مداخلة الكرسي الرسولي في جنيف حول نسبة وفيات الأمّهات

 

مبادرات فعّالة لخفض نسبة وفيات الأمّهات

روما، الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011 (ZENIT.org)

ننشرُ المداخلة التي ألقاها رئيسُ الأساقفة سلفانو توماسي، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى مكتب الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة في جنيف، يوم 15 سبتمبر حول نسبة وفيات الأمّهات ضمن الدورة الثامنة عشر لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.

* * *

حضرة الرئيس،

درسَ وفدُ الكرسي الرسولي باهتمامٍ كبير التقريرَ حول "ممارسات لاعتماد نهجٍ قائم على حقوق الإنسان للقضاء على وفيات الأمّهات التي يمكنُ تجنبها، وحقوق الإنسان" (A/HRC/18/27، 8 لوليو 2011)، والقرار 15/17 لعام 2010 لمجلس حقوق الإنسان حول "وفيات وأمراض الأمّهات التي يمكن تجنبها، وحقوق الإنسان: التحقق في القرار 11/8 للمجلس" (مجلس حقوق الإنسان، الدورة الخامسة عشر، القرار 15/17. وفيات الأمّهات التي يمكنُ تجنبها، المرض وحقوق الإنسان: التحقق في القرار 11/8، 7 أكتوبر 2010؛ الدورة الحادية عشر، القرار 11/8، يونيو 2009) بالإضافة إلى القرار 11/8. عبّر هذا القرار الأخير عن "القلق الكبير للنسبة العامة والمرتفعة بصورةٍ غير مقبولة لوفيات وأمراض الأمّهات التي يمكن تجنبها"، وأقرّ بأنّ هذه الظاهرة تشكلُ "تحديًا للصحّة والنموّ وحقوق الإنسان". وشجّع الدول وباقي الأطراف المعنية بالأمر، وبضمنها المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، لتعير "اهتمامًا أكبر لمشكلة وفيات وأمراض الأمّهات التي يمكنُ تجنبها وتخصيص المزيد من الجهود في هذا الشأن" ضمن الجهود المبذولة لرعاية حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من هذه الجهود الصارمة، فعلى الجماعة الدولية أن تقرّ اقرارًا كاملاً بأنّ الخطوات المُحققة حتّى هذه اللحظة غيرُ كافية لتجنّب وفاة 350.000 امرأة سنويًا خلال فترتي الحمل والانجاب. وبالتالي، يرى وفدُنا ضروريًا التأكيد مرةً أخرى بأنّ "كلّ امرأة متساوية بالكرامة مع الرجل، وهي عضوٌ كامل في العائلة البشرية وتشغلُ فيها مكانةً مهمّة، ولها دعوةٌ مكمّلة إلاّ أنّها ليست على الإطلاق ثانوية بالنسبة إلى دعوة الرجل" (يوحنّا بولس الثاني، رسالة إلى الأمين العام للمؤتمر العالمي حول السكان والتنمية، الفاتيكان، 18 مارس 1994، فقرة 8).

يُسعدُ وفدنا أن يشير إلى ثلاثة "سماتٍ عامّة من الممارسات الصالحة والفعّالة من أجل خفض نسبة وفيّات وأمراض الأمّهات" التي ركّز عليها التقريرُ الموضوع للمناقشة اليوم: 1) تغييرات اجتماعية وقانونية كبيرة لتحسين ظروف النساء من خلال تعزيز المساواة بين الرجال والنساء، إلغاء الزواجات بعمرٍ مبكر وما ينتج عنها من تأخير البدء بالعلاقات الجنسية، تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحيّة والغذائية للنساء والشابات وإلغاء بعض الممارسات الضارّة مثل بتر الأعضاء التناسلية للأناث والعنف المنزلي. 2) تعزيز المؤسسات الطبية والرعاية الصحيّة الأولية من أجل الحصول على عمليات توليد صالحة، وعلى الرعاية اللازمة والطارئة في حالة المضاعفات. 3) تحسين مراقبة وتقييم واجبات الدولة في ضمان مساءلة جميع الجهات الفاعلة وتنفيذ السياسات المختلفة.

تدعمُ الكنيسة الكاثوليكية شبكةً واسعة من الخدمات الصحيّة في جميع أنحاء العالم، وتوفّرُ بصورةٍ خاصّة المساعدة للجماعات الفقيرة والريفية التي غالبًا ما تُستثنى من الحصول على الخدمات الحكومية. وأعدّت بعضُ المنظمّات الكاثوليكية خدماتٍ متخصصة في اصلاح الناسور وفي علاج الكلى وفي إعادة التأهيل الاجتماعي لضحايا العنف المنزلي، كما تشجّعُ النموّ المتكامل وتعليم النساء والشابات. كما تنشطُ المنظمات الكاثوليكية في الدفاع، على الصعيد العالمي والاقليمي والدولي والمحلي، عن سياساتٍ موجّهة لرعاية حقوق النساء والأطفال الأناث. فوفدنا يرغب في أن يضمن لكم، حضرة الرئيس، دعمه القوي لممارسةٍ جيّدة لكلّ العناصر المذكورة أعلاه.

وفيما يخصّ المقترَحين الآخرَين والذي يعرّفهما التقرير "جوانب ممارسةٍ جيّدة" لخفض نسبة أمراض النساء ويعني "زيادة الحصول على وسائل منع الحمل والتنظيم الأسري" وحلّ مشكلة ما يسمّى "الإجهاض غير المأمون للنساء"، يبغي الكرسي الرسولي أن يعبّر عن رفضه الشديد في هذا الصدد. فوفدنا يرى من الواجب إبداء "اهتمام خاصّ  يضمنُ للزوج والزوجة حريّة أن يقررا بمسؤولية، بعيدًا عن كلّ إكراه اجتماعي أو قانوني، عددَ الأطفال والفترة الفاصلة بين ولادةٍ وأخرى. فليس على الحكومة أو باقي الوكالات أن تقرر بدلاً عن الزوج والزوجة، بل أن تخلق لهم الظروف الاجتماعية المؤاتية لاتّخاذ القرارات الصحيحة على ضوء مسؤوليتهما أمام الله وأنفسيهما والمجتمع الذي يشكّلان جزءًا منه وأمام النظام الأخلاقي الموضوعي" (يوحنّا بولس الثاني، رسالة إلى الأمين العام للمؤتمر حول السكان والتنمية، المرجع السابق، فقرة 3). كما أننا نرى أنّ "الاجهاض الذي يدمّرُ الحياة الإنسانية، ليس طريقةً مقبولة لتنظيم الأسرة، كما تمّ الاعتراف بالاجماع خلال المؤتمر العام للأمم المتحدة حول السكان والذي عُقِد في مدينة المكسيك عام 1984". ولذلك فنحن نعتبرُ غيرَ مقبول أبدًا ما يسمّى بـ"الإجهاض المأمون" والذي يشجّعه التقريرُ والمناقش في دورة المجلس هذه لحقوق الإنسان أو بالأحرى، وربما بطريقةٍ تحمل معنىً أكبر، تشجّعه الأستراتيجية العالمية لصحّة النساء والأطفال في الأمم المتحدة والتي أطلقها الأمينُ العام للأمم المتحدة في سبتمبر 2010.

حضرة الرئيس، إنّ المخاوف التي ذكرتها مثبّتة في معطياتٍ متوفرة. فمنظمة الصحّة العالمية بيّنت أنّ النساء في أفريقيا يَمُتن لخمس أسبابٍ رئيسية: الأمراض المتصلة بارتفاع ضغط الدم، نقص الرعاية في التوليد، النزيف، تعفن الدم والأوبئة، وأمراض متعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية (خالد س. خان وآخرون، منظمة الصحة العالمية، تحليل أسباب وفيات الأمهات: منهجية نقدية منشورة في مجلة لانسيت، 367 ، 2006 : 1066-1074).

إن التدخلات المعروفة في مواجهة هذه الحالات الطبية الطارئة تتضمنُ التنشئة على استخدام مهارة التوليد، تزويد المضادات الحيوية وأدوية للرحم وتحسين نظام بنوك الدم. ويرى وفدنا أنّه من غير المقبول إطلاقًا محاولة تحويل الموارد المالية والضرورية لهذه التدخلات الفعّالة المنقذة للحياة إلى برامج أوسع لمنع الحمل والإجهاض، والهادفة للحدّ من انجاب حياةٍ جديدة أو تدمير حياة طفل.

وفي الختام، يعبّرُ وفدُ الكرسي الرسولي عن أمله الوطيد بأن تنجح الجماعة الدولية في خفض أمراض ووفيات الأمّهات، من خلال تعزيز تدخلات فعّالة مبنية على قيمٍ عميقة وثابتة وعلى علومٍ طبية تحترمُ قدسية الحياة من لحظة الولادة وحتى الموت الطبيعي، لأنّ "حضور الأمّهات داخل العائلة هو على درجةٍ من الأهمية ليثبّت وينمّي هذه الخلية الأساسية من المجتمع، والتي لابدّ من الاعتراف بها ومساندتها بكلّ الطرق المتاحة" (بندكتس السادس عشر، حديث في لقاء مع الحركات الكاثوليكية من أجل النهوض بالمرأة، لواندا، أنغولا، رعية سان انتوني، 22 مارس 2009).