مقابلة مع المطران يؤانس زكريا
حاوره إميل أمين
الأقصر، الثلاثاء 12 يوليو 2011 (zenit.org).
مصر عقب ثورة 25 يناير، العلاقات بين الإسلام والمسيحية، ولادة التيارات السياسية والدينية المتعصبة، العلاقات بين الفاتيكان والأزهر، أوضاع الأقباط في مصر وغيرها من المواضيع، كانت محور هذا اللقاء الذي قامت به وكالة زينيت العالمية مع أسقف الأقصر، المطران يؤانس زكريا.
بداية صاحب السيادة وكرؤية إجمالية كيف ترىالأوضاع في مصر بعد ثورة 25 يناير ؟ والى أين تمضي فيما خص الوجود المسيحي بنوع خاص؟
قبل كل شئ، أود أن أوجه شكري، وتقديري العميق، لأسرة تحرير زينت على ما يقومون به من تضحيات وعمل دؤوب في سبيل نشر إعلام مسيحي متميز، خاصة من خلال نشرتهم اليومية باللغة العربية واللغات الأخرى.
أرى الأوضاع في مصر بعد ثورة 25 يناير ضبابية، فالطريق ليس واضحا تماما، والمسيرة مازالت ممتدة وطويلة للوصول لمرحلة الاستقرار والأمان.
نعم، لقد نجحت بكل تفوق ثورة الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة، وأسقطت النظام العسكري الذي حكم مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952، وقامت بتحرير كل أبناء مصر، وهدم حائط الخوف وإزالته من قلوب المصريين، وعملت على تشجيعهم في التخلي عن مواقفهم السلبية والسعي للمشاركة في العمل السياسي. لكن نجاح هذه الثورة الشبابية، بفضل ما قدموه من تضحيات وشهداء، قدم الفرصة الذهبية لبعض القوى السياسية والجماعات الدينية، التي كانت في عهد النظام السابق محظورة ومضطهدة، لكي تخرج من صمتها وتعمل بكل قواها في استغلال المناسبة لكي تحقق مصالحها الخاصة، وأجندتها السياسية والدينية.
فيما يخص الوجود المسيحي المصري، لاحظت في الفترة الأخيرة خروجا عن الصمت والسلبية التي تميّز بها الكثير من مسيحي مصر، خاصة بعد اندلاع ثورة 23 يوليو 1952. حقا كان الوجود المسيحي المصري في ميدان التحرير مشرفا وفاعلا وبناءا، خاصة من بين فئة الشباب المسيحي، ومازالت حتى الآن مشاركة المصريين المسيحيين في الأحداث الجارية حية وعاملة، وحضورهم في المؤتمرات الوطنية واللجان الشعبية يعكس شدة اهتمامهم بشئون وطنهم، وحسن استعدادهم للتعاون في العمل من أجل تطوره وتقدمه.
وأتمنى أن يتحلى الوجود المسيحي المصري بالوحدة وأن ينبذ كل الخلافات الطائفية، وأن لا يكون منغلقا على ذاته، بل يجب عليه أن يتحاور ويتعاون مع كل القوى والطاقات السياسية والدينية المتواجدة في الساحة المصرية.
بات تصاعد التيارات الراديكالية على تعدد أطيافها وتنوع أطرافها حقيقة لا مراء فيها .. هل يمكن لأقباط مصر التعايش مع تلك المستجدات الجديدة ؟
بعد ثورة 25 يناير، وبعد عودة الحرية السياسية لمصر، وسقوط جدار الخوف عند المصريين، خرج للساحة المصرية الكثير من الجماعات الدينية و القوى السياسية، التي لم يكن النظام السابق يعترف بها، أو يتعاون معها، بل كان يبذل أقصى ما في وسعه على القضاء عليها.
أعتقد أن هذه الجماعات الدينية و القوى السياسية تحتاج إلى المزيد من الوقت والعمل لكي تصل إلى مرحلة النضوج الوطني والسياسي، وتكون قادرة على استيعاب وقبول من يخالفها في الدين والعقيدة والرأي والفكر، وبالتالي تستطيع التعاون مع كل أبناء الوطن بدون استثناء والعمل معا من أجل حياة أفضل وبناء دولة حديثة متقدمة.
إذا استطاعت هذه الجماعات الدينية و القوى السياسية أن تطور ذاتها، وتتقبل الطرف الأخر المختلف عنها في الدين والفكر، فسوف يمكن لأقباط مصر أن يتعاونوا ويتعايشوا بسلام معها.
ينادي الجميع بحتمية ان تبقى مصر دولة مدنية إلا ان كافة الغيوم المتجمعة فوق سماوات مصر تقول بان الدولة الدينية هي الأقرب .. ماذا ترى نيافتك ؟
من خبرة الشعوب وتاريخ الأمم يتضح لنا بأن تجربة الدولة الدينية، التي تؤمن بدين معين، أو عقيدة ما، أو مذهب خاص، قد باءت بالفشل الذريع سواء في الغرب أو في الشرق.
نرى في عصرنا الحديث أن في كل دول ومدن العالم، شرقا وغربا، يتواجد الكثير من الأفراد، الذين ينتمون إلي أديان مختلفة، ويؤمنون بمعتقدات ومذاهب متعددة، لكنهم يسعون للحياة معا في سلام ووئام، ومن أجل سلام الوطن الذي يعيشون فيه، يطالبون بأن يحترم كل طرف دين وعقيدة الأخر، وأن يتعاون جميع المواطنين فيما بينهم من أجل رفاهية مجتمعهم. لذلك فتحقيق الدولة الدينية لا يحقق السلام الداخلي، ويهمل الحقوق المشروعة للفئة التي تدين بدين أخر يغاير دين الدولة.
في هذا الصدد، أتذكر قول السيد المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وشعار ثورة 1919، عندما هتف المسلمون، وردد الأقباط معهم ضد المستعمر الإنجليزي: "الدين لله والوطن للجميع"، وطالبوا بتحقيق دولة مدنية تراعي وتهتم بحقوق كل مواطنيها.
العقيدة الدينية والأفكار الإيمانية التي يؤمن بها البشر لها أهميتها العظمى في العلاقات الحميمة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، كما لها تأثيرها الشديد في الحياة اليومية الإنسانية والاجتماعية. عندما تكون العقيدة الدينية بعيدة عن آفة التعصب البغيض والكراهية والجهل، تكون قادرة على بناء وتقدم الوطن وذرع بذور المحبة والسلام. لذلك على كل أبناء مصر أن يحافظوا على إيمانهم الإسلامي أو المسيحي، وأن تكون بينهم علاقات المودة والاحترام المتبادل، و يرتقوا في الحوار والتعاون البناء من اجل خدمة مجتمعهم وبلدهم.
شهدت محافظات سوهاج وقنا وهي الأقرب لخدمتكم تصاعدا غير مسبوق العامين الماضيين لحوادث فتنة طائفية راح ضحيتها أقباط .. في تقديركم ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التصاعد؟
نعم، في الآونة الأخيرة، تصاعدت وازدادت في كل المحافظات والبلاد هذه الأحداث الأليمة بين المسلمين والأقباط ، وتحمّل الأقباط المزيد من الألم والتضحية والخسائر في الأرواح والممتلكات، وأعتقد أن الأسباب وراء هذا التصاعد يكمن أساسا في الجهل والفقر والمرض الجسدي والنفسي الذي يعاني منه الأكثرية العظمى من المصريين المسلمين والمسيحيين، وأضيف على ذلك وجود بعض الاحتقانات والخلافات الطائفية التي زرعها النظام السابق في بعض القرى والبلاد، كما لا أستبعد وجود مؤامرات وأسباب سياسية خارجية وداخلية، تستهدف زعزعة الوضع الداخلي للبلاد وتحقيق مكاسب طائفية وحزبية.
ما هو موقف الأقباط من القائلين بحتمية تطبيق الشريعة الإسلامية أو فرض نظام الجزية في مصر الجديدة إذا قامت حكومة إسلامية في مصر ؟
لا يمكنني التحدث باسم الأقباط، لكني أتحدث عن رأي الشخصي، إذا أقتنع إخوتنا المسلمين بحتمية تطبيق الشريعة الإسلامية، فلا أرى أي مانع في تطبيقها، لكن عليهم فقط، بينما تطبق على غير المسلمين الشرائع والمبادئ الخاصة بعقائدهم.
أما بخصوص فرض نظام الجزية، يوجد الكثير من الاجتهادات والدراسات من جانب الفقهاء المسلمين الذين يرفضون هذا الأمر تماما، ويؤكدون بأن الجزية فرضت في أول العصر الإسلامي من أجل الدفاع عن غير المسلمين، وفي عصرنا الحديث يشترك جميع أبناء الوطن في الدفاع عنه، كما أن نظام الضرائب المتنوعة والرسوم الحكومية قد حل مكان نظام الجزية، وأستبعد تماما فرض هذا النظام في مصر تحت أي تسمية كانت، وكمواطن مصري مسيحي أرفض رفضا قاطعا أن تجبرني حكومة ما على دفع الجزية حتى أستطيع أن أحافظ على ديانتي.
في الأعوام الأخيرة رأينا حالات من الأسلمة القسرية غير المسبوقة أيضا ، في تقديركم هل هي خطة منهجية ام مجرد حوادث عشوائية سيما وان السن المستهدف واحد ، بنات صغيرات في مقتبل العمر فقط لا غير ؟
لا أعتقد أنها حوادث عشوائية، لكني أشعر بأن هناك بعض الأشخاص الذين يخططون ويمولون لمثل هذه الحوادث، ويستغلون المشاكل العاطفية والعائلية والمادية التي تعاني منها بعض الفتيات القبطيات، ويسهلون لهم أمر الهروب من عائلاتهم، ثم يدعونهم للدخول في الإسلام.
يجب على كل أسرة قبطية أن تهتم بشؤون بناتها وأولادها، وعلى الكنيسة، في هذه الفترة الحرجة، أن تكثف من نشاطها في تعميق الإيمان بين أبنائها، وأن ترعاهم وتعمل على تحقيق مصالحهم.
بات غالبية الأقباط في حقيقة الأمر يحلمون بالهجرة والسفر من مصر الى خارجها دفعا للضرر القادم من وجهة نظرهم .. كيف تنظر الكنيسة الكاثوليكية في مصر لهذا الاتجاه ؟
من يحلمون بالهجرة والسفر للخارج لا يقتصرون على الأقباط وحدهم، بل يشترك معهم في تحقيق هذا الحلم إخوتهم المسلمون وشباب معظم بلاد العالم الثالث. الدافع لهذه الهجرة ليس فقط الهروب من الواقع الأليم في بلادهم، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ولكن البحث عن فرصة لتحقيق مستقبل أفضل لحياتهم وأولادهم.
الكنيسة الكاثوليكية في مصر لا تشجع أبناءها على الهجرة للخارج، وذلك حفاظا على الوجود المسيحي في بلادنا المصرية وفي بلاد الشرق الأوسط، ولكن يجب على الكنيسة أن تخطط لعمل مشاريع خاصة بالشباب، تحقق لهم فرصا للعمل والمسكن، وتهدف إلى استقرارهم وتأمين مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
اعتبر كثيرون ان سينودس أساقفة الشرق الأوسط طاقة أمل لمسيحي الشرق الأوسط .. لكن الواقع هو ان الأمر لم يتجاوز التوصيات النظرية .. أي فائدة لمثل هذا السنودس؟
يعتبر سينودس أساقفة الشرق الأوسط حدثا فريدا في تاريخ الكنيسة الشرقية، فهذه هي المرة الأولي التي اجتمع فيها كل أساقفة الشرق الأوسط الكاثوليك مع قداسة البابا في روما لبحث تطلعات ومشاكل الكنيسة والمسيحيين في الشرق الأوسط.
سبق انعقاد هذا السينودس دراسات مكثفة ومناقشات تحضيرية، تمت في معظم الإيبارشيات والمعاهد والمركز والرهبانيات الكاثوليكية في الشرق الأوسط، كما شارك في هذه الاستعدادات شخصيات ولجان متخصصة في شئون كنائس الشرق الأوسط من جميع أنحاء الكنيسة الكاثوليكية.
أثناء انعقاد هذا السينودس تسلطت أضواء الوسائل السمعية والإعلامية في كل العالم على أخبار تاريخ وشؤون كنائس الشرق الأوسط ومشاكل أبنائها المسيحيين، ويعتبر هذا الأمر في حد ذاته نجاحا لهذا السينودس، الذي وضع كنائس الشرق وأوضاع ومشاكل المسيحيين في دائرة البحث والاهتمام.
أسفر هذا السينودس عن بعض الوثائق والتوصيات الهامة، وقد اهتمت الكنائس والايبارشيات بدراسة هذه الوثائق والعمل على تحقيق هذه التوصيات.اهتمت كنيستنا المصرية بطبع كتاب يشتمل على دراسات ومناقشات حول هذه التوصيات، وحاليا في كل الايبارشيات بمصر يتم دراسة هذا الكتاب.
حاليا نحن في انتظار الإرشاد الرسولي، الخاص بكنائس الشرق الأوسط، والذي سيصدره قريبا قداسة البابا بيندكتوس السادس عشر، ويتضمن التحرير النهائي لتوصيات السينودس، للعمل والخدمة بموجب هذه التوصيات وتحقيقها في رسالة الكنيسة.
ما الذي تقدمه الكنيسة الكاثوليكية في مصر للعلمانيين الراغبين في تعميق دورهم في الحياة الحزبية والسياسية المصرية حتى لا يتهم الأقباط بالتخاذل ؟
في الفترة الماضية، ربما يكون ما قدمته الكنيسة الكاثوليكية المصرية في هذا الشأن يكاد يكون قليلا، بسبب الظروف التي كانت تعيق هذا العمل. حاليا أري الكثير من الندوات والاجتماعات التي تعقد على مستوى كل الايبارشيات والرهبانيات والمعاهد والمدارس لتوعية العلمانيين وتشجيعهم على الانخراط في العمل السياسي والحزبي,
هناك عمل ملموس وجاد في هذا الأمر تقوم به لجنة العدالة والسلام التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر.
لماذا ينقسم الأقباط تجاه فكرة الحماية الدولية ، البعض يريدها في الواقع وان كان لا ينادي بها علنا وآخرون يطالبون بذلك علنا ؟.. ما هو رأي الكنيسة الكاثوليكية المصرية في الأمر ؟
لا شك بأن الأقباط، وهم مواطنون أصليون يعيشون في بلادهم المصرية، يعانون من مشاكل ومتاعب متراكمة منذ أجيال، ويشعرون بأن حقوقهم مهملة، ولا يوجد أحد يهتم بهم، ولا يستجاب لمعظم طلباتهم، لذلك يعتقد البعض بأن طلب الحماية الدولية سوف يزيل مشاكلهم ومتاعبهم. لكني أعتقد بأن الحماية الدولية، التي تفهم على أساس تقوي الأقباط بقوى الخارج، ليست هي الطريق السليم لحل مشاكل الأقباط، وأرى أن المنهج الصحيح في هذا الشأن هو الحوار الهادئ والبناء بين أبناء الوطن الواحد.
ماذا عن علاقاتكم في جنوب مصر مع المسلمين المعتدلين وأصحاب التيارات الليبرالية على نحو خاص ؟ وهل لهولاء تأثير مواز لتأثير السلفيين والأخوان المسلمين ؟
في خدمتي الكهنوتية والأسقفية كانت ومازالت علاقتي مع إخوتي المسلمين جيدة.
أتذكر عندما كنت راعيا في مدينة الفكرية بمحافظة المنيا، قمت بتأسيس حضانة لرعاية الأطفال، وكانت غالبية هؤلاء الأطفال ينتمون لعائلات مسلمة، ولم أفرق يوما في التعامل والاهتمام بين الطفل المسلم والمسيحي. وحتى يومنا هذا مازلت أحتفظ بصداقة شخصية مع بعض أولياء أمور هؤلاء الأطفال، ويربطني بهم شعور المودة والاحترام المتبادل، وعندما أقوم بزيارة أسرتي في أبو قرقاص يأتي لزيارتي الكثير منهم. كما يسعدني كثيرا أن أتقابل مع أبنائي وبناتي من خريجي هذه الحضانة، الذين شبوا وترعرعوا، وحاليا يتقلدون مناصب وظائف مرموقة، والبعض منهم عندما يتواجد بمدينة الأقصر بسبب العمل، يأتي خصيصا لزيارتي، ومعهم أتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضيناها سويا.
في زياراتي الرعوية لافتقاد كنائس ورعايا إيبارشية الأقصر، يأتي لاستقبالي كل أبناء الرعية، مسلمين وأرثوذكس وكاثوليك، وعندما أقوم بزيارة منازل أبناء الرعية، تكون الأولية لزيارة بيوت إخوتي المسلمين.
في الواقع، استطيع الشهادة بأن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، الذين يعيشون ويعملون جنبا إلى جنب في القرية وبعض مدن الصعيد، هي علاقات محبة ومودة، وكثيرا ممن يزرعون بذور الفتنة والفرقة بينهم هم وافدون من خارج القرية والمدينة، ويحملون معهم أفكار التعصب، ويعملون على بث روح الحقد والبغضة والكراهية بين أبناء القرية الواحدة، الذين عاش أجدادهم لعشرات الأجيال ومئات السنين في محبة وسلام، بدون أدنى تفرقة بين المسلم والمسيحي.
بدأنا نسمع ولو على استحياء أصوات تطالب الفاتيكان بالتدخل لحماية أقباط مصر .. كيف تفسر هذه الظاهرة علما انه ليس للفاتيكان فرق عسكرية ولا جيوش كما قال ستالين ذات مرة ؟
شخصيا لا أقبل ما يسمي بموضوع الحماية الأجنبية للأقباط، ويجب توعية الأقباط الذين يعيشون في بلاد المهجر وينادون بهذا الموضوع بخطورة هذا المطلب، وتأثيره الضار على مصالح الأقباط الذين يعيشون بمصر بجانب إخوتهم المسلمين.
قداسة البابا بندكتس السادس عشر، الذي يرأس دولة الكرسي الرسولي، وهي دولة روحية لا تمتلك جيوش نظامية مثل بقية الدول، لا يألو جهدا في الصلاة من أجل المسيحيين وغير المسيحيين في جميع أنحاء العالم، خاصة عندما تصيبهم الكوارث الطبيعية أو تنتابهم ظروف أليمة وصعبة.
في الفترة الأخيرة ذكر قداسة البابا الحوادث المأساوية التي مر بها أبناء الكنيسة في العراق ومصر وباكستان، وطلب أن يتحد معه الجميع في الصلاة من أجلهم، كما طلب من أصحاب الأمر في هذه الدول مزيدا من الاهتمام والرعاية لصالح رعاياهم، وهذا الطلب لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد المذكورة، ولكنه رسالة محبة ومساندة لنصرة مساعدة الإنسان المقهور والمتضرر من أخيه الإنسان.
فيما خص العلاقة مع شيخ الأزهر الدكتور الطيب ترى – وهو ينتمي جغرافيا الى الأقصر – انه يزايد على السلفيين في قطعه للعلاقة مع الفاتيكان ووقف الحوار ؟
أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من الصبر والوقت والحوار المتبادل لكي يفهم الجانبان كلا منهما الآخر. حاليا أرى أن الإصرار على استئناف الحوار بين الجانبين بأي طريقة كانت ليس هو في صالح هذا الحوار المنشود. كما أرى أن بعض التصريحات الصادرة من هنا وهناك حول هذا الموضوع، والتي تفسرها وسائل الإعلام وفقا لأغراضها الخاصة وسياستها المقصودة، تضر أكثر مما تنفع في تحسين العلاقة بين الكرسي الرسولي والجامع الأزهر الشريف.
وأود أن أوضح، مع خالص تقديري واحترامي لجميع الأطراف، بأن الحوار المنشود ليس هو حوارا بين شخص قداسة البابا بندكتس السادس عشر وشخص فضيلة الأمام الأكبر الدكتور الطيب، بل هو حوارا بين الكرسي الرسولي، بكل ما يمثله من تراث روحي مسيحي عميق، والجامع الأزهر الشريف، بكل ما يمثله من سماحة إسلامية أصيلة.
كل ما أرجوه أن يتم التواصل سريعا بين الطرفين، ويتم استئناف الحوار قريبا، لأن قطع العلاقات ووقف الحوار هو مضر للطرفين ولا يستفيد أحد منه شيئا.
بعد زيارة الدكتور نبيل العربي الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية إبان شغله لمنصب وزير الخارجية لمصر لقداسة البابا بنديكتس وتبيان أن العلاقة بين القاهرة والفاتيكان بخير .. ما الذي يعوق عودة الحوار من جديد ؟
بعد حادث استشهاد الأقباط في كنيسة القديسين بالإسكندرية، أدان قداسة البابا بنديكتس السادس عشر هذا العمل الإرهابي، ودعا الحكومة المصرية وحكومات بلاد الشرق الأوسط إلى بذل المزيد من الاهتمام لحماية أرواح القلة المسيحية في هذه البلاد. للأسف لم يفهم رجال الحكومة المصرية السابقة رسالة قداسة البابا واعتبروها تدخلا في الشؤون الداخلية المصرية، واحتجاجا على هذا التدخل، استدعت وزارة الخارجية المصرية السفيرة المصرية لدى الكرسي الرسولي للقاهرة بهدف التشاور.
في هذا الوقت عينه، أدان معظم زعماء العالم حادث كنيسة الإسكندرية، ودعوا حكومات الشرق الأوسط لحماية القلة المسيحية، ولكن لم يكن هناك ردود فعل من قبل الحكومة المصرية مثلما حدث مع قداسة البابا.
بعد عودة السفيرة المصرية لمواصلة رسالتها لدى الكرسي الرسولي، وبعد تنحية الرئيس مبارك وتغيير الحكومة المصرية، قام وزير الخارجية المصري بزيارة الكرسي الرسولي ومقابلة قداسة البابا، وبحث معه كيفية تعزيز العلاقات الثنائية الحميمة بين جمهورية مصر العربية ودولة الكرسي الرسولي، كما أطلعه على أخر المستجدات في الساحة المصرية بعد اندلاع ثورة الشباب وتغيير نظام الحكم في مصر، وبذلك عادت العلاقات بين جمهورية مصر العربية والكرسي الرسولي إلى طبيعتها، وتفهم الجانبان أن ما حدث كان بسبب سوء الفهم وحساسية الموقف.
بعد زيارة وزير الخارجية المصري للكرسي الرسولي، وزيارة أمين لجنة الحوار بين المسيحية والإسلام بالفاتيكان لفضيلة شيخ الأزهر بالقاهرة، كان من المفروض أن يتم استئناف الحوار بين الطرفين، ولكن للأسف الشديد، بعد اجتماع ضم كبار العلماء بالأزهر، أعلن فضيلة شيخ الأزهر بتأجيل استئناف الحوار بين الأزهر الشريف والكرسي الرسولي.
منذ نحو عقدين من الزمان قال صموئيل هنتنجتون بالصراع الحضاري المنطلق من أسس دينية .. هل حال تحول " ربيع العرب " الى " ربيع الأصوليات " ستكون نبؤة الرجل قد تحققت بالفعل ؟
بعد سقوط وفشل النظام الشيوعي، وتفتت دولة الاتحاد السوفيتي، و تحرر دول شرق أوروبا، وذوبان حلف وارسو، ونهاية الحرب الباردة بين الشرق والغرب، كان على دول الغرب أن تجد لها بديلا للمنافسة والصراع، بهدف بسط النفوذ السياسي واستعراض مظاهر القوى العسكرية. بدأ الصدام بين الغرب والشرق مع زيادة ونمو الأعمال الإرهابية لبعض الجماعات الإسلامية، وأدى هذا إلى حرب تحرير الكويت، والحروب في العراق وأفغانستان والصومال. هذه الحروب التي تهدف للقضاء على الإرهاب الدولي، للأسف مازال البعض ينظر إليها كحرب بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي, كما رأى البعض الآخر أن هذه الحرب هي الصراع الحضاري المنطلق على أسس دينية، على حسب ما كتب صموئيل هنتنجتون في كتابه عن "صراع الحضارات".
أتمنى أن تؤدي ثورة الشباب على ظلم وفساد الأنظمة الدكتاتورية، وانطلاق ثورة الربيع العربي وتفتح زهور الحرية، إلى تحقيق حلم الدولة الديمقراطية المدنية، وإلى بناء المجتمع المثالي المبني على الحب والسلام، والذي يجمع بين جنباته جميع أبناء الوطن بدون تفرقة دينية أو تمييز مذهبي، بل الكل هم إخوة متحابون، يتعاونون معا من أجل مصلحة وتقدم رفاهية بلداهم.
أخيرا بين التشاؤم والتفاؤل أين تمضون صاحب النيافة ؟ وما هي نصيحتكم للمصريين بعمومهم مسلميهم وأقباطهم في هذا المنعطف المصيري الذي تمر به مصر ؟
كمواطن مصري درس وتعمق في التاريخ الحضاري لمصر، الممتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى أيامنا الحديثة، فأنا متفائل في قوة وقدرة الشعب المصري، بكل أفراده وفئاته، وبمسلميه ومسيحيه، على الانتصار على كل ما سوف يقابله من أزمات تعوقه عن بناء دولة مصر الحديثة، المتقدمة والمتطورة، حتى تنال مكانتها بين بلاد العالم المتحضر والمعاصر. مثلما تفوقت الحضارة المصرية وانتصرت على كل ما قابلها من مصاعب وألام عبر تاريخها الطويل والممتد لآلاف من السنين، ومثلما استطاعت العبقرية المتجددة للإنسان المصري أن تتغلب على كل قوى الاحتلال والظلم والقهر، هكذا في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ سوف تنتصر مصر وتتقدم بفضل تلك الروح المصرية المتأصلة في قلوب جميع المصريين، وبفضل شجاعة وحماس كل أبنائها.
وكمسيحي يؤمن بالرجاء ويعيش بقوة الحب والإيمان، أميل بكل قوة نحو التفاؤل.
هو تفاؤل لكن يصاحبه الكثير من الحذر لصعوبة مسيرة الحرية، والانتباه الشديد أمام معوقات طريق بناء الدولة الحديثة، وتحقيق الحياة الأفضل والمستقبل الزاهر لكل المصريين.
نصيحتي لكل أبناء وطني، هي أن نقوم جميعا ونتعاون في العمل والبناء، وأن نطرح جانبا كل ما يفرق بيننا، وأن نسعى جميعا من أجل تأسيس مجتمع الحب والسلام.