القيامة رؤية وانتصار

 

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

 

 14/04/2012

ببركة غبطة أبينا البطريرك الكاردينال الأنبا أنطونيوس نجيب، وآبائنا الاساقفة اعضاء السينودس البطريركي وصلواتهم ، السلام والنعمة والبركة من الهنا ومخلصنا يسوع المسيح

نقف معاً في هذا العيد وعيوننا شاخصةٌ الى السماء تري يسوع المائت القائم من بين الاموات منطلقاً بمجد ابيه والروح القدس حاملاً الامنا وضعفنا وخطيئتنا وموتنا ،منتصراً على سلطان الموت والظلمة مانحاً إيانا الحياة والنور.

نترقب في هذا العيد احداثٍ مفصلية في حياتنا فنحن ننظر بشوقٍ الى استقرار الاوضاع الأمنية لتحسين الحالة الاقتصادية والمعيشية لكافة الموطنين وابرز هذه الاحداث هى حالة الترقب الشديد في اختيار رئيسٍ للجمهورية يقود سفينة البلاد الى ميناء الخلاص والسلام مستخدماً شراع السفينة(الحق) ودفتيها( الحب – والحرية) في سبيل تحقيق اماني ابناء شعبه كافةً وتطلّعاتهم.

اما الحدث الثاني الذي نرقبه ونحن في حالة صلاة مستمرة هو اختيار بابا وبطريرك للكنيسة القبطية الارثوذكسية ينهج طريق من سبقوه في إعلان الكرازة بالانجيل ساعياً بروح الانجيل عينه الى مسيرة الوحدة الكنسيّة لنكون واحداً في المسيح.

وإن أهم حدث كنسي عاشته كنسيتنا القبطية الكاثوليكية في هذا العيد هو حدث تكريس زيت الميرون المقدس الذي تم في احتفالٍ مهيب في اسبوع ختام الصوم المقدس ببركة صاحب الغبطة ابينا البطريرك انطونيوس نجيب وصلواته ومتابعته عن كثب لحدث التكريس وكان سبق أن كلّف سيادة المطران كيرلس وليم المدبر البطريركي للاهتمام بتحضير الامور الليتورجية الخاصة وترتيبها وقد أقيم الاحتفال في كاتدرائية القديس لاون الكبير حيث ترفع الصلوات ليلاً ونهاراً من الاخوة الشمامسة والطلبة الدارسين. فعلى مدار اسبوع كامل بدأت مراحل دق المواد العطرية ونقعها وطبخها وقد جمعت هذه المواد بصعوبة شديدة من عند العطارين في مدن القاهرة وغيرها وقام بهذا العمل مشكوراً الاب باسيليوس عبد المسيح وابناء رعيته في منطقة أوسيم –الجيزة .عندما جمعت هذه المواد العطرية وعددها 27 وضعت بترتيبٍ وعناية فائقة في مكان لائق حيث اجتمع الاباء الاساقفة والاباء الكهنة والرهبان والراهبات وبعضٍ المؤمنين من ليلة الجمعة وحتى صباح الخميس ليصلوا ويتأملوا في الاسفار المقدسة والاقوال الابائية وهم يحركون هذه المواد بعد نقعها في الماء وخلطها في زيت الزيتون النقي الذي جاء به بعضٍ من الكهنة من دير الانبا مقار الكبير. وفي صباح يوم الخميس، كُلِّل هذا العمل الكنسيّ بقدّاسٍ إلهيّ تمّ فيه تكريس زيت الميرون الذي تستخدمه الكنيسة في تثبيت المعمَّدين وتكريس زيت الغلَلْيون الذي يستخدمه الموعوظون وتوِّج الاحتفال بسرّ الشكر، الإفخارستيّا. وقد تفضّلت محطّة نور سات الفضائيّة بنقل الحدث عبر شاشتها يوم خميس العهد. 

رؤية القيامة :

 إن حدث رؤية القيامة لا يعتمد فقط على قوى البصر العادية،ولكنه حدث  انفتاح كامل للادراك والوعي الروحيّين المستمدّيْن من السماء من أبي الانوار ،وهو موهبة تُعطى لكل واحدٍ منا ليس بمعيار  واحد أو بتساوٍ لكل الناس إنما تُعطي على قدر ما للانسان من قوة إيمان واستعداد لعيش هذا الحدث وخبرات روحية، هخذا من جهة، ومن جهة اخرى منح المسيح حتى للانسان العادي رؤية قيامته كما فعل مع التلاميذ وهم في العلية مجتمعين والابواب مغلقة  وظهر أمامهم وأراهم جسده: «جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم. ولمَّا قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو 20: 19و20). ثم عاد بعد أسبوع وظهر خصيصاً لتوما الذي لم يكن قد رآه في الأسبوع السابق: «ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ، وهات يدك وَضَعْها في جنبي، ولا تَكُن غير مؤمنٍ بل مؤمناً. أجاب توما، قال: ربي وإلهي. قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنتَ! طوبى للذين آمنوا ولم يَرَوْا.» (يو 20: 27-29)

اليوم ونحن نحتفل بقيامة يسوع المسيح ونقف حائرين متسائلين عمّا نعيشه من ازمات واضطرابات وقلق ونتكلم باقتراحات وحلول للخروج من دائرة العنف التي خنقنا انفسنا بها، يقف يسوع في وسطنا ويقول لنا« سلام لكم. ما بالكم مضطربين، خائفين ولماذا تفكرون بكل هذه الامور  في قلوبكم؟ ثقوا أنا قد غلبت العالم سلامي أعطيكم سلامي أتركه لكم .إذا اخوتي في ظل الاعتراف والايمان بقيامة المسيح لا خوف ولا قلق ولا ظلام بعد اليوم لأن فيه( كانت الحياة والحياة كانت نور للناس والنور أضاء في الظلمة  (يو 1: 4 ـ 5)

ففي فجر احد القيامة، ظهر الملاك للمريمات وقال لهن: «لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ما هو هنا، بل قام» (لوقا 24: 5 ـ 6) يعلق صاحب الغبطة البطريرك انطونيوس نجيب قائلاً  : في هذا الحدث اختفي جبروت الموت ورعبه، وتأكدنا أن الإنسان لم يخلق للموت بل للحياة. وتحقق ما أعلنه المسيح: «أنا هو القيامة والحياة»

بالرغم من أن الله حكم على الانسان الأول عندما خالف وصاياه " موتاً تموت لكنه بقي (الله) دائماً وابداً محباً للانسان " حتى جاد بابنه الوحيد من أجل خلاص جبلة يديه " هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به ،بل تكون له الحياة الابدية" ويقول القديس غريغوريوس النيصي " طبيعتنا البشرية دخلت في طريق الموت الطبيعي أي انفصال النفس عن الجسد عن طريق آدم الاول ،لكنها ظلت باقيه في المسيح آدم الثاني، وقد ضمَّها ثانية، بقوته الإلهية، وجَمَعَ ثانيةً ما تفرَّق بقوة قيامته. وقال بولس رسول الأمم: فكما أنّ خطيئةَ إنسانٍ واحد قادت البشر جميعًا إلى الهلاك، فكذلك، برُّ إنسانٍ واحد يبرّر البشر جميعًا فينالون الحياة"، (رو 5: 18)

انتصار القيامة :

انتصرت الحياة في القيامة علي الموت، والروح علي المادة، والخلود والأبدية علي الزوال والفناء. القيامةُ ثورةٌ، انتصر فيها النور علي الظلام، والرجاء علي اليأس، والخير علي الشر، والحق علي الباطل. أدركنا في نورها أن  الصليب وحياة الالم لهما معني ولهما قيمة،وفيها أضاء المسيح على الصليب بنوره الالهي فالصليب بفضل ما عاشه يسوع عليه من اختبار تحول من أداة ذل وعار إلى أداة مجدٍ وافتخار. علينا اخوتي أن نكون حاضرين مع  يسوع القائم من بين الأموات، ونؤمن بأن الصليب الذي نحمله في حياتنا ما هو إلاّ مرحلة عابرة في المسيرة نحو القيامة للحياة الأبدية النابعة من القبر الفارغ بفضل قيامة يسوع المنتصر على الموت الذي قد أُبطل سلطانُه على الانسان وصار طريقًا وجسرَ عبورٍ ركائزه البذل والحب والتضحية والايمان العميق بحضور الرب في ظروف حياتنا كلّها يقول المسيح" حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى اكون فى وسطهم. (مت 18 : 20) وعندما يحضر المسيح في حياتنا يهرب الحزن والالم  والكآبة والوجع والمرض ويسود الفرح والرجاء والسرور والشفاء والحياة الحقيقية والقوة اللازمة لمواجهة الصعوبات بقوة حبه الذي سُكِبَ فينا بالروح القدس.
هذه هي القيامة في جوهرها، دعوة لحياة الحرية والتحرر من السلبيات، والمعنى الحقيقى لحياة الانتصار،هي غلبة التخلص من الشر وعيش حياة جديدة ممتلئة بالمحبة والفرح والسلام والتوجه إلى الأمام والبحث عن سبل أفضل من أجل حياة أفضل وتكمن هذه الحياة في  انتصار الانسان على ذاته وليس على الاخرين والإنسان الروحى ينتصر أيضاً على الضيقات والمشاكل، فلا تهزه ولا تهزمه، ولا تُضعِف معنوياتِه، ولا تُعكر نفسيتَه، ولا تلقيه فى دوامات من القلق والاضطراب والشك، إنه ينتصر على المشاكل بالإيمان وبالصلاة وبالصبر، ولا يضيق قلبه بها، ولا يفقد سلامه بسببها، وهو لا ينتصر فقط على الضيقات بالاحتمال، بل بالأكثر يفرح بها، لأنها تقدم له خبرات جديدة فى معونة الرب له، ويرى أن كل شىء يؤول إلى الخير. نحن مدعوّون إلى أن نقوم مع المسيح المنتصر على الموت والخطيئة والشر لنجتاز معوقات الحياة كلّها ومنها مشكلة الفقر والامية والجهل والمرض والحقد والتعصب الى حياة الغني والمعرفة والمحبة والمودة والنهوض.

لا يكفي المسيحي الحقيقي أن يؤمن بالقيامة كحدث تاريخي فقط ، إنما كفعل حياة منتصرة مستمرة وعندها يصير حدث القيامة واقعًا يوميًّا معاشًا نُدرك من خلاله معني الصلب والقيامة معا في جوهرهما. فحضور الله في يسوع المصلوب هو مجال تحرير الإنسان من أوهام السلطة، والعنف والصراع والتطاحن القائم بين الانسان واخيه.  والإيمان بالقيامة هو العلامة المؤكدة على إمكانية خلق مستقبل جديد، لا يُبنى على حساب شعب مطحون ومسحوق ، انما مستقبل تربط فيه مصيرك بمصير الآخرين، هناك فقط تشعر بحالة الانتصار التي فيها يصير الآخر بالنسبة إليك شخصا فريدا ، فتكون مستعدا لتقديم حياتك فداء عنه .

 

 

اخوتي الاحباء :

 باسمكم جميعاً نتقدم بالشكر الى سيادة المشير / محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي أرسل  برقية تهنئة لكل الابناء والاخوة والمحبيبن لمناسبة الاحتفال بهذا العيد المجيد .

سائلين الرب يسوع المسيح القائم من بين الاموات أن يسدد خطاه هو ومن معه في الوصول بالبلاد الى بر الأمان والاستقرار

 

كما نتوجه بالشكر العميق والنابع من القلب الى سعادة السفير المصري الاستاذ محمد توفيق الذي يشاركنا دائماً في احتفالاتنا بحب كبير نسأل الله من أجله ليكون لنا المثال والنموذج في الخدمة والمحبة.

 

كذلك نشكر سعادة القنصل المصري  الاستاذ باهر شويحي على محبته لنا وصداقته وعلى حضوره الدائم وعلى تلبية ما نطلبه منه من خدمات سائلين الله أن يعطية المزيد من القوة والنشاط ويوفقه في كل عملٍ صالح.

 

نشكر جميع من حضر وشارك معنا في قداس العيد الاخوات الراهبات وجمع المؤمنين كافة ونذكر منهم حضرة الاستاذ ايلي التنوري عن المركز الكاثوليكي للاعلام والاستاذ ادوارد بيباوي عن الرابطة القبطية في لبنان  والسيدة جيني يزبك والاستاذ نهرا عازار والانسة ماريا عازار والانسة ماري يمين على مشاركتهم لنا في إضفاء المزيد من الفرح والبهجة على احتفالنا ونشكر الله معهم على نعمة الصوت ومعهم ايضاً نتوجه بالشكر الى فريق شمامسة الكنيسة.\\

نكنّ أيضًا الامتنان الكبير لساجيس فلاور على زينة الكنيسة الملوّنة بالأزهار والورود ولا يسعنا إلاّ أن نعبّر عن محبتنا وتقديرنا لكاهنيّ رعيّة مار أنطونيوس الكبير، جديدة المتن، الأبوين، جوزيف بو غزالة وحنّا عيد وأفراد الرعيّة على مشاركتنا أفراحنا.

نشكر الشكر الكبير محطة نور سات الفضائية وكل العاملين فيها من اداريين ومخرجين ومصورين وعلى رأسهم الاخ نور الحبيب العامل الصامت على مثال مار يوسف البتول.

إننا  نشارك ابينا البطريرك انطونيوس نجيب وسيادة المطران كيرلس وليم المدبر البطريركي والكنيسة جمعاء في أن  نصلي ونبتهل إلى الله القدير من أجل وطننا الحبيب ، ومن أجل كل الذين يحملون فيه أمانة  المسئولية ، لكي يرشدهم إلى ما فيه خير جميع أبناء مصر ، وأن يحقق لنا كل ما نرجوه، بالعبور إلى الإستقرار والرخاء والخير.

ونصلي بنوع خاص من أجل غبطة أبينا البطريرك الكاردينال الأنبا أنطونيوس نجيب ، لكى ينعم الرب عليه بتمام العافية والشفاء ، ليعود الينا سريعاً، فيشملنا بكامل رعايته الابوية ، وينعشنا بغزير تعاليمه الروحية ، ويرشدنا بحكمته وقدوته المعهودة.

وفقنا الرب دوماً، وملأ قلوبنا بالمحبة والإيمان والرجاء، فنكون شهوداً على قيامته وانتصاره ، على غرار المجدلية ويوحنا الحبيب وبطرس الرسول ، ونعلن حضوره في العالم، الذى يجعل كل شئ جديداً ، له المجد إلى الأبد أمين.

 نشكركم جميعاً اعياد مجيدة ومباركة

المسيح قام حقاً قام  

الاب انطونيوس مقار ابراهيم