لغز كفن تورينو: هل ذلك الرجل هو المسيح؟

(الجزء الأول)

مقابلة مع الإختصاصية الإيطالية إيمانويللا مارينيللي لتوضيح اللغز

 

 أجرت المقابلة ماريا كيارا بيتروسيللو

روما، الاثنين 14 مايو 2012 (ZENIT.org)

لا يمكننا الحديث عن كفن تورينو من دون أن نحاور إيمانويللا مارينيللي وهي أستاذة في العلوم الطبيعية، وخبيرة بارزة في الكفن المقدس، وهي تهتم منذ 35 عامًا بجميع الإكتشافات التي تمت في هذا الشأن.

تحمل إيمانويللا مارينيللي شهادة في العلوم الطبيعية والجيولوجيا. علّمت دراسة الأيقونات والرمزية الدينية للجامعة الكاثوليكية "لومسا" في كلية العلوم التربوية[F1]  في روما، كما نشرت 15 كتابًا وتم ترجمة معظمها الى لغات عدة، بالإضافة الى أنها أقامت ما يعادل 100 مؤتمرًا في السنة في 20 بلدًا حول العالم. يضم موقعها على الإنترنت Collegamento Pro Sindone 168.889 مستخدمًا منذ عام 1997.

أما أول كتاب لها « Le Saint-Suaire, une énigme à l’épreuve de la science » الذي نشر عام 1990، أوضح التحليل الذي أجري على قماش الكربون 14 منذ عامين من نواحيه كافة.

تسعى هذه الإختصاصية الإيطالية الى تحديث دراساتها وبحوثها. دعيت هذا العام، وللمرة الثانية، لإلقاء محاضرة في الجامعة الحبرية (جامعة سيدة الرسل الحبرية) تحت عنوان "الكفن وأيقونة المسيح". كانت قد شاركت أيضًا في المؤتمر الدولي الأول عن كفن تورينو الذي نظمه المركز الإسباني للدراسات حول الكفن في أواخر شهر أبريل في فالنسيا، إسبانيا. إلتقت زينيت بالأستاذة مارينيللي وأجرت معها هذه المقابلة.

زينيت- سيدة مارينيللي، لقد ركزت أبحاثك الأخيرة على الكفن وأيقونة المسيح. هل قطعة قماش الكفن تعد كأيقونة؟

إيمانويللا مارينيللي- هذا الكفن هو قماش غير عادي لأن نسيجه لم يلطخ بدم بشري فحسب، بل يحمل أيضًا علامات من الجسد الذي وضع فيه لبضع ساعات. إن معاناة الرجل الذي وُضع في الكفن تطابق تماما لتلك التي تصفها الأناجيل. هناك تقليد طويل يصنف الكفن وكأنه غطاء جثمان المسيح، "قطعة القماش" التي (في اليونانية Sindon) إشتراها يوسف الرامي لدفن المسيح، و"اللفائف الممدودة" (othonia) التي وجدها بطرس ويوحنا فارغة.

يشير عدد من الأدلة الموثوق بها إلى أن أصل هذا القماش يعود الى المنطقة السريانية الفلسطينية في القرن الأول ومنها: الحياكة الأولية للقماش، والتواء الخيوط باتجاه عقارب الساعة، والخياطة النادرة والثمينة على شكل قطري، ووجود آثار من القطن المصري بعكس أي أثر للألياف الحيوانية، والوجود الكثيف لغبار الطلع من الشرق الأوسط، بالإضافة الى الصّبر والمرّ، ونوع من كربونات الكالسيوم (aragonite) مماثل للذي وجدناه في كهوف أورشليم، وخياطة جانبية مطابقة للأقمشة اليهودية من القرن الأول التي تم اكتشافها في مازادا (بالقرب من البحر الميت).

أما الإختبار الوحيد الذي دحضت نتائجه صحة الكفن فهو دليل الكربون 14 (C14) الذي يظهر بأن أصوله تعود الى العصور الوسطى. ولكن هذا التاريخ الذي حدده اختبار الكربون 14 لم تُعلن صحّته لأسباب وجيهة، ومنها أن العينة التي تم فحصها لا تمثل القماش بأكمله.

إذًا يمكننا القول أن الكفن يعد من الرفات، كما فعل بندكتس السادس عشر في كتابه "يسوع الناصري" (الجزء الثاني) ونعلن أنه أيقونة، ولكن مع التحديد التام بأي معنى نحن نستخدم هذه العبارة! فإذا أسمينا الكفن بالأيقونة لا يعني بأنه لوحة مرسومة ولكنه "صورة" طبعها، بشكل غامض، لذاك الجسد الذي حُفظ فيه. أشار البابا بندكتس السادس عشر في عظته في 2 مايو 2010 في تورينو، أمام الكفن المقدس الى أنه أيقونة كُتبت بالدم، أيقونة السبت المقدس. هذه هي الصورة التي ألهمت العديدين لتجسيد وجه المسيح الأكثر شيوعًا في الفن المسيحي القديم.

إذا كان وجه المسيح الذي جُسّد في الفن المسيحي القديم مستوحى من الكفن المقدس، ألا يمكن لهذا العنصر  بأن يولّد استباقًا للتاريخ؟

بالتأكيد. بعد فترة أولية من إخفائه بسبب الإضطهادات، بدأ وجه المسيح يُجسّد ابتداءً من القرن الرابع مع الكثير من العناصر غير المعتادة التي بالكاد يمكننا أن نعزيها الى مخيلة الرسامين، فقد استوحت بشكل واضح من الكفن: الشعر طويل مقسوم في الوسط؛ كثيرة هي الوجوه التي تُظهر خصلتين أو ثلاثة من الشعر في وسط الجبهة: يمكن أن تكون هذه طريقة فنية لإظهار آثار الدم الموجودة على جبهة الوجه المطبوع على الكفن؛ يبرز حاجبان مقوسان؛ تتسم وجوه كثيرة بحاجب أعلى من الآخر مثل وجه الكفن، وتبرز أيضًا عند قاعدة الأنف في بعض الوجوه علامة كالمربع المفتوح من الجهة العلوية وفي أسفله ينتهي بعلامة V.

علاوة على ذلك، الأنف طويل ومستقيم، والعينان كبيرتان وعميقتان ومفتوحتان، مع قزحيتين ضخمتين وهالتين كبيرتين؛ عظام الوجنتين بارزة لا تنسجم في بعض الأحيان؛ هناك مسافة واسعة ما بين خدّي وجه الكفن وشعره لا أثر لها، مع أن عصبات الشعر تبدو منفصلة عن وجهه؛ نلاحظ وجنة متورمة بسبب رضّة قوية مما يجعل الوجه يبدو غير متوازن؛ إن الشاربين اللذين يتدليان في كثير من الأحيان، مرسومين بشكل غير متوازن وينحدران من كل جهة تحت الشفاه بزاوية مختلفة؛ الفم صغير لا يخفيه الشاربان؛ هناك مساحة من دون لحية تحت الشفة السفلى؛ أما اللحية فهي ليست طويلة كثيرًا، مقسومة الى قسمين أو أحيانا ثلاثة وتنتقل في القليل من الأحيان من جهة الى أخرى.

* * *

أهناك تقنية معينة لتحليل التوافق ما بين وجه الكفن والأيقونات المسيحية من القرون الأولى؟

استخدم ألان وماري وانغر تقنية التراكب باستقطاب الضوء للقيام بهذه المقارنة. نُشرت هذه الطريقة العلمية في المجلة المشهورة Applied Optics (24, 6, 1985, pp. 766-772). يمكننا باستخدام هذه الطريقة أن نقارن ما بين رسم أولي وصورة وصفية لمشتبه به. بالنسبة الى العلماء من الشرطة الأمريكية، 45 الى 60 نقطة تعد كافية لتحديد هوية أو لنقل التشابه ما بين الصورتين. تم تطبيق التقنية نفسها على واحد من أروع الأمثلة للمسيح الضابط الكل ألا وهو أيقونة دير القديسة كاترين في جبل سيناء (من القرن السادس)، والتي تضم 250 نقطة تتسق مع وجه الكفن، بالإضافة الى أيقونات أخرى أو وجوه للمسيح على قطع نقدية، وصناديق ذخائر، إلخ…

ما العلاقة التي تجمع بين كفن تورين، وحجاب فيرونيكا، والمنديل Mandylion؟

كثيرة هي الأوصاف والإيضاحات التي تخص المنديل وهي قريبة من كفن تورينو. إن وجود آثار لثماني طيات على الكفن يذكرنا بالوصف القديم للمنديل، الذي أخفي في إيديسا في تركيا ووُجد في القرن السادس مطويًّا أربع طيات (tetradiplon)؛ إذا طوينا الكفن ثماني طيات نحصل على المربع الكبير يبان في وسطه الرأس الذي يظهر على نسخ المنديل. من ثم هناك أوصاف للمنديل كقماش يظهر الصورة الكاملة لجسد يسوع؛ إذًا فمن المنطقي أن نستنتج أن المنديل هو نفسه الكفن ولكنه مطويّ بطريقة لإظهار الوجه فقط.

ولكن، بحسب تقليد من القرن الثاني عشر، ففيرونيكا هو اسم المرأة التي كانت قد مسحت وجه يسوع الدامي على طريق الآلام Via Dolorosa. وفقًا لجيرفيه دو تيلبوري (في القرن الثالث عشر)، فإن هذا الإسم مشتق من "أيقونة حقيقية". فتمثيل فيرونيكا تظهر وجه المسيح على قماش هو من المؤكد مستوحى من المنديل.

من الناحية الخاصة بدراسة الأيقونات، ما هي النظريات السائدة عن الكفن؟

لا يتفق المؤرخون جميعًا حول هذا التعريف الذي يجمع بين الكفن والمنديل، على الرغم من أن المؤشرات المؤاتية عديدة؛ ولكن يعترفون جميعهم بأن الكفن كان نموذجًا ملهما للأيقونات التي تمثّل يسوع ولجميع تلك التي تتصل بمشاهد الآلام، وبخاصة أيقونة إنزال المصلوب ودفنه.

هل كشف مؤتمر فالنسيا الذي عُقد مؤخرًا عن أية معلومات جديدة مثيرة للإهتمام؟

قدّم بعض الباحثين المؤرخين عن موضوع الكفن، كَلان ويلسون، ومارك غوسكين، وجورج م. رودريغيز، وسيزار بارتا، إثباتات جديدة صالحة لهذا التوضيح بين الكفن ومنديل إيديسا. ولكن قدمت أقسام أخرى أيضًا إثباتات جديدة لصحة الكفن، فمثلًا إختصاصية اللقاح مارزيا بوا وجدت بين غبار الطلع الموجود على الكفن، ما يعود الى نبات يُستخرج منه البلسم والمرهم اللذين يستخدمهما اليهود لدفن الميت، كالأبدي أو الخالد، وهي نبتة الغالبانوم galbanum، والمصطكي lentisque. كل ذلك يلتم في هذا القبر حيث جسد ممسوح بحسب التعابير اليهودية، لم يبق إلا بضع ساعات…