إحياء أخلاقيّات المجتمعات
كوبا، الثلاثاء 27 مارس 2012 (ZENIT.org)
دعا بندكتس السادس عشر إلى إحياء أخلاقيّات المجتمعات عندَ وصولِه إلى كوبا يومَ الإثنين 26 مارس بعدَ الساعة السادسة مساءًا، بحسب الساعة المحليّة ( أي عندَ الساعة التاسعة والثلث تقريبًا في روما). وقد عرّفَ عن نفسِه "كحاجّ المحبّة" بينما كانت الرياح تعصفُ على المدرّج.
***
فخامة رئيس الجمهورية،
نيافة الكرادلة،
إخوتي الأجلاء الأساقفة والكهنة،
حضرات ممثلي السلطات المحترمين،
أعضاء السّلك الدّبلوماسي
السيّدات والسادة،
أصدقائي الكوبيّين،
أشكركم، سيّدي الرئيس، على استقبالكم لي وعلى كلمات الترحيب اللبقة التي من خلالها نقلتم إلي مشاعر الإحترام التي يكنّها الشعب الكوبي والحكومة لخليفة بطرس. وأحيّي أيضًا السلطات التي استقبلتنا، كذلك أعضاء السلك الدّبلوماسي الحاضرين في ما بيننا. وأوجّه سلامًا حارًّا إلى رئيس أساقفة مدينة سانتياغو دي كوبا ورئيس مجلس الأساقفة، المونسنيور ديونيسيو غييرمو غارسيا إيبانيز وإلى رئيس أساقفة هافانا، الكاردينال خايمي أوررتيغا إي ألامينو وإلى سائر الإخوة أساقفة كوبا، ولا يسعني إلا التّعبير عن مشاعر القربة الروحية تجاههم. وأخيرا أتوجّه بتحية خاصة جدًّا إلى أبناء الكنيسة الكاثوليكيّة في كوبا، أحبّائي سكّان هذه الجزيرة الجميلة، والكوبيّين جميعًا حيثما وجدوا. إنهم دائما حاضرون في صلاتي ولهم مكانة مميزة في قلبي تضاعفت في الأيام الأخيرة التي سبقت زيارتي هذه، زيارة لطالما رغبت بالقيام بها، وتحقق حلمي اليوم بفضل العناية الإلهية.
بوجودي معكم اليوم، لا يسعني إلّا أن أتذكر الزيارة التاريخية التي قام بها سلفي الطوباوي يوحنا بولس الثاني، والتي تركت أثرا طيبا لا يُمّحى من ذاكرة الكوبيين. فبالنسبة للكثيرين، مؤمنين كانوا أم لا، ما برحت تعاليمه ومثاله تشكل نورَ هدى يرشدهم في حياتهم الشخصيّة ويوجّه سلوكهم الإجتماعي في خدمة خير الأمة العام. في الواقع لقد كانت زيارته تلك لأراضي الجزيرة كنسمة هواء عليل أنعشت الكنيسة الكوبية، وحرّكت في الكثيرين وعيا متناميا لأهمية الإيمان، فتشجّعوا وفتحوا قلوبهم للمسيح في مرحلة ينفذ فيها شعاع الأمل وتنمو فيها الرغبة بالعمل الجاد نحو مستقبل أفضل. ومن الثمار المهمة للزيارة المذكورة، هي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الكنيسة والحكومة الكوبية، تتسم بروح التعاون والثقة المتبادلة، والطريق ما زال طويلا أمامنا للتواصل والتنسيق في مجالات عدّة، خاصة في ما يمكن أن تقدّمه الكنيسة من خبرة لا يستهان بها في تطوير القطاعات العامة في المجتمع.
أنا سعيدٌ اليوم لإتحادي معكم في فرحة الذكرى المئوية الرابعة لإكتشاف صورة "سيّدة العطاء النحاسية". هذه الصورة الحاضرة دائما في حياة الكوبيين الشخصية كما في أحداث البلاد الكبيرة، وبنوع خاص بعد نيلها الإستقلال، كانت ولا تزال تكرّم كوالدةٍ حقيقية للشعب الكوبي. لا شكَّ أن تكريم العذراء مامبيزا كان العامل الأساسي لصون الإيمان وحماية وتعزيز كل ما يعلي من شأن الكرامة البشرية والحقوق الإنسانية الأساسية. وهو يكمل اليوم في هذا النهج، وبزخم أكبر، ليشهد بشكل ملموس على خصوبة تعاليم الإنجيل في هذه الأرض، وعلى الأصول المتجذّرة للإيمان المسيحي التي طبعت الهوية الكوبية.
وعلى خطى كل من سبقني من الحجّاج لقرون طويلة، أرغب أنا أيضا بالذهاب إلى إلكوبري والسجود على قدمَيْ والدة الإله، لأشكرها أولا على حمايتها لكل أولادها الكوبيين ولأسألها شفاعتها كي تقود مصائر هذه الأمة الحبيبة على دروب العدالة والسلام والحرية والوفاق.
ها أنا آتٍ إلى كوبا كحاجّ المحبّة بغيةَ تثبيت إخوتي في الإيمان وتشجيعهم على الأمل الذي لا يلدُ إلّا من حضور محبّة الله التي نلتمسها في حياتنا. وأنا أحملُ في قلبي طموح وأمنيات جميع الكوبيّين حيث ما وُجدوا كما أحملُ معاناتهم وأفراحهم وأشغالهم وأسمى تمنيّاتهم وبشكلٍ خاصّ تلكَ التي يشعرُ بها الشباب والعجزة والمراهقون والأطفال والمرضى والعمّال والسجناء وعائلاتهم والفقراء والمحتاجون.
يعيشُ عددٌ كبير من سكّان العالم اليوم أيَامًا عصيبةَ خاصّةً على الصعيد الاقتصادي ينسبُها أشخاصٌ عدّة إلى أزمة روحيّة وأخلاقيّة جعلت الإنسان يتخلّى عن قيمه وبالتالي أمسى في خطرٍ أمامَ طموح بعض القوى وأنانيّتها التي لا تأخذ بعين الاعتبار الخير الحقيقي للأفراد والأُسر. ولا يمكننا متابعة السير في طريق الثقافة والأخلاق هذه التي أدّت إلى وضع أليم يعيشُه الكثيرون. بل إنّ التقدّم الحقيقي يتطلّبُ أخلاقيّاتٍ تضعُ الكائن البشري في المقدّمة وتأخذ بعين الاعتبار حاجاته الحقيقيّة بل أكثر من ذلك بُعدَه الروحي والديني. ولهذا الأمر يعتقدُ الكثيرون في قلبهم وعقلهم أنّ تجديد المجتمعات والعالم يتطلّبُ أشخاصًا مستقيمين وقناعاتٍ ثابتة وقيمٍ أخلاقيّة عالية لا يتمّ التلاعب بها لمصالحَ محدودة بل قيمٍ تُلبّي طبيعة الإنسان السامية التي لا تتبدّل.
أصدقائي الأعزّاء، إنّني على اقتناعٍ أنّ كوبا تتطلّعُ إلى المستقبل في هذا الزمن المهمّ من تاريخها وتسعى إلى ترميم آفاقها وتوسيعها وهذا ما تُساهم فيه القيم الروحيّة الأخلاقيّة التي تشكّلُ هويّة كوبا الحقيقيّة المحفورة في أعمال العديد من آباء الوطن وحياتهم مثل الطوباوي خوسي أولايّو إي بالديس وخادم الله فيليكس باريلا وخوسي مارتي. كما ساهمت الكنيسة باهتمامٍ شديد في تعزيز هذه القيم عبرَ رسالتها الرعويّة السخيّة والنزيهة وهي تجدّدُ عزمَها على مواصلة عملها بلا كللٍ لتخدمَ الكوبيّين جميعهم.
أدعو الربّ أن يباركَ بغزارةٍ هذه الأرض وأبنائها وخاصّةً كلّ من يعتبر نفسه فقيرًا ومهمّشًا ومن يعانون في القلب والروح. كما أطلبُ من الله بشفاعة سيّدة العطاء النحاسيّة أن يمنحنا مستقبلًا مليئًا بالأمل والاتحاد والانسجام. شكرًا جزيلًا.
* * *
نقلته إلى العربية بياتريس طعمة – وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية