حوار مع الانبا كيرلس وليم المعاون البطريركي ومطران أسيوط

(نحتاج دولة حديثة لا يكون فيها الدين نصاً رقيباً بل قيمة قلبية تدفع إلى البناء والتعمير)

 

– 13 فبراير 2012

فيما تعلو أصوات التطرف باللعنات على الجميع، وبينما تستأسد على الساحة وجوه متجهمة الملامح، يبدو صوت الكنيسة المصرية الكاثوليكية هادئ النبرة عميق الإحساس. الانبا كيرلس وليم مطران اسيوط للأقباط الكاثوليك واحد من هذه الاصوات الهادئة التي تستقرئ الواقع برؤية موضوعية وتحلم بمستقبل أفضل للكنيسة والوطن في رجاء لا يخيب بأن الله سيد التاريخ. حول رؤيته للواقع المصري وتطلعاته للمستقبل، وعن أعماله وأمنياته كان لنا هذا الحوار الثرى.

 

* سيادة المطران.. في البداية دعنا نقدم للقراء أهم الملامح المميزة لإيبارشية أسيوط ؟ 

– تحظى ايبارشية اسيوط بعدد من العوامل التي تميزها ولعل ابرز هذه العوامل موقعها الجغرافي المتوسط بين ايبارشيات الصعيد اذ يحدها من الشمال ايبارشيتي المنيا والجيزة ومن الجنوب إيبارشيتي سوهاج والأقصر مما يساعد على التواصل مع كافة الايبارشيات بالمنطقة. كذلك تعد ايبارشية اسيوط ثاني ايبارشية من ناحية عدد المؤمنين بعد الايبارشية البطريركية وربما يعود ذلك إلى كثافة التواجد المسيحي في اسيوط حيث يوجد بالإيبارشية 38 رعية قبطية كاثوليكية و 16 بيت للراهبات وتتميز الايبارشية ايضاً باحتضانها لمزار ودير السيدة العذراء بدرنكه حيث يتقاطر إليه المؤمنون طوال العام وبالأخص في شهر أغسطس وذلك بالإضافة إلى مزار ودير الآباء الفرنسيسكان بأسيوط وهو من أعرق المؤسسات الكاثوليكية بصعيد مصر. كذلك لا ننسى أن بأسيوط جامعة عريقة تجتذب إليها الطلاب من كل مكان مما يضع على اكتافنا رسالة الاهتمام بالطلبة المغتربين ورعايتهم كما ان بالإيبارشية مدارس كاثوليكية تهتم بالتعليم من الروضة إلى المرحلة الثانوية. واخيراً تتسم ايبارشية اسيوط بتنوع الدعوات الكهنوتية والرهبانية اذ يخدم بالإيبارشية 57 كاهن و6 رهبان و 60 راهبة بالإضافة إلى عدد من الأباء الكهنة يخدمون خارج الايبارشية.

* شهدت الايبارشية نشاطاً ملحوظاً خلال فترة تساعية الصلاة من اجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية.. حدثنا عن ذلك ؟

– الاهتمام بالدعوات الكهنوتية والرهبانية من أولوياتي الرعوية ربما يعود ذلك إلى عملي بالاكليريكية في أغلب مراحل حياتي الكهنوتية، كذلك من خلال زياراتي إلى الدول الاوربية ومعاينة مدى الصعوبة من نقص الدعوات هناك. لذا كونا منذ فترة طويلة في الايبارشية لجنة متخصصة للدعوات تضم ممثلين عن الكهنة والرهبان والراهبات واثنين من الشباب بغرض تنشيط الدعوات بين أبناء الايبارشية من خلال الصلاة وعقد لقاءات مع الشباب لمساعدتهم على الاصغاء والاكتشاف لرسالتهم سواء في حياة التكريس أو العمل العلماني. وانا سعيد جداً بانضمام كثير من ابناء الايبارشية إلى رهبانيات متنوعة والايبارشية كذلك تفتح أبوابها لكل الجماعات الرهبانية للخدمة على أرضها في العمل الرعوى ونتطلع قريباً أن يكون بالإيبارشية رهبنة تهتم بالإشعاع الروحي ومن ثم المرافقة والإرشاد لمساعدة الشباب والاسر في نموهم الروحي.

* كيف تقرأ رسالة الكاهن في العصر الحاضر، وماذا عن علاقة نيافتكم بكهنة الايبارشية ؟

– أصلى يومياً من أجل تقديس الكهنة واعتقد ان العالم يحتاج إلى الكاهن القدوة الذى ترى الناس أعماله أكثر مما تستمع إلى كلماته. نحتاج إلى الكاهن الشاهد بحياته وخدمته بين أبنائه، كذلك الكاهن شريك للأسقف في العمل والرسالة فجميعنا شركاء في كهنوت سيدنا يسوع المسيح. وعن علاقتي بكهنة الايبارشية فأنا اسعى دائماً لأن أعيش المحبة والأخوة مع كل الكهنة أتواصل معهم واستمع إليهم ونحرص على تكوين الكهنة الدائم من خلال اللقاءات الشهرية والندوات التكوينية السنوية حتى ينعكس ذلك بالخير على نشاطهم وخدمتهم بالكنائس الموكلين برعايتها.

* ماذا تعنى المعارضة بالنسبة لنيافتكم وكيف تتعامل معها ان وجدت ؟

– دعنا نعترف في البداية أن الاختلاف أمر وارد ومقبول، فقد يكون لكاهن وجهة نظره الخاصة في موضوع ما تختلف مع رأى الاسقف أهلاً وسهلاً بهذا الاختلاف نستمع إليه ونتحاور معه واذا لم يجد لدينا الجواب الكافي فلا مانع أن يتجه إلى القيادة الكنسية العليا من خلال الطرق المشروعة، فأمورنا واضحة وليس لدينا ما نخفيه لأننا نحتكم جميعاً إلى القانون الكنسي. وبالمناسبة أنا لا ازعل ممن ينتقدني أو يعارضني من الكهنة أو حتى من اخوتنا العلمانيين بل اصلى من أجله أكثر، لأن المحبة خط أحمر يجب علينا ألا نتجاوزه أبداً.

*كيف تقرأ التواصل بين المؤمنين والسلطة الكنسية، وماذا عن المجلس الرعوى العام للكنيسة الكاثوليكية بمصر ؟

– التواصل بين الاكليروس والعلمانيين لا بديل عنه لأننا أعضاء في جسد واحد رأسه سيدنا يسوع المسيح كما ان التواصل يتيح لنا أن نكمل بعضنا بعضاً ونتلافى الكثير من الاخطاء بل ونحل المشكلات ايضاً. والمجالس الرعوية إحدى اليات التواصل الهامة، لكن يبدو أن طبيعة عملها غير واضحة حتى الآن فقد كان هناك المجلس الرعوى العام وتم اختيار اعضائه بالتعيين وعقد المجلس عدد من الاجتماعات ثم توقف ربما لأنه لم يقم بدوره في خدمة الكنيسة كلها ربما هناك اسباب اخرى لا اعلم التفاصيل جيداً، لكن جاءت الفكرة أن نبدأ من القاعدة بتكوين مجالس رعوية في الكنائس ثم مجلس رعوى ايبارشي وصولاً إلى مجلس رعوى عام للكنيسة. واعتقد ان هذه المسيرة تتطلب اعداد كوادر مؤهلة للقيام بهذا العمل كما انها تحتاج إلى وقت كافي.

* أطلقت مبادرة " رجاء جديدة للكنيسة الكاثوليكية بمصر " منذ أكثر من ثلاث اعوام، إلى اين وصلت هذه المسيرة ؟

– تولد احساس عام بأن الكنيسة الكاثوليكية في مصر فقدت جزء من بريقها الاجتماعي، لذلك تبنى غبطة أبينا البطريرك الانبا انطونيوس نجيب رؤية ترتيب البيت من الداخل في محاولة جادة للانطلاقة نحو غد افضل. ولقد بحثنا الموضوع على مستوى هيئة البطاركة والاساقفة الكاثوليك تحت عنوان ( نحو رجاء جديد في الكنيسة الكاثوليكية ) وقد كلفت من قبل الاباء الاساقفة بهذا العمل وبدأنا بالكاهن ودراسة أحوال الكهنة وتحليل الواقع الرعوى كما استمعنا إلى العديد من التوصيات والاقتراحات ثم جاءت دعوة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى سينودس الشرق الأوسط العام الماضي واهمية الحضور المسيحي في الشرق الذى تناول ذات القضية ومن ثم ركزنا الاهتمام على أهمية الحضور المسيحي في الشرق الشهادة والرسالة ويعكف حالياً مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك بمصر على دراسة كيفية تفعيل أعمال السينودس على مستوى كافة الايبارشيات الكاثوليكية.

* بصفتكم رئيس اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة.. كيف تقرأ أحوال الأسرة المصرية ؟

– تعرضت الأسرة المصرية خلال السنوات الأخيرة للكثير من الظروف الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية التي افرزت الكثير من المشكلات. هذه المتغيرات فرضت على الكنيسة حملا ثقيلا في مرافقة الأسر والعبور بها إلى الرجاء. لذلك نهتم كثيراً بإعداد المقبلين على الزواج كذلك ندرس احوال الاسر الحديثة الزواج ونعترف اننا في حاجة إلى المتخصصين. ويوجد بالإيبارشية حالياً مكتب متخصص يقوم بهذا الشأن كما اننا بحاجة لمزيد من الأعمال الخلاقة التي تحتاج إلى تكاتف الكهنة والراهبات والعلمانيين المكونين للتعاون في خدمة رسالة العائلة.

* يشهد المجتمع المصري تغيرات سياسية كبيرة منذ ثورة 25 يناير مطلع هذا العام، كيف تقيم ملامح المرحلة السياسية الراهنة ؟

– لا شك اننا نجتاز مرحلة انتقالية تبدو غير واضحة المعالم، لكن كلنا أمل وثقة في ان الله يقودنا إلى ما هو أفضل لأن الله سيد التاريخ، لكن علينا أن نكون ايجابيين في بناء المستقبل. وكم نسعد عندما نستمع إلى الاصوات المستنيرة في المجتمع التي تدعو إلى التضامن والمشاركة وعدم استئثار أي فصيل سياسي بالعمل العام لذا علينا أن نقبل بعضنا بعض كما نحن كما ان علينا ان نحترم الاختلاف ونغلب المصلحة الوطنية لبلادنا فوق أي انتماء ديني أو حزبي.

* لماذا اعطيتم اهتماماً خاصاً للجنة المصرية للعدالة والسلام في الآونة الأخيرة ؟

– اللجنة المصرية للعدالة والسلام ليست حديثة بل هي موجودة في الكنيسة من عام 1969 بهدف ايقاظ الضمير الاجتماعي ازاء الاحداث السياسية وحث كل انسان على اقرار العدل والسلام. وبطبيعة الحال مع مناخ الثورة وتسارع الاحداث في الشارع المصري سعت الكنيسة إلى الإعلان عن تعليمها الاجتماعي ورؤيتها الوطنية من خلال لجنة العدالة والسلام حتى تكون صوت من ليس له صوت. كما رأينا احتياج عام لتوعية الشباب بما يحدث واهمية المشاركة الإيجابية في صناعة الأحداث وقد بدأت اللجنة في الايبارشية بعقد ندوات ثقافية للتوعية شارك فيها كوكبة من السياسيين والكتاب والاعلاميين وفتحنا باب الحضور أمام جميع أبناء اسيوط بهدف التنوير والقراءة الواقعية لهذه المرحلة التاريخية من عمر مصر. كذلك قام اعضاء اللجنة بعمل لقاءات توعية انتخابية بمختلف كنائس الايبارشية بهدف تحفيز ابناء الكنيسة على المشاركة الفعالة في العملية الانتخابية.

*لكم مبادرة رائدة في دعوة تيار الاسلام السياسي إلى الحوار والتلاقي، كيف ترى أهمية الحوار مع تيار الاسلام السياسي في المرحلة الراهنة ؟

– الحوار لا غنى عنه والتلاقي لا بديل له لان التعايش هو الحل فمصر بلدنا ولن نتركه لأى سبب كان. كذلك فالحوار يكسر حاجز الخوف من بعضنا بعض بل ينشئ علاقة مودة ومحبة تقود إلى التفاهم واتمنى أن يسود الحوار كل مكان في مصر خاصة بين رجال الدين من الكهنة والشيوخ لما لهم من تأثير عميق في تعزيز النسيج الوطني ودعم السلام الاجتماعي. ولى أن أدلل على أقوالي هذه بكثير من الوقائع بل والتحديات التي حدثت مؤخراً بسبب مواقف بعض المتشددين هنا بأسيوط أثناء قيامنا بأعمال الترميم والبناء في بعض كنائس الايبارشية وكان الحوار والعلاقات الطيبة هما السبيل الآمن في الوصول إلى الحلول واستكمال العمل.

* لا تشعر بالقلق حال وصول تيار الاسلام السياسي إلى سلطة البرلمان وربما تشكيل الحكومة ؟

– علينا أن نعرف أن خطاب الدعوة الدينية شيء والمسئولية السياسية شيء أخر، نعم هناك صعود لأصحاب الاسلام السياسي في البرلمان وربما يقودهم ذلك إلى تولى السلطة التنفيذية لكن في تقديري أن حال وصول تيار الاسلام السياسي إلى السلطة سيقدم خطاباً مقبولاً في المجتمع حتى يكتب له النجاح في طرح رؤيته الاصلاحية في النهوض بالوطن. واعتقد ان على الحكومة المقبلة بعد الانتخابات أي ان كان لونها السياسي عليها ان تهتم بالخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية حتى يشعر المواطن البسيط بأولى ثمار الثورة والسير على طريق العدالة الاجتماعية.

* الكنيسة والانتخابات، اين نقاط التلاقي وخطوط الانفصال في رايكم ؟

– الكنيسة مؤسسة دورها الأساسي روحي لكن من واجبها توعية أبنائها بعلامات الأزمنة ومن ثم تحفيزهم على المشاركة الايجابية في صناعة الأحداث التاريخية. وفى شأن الانتخابات حرصنا على تشجيع أبناء الكنيسة على المشاركة وابداء الرأي دون توجيه لتيار معين أو شخص بعينه لقناعتنا بحرية كل إنسان في اختياراته بضمير واعى وارادة حره لأن دورنا التنوير لا التعبئة.

* في أعقاب الحديث عن قانون بناء الكنائس كان للكنيسة المصرية الكاثوليكية عدة ملاحظات على القانون، ماذا عن هذه القضية ؟

– نعم تقدمت الكنيسة الكاثوليكية بعدة ملاحظات على قانون بناء الكنائس من خلال المشاركة في اجتماعات بيت العائلة برعاية الازهر الشريف ويمثل كنيستنا الكاثوليكية في هذا العمل نيافة الانبا يوحنا قلته المعاون البطريركي واعتقد أن الغرض من التعديلات المطلوبة هو الدقة في التعبير وتحديد الاختصاصات عند التنفيذ. وبصفة اجمالية فإن صدور هذه القانون سينهى الكثير من المشكلات أثناء عملية بناء الكنائس أو ترميمها. واعتقد أنه بجانب تفعيل القانون عقب صدوره نحتاج إلى تدعيم ثقافة الحوار وقبول الاختلاف حتى نقضى على مظاهر التعصب والكراهية التي تنفجر في مثل هذه المواقف تحديداً.

* ماذا يعنى مفهوم الدولة المدينة لديكم ؟

– هي دولة القانون التي تحترم الحريات الشخصية للمواطنين وتنمى قدرات أبنائها وإبداعاتهم كذلك تفسح الدولة المدنية المجال إلى الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير كما تسعى إلى استثمار طاقات ابنائها دون التفتيش في الضمائر أو العقائد والدولة المدنية كذلك تنظم العلاقة بين الدين والسياسة حتى لا يكون الدين نصاً رقيباً بل قيمة قلبية تدفع إلى البناء والتعمير على طريق الحداثة.

* المواطنة هي المادة الأولى في الإعلان الدستوري… كيف ترى آلية تفعيل مبدأ المواطنة في المجتمع ؟

– المواطنة في تقديري تعني تكافؤ الفرص فأنا لا يهمني دين المسئول أو معتقد الشخص المسئول بقدر عدالته وإخلاصه للوطن ومصالح المواطنين. لا يهمني أن يكون المسئول مسيحيا أم مسلما إنما المهم أن يكون كفء يراعى ضميره ويخدم الجميع. المواطنة كذلك أن يشعر كل فرد بالتقدير والاحترام وان الحوار هو الاسلوب الفعال في الوصول الى السلام الاجتماعي لذلك فإن رسالة التوعية التي تقع على عاتق المسجد والكنيسة هامة جداً في غرس المعنى الحقيقي للمواطنة. واعتقد ان الخطاب الديني للكنيسة الكاثوليكية في مصر يؤكد ذلك، كما ان الكنيسة الكاثوليكية تقوم بدور رائد في تحقيق المواطنة المعاشة من خلال مؤسساتها التعليمية والصحية والتنموية التي تقدم الخدمة لجموع المصريين دون تمييز.

* في رأيكم كيف تنظر الكنيسة الجامعة إلى ثورات الربيع العربي ؟

– الكنيسة دائماً تشجع دعم حرية الإنسان والحفاظ على كرامته من أجل الخير العام بل تندد الكنيسة عبر تعاليمها الاجتماعي بالعنف والظلم وغياب العدل. وقد رحبت الكنيسة بثورة الشباب في مصر وكيف جاءت الثورة سلمية وحضارية وضرب الشباب المثل في القدرة على الحلم والتغيير ونتمنى أن تكتمل مسيرة الثورة بهذه الروح الخلاقة في تعزيز الحرية وتوفير حياة كريمة للمواطنين حتى يشعر الجميع بثمار الثورة.

* في ختام هذا الحوار ماذا يتمنى الانبا كيرلس وليم في المستقبل ؟

– أتمنى أن يقوم كل إنسان بواجبه بأمانة وإخلاص لأننا بحق في مرحلة تحتاج مضاعفة الجهد والتكاتف وصولاً إلى الاستقرار والتنمية وكلنا رجاء في العناية الإلهية وعطاء ذوى الإرادة الصالحة من أبناء مصر للعبور إلى حياة افضل.

 

  أجرى الحوار :

ناجح سمعـان – المراسل الصحفي لإيبارشية اسيوط