وأنتِ سينفذ سيف في نفسِك

للأب هاني باخوم*

 

 

القاهرة، الاثنين 14 مايو 2012 (ZENIT.org).

وأنتِ سينفذ سيف في نفسِكِ (لو 2: 35). كم هي قاسية تلك الكلمات التي يقولها النبي سمعان لمريم العذراء. ها هي مع خطيبها يقدما الصبي يسوع للرب، كما أوصت الشريعة: فكل بكر ذكر يُنذر للرب (لو 2: 22). فتجد النبي الذي يقول لها هذه الكلمات. من يستطيع أن يفهمها؟ من يستطيع أن يبررها؟ من يستطيع أن يفسرها؟ اُم تقدم ابنها للرب، وتسمع صوت النبي يقول: وأنتِ سينفذ سيف في نفسِكِ.

هناك تفسيرات عديدة لهذه الكلمات: فمن رأى فيها نبوة لألام مريم وأوجاعها عندما سترى شعبها، بيت أبيها، منقسم، بل ومتحد على قتل ابنها. فأهلها هم الذين سيحرمونها من ابنها. أهل بيتها، سيرفضونه، أقاربها، سيلعنونه وسيحكمون عليه بالموت. وأي موت؟ موت الخطاة، موت على الصليب.

من رأى في هذه الكلمات نبوة عن ألام مريم عندما سيضيع ابنها، وهو طفل صغير. نبوة عن ألامها عندما ستراه متألما، مجلودا، عريانا ومساقا للموت، كحمل مساق للذبح.

من يرى في هذه الكلمات صراع مريم الداخلي. فعندما بشرها الملاك، بشرها بطفل سيولد بقوة من الروح القدس، ابن العلي، سيملك على عرش إسرائيل الى الأبد، ولن يكون لملكه نهاية. وها هي ترى ابن العلي يحتضر و يموت، كفاعل شر وإثم.  فأين الوعد؟ أين انت ايها الملاك؟ اين الخلاص؟ اين؟ هل كان وهم؟ هل كان حلم؟ ام نسى الرب وعده؟

وهنا نتذكر وصية الرب الأولى للشعب : "ستحب الرب الهك من قل قلبك، وكل قوتك، وكل نفسك". والنفس هي رمز للحياة، وحياة الأم في حياة ابنها. وموت الابن، هو موت مضاعف للأم. لان الذي سيحملها وسيعتني بها، وسيدفنها عند موتها، الذي من اجله تحيا، ها هو يموت. فتموت معه قبل ان تموت، بل تموت وتبقى منتظرة الموت، وترغبه، وتتمناه. هذا هو الطبيعي. اما مريم فأحبت الرب من كل قلبها، من كل قوتها، من كل نفسها. هل كانت تفهم ما يحدث؟ لا اعلم، لكن اعلم انها شاركت ابنها الى النهاية، وبقت معه حتى تحت الصليب، تشاركه، وتساعده في عمل مشيئة ابيه. هذا هو الصراع، هذا هو السيف الذي يخترقها، تموت، ولا تتمرد، مازالت تثق وتحفظ كلمات الرب، مازالت تحفظ وعد الملاك، مع انها ترى نهاية الوعد بشريا. سيف يخترقها، بموت ابنها، وكلمات محفوظة في القلب، تحي تلك النفس المخترقة.

وأنتِ سينفذ سيف في نفسِكِ. هذا السيف أيضا تنبأ عنه حزقيال النبي (14: 17). هو عقاب الرب للخطاة، عقاب الرب للمذنبين، ومنه ينجو فقط البار. لان من أذنب يدفع ثمن خطيئته: يموت. تلك هي النبوة. ولكن هنا الأمر مختلف. السيف يخترق مريم، مع انها لم تطلب موت المسيح، السيف كان يجب ان يخترق الشعب، الذي قتل صانع الحياة. سيف يخترقها، لكنها لا تموت. لان هناك من يموت عنها وعن كل الشعب. يموت البار، كي أحيا أنا المذنب.

 ماذا يحدث؟ هل اختلط الأمر على الرب؟ الم يعد يرى البار من المذنب؟ لا. الرب يرى، يرى أكثر مما نراه نحن، يرى بعين الأب. أب يسعى لجمع كل الأبناء. فها هو يضحي بابنه من اجل حبه لباقي الأبناء. وبهذا، ولان فقط هذا الحب يحيا ويقوم، يجد الابن. ولكنه ليس وحيد، بل بكر لأبناء آخرين.

ماذا يحدث هنا؟ ابن يطيع الأب. لا يعتبر مساواته للأب غنيمة، كي يحتفظ بها لنفسه، بل يتنازل ويتجسد، ويموت، من اجل ان يشارك طبيعته مع آخرين. فيرجع لأبيه، مع إخوة كثيرين.

ماذا يحدث هنا؟ ام ترى ابنها يموت،تستقبل سيف لم يكن لها، تأخذه على نفسها. تترك ابنها يموت، لا تحفظه لها. فيرجع إليها مع كل من تلقوا تلك الطبيعة الإلهية بفضل موته وقيامته. تتحقق النبوة: خلاص الإنسان. خلاص الخاطئ. خلاصي وخلاصك.

مريم صورة الكنيسة، صورة لكل مسيحي، والذي هو مدعو ان يأخذ على نفسه سيف، قد يكون لا يستحقه. فلنأخذه لأننا لن نموت، فهناك على الصليب، من مات كي لا نموت نحن. مريم لن تمت بسبب هذا السيف. لان هناك من مات عنا كلنا. فلنأخذ هذا السيف كي نشارك الرب في خلاص هذا الجيل. فنحيا ولكن ليس وحيدين بعد، لكن مع أخوة اخرين.

زمن فصحي مبارك.

* سكرتير غبطة البطريرك للأقباط الكاثوليك