كلمة البابا لدى وصوله إلى مطار باراخاس الدولي في مدريد

 

مدريد، الخميس 18 أغسطس 2011 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا لدى وصوله إلى مطار باراخاس الدولي في مدريد رداً على تحية الملك الإسباني خوان كارلوس الذي كان في استقباله مع الملكة والكاردينال أنطونيو ماريا روكو فاريلا، رئيس أساقفة مدريد ورئيس مجلس أساقفة إسبانيا، وسلطات سياسية ومدنية، والكرادلة الإسبان، وأساقفة اللجنة الدائمة لمجلس الأساقفة، ووفد ممثل عن المؤمنين.

***

صاحبي الجلالة،

نيافة الكاردينال رئيس أساقفة مدريد،

نيافة الكرادلة،

أيها الإخوة الأعزاء في الأسقفية والكهنوت،

السلطات المحلية، الجماعات المستقلة والمحلية،

أعزائي سكان مدريد وإسبانيا جمعاء

أشكركم يا صاحب الجلالة على وجودكم هنا مع الملكة، وعلى الكلمات المفعمة بالاحترام والحفاوة التي وجهتموها خلال الترحيب بي. هذه الكلمات تسمح لي بأن أعيش مجدداً بوادر التعاطف التي لا تنسى والتي لقيتها خلال زياراتي الرسولية السابقة إلى إسبانيا، وبخاصة خلال رحلتي الأخيرة إلى سانتياغو دي كومبوستيلا وبرشلونة. أحيي بحرارة جميع الحاضرين في باراخاس، وجميع الذين يتابعون هذا الحدث عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية. كما أذكر بامتنان عميق كافة السلطات الكنسية والمدنية التي أسهمت بجهودها وعملها، بالتزام وتفان كبيرين، لكي تجري أيام الشبيبة العالمية في مدريد على خير ما يرام وتحمل ثماراً وافرة.

كذلك، أود أن أشكر من كل قلبي حسن الضيافة التي أظهرتها عدة عائلات ورعايا ومعاهد ومؤسسات أخرى استقبلت الشباب القادمين من العالم أجمع، بدايةً في مختلف مناطق ومدن إسبانيا، وحالياً في مدريد هذه المدينة الكبيرة الجامعة وذات الأبواب المشرعة.

آتي إلى هنا لألتقي بآلاف الشباب القادمين من العالم أجمع، الكاثوليك الملتزمين بالمسيح أو الباحثين عن الحقيقة التي تعطي معنى حقيقياً لوجودهم. آتي كخليفة بطرس لأثبّتهم جميعاً في الإيمان، بعيش أيام من النشاط الرعوي المكثّف لإعلان أن يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة؛ للحث على الالتزام ببناء ملكوت الله في العالم، وبيننا؛ لحض الشباب على أن يلتقوا شخصياً بالمسيح الصديق، وعلى أن يتحولوا بعد التجذر في شخصه إلى تلاميذ أمناء وشهود شجعان.

ما الدافع وراء مجيء حشود الشباب هذه إلى مدريد؟ في حين أن الإجابة يجب أن تقدم من قبلهم، يمكن التصور بأنهم يرغبون في الإصغاء إلى كلمة الله، كما اقترح شعار أيام الشبيبة العالمية هذه، بحيث أنهم بتجذرهم في المسيح وقيامهم عليه يعكسون قوة إيمانهم.

كثيرون منهم سمعوا صوت الله، أحياناً فقط كهمسة ناعمة، مما دفعهم إلى أن يبحثوا عنه بعناية أكبر، ويشاطروا مع الآخرين تجربة القوة التي يملكونها في حياتهم. إن اكتشاف الله الحي يحيي الشباب ويفتح أعينهم على تحديات العالم الذي يعيشون فيه، بإمكانياتهم ومحدوديتهم. هم يرون السطحية، الاستهلاكية والمتعية السائدة، الابتذال الشديد في عيش الجنس، ونقص التضامن الحاد، والفساد المتفشي. وهم يعلمون أنه يصعب من دون الله مجابهة هذه التحديات والشعور بالسعادة الفعلية، ويوجهون نحوه اندفاعهم لنيل حياة حقيقية. ولكن، بوجوده في جوارهم، سينالون النور للسير والأسباب للرجاء، فلا تخمد هممهم أمام هذه المثل العظيمة التي ستحفّز التزامهم السخي لبناء مجتمع تُحترم فيه كرامة الإنسان والأخوة الفعلية. هنا، خلال هذه الأيام، تتاح لهم فرصة مميزة ليشاطروا طموحاتهم ويتبادلوا فيما بينهم ثروات ثقافاتهم وخبراتهم، ويتشجعوا على درب إيمانهم وحياتهم، حيث يظن البعض أنهم وحيدون أو مهملون في حياتهم اليومية. لكنهم ليسوا وحيدين. فكثيرون من أترابهم يشاركونهم النوايا، وبالاتكال بالكامل على المسيح، يعلمون أن هناك مستقبلاً أمامهم ولا يخافون من الالتزامات الحاسمة التي تتطلب الحياة بأسرها. لذلك، فمن دواعي فرحي أن أصغي إليهم، وأصلي معهم، وأحتفل بسر الافخارستيا معهم. إن أيام الشبيبة العالمية تحمل لنا رسالة رجاء، كنسيم نقي وشبابي، مع عطور جديدة تملأنا ثقة لمستقبل الكنيسة والعالم.

بالطبع، الأمر لا يخلو من الصعوبات. فهناك توترات ومواجهات في عدة أنحاء من العالم، وصولاً إلى سفك الدماء. والعدالة وقيمة الإنسان الرفيعة ترضخان بسهولة لمصالح أنانية، مادية وإيديولوجية. كما أن البيئة والطبيعة اللتين خلقهما الله بمحبة عميقة لا تحترمان كما ينبغي. علاوة على ذلك، ينظر شباب كثيرون بقلق إلى مستقبلهم بسبب صعوبة إيجاد وظيفة لائقة أو لأنهم فقدوا عملهم أو لأن عملهم مؤقت وغير مضمون. وهناك آخرون بحاجة إلى مساعدة لكي لا يقعوا في شباك المخدرات، إلى مساعدة فعالة إذا كانوا مع الأسف قد وقعوا فيها. بسبب إيمانهم بالمسيح، يعاني كثيرون من التمييز الذي يؤدي إلى الاحتقار وإلى الاضطهاد الظاهر أو الكامن الذي يصيب مناطق معينة في بعض البلدان. كما أنهم يُضايقون للابتعاد عنه، بحرمانهم من علامات حضوره في الحياة العامة، وحتى بعدم السماح بذكر اسمه. مع ذلك، أقول مجدداً للشباب، بكل قوة قلبي، أن لا أحد ولا شيء يحرمكم من السلام! لا تخجلوا من الرب! هو لم يعترض على أن يكون واحداً منا ويختبر مخاوفنا ليرفعنا نحو الله، وبفعله ذلك خلصنا.

في هذا السياق، من الضروري مساعدة تلاميذ يسوع الشباب على البقاء ثابتين في الإيمان وعلى خوض المغامرة الرائعة المتمثلة بإعلانه والشهادة له جهراً بحياتهم. تقديم شهادة جريئة وزاخرة بالمحبة للأخ الإنسان، حازمة وحذرة في آن معاً، من دون إخفاء هويتها المسيحية الخاصة، في أجواء من التعايش المحترم مع خيارات شرعية أخرى وفي الوقت عينه مع ضرورة احترام المعتقدات الخاصة.

صاحب الجلالة، إني إذ أشكركم مجدداً على الاستقبال المفعم بالاحترام الذي خصصتموه لي، أود أن أعبر عن تقديري وقربي لجميع سكان إسبانيا، وعن إعجابي ببلاد غنية بالتاريخ والثقافة، بحيوية إيمانها التي أثمرت في العديد من القديسين والقديسات من كافة الأزمنة، في العديد من الرجال والنساء الذين بعد مغادرة بلادهم حملوا الإنجيل إلى أقاصي المعمورة، وفي أشخاص نزهاء ومتضامنين وصالحين في بلادكم. إنه كنز عظيم لا بد من الاعتناء به بالتأكيد من خلال موقف بنّاء من أجل المصلحة العامة حالياً، ومن أجل تقديم آفاق نيرة لمستقبل الأجيال الصاعدة. وعلى الرغم من وجود دواعي قلق حالياً، فإن اندفاع الإسبان لتخطيها بالنشاط الذي يميزهم يفوقها عظمة، وأكثر ما يسهم في ذلك هو جذورهم المسيحية العميقة، والمثمرة جداً على مر القرون.

من هنا، أحيي بحرارة جميع الأصدقاء الإسبان والمدريديين، وجميع الذين جاؤوا من بلدان أخرى. وخلال هذه الأيام، سأكون قريباً منكم، مع التفكير بكل شباب العالم، بخاصة بأولئك الذين يمرون بأشكال عديدة من المحن. إني إذ أوكل هذا اللقاء إلى مريم العذراء الكلية القداسة، وإلى شفاعة القديسين شفعاء هذه الأيام، أسأل الله أن يبارك ويحمي دوماً أبناء وبنات إسبانيا. شكراً جزيلاً.

***

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011