الأب سمير خليل اليسوعي – زينيت
انطلقت الشرارة الأولى للثورة العربية منذ عام، حين أقدم الشاب التونسي محمد بوعزيزي على إضرام النار في نفسه بسبب سوء أوضاعه الاقتصادية وتعرضه للإذلال على أيدي رجال الشرطة. كان ذلك في 15 ديسمبر؛ ومثل النار في الهشيم، كانت تضحيته شرارة تنقلت بين بلد وآخر مشعلة نار الثورة. وقد تأججت هذه الثورات لأسباب عديدة أبرزها مرور العالم العربي بأوقات عصيبة، وشعور الناس بالأسى وبرغبة في التغيير، فما كانوا يحتاجون إلا إلى شرارة صغيرة لتضرم هذه النار.
امتدت الثورة العربية بشكل متفاوت بين بلد وآخر إذ كان الناس أكثر استعداداً لها في بلدان دون الأخرى. فالشعب التونسي مثلاً كان أكثر قوة ونضجاً بما أنّ النظام السابق كان يسمح بالاحتجاج من وقت إلى آخر. أما في البلدان التي يحكمها نظام ديكتاتوري تماماً كما في ليبيا، كان التدخل الخارجي ضرورياً. ولكن في الحالة السورية، فإنّ الوضع أكثر تعقيداً مع غياب أي معطيات تؤكد إمكانية إيجاد حل للأزمة.
في المقابل، لم يحصل أي تحرك يذكر في بلدان مثل الأردن، ربما لأن الوضع ليس سيئاً كما في بلدان أخرى، فيما لم يحصل أي تحرك على الإطلاق في بعض البلدان حيث التركيبة السكانية متجانسة إلى حد كبير كما هي الحال في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، والتي يعيش سكانها بارتياح، ولكنّهم لا يعرفون شيئاً عن حقوق الإنسان والحرية والمساواة.
العالم العربي واحتياجاته
على أي حال، إنّ الاضطرابات التي شهدها العالم العربي هذا العام ناجمة عن عدم تلبية احتياجات الشعوب العربية. ولعلّ السبب أو الحاجة الأولى والأكثر إلحاحاً هي الفقر الذي يطال شريحة كبيرة من السكان. مع ذلك، لم تكن الثورة من صنيع هذه الشعوب لأنهم يعيشون في ظروف صعبة لدرجة أنّ فكرة الثورة لن تخطر حتى في بالهم. الثورة صنعها لهم آخرون وهم انضموا إليها، كما جرى في مصر التي يعيش 40 في المئة من سكانها دون خط الفقر. فالشاب التونسي الذي أضرم النار في نفسه كان يائساً بسبب الفقر والبطالة.
أما السبب الآخر، فهو مستوى البطالة المرتفع بين الشباب. ففي ثقافتنا العربية، إنّ العجز عن الانطلاق في الحياة هو سبب للمهانة والإذلال. بعبارة أخرى، البطالة تعني عدم القدرة على تأسيس عائلة. في أوروبا، لا يعتبر بلوغ سنّ الثلاثين من دون تأسيس عائلة أمراً كارثياً. أما في بلداننا العربية، يبدأ الناس بالتفكير في تأسيس عائلاتهم في سن العشرين، متأملين في أن يكونوا قد أسسوها مع بلوغهم الخامسة والعشرين. ولكن إن كنت باطلاً عن العمل، يصبح ذلك مستحيلاً. ففي وطننا العربي، على الشاب أن يكون قادراً على شراء منزل فيما يكون على الزوجة تجهيزه بالأثاث. ولكن إذا كانا عاطلَين عن العمل، يعجزان عن الزواج، ويتعرضان بالتالي إلى الإذلال.
والسبب الثالث أخلاقي، ويتمثل بانتقاص الكرامة وحرية التعبير عن الرأي وعدم المساواة، وهو ينطبق على كل من المثقفين والطبقات الوسطى؛ بالإضافة إلى أشكال أخرى من التمييز، والتي ليست بالضرورة ذات خلفيات دينية.
وأخيراً نذكر الشاشة الصغيرة التي تنقل العالم بأسره إلى غرفة المعيشة، فيشعر الناس بأنّهم متخلّفون مقارنة بالآخرين، ويبدأون بالتساؤل عن الأسباب. وفي الوقت عينه، يتناهى إلى مسامعهم أنّ الرئيس والوزير وسواهما هم أصحاب ثروات طائلة. كلّ تلك الأمور تولّد لديهم شعوراً بالظلم يأخذونه على محمل شخصي جداً.
هذه الأسباب مجتمعة ولّدت جوّ الإحباط الذي أدى إلى الانتفاضة.
في البداية، انطلقت الحركة بشكل عفوي، من القاعدة الشعبية. فلم يكن يترأسها قادة حقيقيون، وهو ما نراه جلياً اليوم من خلال النتائج. فمن صنعوا الثورة لم يحصدوا ثمار انتصارهم، بل أفسحوا المجال لآخرين، ممن هم أكثر تنظيماً، لجني ثمار جهودهم. كانت تلك نكسة بالفعل دفعت بالكثيرين إلى القول إنّ ذلك "لم يكن يستحق العناء".
ولكنّي لم أفقد الثقة. فعلى الرغم من أنّ الإسلاميين قد فازوا، إلا أنّ تلك الخطوة كانت ضرورية لأنها نقلت إلى الواجهة أولويات أخرى مختلفة عن أولوياتهم. فلم يكن الدين، بل كانت الكرامة والعمل والحرية والمساواة والديموقراطية الأسباب الحقيقية الذي أدت إلى الثورة التي قادها الشباب.
صحيح أنّ الإسلاميين سيتمكنون الآن من الإمساك بزمام السلطة، ويظهروا أنّ "الإسلام هو الحل" لكل شيء. ولكن سيكون عليهم أن يبرهنوا أنّ نظاماً إسلامياً سيكون الحلّ لمشاكل البطالة والتعليم والمساواة والديموقراطية والمشاكل المالية وسواها.
للمرة الأولى منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، سيمارس الإسلاميون السلطة السياسية. وستكون تلك مناسبة مهمة لمعرفة ما المجالات التي سيتمكنون أو يعجزون فيها عن تقديم حلول ملموسة للمشاكل الحقيقية. كما ستكون فرصة مهمة لمعرفة نوع الشريعة التي سيطبقونها، إن كانت تلك المتبعة في المملكة العربية السعودية حيث تم قطع رأس امرأة بتهمة ممارسة السحر، أم تلك المطبقة في إيران، والتي تستمر في إعاقة التنمية في البلاد، أم إن كنّا سنشهد نسخاً أخرى. من ناحيتنا، إنّ نظرتنا ستعتمد على النتائج.
ولكن من المؤكد أنّ الإسلاميين، وخصوصاً السلفييين، يستغلون الربيع العربي لفرض نسختهم الخاصة من الإسلام. وقد تم تطبيق ذلك في تونس (حين حاولوا فرض النقاب على النساء في جامعة منوبة التي تعتبر أفضل مؤسسة للتعليم العالي في البلاد، وفتح مسجد قرب حرم الجامعة) وكذلك في مصر (حيث هوجم عدد كبير من الكنائس، ودُمّرت الصلبان، وقام جنود بالاعتداء على النساء، ما أدى إلى تظاهرة يوم الثلاثاء الماضي).
كان نصرهم محتّماً. فبعد 60 عاماً من الحكم العسكري، لم تعد الديموقراطية سوى ذكرى متلاشية. مع ذلك، أدلى أكثر من50 في المئة من الناخبين بأصواتهم، وهو بالطبع أمر إيجابي، إذ لم تتعدّ نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات الماضية الـ 5 إلى 7 في المئة. فقد امتنع المصريون عن التصويت لعلمهم أنّ النتيجة محسومة سلفاً. وفي عهد عبد الناصر، فاز الحزب الحاكم بـ 95في المئة من الأصوات في حين لم تتخطّ نسبة الاقتراع الـ 5 في المئة.
أمّا تونس، فهي حالة خاصة. فقد تخطّت نسبة الإقبال على الانتخابات الأخيرة الـ 80 في المئة، وهي نتيجة تبشّر باهتمام الناس بالشؤون السياسية واستعدادهم للمشاركة.
لقد آن الأوان أن يتولى الشباب مسؤولية التنظيم. صحيح أنّ مجتمعاتهم لا بل العالم بأسره قد أخذ الثورة العربية على محمل الجد، ولكنهم بحاجة ملحّة إلى التخطيط وتحقيق الوحدة، وإلا، فسيذهب كل شيء هباء. وخلافاً لتونس، قام الشباب المصري بتأسيس عشرات الأحزاب، ممّا أدى إلى تقسيم الأصوات وفقدان الأفضلية التي كانوا يتمتعون بها.
وفي النتائج، فازت "الكتلة المصرية"، الحزب الليبرالي المفتوح للمسيحيين والمسلمين على حد سواء، والذي أسّسه الميليونير القبطي نجيب ساويرس، بـ 17 في المئة من الأصوات. ليست النسبة مرتفعة، ولكنّها أفضل من لا شيء.
ففي الواقع، تشير هذه النسبة إلى وجود أمل بالمستقبل. من ناحية أخرى، على الحركة أن تحمل على عاتقها مسؤولية نشر الوعي بين المصريين حول ما هو على المحك. فإلى جانب الاقتصاد، على الشعب المصري إيلاء الاهتمام لقطاع التعليم، وتعتبر مصر بالتحديد متخلفة مقارنة ببلدان عربية أخرى إذ يبلغ معدل الأمية فيها 40 في المئة (خصوصاً بين النساء)، ناهيك عن نوعية التعليم الرديئة؛ وهو السبب الذي يدفع المواطنين إلى التصويت وفقاً للانتماء الديني بدلاً من التعويل على التحليل السياسي.
وبرغم الاعتداءات على الكنائس، أدى التضامن المسيحي-المسلم إلى نشوء نوع من الوعي والتحرك في سبيل المساواة التي يستحيل تحقيقها حتى الآن. ولا تزال هذه المساعي وبرغم تواضعها تحمل شيئاص من الإيجابية.
سوريا هي أكثر بلد يدرك فيه الناس خطورة الأوضاع. وحتى وقت ليس ببعيد، بدا نظام الأسد مستقراً جداً. أما الآن، فقد بات الوضع بمنتهى الخطورة والتأزم. وقد أخبرني أسقف حلب موخراً أنه سئم تضارب الأخبار المتداولة خارج البلاد مع تلك التي يتم تناقلها في الداخل السوري.
مع ذلك، تبرز إلى الواجهة معطيات جديدة. فللمرة الأولى، اتخذت الجامعة العربية موقفاً واضحاً تمثّل بتعليق عضوية سوريا في المنظمة والموافقة على فرض عقوبات عليها، بالإضافة إلى إجراءات أخرى.
وبطبيعة الحال، فإنّ موقف الجامعة العربية غامض بعض الشيء. سوريا هي حليفة إيران، الدولة ذات الغالبية الشيعية، فيما أنّ الجامعة العربية هي سنية بالكامل تقريباً. لذا، فقد تكون تهديدات الجامعة العربية لسوريا تتغذى بهذا التعارض أكثر من تغذيها بدافع حب الثورة. في مطلق الأحوال، برهن السوريون خلال الأشهر التسعة الماضية عن استعدادهم إلى بذل حياتهم في سبيل تغيير الأوضاع، وهو واقع جديد بالفعل.
تواجه سوريا مشاكل مختلفة نتيجة المواجهة بين هيكلية سلطة استبدادية وشعب غير مسلح. ويقال إنّ الدول العربية المجاورة توفر الدعم المادي للثوار، ولكن تبقى الحاجة إلى وسيط سوري أو عربي لتفادي الدمار.
وللمرة الأولى، تقف تركيا في صف المدافعين عن الثوار السوريين. قد تكون اتخذت هذا الموقف لأهداف الهيمنة، أو ربما للوفاء بالتزاماتها بصفتها حليفاً للغرب. وربما يكون دافع تركيا الحقيقي الترويج لنفسها كنموذج عن الأمة الإسلامية المعتدلة برغم سجلها الأقل من ممتاز في مجال حقوق الإنسان.
لا يزال مستقبل ليبيا مجهولاً. فبرغم الأفكار الإسلامية التي تتم بلورتها، تواجه ليبيا مشكلة أساسية تتمثل في كيفية التوفيق بين قبائلها المختلفة بحيث تتمكن هذه القبائل من العمل معاً من أجل تنمية البلاد. ولكن بما أن الصناعة لا تزال في مهدها، فليس من المؤكد بعد إن كانت ستتمكن من تحقيق ذلك أم لا.
أما المملكة العربية السعودية، فلم تشهد أي انتفاضة (بما أن الجيش كان يتولى وأدها في مهدها)، ولكنّ الشعب لا يزال يرغب ببعض التغيير.
في المقابل، شهدت بلدان مثل اليمن والبحرين ثورات أدّت إلى تغييرات هامة بحيث لن يبقى أي من البلدين على حاله. والمغرب بدورها شهدت بعض التقلّبات، لا الثورات، وكان الخوف كفيلاً بالشروع ببعض الإصلاحات. وحتى قبل ذلك، كانت المملكة قد عدّلت قانون الأسرة (المدوّنة)، مانحة المرأة مزيداً من الحقوق القانونية.
كلّ ذلك يشير إلى أنّ الناس في العالم العربي يسعون إلى شق طريقهم الخاص.
ماذا عن المسيحيين؟
بشكل عام، يخشى المسيحيون أن يختطف الإسلاميون الثورة منهم. فهم يخيفوننا، وخصوصاً السلفيون. صحيح أنّ الخطر موجود، ولكنّ التعاون مع الآخرين هي السبيل الوحيد للاستفادة من الوضع إلى أقصى حد. يجب ألا نخاف. فبطبيعة الحال، إنّ العمل مع الإسلاميين سيكون صعباً، ولكنّ بعضهم يملك خططاً سياسية ويرغب في التغلّب على التخلف في البلاد. ولكن يجب أن نبقى حذرين وننبّههم لدى تخطيهم حدوداً معينة، أو انتهاكهم لحقوق محددة، إلخ.
في الواقع، إنّ الحوار ممكن وفعّال وإنّما في شؤؤن اجتماعية محددة. آن الأوان لتقديم أحدنا المساعدة للآخر ودعمه، وإظهار بعض التضامن تجاه غير المسيحيين، والعكس بالعكس. حان الوقت للعمل معاً لمكافحة الأمية والفقر والمرض وسواها. وقد سبق للمسيحيين أن أظهروا كرمهم ومهنيتهم تجاه الجميع، مسلمين ومسيحيين، في مجالي التعليم والرعاية الصحية؛ وأظنّ أنّ من الممكن العمل مع معظم الناس.
وفي الوقت عينه، يجب أن ندافع عن مبادئ العدالة والحرية وحرية الضمير وحرية المعتقد الديني والإعلان عنه. بهذه الطريقة، يمكننا تطبيق مبدأ المساواة. أما المسلمون المصريون، فيتحدثون عن "الدين الأفضل"، الفكرة التي تجد سبيلاً للتطبيق في المجال القانوني. وبالطبع، يعنون بكلمة "الأفضل" الإسلام. بالنسبة إلينا، هذا غير مقبول.
وتبرز أنواع أخرى من التمييز (الرجل مقابل المرأة والغني مقابل الفقير)، والتي يجب أن نعمل على مكافحتها جميعها لأنها تتعارض مع روحية الإنجيل.
شخصياً، لست خائفاً من نظام حكم إسلامي. ولكن ما يقلقني هو التعصب، إذ يعارض عدد كبير من المسلمين السلفيين الذين يهدفون إلى فرض رؤيتهم التعصبية للإسلام (وخصوصاً في ما يتعلق بالنساء). وكمسيحيين، يجب ألا ننغلق على أنفسنا، بل علينا أن نضم جهودنا إلى جهود من يكافحون في سبيل تحقيق مجتمع يحترم حقوق الإنسان
يدفع الخوف من المستقبل بالمسيحيين إلى تفضيل الأنظمة السياسية القائمة والديكتاتورية بطبيعتها، وهذا إثم بالفعل. فإذا كانت الحكومة تشارك في أعمال العنف، علينا نحن المسيحيين أن نعلن رفضنا للعنف مهما كان مصدره، سواء اكانت المعارضة أم المواطنين العاديين أم الجيش.
من واجبنا أيضاً أن نعبّر عن دعمنا للحرية، ولكن ليس للحرية المفرطة التي تجلب الخراب إلى الغرب. بل يجب أن ننادي بالمساواة والعدالة للمسلمين والمسيحيين، رجالاً ونساء. فقد آن الأوان للمسيحيين أن يشاركوا في التبشير الثقافي البعيد كلّ البعد عن الدفع إلى تغيير العقيدة.
وللأسف، إنّ الخوف من الأسلمة يدفع بالمسيحيين إلى دهاليز الماضي. فمعظم هؤلاء لا يرغب بالانخراط في السياسة، بل جلذ ما يريده هو العيش بسلام. ولكن كمسيحي، من حقي وواجبي أن أكون ناشطاً على المستوى السياسي.
وانطلاقاً من هذه الخلفية، نفهم موقف أساقفة سوريا الذين يفضّلون المعلوم على المجهول. ولكنّ الخيار ليس بين الخير والشرّ، بل بين شرَّين… والاختيار سيكون لأقلّهما شرّاً. مع ذلك، إننا نعتمد طريقة التعبير عما يعنينا.
وأخيراً، الغرب
لقد اعتمد الغرب سياسة دعم الطغاة ثمّ إسقاطهم؛ وهو الآن يتّخذ موقف المتردد. وقد تعرض الغرب لانتقاد شديد في البلدان العربية بسبب تعويله على بلدان مثل المملكة العربية السعودية والتي تعتبر أسسها الأيدولوجية مصدراً غير مباشر للإرهاب. فالولايات المتحدة المنادية بالحرية وحقوق الإنسان تعتمد سياسة التكتّم حين يتعلّق الأمر بالسعوديين.
وفي ما يتعلق بليبيا، يعتقد العرب أنّ الغرب كان مهتماً بالنفط الليبي أكثر من اهتمامه بتحرير ليبيا. فقد تورّط الغرب في ليبيا دون سواها ( كما فعل ضد صدام حسين والعراق. أما في سوريا، فتعتمد الدول العربية سياسة الحذر نظراً إلى الدور الجيوسياسي الذي تلعبه سوريا… إنّ موقف الغرب في ما يتعلق بسوريا غير موحّد كما أنّه لا يعتمد على أي مبادئ أو قيم.
لست بحالمٍ، ولكنّي أظن أن كل بلد سوف يتبع مصالحه الخاصة أولاً. ولكن بما أنّ العالم العربي يواكب الربيع العربي، كان من الأفضل التوصل إلى سبل دعم (أو عدم دعم) هذه التحركات.
أما السياسة تجاه إسرائيل والتي تعتبر أحد الأسباب الرئيسية للأزمة في الشرق الأوسط، فهي تشكّل مصدر خوف كبير بالنسبة إلى العرب خصوصاً بعد أن شهدوا الالتفاف الذي قام به باراك أوباما في يوم واحد، حين أعلن أولاً دعمه لحلّ قيام دولتين، ثمّ غيّر موقفه خلال زيارة نتنياهو.
وينطبق الأمر نفسه على خطاب القاهرة، والذي غزا العالم العربي في بداية الأمر قبل أن يفقد مصداقيته لاحقاً، حين تبيّن أنّ السياسات التي يعتمدها لن تختلف كثيراً عن سياسة بوش. والآن، ستبقى مصداقيته متدنية إلى الأبد.
والأمر سيّان بالنسبة إلى أوروبا التي تفقد تدريجياً هويّتيها الدينية والثقافية. فأوروبا العاجزة عن التعامل مع ماضيها الاستعماري تحاول اليوم الاختباء خلف ضمير مثقل بدلاً من أن تسلّط الضوء على القيمة التي حملها الاستعمار في مجال الحوار ما بين الثقافات.
في أوروبا، يتحول الناس شيئاً فشيئاً عن الدين المحلي (عادة المسيحية). وقد باتت العلاقة بين الأوروبيين وسائر ديانات العالم ملتبسة. من جهة أخرى، تبرز بعض الحكومات التي تبدو في بعض الأحيان وكأنها تمنح الأفضلية للديانات المستوردة في حين تخنق الديانات المحلية. فعلى سبيل المثال، إذا قامت فرنسا بنكران هويتها الكاثوليكية التاريخية، فإنها ستعجز عن التعاطي مع الديانات الأخرى. وبحكم الأمر الواقع، تطوّر نوع من الانفصام بدء بعلمنة الاحتفالات المسيحية ليصل إلى الاعتراف بالديانات غير المسيحية.
لذا، يمكن للثورة أيضاً أن تساعد عدداً من الشباب الغربيين في العودة إلى رشدهم. ففي مصر وسوريا، خاطر البعض بحياتهم في سبيل نموذج مثالي وحياة كريمة، في سبيل شعب بأكمله. والسؤال الذي يطرح نفسه: كم شخصاً في إيطاليا أو أوروبا قد يكون مستعداً للقيام بذلك؟.
* * *
جميع الحقوق محفوظة لوكالة "آسيانيوز"
نقلته من الإنكليزية إلى العربية كريستل روحانا – وكالة زينيت العالمية