هل تحبُّ المسيحيين؟

فاطمة ناعوت
الثلاثاء، 13 مارس 2012 – 16:21

أخى المسلم السَّوىّ، شكرًا لسوائك ومحبتك الناسَ، لأنك تنفّذُ مشيئة الله، وتُسْهمُ فى استقرار المجتمع وبنائه. المقالُ ليس لك. فاكتفِ بما قرأتْ، واغتنمْ بقية يومك فيما يُرضى الله ويُطوّر الحياة، بارك اللهُ دينَك ودنياك، وجازاك عنّا وعن مصر من الجزاء أحسنَه. أخى المسلم المتعصّب هذا المقالُ لك، وأشكرك إن منحته دقائقَ من يومك المشحون بالتعب.
سأل الإعلامىُّ معتز الدمرداش الشيخَ حسّان سؤالا مباشرًا: «هل تحب المسيحيين؟» وكان كلامٌ كثيرٌ ليس من بينه: نعم، صريحةً، أو: لا، صريحةً! تهويماتٌ من قبيل: «لن أقول ما ينكأ الجراح!» ولستُ أعرف عن أى جراح يتكلم! وما ضرّه لو قال: «نعم أحبهم!»؛ فتبرأ نفوسٌ وتوأدُ فتنٌ؟! ولكن، «لا» الموجعةَ، خرجت، وإنْ مستترةً. ولا عجبَ، وقد صرّح بها من قبل الشيخ «ياسر برهامى» مُعلنًا «بُغضه» المسيحيين! نجّانا اللهُ من البغضاء، الكبيرة عند الله، آمرِنا بالرحمة والمحبة والتآخى.
وأسألُ الشيخ الكريم: لماذا يبغض شعبًا لم يتعلّم إلا المحبة بأمر كتابهم؟ فيمنحونها حتى لأعدائهم؟ علمًا بأنهم مأمورون بألا يعتبروا أىّ بشرىّ عدوًا لهم، حتى المُسىء إليهم لا يعتبرونه عدوًا! لأنه ليس إلا عصًا فى يد الشيطان. وهذا هو العدو «الأوحد»، للبشرية، حسب شريعتهم القائمة على المحبة المطلقة. أخى المتعصب، إن اتّبعتَ السيد برهامى فى بُغضه، فعلى رِسلك! فقط، اعلمْ أنك تعكّر صفوَ نفسك وتخسرُ ميزانك الروحىّ. أما أنا فأحبُّهم، ولدىّ أسبابى أسوقُها فى الأسئلة التالية. هل تعلم أن مسيحيى «بنى سويف» شاركوا المسلمين «تطوّعًّا» فى بناء مسجد «أطواب»، ضمن قافلة جمعية «رسالة»؟ هل سبق وشاهدت مسيحيًّا يجاهر بتناول قدح قهوة فى نهار رمضان أمام زملائه فى العمل؟ لا أظن. هل تعرف أن أطفال الأقباط يشاركون أطفالنَا فى تزيين الشوارع بالورق الملون والفوانيس احتفالاً بشهر رمضان كل عام؟ لماذا؟ لأنهم يحبوننا، بصدق.
أخى المسلم، المسيحىُّ يحبّك، لأن كتابه يأمره بمحبة الناس كافةً، حتى اللاعنين والطاردين: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.» فما بالك بحبه لنا، وما نحن بلاعنين؟ ويقول كتابُهم: «إن قال أحدٌ إنى أحبُّ اللهَ، وأبغضَ أخاه، فهو كاذبٌ، لأن مَن لا يحبُّ أخاه الذى أبصرَه، كيف يقدر أن يحبَّ اللهَ الذى لا يبصرُه؟» كذلك يأمرنا رسولُنا الكريم: «لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه.» هل تعلم أن المسيحىّ يؤمن بمحبة الله للبشر كافة، ولا يكره أحدًا لأننا جميعًا خليقته؟ لذلك لا يكتمل إيمانُ المسيحىّ إلا بمحبته الناس، صنيعة الله. هو، جلَّ جلالُه، وحدَه، سيفصلُ بيننا بالحقِّ يومَ الحشر، فلماذا نجعل من أنفسنا ديّانين على الناس، وكلُّنا خطّاؤون فقراءُ إلى الله؟! هل تعلم أن المسيحىّ يتقن عمله لأن كتابه يأمره بذلك: «فمن يعرف أن يعملَ حسنًا ولا يعمل، فذلك خطيئة له». لذا أرقى التعليم فى المدارس المسيحية، وأرقى التمريض ما تقدمه الراهباتُ فى المشافى. وكذلك يحدثنا رسوُلنا: «إن اللهَ يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.» وأيضًا: «إذا قامتِ الساعةُ، وفى يد أحدكم فَسيلةٌ، فليغرسْها.» أخى المسلم الكريم، هل تعلم أن تحضّر الشعوب يُقاس بمستوى معاملة الدولة، والمجتمع، للأقليات الأجنبية الوافدة؟ وهل تعلم أن الأقلية المسيحية ليسوا وافدين، بل أصحاب بلد أصلاء، لأن مصر ظلّت قبطية العِرق، مسيحية الديانة ستةَ قرون حتى دخلها الإسلامُ فى القرن السادس؟ وهل تعلم أن جدّك وجَدى كانا مسيحيين، وأسلما فى لحظة ما؟ فيكون الفارقُ بينك وبين المسيحىّ الراهن؛ أن جدّك اختار الإسلام، وجدّه اختار أن يظلَّ على دينه؟ وأنه بهذا أخوك بالنَسَب وبالقرابة، وليس فقط بالمواطنة؟ وهل تعلم أن شكسبير قال: «يمكننا عمل الكثير بالحقّ، لكن بالحبّ أكثر». سؤال أخير: ألا يفكر الشيخان، مثلى، أن «المُحبُّ»، ربما يكون آخر أسماء الله الحسنى؛ رقم 100، ذاك الذى لن نعرفه إلا يوم القيامة؟

\"\"