخـر من الخطأ أو قول الحق؟، ومن يسـن ذاك القانون الذى يبيح للبعض أن يعتبرنـي مجرمـاً..أوا ليس إنسانـاً؟. فكيف تتحكم أخطاء الإنسان فى الحكم على أناس قد يكونوا أبرياء فى قانون الله. قوانين ولوائح وتشريعات صمّاء سُنّت ووُضعت للقضاء على نبتة الحياة على الأرض، ولإسعاد نفر أو قبضة من الناس وذلك بإبعاد أناس من طريقهم خلف الأسوار والقضبان. أعود لآتسآل أين هـى الحياة؟..ومـا معنـى الحـريـة التى وهبهـا لنـا خالق هذه الحيـاة؟..ومـا جدوى القضبـان فـى أرض الأحياء؟.

        [ فـى سجن الشرطة العسكرية بقصر عابدين  25ديسمبـر 1969]



                      خيـوط الشـك

يـومـا مـا دار هذا الحـوار بين شخص قد قيـّده الشك فأضحى قاب قوسين من طريق الإلحاد، وبين صوت ضميره. فهل ستنجح يا ترى خيوط الشك فى إعاقـة نـور الإيـمان؟

الإنسان: ظلام..ظلام..،قيديعوقنـي،أنفاسـي لاتقوى على التلاحـق..خيوط تجذبنـي إلـى القاع. أنـي وحيد، حائـر،لا أملك شيئـا ما، حتى وجودي بات دينـاً عليّ. أين البسمات، أين النور، الفجر..الضيـاء؟. إنهـا تمـر فى خبث من هنا وهناك. لست أدري من أين؟. خطواتـي شُلّت عن الحركـة، وحتى دموعـي نضبت.

خيوط تلُفنـي كأخطبوط عنيف وتقبض على أنفاسـي. وحشة قاتلـة، وظلام رهيب يلفنـي بذراعية الـممدوتين ولا جدوى من الهرولـة أو الصراخ. لكن قد يقال أنـي أحيـا، ومعنى أحيـا أنـي أتنفس وتقوم أعضاء جسدي بوظائفها كاملة. ولكن هل هذا هو المعنى الوحيد للحياة؟

 وحيد، أترابـي السكون والظلام والملل وغطائـي تلك الخيوط، وقاربـي

قضبـان من حديد.

دارت وتدور الأيـام بلا ملل وكأنها فى عجلة من أمرهـا إلـى موعد مـا، لا يزال فى ثنايـا صمت لا ندريـه. وما زلت أحس بتلك الوحشة القاتلة والتى لا أدري ما سببهـا؟. ربـما للوحدة التى أحيـا فيهـا، أو ربما لإحساسي بالملل وبأنـه لا يوجد ذلك الشي الذى نستحق أن نحيـا لـه وبعدهـا نموت.

سنوات طوال أبحث فيها عن المجهول، عن الحقيقة، عن شحذة نور، ولكن عبثـاً أحاول فلقد سبقنـي الكثيـر من الفلاسفة وأصحاب الحِكمة وحتى أناس عاديـون وأمضوا حياتهم فى البحث عن الحقيقـة. ولكن أين هم الآن؟، لقد واراهم الثـرى ومضوا وظلّت الحقيقـة عذراء لـم تُمس.

كـم أتسآل هل سأظل هكذا وحيداً؟، لا أدري ما هـى النهايـة؟.

طريـق طويـل أسيـر فيـه وحيداً أتخبط يمنة ويسرة متعثـرا فى كل خطوة. أبحث عن شيئ لا أدري ما كنهه. أهـو الـمجهـول؟

ومـا لـي أن أعلـم وأنـا أبحث عن طريق بلا نهـايـة. فـى لحظات يخيّل إلـيّ اننـى اقتتربت وأسعد وتزحف الإبتسامة بعناء إلـى شفتـي وأبدأ سريعـا فى وضع خطط وأمـال وأرسم الأحلام وأتـوه فـى عالـم لذيـذ لا قرار لـه ولا إنتهـاء، ولكن سرعان مـا أفيق وأعلـم انـه السراب..الوهـم..خِدعـة من الزمـن، فأعود إلـى وجـومـي والـى التفّكر فـى عالـمي،عالـمي الذى أحيـا فيـه محدوداً.

الصوت: انك تحيـا وتفكـر وهذا يكفـي ويُخضع التساؤل الى سكونـه.

الإنسان: أيهـا الضمير العزيز..أنـي أحيـا وأفكر كما تقول وكذلك أسير وأكد وأضحك وأدمع وأمرض وألهث وراء مـاذا؟…اللاشيئ؟!

الصوت: كل هذا من أجـل الحب..الحياة..الخلود…والسعادة الدائـمة.

الإنسان: الحب!..الحيـاة!..الخلود!..السعادة!(بسخرية)، إنها كلمات ومعان تطن فـى الأذن فتصيب بالدوار.

الصوت: الحب..يـا لـه من لفظ جميل، موسيقى خالدة يعزفهـا الإنسان على قيثارة الحيـاة.

الإنسان: ولكن للأسف أبحث عن صداهـا فى نفسي فلا أجده.

الصوت: أنظر الى وجوه المحبيـن، وإلـى تعانق أياديهم، وأنظر إلـى شِفه الورود وبسماتهـا وهى تهمس بالحب. الحب..فى الموسيقى والشِعر والكلمات سُكناه.

الإنسان: ولكنـي لا أجده..لا أراه..لا ألـمسه..لا أتنفسه.

الصوت: الحيـاة..يا لهـا من أنشودة جميلة ترددهـا الطبيعة فـى خيلاء.

الإنسان: ولكن فى عالم كهذا فإنهـا تتردد بطريقة شاذة نشاز لا معقولـة.

الصوت: ولكنهـارفيقة..حنونـة..باسمة..تعطى بلا تعقل وكأنها نشوى.

 الإنسان: ولكنها فـى أحيان عديدة تصبح عاصفة هوجـاء، لا تترفق وتسير فى ذهول وتتخبط وكأنها سَكرى،فتسكب الدمع بلا حساب ولا تترك وراءها سوى الندم وبضع بصمات غائرة على الوجوه.

الصوت: والخلـود..انـه معنـى خلاّب

الإنسان: ولكنه يشد النفس ويزيد من أنانيتها وحبها الغريزي للبقاء فتلهب نفس الإنسان للصراع والخيانـة والفتك بأخيه الإنسان، وهذا الخلود الذى تقول عنه يقف من الخلف يضحك فى خبث ودهاء لجنون الإنسان..هذا المخلوق القاتـل.

الصوت: لقد نثرت الحب والحياة والخلود،فما رأيك فى السعادة وياله من أمل بسّام تتمناه الإنسانية جمعاء وتحاول بمختلف الطرق والوسائل والحِيل العصريـة أن تصل إليهـا.

الإنسان: ولكن هيهات فهى الوهم الأكبـر والذى يحاول الإنسان أن يضع نفسه تحت طائلته فيتصرف وكأنه سعيد، وهذه السعادة بالطبع نسبيـة. ولكن ما أن يفيق وسرعان ما يفيق، يقف عاجزا واجمـا جثة هامدة منهكة لا حراك فيها فينقم على العالم والحياة وربما يلحد ويسير إلـى درب من دروب الجنون. أيهـا الضمير هذه هى جواهرك الأربع، أأبحث بلا جدوى إذن؟!، وما جدوى البحث عن شيئ مفقود؟!

الصوت: ولـماذا تبحث عن الحقيقة إذن وتنادى بشغف عـمن يجدها؟

الإنسان: لأعلـم ما الوسيلة وما هـى الغايـة.

الصوت: ولـِم إذن تكد وراء السراب؟

الإنسان: لأعرف كيف؟، وأين؟، ومتى؟، ومن؟، ولـمن أكمل الطريق؟

الصوت: إنك تبحث عن الحقيقة إذن،لعلك تجدها فى الربيع الضحوك،أو فى عبس الخريف،فـى دموع الشتاء أو فى قلق الصيف،فـى شعاع القمر وغمز النجوم،أو على شفاه الورود وفى ضلوع الشجر،فـى وسط السهول أو فـى متاهات الوديان،فـى صُفرة حقول القمح أو فـى سواد عيون الليل، على الأرض أو فـى الفضاء معلقـة..أو..

الإنسان: (مقاطعا) كفى..لقد بحثت عنها فى كل هذا. بحثت عنها حتى فى الدين وفى الـمجون، فى الحرية وخلف الأسوار، فى الحرب وفى السلام، بين همهمة الأصيل وفى دوي الرعود، فى الجنس وإنطلاقـه ، وفى عبوديـة القانون، فى الحياة والموت، فى الثَرى وعبير الزهور، ولكنـي بحثتُ بلا جدوى.

الصوت: الحقيقة..الحقيقة..اننـا خلقنـا لنحييا ولنموت وهكذا حكمة الخالق، وهذه هى الحقيقة التى تبحث عنها.

الإنسان: لـِم نحيـا إذاً وبعدهـا نموت؟. ومـا حكمة الخالق هذه فى تعذيبنـا نحن ذرّات الثـرَى؟، لست أدري. وُلدنـا بالعذاب ومضينـا فـى الحياة مرغـمين لا نبغيهـا وزاد العذاب. أمراض، أوبئة، مجاعات، قتل، خيانـة، ثورة من السماء وثورة من الأرض،حروب مسعورة، جنس وغرائز مُقبضـة وجنون موروث،أديـان متناقضة،حب شاذ،ثورة شعب وطرد وصراع وراء سراب النهاية أو اللانهاية.

الصوت: ولكننا نستمر فى الحياة وهذه إرادة الحيـاة.

الإنسان: نستمر..نستمر ويزداد العذاب ويأتـى الموت وسوطه الملتهب يسوقنـا الى حياة غامضة أبديـة.

الصوت: ولكن هذه هى الحياة بكل معانيها ولولا الألـم ما كان الإحساس بالسعادة.

الإنسان: الحيـاة، كما تحلو أن تسميها، أو العذاب بمعناهـا الحقيقي عبارة عن رحلة فى قطار العذاب تمر سريعة مهرولـة ولا مفر من الهرولـة أو اللحاق بإحدى عربات ذاك القطار، ولا تترك وراءهــا سوى أنفاس لاهثة وجسد محطم يندفع فى لحظات الى قبر من تراب ليبدأ رحلة العذاب الأخرى.

الصوت: ولـِمَ لا تكون الرحلة بدايـة للراحـة من عناء الطريق؟

الإنسان: ومن يدري؟، ولو كنـا ندرى لهرولنـا الـى السكون. عجبـي من هذه الحياة ومن آمالنـا التى نختلقها لنمضى فى الحياة مرغمين وراء تحقيقها الى أن ينسدل الستار دون أن نحقق ولو جزءاً منها. أسئلة تتردد فى أعماق نفسي وتتخبط فى إضطراب وتصرخ فى هلع فأقف عاجزاً لا أجد القوى المحركـة التى تتدفعنـى إلـى الـمسير.

الصوت: ولكن هناك دائـما نجوم الحب وبريق الأمـل.

الإنسان: طريق مظلم ودرب طويل لم تستطع نجوم الحب والأمل والتى تقول عنها أن تنيـره.

الصوت: دعنـى أسألك أيها الإنسان ألا تؤمن بوجود خالق للحيـاة؟

الإنسان: أتسألنـي عن خالق للحياة!، وهل للحياة خالق؟، أهذا الذى قال للأرض كونـى فكانت؟، ولـماذا يقسو هذا الخالق علينا نحن مخلوقاتـه؟. هذا العادل والقوي فـى جبروتـه كما يقولون، لماذا يسّخر قواه اللانهائية فى تحطيمنا نحن الذرات التى لا تملك من وجودها سوى الندم؟

الصوت: إنـه الخالق وهذه حكـمتة الفائقـة.

الإنسان: إذن فالندم والدمع والآهات والهروب وسط البراري ما جدواهم فـى حياة نُساق إليهـا قسراً.. إن نفسي لحائرة وراء الحقيقة وفى متاهات الحياة ودروبها تسلك وراءهـا لعلها تحظى بقبس من نورهـا أو ظل من ظلالهـا. أنـى لا أقوى على الـمسير، ولا أدرى ما تنطوى عليه الثوانـى القادمـة.، هـل سأكـمل الطريق؟، وأين نهاية ذلك الطريق؟، وكيف أسير وأنـا مغمض العينين لا أدرى أين سأضع خطوتـى التالية؟. خيوط متشابكة تقيدنـى، تعوقنـى من التقدم، وتحجب عنـي نهاية الطريق وأحيانـا تمحو الطريـق.

الصوت: أيها الإنسان أنت لا تملك سوى التسليم والكف عن البحث عن الحقيقة والجرى وراء السراب الخادع، فإنـه لا حقيقة أخرى أقوى مع وجود الحـق ذاتـه رب الحيـاة، الحقيقة الأزليـة.

الإنسان: إذن لنحيا كما يريد خالق الحياة ولنـمت لينسدل الستار عن إحدى فصول الروايـة الهزليـة الأبديـة بعد أن أدّينـا دورنـا الـمتكرر وحرّكتنـا الخيوط الخفيـّة، ونخرج من الـمسرح دون أن نعلـم حتى حقيقة دورنـا الهزلـي.

الصوت: ويحك من تكون أيها الإنسان حتى تريد أن تعلـم حقيقة الحياة؟. مـاذا كنت؟، ومن تكون؟، ومـاذا ستكون؟.

مـاذا كنت..عدمـاً، مـاذا تكون ..تراب ورمـاد. أفـق من صلفك وغرورك واعلـم أن الله حباك نِعـماً لا حد لهـا ولا حصـر، ومنحك عطايـا محض مجانيـة، وأعظم عطيـّة هى وجودك أيهـا الإنسان. عطايـا ينبغـى أن تؤدى عنهـا حسابـاً عسيراً. مـاذا تملك؟، نقائص وعيوباً لا تحصـى ينبغـى أن تستحـي منهـا. مـاذا تريد ان تعرف أكثـر عن الله؟، ومـا هو فوق قدرة عقلك البشري المحدود والذى ميّزك بـه عن سائـر الكائنات لتحافظ على كيانك. زوّدك بالنطق لتحسن مجتمعك. منح عقلك قوة التأمـل لتستوعب وتعجب بكـماله الذى ليس لـه مثيل. يـا لسخف الإنسان يعتـد بنفسه فوق مـا هو عليه، العقل ليس منه والـمادة ليست له ولا منـه، فلِم يقول قول الجاهـل أين الله؟.

ان الله روح غير متناه وان معارفنـا عنـه لا يمكن أن تكون إلاّ  تمتمة ونظراً فـى رموز. ليس هناك سوى إلـه واحد، الـمؤلف، الخالق،الحاكم لهذا العالـم، الفائق القدرة، الأزلـى، الأبدي، غيـر الـمحوى. انـه الكائن والغايـة القصوى، الألف واليـاء، البدايـة والنهايـة. وإذا بحثنـا عن حقيقة الله نقر بعجزنـا قبل أن نخوض فـى البحث ونكتفـى بالقليل القليل لنحيـا  منـه وبـه.

مـن ذا الذى بسط السموات بيده؟..من الذى رسم بأصبعـه مسار النجوم والكواكب؟. انـه يهـز الأرض فترتعـد كل الأمـم. يوقف ريح الزوابع بكلـمة منـه. الله فـى كل مكان يملأ عالـم الـمادة ويملأ عالـم الروح، وهو الذى يحرك الأرض والأجـرام، وهو الذى ينعش قلب البـار، وهو أيضـا الذى يضغط على الـملحديـن أنفسهم فيحركهـم ويدفعهم للبحث عنـه، كما تفعل أنت بكثيـر من الحيـرة وإنكماش القلب. إذا تطّلعت بعينيك نحو السموات لرأيت عظمتـه تشع أمامك، وإذا خفضت بصرك نحو الأرض تجدهـا مليئـة بأعمال محبتـه. التلال والوديـان تتهلل وتغنـى. الحقول والأنهـار والغابات جميعهـا تردد صدى مديحـه. أبعـد هذا تقول أيـن اللـه؟

الإنسان: ولكن مـا سبيلـي إلـى النور..إلـى الإيـمان؟

الصوت: الإيـمان هـِبـة محض مجانيـة أيضـا، إلاّ انـه خضوع منطقـى لعقيدة مستنيـرة مضطرمـة. أطلب الإيـمان بحرارة، فمن يطلب الإيـمان يملكـه مقدمـا. أطلب الرب وجـِد فـى اثـره تجد الراحـة لنفسك. ومـا أشقاك وأتعس حالك أيهـا الإنسان بدون الرب.

الرب هـو الـمعلّم وهو الحـق. هـو الكرمـة وهو الحيـاة. هـو الدليـل وهو الطريـق. هـو الحقيقـة الفائقـة الطبع والتى تلقـى الضوء على كل أسرار الكون فتُظهـر خفايـاهـا. هـو الحيـاة الروحيـة الساميـة والتى تضفـى على القلب الإنسانـي جمالاً وصلاحـاً وقوة وفرحـاً ومحبـة بلا ريـاء أقوى من الـموت لا حدود لهـا ولا نهـايـة. الإقتداء بـالرب هو الطريـق الأميـن، الطريق الذى يغـمره النور، بـه يستطيع الإنسان-سائح الأبديـة- أن يرقـى إلـى الكمال ويبلغ السعادة الأبديـة فـى يسـر وسهولـة. أسجـد للرب وأطلب بحرارة أن يملئك بنور الإيـمان ويبدد تلك الخيوط الـمتشابكة.

الإنسان: (ساجدا) يارب..يـا رب أنت الذذى تنيـر بصري بضوء الشمس وذهـنى بنور العقل، بدد يـا إلهـي بإيـمانك ظلام روحـي. أنك قريب مـني فلا تبتعـد فإنـي أريدك. لا تتركنـي ..قـُد قاربـي إلـى النور لأرى الطريـق. قـد أكون خاطئـا ولكنـى الآن تـائب ومـا أحوج العـائـد إلـى دفء أبيـه.

يــا أبــي لقـد عُدت فلا تتركنــي.

                                               [ يـونيـو 1970)

                         ++++++++++++++++

 

     غـايـة الإنــســـــان

من أوجب واجباتـي كإنسان مسيحي أن أعرف لماذا خلقني الله وأوجدنـي فى هذا العالـم؟

ولكن لـماذا يجب عليّ أن أعرف سبب حياتـى على الأرض؟

ذلك للأسباب التاليـة:

أولا – لكي أستطيع أن أرتب أمور حياتـي وفقاً لـمقاصد إلهي.

ثانيا-  لكي تكون لي قاعدة أسترشد بها فى أعمال حياتـي، وإلاّ فأكون كمـسافر يجهل وجهته والى اين يذهب.

ولـمّا كان على معرفة غايتنا أو لأيـة غاية خلقنا الله يترتب أمر خلاصنا أو هلاكنا مدى الأبدية.

فمـا هى يـا تُرى هذه الغـاية؟ ، ولـماذا خلقـنا الله؟.

فـهـل يا ترى خلقنا لنـتمتع بنعـيم الدنيا، لنأكل ونشرب ونلهو لأن كل شيئ ينـتهى بالـموت؟..

إن الأكل والشرب فقط يليقا بالحيوان الأعجم وليس بالإنسان الخليقة الناطقة والذى خلقه الله على صورته ومثاله. فكيف يليق بحكمـة الله الخالق العظيم أن يجعل الإنسان الذى نفخ فيه من روحه نسمة الحياة والحيوان الذى أخرجته الأرض غاية واحدة هى الأكل والشرب واللهو ومصيراً واحداً هو الـموت والفناء؟.

إن الإيـمان والعقل يثبتان بأن الإنسان لم يخلق لنعيم الدنيا وملذّاتها، وكل من جرى وراء تلك اللذات فقد ضلّ ضلالا كبيراً. وفـى مثل الغني وأليعازر الذى يقدمه لنا الإنجيل لهو أعظم درس لمـن يريد أن يعتبر. فلا ننسى أن الحياة ليست لهواً وعبثاً بل هى عملا صالحـاً.

لقد قال سليمان الحكيم بعد بحث وإختبار طويل "باطل الأباطيل كل شيء باطل" وأظن أن بشراً قط لم يحظ ولم يتمتع بكل طيبات الحياة ومـسرّاتها مثل ما حظى بها سليمان الملك ومع ذلك فها هوذا يقول فى نهاية المـطاف ويرسل صرخته المدوية. ولهذا فانه لـمن الغباوة والجهل أن يتكلّ الإنسان على خيرات هذا العالم الفانية وينسى انه لم يخلق للأرضيات بل للسماويات.

وفى هذا الصدد يقدم الإنجيل لـمن يريد ان يتعظ قصة ذلك الغني الذى أغلت له أرضه كثيراً فإتكل على هذا:" فقال له الله ياجاهل فى هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذا الذى أعددته لمن يكون" . فهكذا أي على هذا النحو يكون مصير كل من يدخر لنفسه وهو غيـر غني بـما لله.

لـم يخلق الله الإنسان لخير من الخيرات الأرضية المادية او لخير مـا معنوي، فهذه الخيرات ايضا هى باطلة " فإنه ليس من ذِكر للحكيم والجاهل كليهمـا الى الأبد، اذ فى الأيام الأتية كل شيء ينسى".

يجب ان نتّق الله ونحفظ وصاياه فإن هذا هو الإنسان كله.

ان الله خلقنا لكي نعرفه ونحبه ونخدمـه وبذا نستحق السعادة والحياة الأبدية. وكما يقول الرب "أحبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قوتك" لتشارك الله فى مجده وسعادته الأبدية الخالدة.

مـا هو إذن المطلوب للفوز بالحياة والسعادة الأبدية؟

1. معرفــة الله

هى الشرط الأول ومتى عرفنا الله أحببناه وبقدر ما نزداد فى معرفته نزداد فى محبته أيضا، لأنها تكشف على الدوام عن جانب جديد من كمـالاته تعالى. ومعرفة الله نستقيها من تعليم الكنيسة الحي ومن الكتاب المقدس.

2. محبـة الله

أن نحب الله من كل قلبنا وكل نفسنا وكل قوانـا.

3. خـدمـة الله

أن نخدم الله بأمانه وثبات كل أيام حياتنا.

 

وكيف نحن نخدم الله ؟

– بحفظ وصاياه تعالى وهى كمعرفته ومحبته شرط ضروري للخلاص على ذلك يقول يسوع "إن أحبني أحد يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا".

– بـطاعتنا للكنيسة المقدسة.        

– بتمـيم واجبات دعوتنا الخاصة

فلنجاهد أيها الأخوة إذن دون ما ملل لأن لنا نفساً واحدة فإن خلّصناها ربحنا كل شيء..ربحنا الله غايتنا القصوى الأخيرة والحياة الأبدية، أما إذا خسرناها فنخسر كل شيء.

(أول عِظـة تـم تحضيرهـا وإلقاءهـا بإجتماع الشباب بكنيسة ملكة السلام للأقباط الكاثوليك بالفكريـة فـى خريف 1970)

             +++++++++++++++++++++++++++++

 

                حـوار صـامـت

مـن الذى عـذّبـه؟..

مـن الذى سفـك دمــه؟..

مـن الذى ضـفّر إكليل الشوك وغرسـه فـى رأســه؟..

مـن الذى عـلّقـه على صليب وسط لصـيـن؟..

مـن الذى غرس فـى جنبـه حـربـة؟..

مـن الذى سـقاه خلاً مـمزوجـا بـمرارة؟..

مـن الذى إحتقـره ورذلـه وهـزأ بـه؟

مـن الذى أثكـل قلب أمـه العذراء؟..

ومـن الذى قتـلـه ووضعـه فـى قبـر منحوت فـى صخر؟

قـيـل إنـه أنـا الإنسـان..خليقتـه التى صنعتهـا وجبلتهـا يـداه!!

أبعـد هـذا يحبنـي؟..أبعـد هـذا يعود ليـمد يـده الطاهـرة ممسكا بيدي الـملوثـة بدمــائــه؟

ان هناك قوى تجذبنـي بعيداً عن يديـه، انـه ينادينـي دائـما وأنـا أهرب من ندائـه الـمتكرر. صوت عذب يهتف فـى أعـماقـي:عُـد..أعطـه قلبك..انـه مازال ينتظر..أتتركه ينتظر طويلا؟

ولكن هناك هاتف فـى أعـماقـى يصرخ انـه إنتظر منذ سنيـن،فلينتظر مرة أخرى فهناك غد ولا تزال تضحك الأيام لـي.

ولكن كيف يطمئن الإنسان انـه فـى الدقيقـة القادمـة لن تكون هى آخر نسـمة فـى حيـاتـه على هذه الأرض؟؟

لـماذا تصورونـي دائـما بأننـى القاتل..السفّاك..الـمُذل..الناكر للجميل؟. اننـى لـم أقتله بيداي..اننـى لـم أضفـر إكليل الشوك ولـم أغرسـه فـى رأسه. أنـى لـم أراه فهو كان هنا على الأرض منذ ألفى وتسعمائة واثنين وسبعون عامـا مضت،فماذا جنت يداي حتى أُتهم بتلك الجريـمة مـحّملين إياي وزرهـا ومثّقلين ضميري بهـا؟

فـى كل العِظات التى تلقى من على الـمنابـر أُتهـم أنـا الإنسان بأننـى قاتـل من أحبنـي ويجب أن أعود مكفراً عن كل جرائـمي فــى حق إلهـي.

أبعـدوا هذه الأقاويـل عنـي، لو كان يحبنـي لجذبنـى إليـه بطرق عديدة خلاف هذه الطريقـة التى تجعلنـى أهرب من لقاء من يقولون اننـي قتلتـه. انهـا خزعبلات عاشت فـى القديـم فصورهـا أناس فى صور ظهرت بما يسمى أسفار العهد ونشروها مجبريـن العالـم وقتهـا على إعتناق أن الإنسان قد أخطأ فى حق الله وانـه ينتظر الـمخلص. وجـاء المخلص الـموعود وقُتل لأنـه لـم يستطع أن يوقف جنون الإنسان البوهيـمي وتـماديـه فـى العصيـان، وظل الإنسان كـما هو، فلقد جاء الـمخلص الذى سيرفع خطيئة العالـم ورفعهـا بـموتـه وهكذا تخلص العالـم من أكبـر عبء كان يحّمـله له كتبـة السفر القديـم..

وجاء أناس آخرون يحّملون البشرية تبعة الجرم الجديد..قتل الـمخلّص وجاءوا بعهد جديد مبشرين بضرورة الخلاص والعودة الى الإلـه الذى تجسد من أجلنـا وقتلنـاه. ولكن تلك الحملة الجديدة لاقت النجاح لأن العالم فـى وقتهـا بدأ وكأنـه يحتاج الى دين جديد ناتج إمـا من غريزة التطور أو التجديد والكامنة فى أعماق الإنسان، فزادت رقعـة التعليم الجديد وعاش الإنسان نادمـا على  ما إقترفه أجداده،فإرتـمى فى أحضان هذا الدين الجديد ربـما إرضاء للإلـه الذى أحبهم أو خوفـا من عقاب أجدادهم فـى البعث.

كيف يـمكن لخالق عادل ورحيـم أن يغضب لـمجرد أن مخلوقـه الأول قد أخطأ أول خطيّة لـه، وبدون أن يعلم حقيقة عواقبهـا؟.

"لاتأكل من هذه الشجرة" كانت هذا هو الأمـر، ولكن هل لمجرد إشتهائـي لمنظر ثـمرتها وتناولـي إياهـا يكون مبرراً للطرد وتعرضـي للـموت والإهانـة والشقاء؟. هـل يعتبـر هذا عدلاً؟. هل هذا يُعقل ألم يكن يعلم منذ أن خلقنـى انـه ستتغلب عليّ غرائزي والتى خلقهـا فـيّ وتجعلنـى فـى حكم الـمسيّر من غرائزي وإحتياجاتـي الجسديـة، فلـماذا خلقنـي فى الأرض قبل أن يحرمنـى من فردوسه الـمصطنع؟

قد يقول قائل ذلك لكى تكون لك أيها ألإنسان إرادتك الحـرّة تفعل مـا تشاء، وكانت هذه هـى أول وصيـة لـه لك ولكنك خالفتهـا بمحض إرادتك وحدك، فكان من العدل أن تحاسب.

ولكن أيـن رحـمتـه؟..ألـم يكفـى اننـى خجلت أمام وجهه وهذا كان سيمنعنـى من العودة إلـى عصيانـه؟…انهـا قصة مختلقـة تصورنـي دائـما بالخاطـئ والـمحب لذاتـي ولكن ما ذنبـي إن كان لـي جسد شهوانـي مسيطر عليّ وغرائز مقبضة تهيـمن على عقلي وتكبح الضـمير.

قد يقول قائل ان الله قد أحبك وولـم يتركك على الأرض بل أرسل إليك الأنبياء والرسل متفقدأ ًإياك طوال سنين حياتك على الأرض وأخيراً نزل على الأرض وتجسد لكى يصلح ما أفسدتـه بين السماء ولإنسان.

ولكن هل يصدق ان الله هذا الكائن الوحيد سبب كل سبب وأصل كل عِلّة..خالق الكون، الفائق الـمعرفـة يتجسد من أجل أن يعيد العلاقـة كـما هـى بينـي وبينـه؟..مـاذا سيجنـي من عودة هذه العلاقـة؟

ألكـي تظهـر محبتـه؟..أننـى أحيـا وأعلم انـه يحبنـي فهو لا يعرف إلاّ الحب ولهذا فأننـى أتدلل عليـه وأحيانـا أتناسى هذه الـمحبـة تاركا لعربدتـى حريـة العنـان.

لقد مضت السنون منذ أن تجسد، فهل عادت العلاقـة كـما ينبغـي؟

فـى الحقيقـة يحتاج الإنسان دائـما إلـى إلـه فى كل يوم يتجسد ويُعذب أمامـه حتى يتحرك نحوه ويلتصق بـه. وصيـّة واحدة لـم أستطع أن أطيعهـا فكيف بالله عليك تريد أن أطيع العشرات من الوصايـا.

ليست بهذه الصورة فـى التعليـم يُجذب الإنسان إلـى خالقـه..رب الأرباب وملك الـملوك، فلو كانت هذه الطريقـة مجديـة لكان هناك تطور وتدرج دائم فـى الإيـمان، ولكن فـى الحقيقة انـه إيـمان نظري سطحـي ولـم يكن يومـا مـا إيـمان عميق ومـثـمر كـما يرجوه الله.

انـه أحبنـي فخلقنـى وأوجدنـى فـى الحيـاة وظل يحبنـي ويهيئ لـى سبل الحيـاة أنـا إنسان القرن العشرين، فتح أمامى مجالات العلـم والتقدم والرفاهيـة، انـه لـن ينزل ويُعذب من أجلي فـى هذا القرن لكى أحبـه. أننـى أحبـه من أجل أعـمال يديـه وأعود إليـه كلـما ابتعدت عنـه باكيا مستشعراً اننـى فقدت شيئـا عظيمـا. ففى اللحظة التى أبتعد عنـه أحيـا فـى فراغ دامس..هوة عميقة تجتذبنـي فيتملكنى اليأس والتبرم، ولكن ما أن أشعر بلـمسة من حنانـه أعود..وأعود مسرعـا مرتـميـا فـى أحضان أعـز وأحـن وأخلص صديق وأخ وأرحـم أب.

                         ++++++++++++++



    الشــاب… وعــلاقــتـه باللــه

فـى مجتمعنا هـذا يقف الشاب حائراً لا يدري أي موقف يتخذ.

هـل يجاري الناس في كل ما يعملون وتضيع مـسيحيته وإيمـانـه؟..

هـل ينعزل عن المجتمع ويصير إنسانا شاذاً ويصبح موضوع هـزء وسخرية؟..

هـل يصبح فى العـالم بجـسده وأما روحه ففى عالم آخر؟..

هـل يجاري النظريات والإتجاهات والتيارات الموجودة فى العالم ويترك أمور الدين؟..

مـا هي علاقته بالله؟ ومـا هـي أصول وقواعد تلك العلاقة؟ ..

ومـا هي غاية هذه العلاقة؟..

ومن هو الله هذا الذى يبغي إقامـة العلاقة مـعـه؟..

وما هـي المعوقات التى قد تعوق تلك العلاقة؟.

أحـبـائـي..نحن معا الآن لندرس ونتدارس الإجابة على كل تلك التساؤلات وننظر الى الـمشكلة من جميع الجوانب لنضع حلولا توقف تلك الحيرة التى فيها الشباب اليوم.

أولا: نأتي للسؤال هـل يجاري الشاب المسيحي العالم بكل تياراته وموجاته سواء إلحاد، او إيمان متوارث؟.. ومـاذا عن الحرية بمفهـومهـا الخاطئ؟..

قبل الإجابة على هـذا السؤال، فلنطرح نحن سؤالاً أساسيا..لماذا نحيا؟..

وأيضـاً ما هـي غاية حياتنا؟..ولمـن نحيا؟..

إن غـايتنا هـي الحياة الأبدية… ومن يحيا من أجل الأبدية يلزم أن يعمـل أعمالا تليق بالأبدية.

هـذه الغاية يجب أن تسطع أمامنا كالنور. وهـذه الحياة الأبدية هـي فى معرفة الله الإله الحقيقي وحده.

ومن هـو الله؟

الله لم يره أحد..الله روح..هو القادر..الأزلي..خالق السموات والأرض.

الله هو المحبة..هو الحق..هو الحياة..هو الذى تسبحه الخليقة بأسرها وتسجد لـه..

الله موجود فى كل مكان ولا يحده الزمن..

الله موجود وتظهر أعماله فى مخلوقاته..فى الريح العاصف والنسيم العليل.

أصـول العـلاقـة مع الله:

1. إنكار للذات ..

" الرجل المتكبر والمعتد بنفسه بإفراط انسان مدنس للمقدسات لأنه يجعل نفسه ندا لله".." من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه"

 

2. حب ..

" ليس حب أعظم من هذا…"

3. حريــة…

"حيث يكون روح الرب فهناك الحرية"..

4. تواضع…

" قلب المتكبر فى إضطراب مستمر وتصرفاته حمقاء، انحدر الله الى الناس عن طريق التواضع وعن طريق التواضع يرفع الإنسان نفسه الى الله بربنا يسوع المسيح"

5. القداسة..

"على مثال القدوس الذى دعاكم كونوا انتم قديسين فى تصرفكم كله فإنه كتب كونوا قديسين فإني أنا قدوس".

6. المحبة..

" ايها الأحباء لنحب بعضنا بعضا فإن المحبة من الله فكل من يحب فهو مولود من الله وعارف به ومن لا يحب فإنه لا يعرف الله لأن الله محبة".

ولكن مـا هـى معوقـات العلاقة مع الله:

1. الأنانية..

" ليس يوناني ولا يهـودي..ولا ختان ولا قلف ولا أعمى ولا اسكوتى ولا

عبد ولا حر بل المسيح الكل فى الكل" . ولا نقل قول هابيـل " لا أدري اين أخي العلي انا حارس عليه".

2. الكبرياء..

"انها أمير الخطايـا".

3. الدنس والخطيئة..

انها نار وقودها الشراهة ،ولهـيبهـا حب الظهور والرفاهية ،ريحها الأسباب الخطرة، ودخانها العار ، ورمادها الخزي، ومصيرها جهنم، ولهذا كُتب " أهـرب من الشهـوات الشبابية وأقتف البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب يقلب طاهر" (2تي22:2).

ولتحطيم هذا العائق- يلزم ان يحيا الإنسان لهدف معين يسعى اليه بكل قواه

                     – ترويض الإرادة والسيطرة على الأهواء بقوة وعزم

                                                       تجنب النظرات والقراءات والمحادثات التى تضر    

بالفضيلة.

إن المـاء نقي وطاهر وتراب الأرض جيد وصالح ولكن عند إمتزاجهما ينشأ الوحــل.

4. البخل وعبادة المال والجشع ..

" من سألك فإعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا تمنعه"، لهذا قال السيد

الـمسيح

   " لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال". ففى روح التجرد والفقر والعطاء تكمن قوة الرسالة

   المسيحية. وقال يسوع " من لا يرفض جميع أمواله فلا يستطيع أن يكون لي تلميذاً".

5. البطالــة..

ان الوقت هو أثمن عطايا الله بعد النعمة إذ ان كل لحظة تساوي الأبدية.

    " ان كان أحد لا يريد أن يشتغل لا يأكل" (2تس 10:3). "ينبغي ان نتعب لنساعد الضعفاء" (أع 35:20). ان العمل الذى يكسب منه الإنسان قوته بالحلال هو أشرف وأقدس من كل حسب ونسب.

وأيضـا : الحسد – الغضب – الخيانـة – الكذب – وعدم الإيمان

غــاية العـلاقة مع الله:

الفردوس..الفردوس..حيث حياة الخلود والسعادة الأبدية..حيث لا جوع ولا عري ولالا ظلم ولا عبودية ولا أمراض ولا أوجاع..هناك ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر مأعده الله للذين يحبونه. الغاية هو إمتلاك الله ..عناق للمطلق غير المحوى. من كان له وطن فلا يرضى بالمنفى.. من يملك قصراً فلا يرضى بالكوخ..من كان أسيراً إشتاق للحرية..ومن كان مسافرا فى بحر متلاطم الأمواج اشتاق بفروغ الصبر الى شاطئ الأمان. هناك حريتنا ووطننا..شاطئ الأمان..وقصرنا الأبدي، لذلك يجب أن نعمل ونكد من أجل تلك الغاية ونستعد لها كما يقول القديس بولس " ولى صِبغة أصطبغ بها وما أشد تضايقي حتى تتم. لى رغبة أن أنحل فأكون مع المسيح" . وكما أعلن داود فى القديم " كما يشتاق الآيل الى مجاري المياه كذلك تشتاق نفسي إليك يا الله" (مز 2:41). وعند نهاية حياتنا نلبي بفرح نداء الرب " أخيرا أستطيع أن أنطلق بسلام فإني منذ زمن وأنا مشتاق الى هذا اليوم لقد جاهدت الجهاد الحسن وأتممت شوطي وحفظت الإيمان لأن الحياة لى هي الـمسيح والـموت ربح" (2تي 7:4 و في 27:1).

ولنعود الى سؤالنا.. هل نجاري العالم فى تياراته؟؟؟؟

يأتى لنا الرد " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فلى العالم إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الله لأن كل ما فى العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم اللمعيشة ليس من الأب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الأبد" (يو 15:2-17). " انكم لستم من العالم بل أنا الذى اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم" (يو 14). " لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ واية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي إتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ انكم انتم هيكل الله الحي"(2كو11:6-18). ليس معنى هذا اننا ننفصل عن العالم فإن الله أرسلنا الى العالم.."انتم ملح الأرض..انتم نور العالم". وفى صلاة يسوع " كما أرسلتنى الى العالم ارسلكم انا الى العالم"(يو 14).

اننا يجب ان نحيا فى العالم ولكن لا يجب ان نكون من العالم. ان المجتمع بالنسبة ليسوع مكانا يجد فيه الأخرين وليس مكانا تضيع فيه نفسة. لم ينزل يسوع إلى مستوى العالم الأخلاقي بل عمل على أن يرفع العالم الى مستواه. نتعامل مع الناس لكن لا نسمح لشرور العالم ان تدخل الينا فنحن كالسفينة التى تحيا فى الماء لكنها لا تسمح لماء البحر ان يتسرب اليها وإلا أغرقهـا.

إن حياة المسيحي فى العالم هي لخدمة الأخرين وهى ايضا فرصة للشهادة للمسيح..هى خدمة الإستعداد للحياة الأبدية الأخرى..فرصة للتمتع ببركات الله التى خلقها "ما أعظم أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت ملآنه الأرض من غِناك". "اذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فإفعلوا كل شيئ لمجد الله" (1كو 31:10).

يلزم ان نعمل على حل المشكلات التى تعمل على إبتعاد الشباب عن الدين وليصبحوا رسلاً :رعاية روحية صحيحة فى الكنيسة والأسرة – التصوير الخاطئ للدين أمام الشباب – كثرة اماكن اللهو والغواية – إنتشار فلسفات مادية لا تهتم بالجانب الروحي وغيرها من المشكلات التى يجب ان نواجهها ونحاربها ونعمل على التقليل من تأثيرها بل تحطيمها.

العلاقـة الحالية مع الله:

فتور -تجاهل – كراهية – صداقة زائفة – حب مزعزع – حب مرهون – إحتياج فى الشدة – علاقة تجارية بحتة – عدم إيمان .

فإبحث يأخي فى نفسك واعرف ما هى علاقتك الحاليه مع الله؟

وحدد ما هى المعوقات والأسباب التى تدفعك بعيدا عن الإرتباط الحقيقي بالله؟ وصلي الى أبيك طالبا ان ينير لك الطريق لتعرف غايتك الأخيرة وكيفية الوصول الى الحياة الأبدية. جاهد للوصول اليها بكل ما فى قلبك ونفسك من قدرة والرب هو وحدة الذى يهبك من روحه القدوس لتصل الى الوطن الحقيقي والى شاطئ الأمان.

[ ثاني العظات التى تم تحضيرها وإلقائها بأبو قرقاص والمنيا عام 1973-1974]

                     +++++++++++++++++++++

 

             أريـد أن أرى اللـه

" أيـن أذهب من روحـك ومن وجهك أين  أهرب. إن صعدت إلـى السموات فأنت هناك. وإن فرشتُ فـى الهاويـة فهـا أنت. إن أخذت جناحـي الصُبح وسكنتُ فـى أقاصـي البحر فهناك أيضا تهدينـي يدُك وتـمسكنى يـمينك" (مزمور 7:139-12).

أمـام موجـة الإلحـاد والتى تصدمنـا من الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب لتصرخ أين الله؟..أيـن هـذا الخالـق؟

تساؤلات عديدة تصدمنـا فـى هذا العالـم:

·      نحن أبناء القرن العشرين ولا يجب أن نتبع الخرافات القديمة التى تنادى بوجود خالق لا بد من عبادتـه.

·      لا يـمكن أن نعبـد خالـق لا نـراه.

·      هـل نعبد ونسّلم حريتنـا لقاء آجـر أم رهبـة من نـار مستعرة فى الآخرة كـما يقولـون.

·      أهـذا الخالـق هو الذى لـم يكلّف نفسه تعبـاً فـى خلقـه الأرض إلاّ قـولـه "كـونـي" وبعدهـا تركـه و"إستراح"؟

·      أنـا الإنسان أستاذ الوجود وفـى مقدوري تغييـر الأشياء وأن أجعل الآلـم يتناقص.

·      شرائع ووصايـا وطقـوس عتيقـة قيلت انهـا لـمرضاة الإلـه، أكذوبـة جميلة أضعنـا العـمر فـى طاعتهـا دون وعـي.

·      العـِلم لا يثبت وجود خالق للأشياء، فلو كان حقـا موجودا فلماذا لا يمكن تحضيره أو إثبـاته بالـمعمـل؟

أحبـائـي مـا سبق هو جزء من التساؤلات التى قد تدور فـى نفوس البعض وخاصة عندمـا ينفرد الشيطان بهم.

اللـه موجـود، مهـما حاول البعض أن يحطموا وجوده بأي براهيـن أو إثباتـات علـمية أو غيـر علـمية.

بـراهيــن:

1.  فـِكرة الألوهـية

إن فكرة الألوهية الـماثلة فى أذهاننا جميعا والتى ندركها مباشرة وبدون واسطة تستلزم الوجود، ولا يمكن أن يكون العَدم موضوعـا لتفكيرنـا بحال من الأحوال، ومـا دام الكائن الـمطلق واللانهائـى فـى نهائيتـه مدركـاً إدراكـا واضحـا فهو موجود لا شك فيـه، بـل هو الـموجود الحـق لأنـه لـم يستمد وجوده من غيـره والكائنات كلهـا من صنعـه، وهو الفاعـل الوحيـد لأن الظواهـر الإنسانيـة من آثـار قدرتـه وإرادتـه.

2. فـوق التصـور

  هـو أعظم مـا تستطيع عقولنـا أن تتصـور، وهذا الذى لا يـمكن لنـا أن نحـده بتصوارتنـا أو ندركـه بعقولنـا الـمحدودة لابـد أن يكون اللـه، فكرة الأفكار ومصدر الـمعانـى والـمعلومـات الـمختلفـة.

3. الطـبيـعة

اللـه هـو الطبيعـة لأنـه تصدر عـنه كل الظواهـر الكونيـة. والطبيعـة هـى الله لأنهـا مظهـر لأغراضـه الأزليـة.

4. الصِفـات

الله جمع حُسن النهـار والسماء والأقـمار والرُبـى والغصن والزهـر. هـو الجمال. هـو الحقيقـة الفائقـة الطبع. هـو الحب..الحـق..الصـلاح..الكـمال..الوجـود..الغايـة القصوى.

5. العـلوم الطبيعيـة

أ- الخليّـة

توجـد فـى كل كائن حـي، وهـى وحدة بنـائـه، وهـى تتركب

من مادة معقدة تسمى البروتوبلازم أو الـمادة الأوليـة  للحيـاة. ومعروف علميـا كيمائية الخليـة ولكن الباعث على الحياة فـى هذه الـمادة لـم يُعرف بعدبجميع الوسائل والطرق الكيمائية. ومثال للخلية الواحدة نجده فـى بيض الطيور. ولقـد نجح بعض العلـماء فـى صنع  بيض مشابـه تـمامـا لبيض الدجاج الطبيعـي من حيث التركيب الكيمائـى والـمظهر  والـمذاق إلاّ ان كل محاولاتهم لتفريخ هذا البيض الـمصّنع فشلت تـمامـا لخلوه من  السرالإلهـى. ويوجد العديـد من أنواع الخلايـا وهـى صغيرة جدا ً4..و  ميكرون، والميكرون يساوى1/1000 من الـمليمتـر.

ب- عالـم الحشرات

هناك أكثـر  من  مليون نوع من الحشرات تم التعرف عليهـا ولكن هناك  العديد  لـم يستطع  العلم إكتشافهـا بعد. وأحجام الحشرات تتراوح ما بين 1و –10 بوصـة. أمـا عيونهـا فهى إمـا بسيطة توجد فـى أعلى الرأس، أو عيون مركبـة كبيرة (10-4000 عين صغيرة كما فى الذبابة المنزلية)  وتصل  أحيانـا    الى 0000 3عين صغيرة كما فى الرعاشات. ورغم تعقيد هذه العيون فهى لا تبلغ قوة أعين الإنسان فـى إنتاج صورة واضحة وليس لها قدرة على التركيز ولكنها  حساسة للغاية للحركـة.

والحشرات  يوجد لديها لوامس أوقرون إستشعار تفوق أيـة  أجهزة إتصال لاسلكى  إخترعهـا الإنسان ولكن  على الرغم من  ذلك  لا تقارن بأجهزة الإحساس عند الإنسان.

ج- عالـم الـنـحل

هناك حوالـى 8000 نوع  من النحل. وعش النـحل يوجد به الــملكة التى تتزوج مرة واحدة وتضع البيض، ثم فريق من الشغالات لجمع الغذاء ورعاية الصِغار ونظافة العِش، ونحل لزراعة المحاصيل وحصدها، ونـحل مهندس لعبورالمجارى المائية الصغيرة، ونحل خبّاز لطحن الحبوب، ونحل محارب وغيرهـا. مملكة منظمة بقواعد ومسؤليات فـمن الذى علّم تلك الحشرات وغرس فيهـا تلك المسؤليات؟.

د- عالـم البلورات

ترتيب الذرات فـى البلورة والكشف عن هذا الترتيب بأشعة إكس وبناء على كل ترتيب تكون للبلورة شكلهـا المعروفة به، ولكن من العجيب ان الإنسان حاول ترتيب مثل تلك الذرات ولـم يستطع الحصول على شكل مشابـه للبلورة الأصليـة.

هـ عالـم الأجرام السماويـة

السـماء مملوءة بـملايـين الـملايين من النجوم. شمسنـا نجم من بين

تلك النجوم. حشود من النجوم تسمى "مجـّرة" وبها حوالـى 000 200 مليون نجم، ووزن الـمجرّة 2000 مليون مليون مليون طـن، وطول الـمجرة 90000سنة ضوئيـة، والسنة الضوئيـة تساوى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة واحدة وهى 10 مليون مليون كيلومتر.

هناك العديد من الـمجرّات فـى الكون، وأقرب الـمجرات إلينـا هو "سديـم الـمرأة الـمسلسلة" وتبعد 4500000 مليون مليون ميل. وأقرب النجوم إلينـا بخلاف الشمس هو نجد "قنطورس" والذى يبعد 5و4 سنة ضوئيـة،فإذا سافرنـا مثلا وعمرنـا 10 سنوات فسوف نصل إليـه وعـمرنـا 78 سنة.

والـمجموعـة الشمسية هـى أحد الـمجموعات فـى مجرّتنـا وهى تتكون من 9 كواكب وأقربهم هو "عطارد" وأبعدهم هو "بلوتو" (3700 مليون ميل عن الشمس). أمـا حرارة الشمس فتساوى 6000 درجة مئويـة عند سطحهـا أما قلبهـا فهو 15 مليون درجة مئوية. فـمن أين يا ترى جاءت تلك الـمجرّات الهائلـة، وكيف تم ترتيبهـا بهذا الترتيب الهائل؟.

و- عالـم الجيولوجيـا أو عِلم الأرض

 تحوى العديـد من الحفريـات والتى تنبئ عن ظهور الحياة من نحو 2700000000 سنة مضت.

ز_ عالـم النبـاتـات

إنتشار النباتات بواسطة حبوب اللقاح وكيف يمنع هذا من إندثار الـنباتات فهناك وسائل عجيبة لإنتقال مثل تلك الحبوب.

ح_ عيـن الإنسان

العين تشبه كاميرا التصوير الفوتوغرافية، فعدسة الكاميرا تعكس الصورة على فيلم حساس ثابتة البعد البؤرى، وعين الإنسان بهـا فيلم (الشبكية). وكما ان الكاميرا بها حجاب يفتح ويقفل للتحكم فى كمية الضوء فالعين أيضضا بها القزحية وعدستها طريـّة يمكن تغييرها بواسطة عدسة للحصول على صورة واضحة. وشبكية العين تبطن كل كرة العين ولها تركيب بالغ التعقيد والتشابك وبها خلايا وألياف عصبية ويوجد بها أكثر من 132 مليون خليـة عصبية تحول أشعة الضوء الى ومضات عصبية وتنقلهـا ال العصب البصري ثم الى المخ. وكـم حاول الإنسان أن يصّنع مثل تلك الشبكية فباءت كل محاولاتـه بالفشل.

ط_ كبِد الإنسان

أهـم مصنع كيمائـى فـى جسم الإنسان فهو يحافظ على نسبة السكر فى

الدم ويتم تركيب مادة البولينا (يحول النشادر السام الخارج من المواد البروتينية الى اليوريا أو البولينـا والتى تحمل الى الكلى ثم الى الخارج)، ويكون البروتينات فى بلازمـا الدم وإلا حدث نزيف للدم، ويحول كرات الدم الحمراء التى تم تدميرها بواسطة خلايا خاصة وهى تكون خطرة فتحولها الى مواد أخرى تظهر فى الصفراء التى تفرز فى الأمعاء. وكـم حاول الإنسان إختراع معمل مشابـه للكبد ليقوم بوظائف الكبد الكيمائية فلم تنجح جميع محاولاتـه.

ي_ الكيمـياء البشريـة

تحدث فى جسم الإنسان تفاعلات كيمائية فى الخلايا الدقيقة والأنسجة بينما فى المعمل تحدث فى أنابيب للإختتبار وقنينات كبيرة وتستعمل درجات حرارة مرتفعة وظروف حمضية أو قلويـة شديدة، امـا فـى جسم الإنسان فهى على هيئة سلسلة من التفاعلات تحركهـا الخمائر كعوامل مساعدة.

ك_ الـمخ البشري

نجد أن قشرة المخ البشرى تعمل كمكتب للمهندس الكيمائـى، والفصوص الأمامية كأنها مكتب لشئون العاملين، والقشرة الحسية للمخ تنقل التقارير التى تصف حالة البيئة المحيطة، والقشرة الحركية بالمخ مسئولة عن إرسال الرسائل التى تتحكم فى حركة الإنسان، والمراكز السمعية تعمل كأرشيف للأصوات، والمراكز البصرية كأرشيف لخزن الصور المرئيـة.

ومهـما إخترع الإنسان من كمبيوتـر أو خلافـه لا يمكن لأي جهاز أن يعمل ما يقوم بـه المخ بمهارة فائقـة.

6. نظريـة الصُدفـة

لو تـم نـثـر أجزاء الساعة بطريقة عشوائيـة لا يمكن أن تتجمع لتكون ساعة تعـمل بطريقة دقيقة. ولو تـم نـثـر أحرف الطباعـة بطريقـة عشوائيـة لا يمكنها أن تتجمع لتكويـن كتاب يمكن قراءتـه.

فالصدفـة لا يمكنهـا أن تكون كون بهذا التنظيـم العجيب فلا بد من وجود خالق أو يـد قامت بعمل هذا التنظيـم.

7. الظواهـر الطبيعيـة

الظواهـر الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والأمطار والرياح أو المناخ الجوي كلهـا تحكمهـا قوانين فيزيقيـة على الرغم من معرفـة الإنسان لهـا ولكنه اـم يقدر على التحكم فـى منعهـا أو تغييرهـا. فأيـن قدرة الإنسان؟!.

أحبـائـى..الله هو الذى خلق كل تلك الخليقة وأعطى الإنسان نعـما لا حـد لهـا وهـو الذى أعطــانـا بعض من تلك الـمعرفـة عن صفات الله وكمالاتـهز والكتاب الـمقدس، كلمة الله لنـا نحن البشر تحوى العديد من الرموز والصِفات والأسماء عن خالق الكون الوحيـد.

صـفـات الله :

أزلـي

"من قبل أن ولدت الجبال وأنشات الأرض والمسكونة من الأزل الى الأبد أنت الله" (مز2:89)

واحـد

"حتى تعلم الأمم كافة انك أنت الإله الواحد فى الأرض كلها" (طوبيا9:8)

"أنظروا الآن اننى أنـا هو ولا إلـه معـى" (تث39:32)

يعلم ويسمع ويرى كل شيئ

"لأن الرب إلـه عليـم راشد الأعمال"(1ملوك3:2)

"هو كاشف الأعماق والخفايا وعالم ما فى الظلمة" (دا22:2)

مـحـبة

" كل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله ومن لا يحب للم يعرف الله لأن الله محبة" (1يو8:4)

أميـن

" الرب إلهك هو الله الإلـه الأميـن" (تث9:7)

– لـه تجثـو كل ركبـة

" "انهـا ستجثو كل ركبة ولـي سيحلف كل لسان" (أش31:40)

لا يتغيـر

" الذى ليس عنده تحول أو ظل دوران" (يع17:1)

رحيـم

" انك إلـه رؤوف ورحيم" (يونان 3:4)

وحـده بار

" أيها الرب الإله خالق الكل المرهوب القوى العادل الرحيم يا من هو وحده الـملك والبارّ" (2مكا24)

– الخـالـق

" فـى البدء خلق الله السموات والأرض" (تك2:1)

يحب الناس

" أنا أحب الذين يحبوننى والمبتكرون إلـيّ يجدوننـي" (أم17:8)

والكتاب يحوى العديد من الصفات كما قلنـا عن الله الخالق. أن معارفنـا عن الله لا يمكن أن تتكون إلا تمتمة ونظراً فـى رموز وهكذا يـا أحبائـى نعلم مـن هو الله إذا مـا إقتربنـا إليـه ضارعيـن أن يهبنـا أن نعرفـه ونؤمـن بـه فيهبنـا هـو هبـة الإيمـان التى تنير جوانب حياتنـا.

ونختم حديثنـا اليوم بتأمـل القديس أغسطينوس فـى إعترافاتـه عن الله:

" سألت الأرض أأنت ربـي فأجابت هى وكل ما فيها لا. سألت البحر والغمر وجميع الحيوانات الموجودة فيـه فأجابتنـى لسنا نحن ربك فإسأل عنـه ما فوقنـا. فسألت الهواء فأجاب هو كل ما فيه أنت مغشوش فينـا فأننا لسنا بربك. سألت الشمس والقمر والكواكب كلها فأعادت الجواب صارخـة لسنا نحن أيضا الإلـه الذى تسأل عنـه. فعدت عند ذذلك ألتفت إلـى جميع الأشياء المحسوسـة وقلت لهـا قد قلت لـي إنك لست الله ربـي الذى أسأل عنـه فقولـي بحقـك شيئـا عنـه، أجابت كلهـا بأجمعهـا بصوت عال هـو الذى خلقنــا.

                        [ عظة إجتماع الشباب بـمطرانية المنيا 1973]

                    +++++++++++++++++++++

                             د. كيميائـى/نبيل حليم يعقوب

                         لوس أنجلوس فـى ديسمـبر 2000