ما يُطلب من أتباع يسوع

الأب متى شفيق 

ثُمَّ قالَ يسوعُ لِتَلاميذِه: ((مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني)) (مت-16-24)



أعلن السيد المسيح أن التلمذة المسيحية تشترط ثلاث خطوات اساسية، لا غنى لواحدة عن الاخرتين. وايضا قد رتبهم المعلم الالهي ترتيبا فائق الحكمة .

1- الزهد بالنفس (انكار الذات)

2- حمل الصليب (الخاص بالتلميذ نفسه)

3- السير على خطى المعلم ( اتباعه)

على من اراد ان يتبع السيد المسيح ان يقبل هذه الشروط الثلاث كما هي وبنفس ترتيبها. وان كانت الخبرة الانسانية داخل جماعة المؤمنين تؤكد انه عبر الاجيال اختار بعض الناس واحدة فقط من الشروط الثلاثة واهملوا الاخرتين:

اولا –  من اختار الزهد في النفس (واهمل حمل الصليب واتباع المعلم)

إن الزهد في النفس (انكار الذات) متى اتى منفصلا عن المحبة المخلصة (الصليب) وعن اصطباغ كافة مجالات الحياة بروح المسيح المعلم (على حد تعبير بولس الرسل ان نلبس المسيح) فهو يتناقض مع مكانة الانسان الرائعة والسامية التى يعلنها الوحي الالهي " انقصته قليلا عن الملائكة ، بالمجد والكرامة توجته …" وهو المخلوق منذ البدء على صورة الله ومثاله. يمسي هذا الزهد في النفس، المنفصل عن منظومة الاتباع بشرطيها الاخرين، مرضا نفسيا – لا مسيرة روحية – ويكرس المريض مشاعر الدونية واعدام الطاقات التى وهبت له من اجل خلاصه ومساهمته في خلاص العالم . وفي هذه الحالة يحتاج مثل هذا الانسان الي طبيب نفسي كي يساعده.

ثانيا –  من اختار حمل الصليب ( واهمل الزهد في النفس واتباع المعلم) يحيا حياة الضحية

إن حمل الصليب (الشخصي) متى انفصل عن الزهد في النفس واتباع المعلم، اصبح تكريسا للألم واسترضاء بموقف الضحية . ويصرف حياته باكيا شاكيا (لاعنا او مباركا) تلك الظروف التي تامرت عليه، والاشخاص الذين يعادونه. والمواهب لتى لم يمنحه الله اياها والاضطهاد الذي يمارس عليه من القريب والغريب (انها نفسية الضحية ). انه لم يزهد في نفسه (لم يخلِ ذاته) لذا يشعر في داخله انه لايستحق ان يواجه كل هذه المتاعب . انه شخص عظيم وان كانت كل الظروف تكاتفت ضده . ولم يتبع المسيح في عطفه وعدله وحنانه وتواضعه وفي بذله. ذاك البذل الذي حقق الفداء وولد القيامة . فليس فقط المسيح من حمل الصليب .. فهناك مجرمين ولصوص كل منهم يحمل صليبه . وايضا هناك من حمل صليب ليس بصليبه … سمعان القيرواني الذي ساعد لمسيح في حمل الصليب.

ثالثا-  من اختار اتباع المعلم ( واهمل الزهد في النفس وحمل الصليب)

إن اتباع المسيح  ما لم يسبقه الزهد في النفس(اخلاء الذات) و تفادى بمهارة حمل الصليب، اصبح هذا الاتباع تدين فريسي ظاهري !  لقد كان الفريسيون أكثر الناس التزاما بتعاليم الله ووصاياه واكثر الناس ايضا عملا على الحفاظ على الشريعة ومقتضياتها. لكن هذه التعاليم (الالهية) ان لم يسبق دخولها الي القلب والعقل حالة من تفريغ واخلاء الذات ستصبح معلومات مجردة وحكمة بشرية. وان لم تقبل عن اقتناع حمل الصليب (قبول الالم الخلاصي) من اجل بناء ملكوت الله على الارض بين الشعوب . فإنها ستصبح افكارا مجردة وفلسفة ضمن فلسفات كثيرة او ديانة ضمن ديانات عديدة.

لذا كان المعلم الالهي واضحا تماما اذ قال " من اراد ان يتبعني [1]فليزهد في نفسه[2] يحمل صليبه[3] ويتبعني"

عظة الاحد 22 من الزمن العادي

28 / 08/ 2011