ضالون …. ووجدوا

 

للاخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس

       تعيش بلادنا منذ 25 يناير 2011  في جو من الفوضي .. والانفلات الأمني … مما أدي إلي الكثير من المشكلات … وأريد أن  أذكر احداها وهو خطف بناتنا وابناؤنا.   منهم من يرجع  وبالتالي يكون سبب فرح كبير لاسرته وأصدقائه ، ومنهم من لا نعرف عنهم شيئا ولا أين هم موجودين ، وبالتالي نتألم كثيرا من أجلهم  ولا  نستطيع أن نتخيل مدي الحزن والالم الذي تعيشه اسر هؤلاء الشباب والشابات  إلي يومنا هذا .

"ضال .. ووجد "  كلمتان قويتان تستحوذان علي القلب .. واحدة منهما بالعذاب والخوف واليأس ، والآخري بالفرح والراحة والطمأنينة . ولو نظرنا من حولنا نجد أن هناك فئتان من الناس هما

" ضالون .. ووجدوا "

وكل منا ينتمي  إلي أحدي هاتين الفئتين ، فأما أن يكون الشخص من الضالين ، أو واحدا من اللذين وجُدوا . أن تكون ضالا أو تائها ، يعني إنك منفصل عن الله ، وأنك تتجول في حياتك من مكان لآخر دون أن تشعر بوجود الله ، فالكثير من الناس في عالمنا اليوم فقدوا إحساسهم بوجود الله ، وذلك بسبب إنهماكهم بالمشاغل الحياتية الكثيرة التي أصبحت مركز حياتهم. لذلك فقدوا معني العلاقة مع الله. لقد فقدوا الهوية التي أرادها الله لهم منذ الخليقة ، هوية أبن الله المخلوق علي صورته. فعاشوا حالة من التمرد الروحي جريا وراء أشياء ومغريات متعددة.

       لقد جاء يسوع ليأتي بالضالين إلي الله. ولكم تعرض يسوع للأنتقاد من الذين يٌدعون البر الذاتي والمتدينين في عصره ، عندما كان يتعامل مع الضالين برفق وحنان ، بالغفران والمحبة ، وبالرغم من الانتقاد أقترب الضالون من يسوع ، لأنهم كانوا يرغبون في أن يوجًدوا ، ويسوع بدوره لم يكتفي بأن يقبلهم عندما يأتون اليه ، بل  كان يسعي بحماس للبحث عنهم. وفي إنجيل ( لوقا 15 ) يحكي لنا يسوع ثلاث أمثال عن الضال الذي وجُد ، وحدد في هذه الأمثال الثلاثة المبادئ الكبري التي ينبغي أن يتبعها الشخص  لكي يوجد ، وهذه المبادئ تصلح لعصرنا تماما كما كانت صالحة في أيام يسوع  وهي :

1-  الله يريدك أن توجًد 

      يذكر لنا يسوع قصة راع أضاع خروفاً من خرافة المئة  " أي إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحدا منها الا يترك التسعة والتسعين في البرية ، ويذهب لأجل الضال حتي يجده ؟ (لو4:15 ). وعندما يجد الراعي خروفه الضال يفرح فرحاً عظيما " . ويذكر يسوع أيضا قصة إمرأة فقدت درهما واحداً من الدراهم العشرة من الفضة التي كانت لها، فكنست البيت وفتشت بأجتهاد حتي وجدته وعندما وجدت الدرهم الذي أضاعته فرحت فرحاً  عظيماً.  وأنهي يسوع حديثه بنفس الطريقة بقوله : " أقول لكم هكذا يكون الفرح  في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من الفرح بتسعة وتسعين من الابرار لا يحتاجون الي التوبة"   ( لوقا 15: 7) .

   رغبة الله لأجلك هي أن  توجد ، يريد أن تكون لك شركة معه ، إنه يحبك حبا غير مشروط ، وغير محدود .. فهو يبحث عنك بأستمرار ، ويشتاق أن تتجه اليه،  وأن تقبل محبته التي يقدمها اليك .

والسؤال عزيزي القاري : ما الفرق بيني وبين الخروف الذي أنحرف عن المسار الصحيح ، حتي وجد نفسه تائها بين الأدغال وأصبح فريسة سهلة للوحوش الضارية المفترسة ؟  إن لم تكن منصتاً لصوت الراعي ، وقريبا منه ، بحيث يقودك إلي المراعي الخضر وإلي مياه الراحة ، فأن لم تكن معتمدا عليه كلية كي يعتني بك ويحميك ، ويقودك ، ويدعوك بأسمك .. فأنت لست مختلفا عن الخروف الذي قرر أن يعمل ما يشاء ، وأن يسلك في الطريق الذي أختاره لنفسه، وأن يتبع هويته الخاصة ، إلي أن يجد نفسه بعيدا عن الراعي ، تائها في عبث الضلال والضياع.

      الأمر بكل بساطة هو : إن لم تكن متجها نحو الله لقبول حبه ورحمته ، فمعني هذا إنك متجه بعيدا عنه ، ولا فرق بينك وبين الخروف الضال . إن لم تحيا لله ، وتوطد علاقتك معه فأنت ضال ، سواء كنت تعترف بذلك أم لا . خذ قرارك واتجه الان نحو يسوع المسيح ، فهو يبحث عنك  بصفة شخصية ، لانك عزيزا جداً في عينيه .

 قال احد الاباء :

 " في تجسده جاء ساعيا وراء الخروف الضال ، وفي حياته أستمر يفعل ذلك ، وبموته وضعه علي كتفه ، وبقيامته حمله في طريقه ، وبصعوده أعاده إلي البيت فرحا ".

2-  الله يطلب فقط أن تقبل ما يقدمه

      دورك أن تقبل ما يقدمه الله لك منه كهبة ، وهو حقيقة أن الله يحبك ، ويقدم لنا مثل الابن الضال رسالة قوية عن محبة الاب لنا . ويقول لنا القديس يوحنا " هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الابدية " ( يو 3: 16) .

      فلو تأملنا طبيعة محبة الاب في المثل الذي رواه يسوع عن الابن الذي رفض محبة ابيه  نجد ان :  الاب أعطي ابنه ما طلبه منه من الميراث ، أعطاه حرية الاختيار في أن تكون له شركة معه ، ولم يطالبه بها .  ولكن مع ذلك كان الأب يترقب عودة أبنه " إذ كان لم يزل بعيداً عنه ، وعند عودة الابن ركض الاب نحوه وقبله " ، وأستقبله بأحضان مفتوحة وحب غير محدود ، وهي صورة رائعة نراها في ذراعي يسوع المسيح الممدوتين علي الصليب لتعبر لنا عن أستقبال الآب بأحضان مفتوحة ، فمحبته لنا ممدودة الينا دائما. ففي محبته اللانهائية  أرسل أبنه لكي يكون الذبيحة الكاملة ، اللازمة لتحريرنا من قبضة الخطيئة . وفي محبته لنا يسكن الروح القدس فينا حتي نحيا أحرارا من عبودية الخطيئة.

     وأنـــت هل تقبل حقيقة  أن الله يرغب في أن تكون في شركة معه ، في أن يغفر لك ويجددك ويستعيدك تماما لأنك أحد ابنائه المحبوبين ؟

3-   الله يجدد ويُحي ما نسلمه له فقط بأختيارنا

   عند رجوعنا إلي الله ، ودخولنا في علاقة جديدة معه ، فأننا نأتي إليه حاملين بعض حقائب حياتنا القديمة ، حقائب في صورة عادات واتجاهات ووجهات نظر… ولكي يجدد الله حياتنا من كل ذلك ، علينا أن نواجه حاجاتنا ونحدد ماذا نريد منه. لأنه لا يفعل أي شئ بدون تعاوننا  وتضامننا . يقول لنا الكتاب المقدس أن يسوع عندما التقى بالشحاذ الاعمى الذي كان أسمه برتيماوس ، سأله قائلاً : " ماذا تريد أن أفعل بك " ( مرقس 1: 51).

     بكل تأكيد أن يسوع رأى أن بارتيماوس كان أعمى ، وإنه كان شحاذا يستعطى ، ومع ذلك سأله هذا السؤال ، لأنه اراد أن برتيماوس يواجه حاجته،  ويحدد ماذا كان يريده حقا من يسوع .  كثيرا ما يطلب الرب منا نفس الشئ : " ماذا تريدني أن أفعل لك ؟"

وهذا السؤال موجه لكل منا اليوم … موجه لك شخصيا ، فلا تتعجل الاجابة عنه ، بل أفحص قلبك وفكر جيدا فيما تريد أن يفعله لك الله اليوم .

أولا :  أسأل نفسك " ما هو الشئ الذي فقدته ؟ وماذا أريد أن يعيد الله لي ؟ " . المرأة فقدت الدرهم ، ولم تجده بطريقة معجزية ، لكنها أوقدت سراجاً وكنست بيتها وفتشت بإجتهاد عما فقدته .

        هل فقدت سلامك ؟

        هل فقدت الطريق الصحيح ؟

        هل فقدت فرحك ، هل فقدت المحبة في بيتك ؟  أو محبتك لشريك حياتك ؟

ثانياً :  أطلب من الرب أن يساعدك على أن تتحرر من كل شئ يعطلك عن قبول ما فقدته ، واطلب منه أن يساعدك على إزالة المعطلات التي تجعلك متمركزا حول ذاتك . وسينير الرب طريقك من خلال كلمته وتطبيقها على ظروفك الشخصية ، ومواقفك ، وعلاقاتك ، سيحدث هذا وانت تسمع كلمة الله عندما تقدم لك في الوعظ ، وفي قراءة الكتاب المقدس ، وعندما تصلي مع أخوتك المؤمنين وتتلقى منهم المشورة الحكيمة .

     سيحدث هذا عندما تبدأ في طاعة  وصايا الله ، وفي أن تحيا الحياة التي يضعها الله امامك . وعندما تثق في كلمته وتطيعها يوم بعد يوم ، هنا سيحررك الرب من كل المعطلات ، وسيسمح غفران الله لك أن تجد السلام ، والفرح ، والآمان والحب .

     وأخيرا عزيزي القارئ : هل تختار أن تكون قد وجدت اليوم ؟ إذا اردت أن تختبر فرح أن " توجد " ، فليس امامك إلا أن تعود إلى حضن ابيك السماوي ، فهو ينتظرك دائما ويشتاق إلي أن تكون في شركة معه .  وفي وسعك أن تختار أن تكون ضالا ، أو أن تختار أن توجد …………  الخيار هو خيارك أنت وليس شخص آخر ………   فما هو الخيار الذي تتخذه ؟

 ( بتصرف عن الانجليزية )