كلمة البابا لمديري الأعمال الإرساليّة الحبريّة

"إنّ أعمالكم الإرساليّة هي جزء من كيان العناية الرعويّة"

 

 

الفاتيكان، الثلاثاء 15 مايو 2012، (ZENIT.org).

ننشر في ما يلي كلمة بندكتس السادس عشر التي ألقاها اليوم أمام مديري الأعمال الإرساليّة الحبريّة.

***

نيافة الكاردينال،

أيّها الإخوة الموقّرون في الأسقفية والكهنوت،

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

أتقدّم إليكم بتحيّاتي القلبيّة، بدءاً بنيافة الكاردينال فرناندو فيلوني، عميد مجمع تبشير الشعوب، والذي أشكره على تعابيره الطيّبة وعن المعلومات التي زوّدنا بها عن نشاط الأعمال الإرساليّة الحبريّة. كما أتوجّه بامتناني إلى أمين السرّ، مونسينيور سافيو هون تاي-فاي، وإلى مساعد أمين السرّ مونسينيور بيارجوسيبي فاكيللي، رئيس الأعمال الإرساليّة الحبريّة ، وإلى المديرين الوطنيين وإلى جميع المعاونين وإلى الذين بادروا كثيراً في خدمة هذا المكتب. تفكيري وتفكير الحاضرين الآن مع الأب ماسيمو سينسي، نائب أمين السرّ، الذي فارق الحياة على غفلة. فليكافئه الرب  على مجهوده الذي بذله خلال المهمّة وفي خدمة الكرسي الرسولي.

يأتي اجتماع اليوم في إطار اللقاء السنوي لجمعيّة المجلس الأعلى للأعمال الإرساليّة الحبريّة الذي عهد إليها التعاون الإرسالي من كافّة الكنائس حول العالم.

إنّ التبشير بالإنجيل، الذي يتمتّع دائماً بطابع الإلحاحيّة، يدفع الكنيسة الآن إلى التحرّك بخطى أسرع حول العالم ليتعرّف الجميع إلى المسيح. في الواقع، لا تستطيع البشريّة أن تكتشف ماهيّة وجودها وتنمو في العدالة والسلام إلّا من خلال الحقيقة التي هي المسيح بحدّ ذاته. من حقّ كل إنسان وكل شعب أن يتلقى إنجيل الحقيقة. وفي هذا السياق، إنّ التزامكم بالاحتفال بسنة الإيمان الوشيكة يتّخذ معنى مميّزاً: تعزيز الالتزام بنشر ملكوت الله ومعرفة الإيمان المسيحي. فيما يخصّ الأشخاص الذين تعرّفوا إلى يسوع المسيح، هذا يدعو إلى "اهتداء أصيل ومتجدد إلى الرب، المخلّص الوحيد للعالم" (الرسالة الحبريّة "باب الإيمان"، 6).  إن الجماعات  المسيحيّة "بحاجة إلى سماع صوت المسيح مجدداً، الذي يدعوهم إلى الاهتداء، ويحثّهم على اتّخاذ ضمانات جديدة وجريئة ويدعوهم إلى الالتزام أكثر بالمهمّة العظيمة "للتبشير الجديد بالإنجيل" (يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في أوروبا"، 23). يسوع، وهو الكلمة المتجسّد، هو دائماً محور الإعلان، ومرجع للمهتدي ولمنهجيّة مهمّة التبشير بحدّ ذاتها، لأنّه الوجه البشريلله الذي يرغب ملاقاة كل رجل وامرأة ليتوحّدوا معه في حبّه. لسلوك طرقات العالم ولتعليم الإنجيل لكلّ شعوب العالم وإرشادهم إلى ملاقاة الله (راجع الرسالة الحبرية "باب الإيمان"،7)، على المرسل أن يتشارك علاقة شخصيّة ويوميّة مع المسيح وأن يعرفه ويحبّه بقوّة.

إنّ المهمّة اليوم بحاجة إلى ثقة متجددة في عمل الله؛ وهي بحاجة إلى الصلاة أكثر ليأتي ملكوته، وتكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض.  من الضروري استلهام نور الروح القدس وقوّته، والالتزام بعزم وسخاء لافتتاح، بمعنى أو بآخر، "عهداً جديداً لإعلان الإنجيل وهو أمر مهمّ ليس فقط لأنّه بعد ألفي عام لم يعترف قسم كبير من العائلة البشرية بالمسيح بل أيضاً وضع الكنيسة والعالم (…) الذي يشكّل تحدياً للإيمان" (يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في آسيا"، 29). من هنا، أنا سعيد جداً بتشجيع مشروع مجمع تبشير الشعوب والأعمال الإرساليّة الحبريّة لدعم سنة الإيمان. يتوقّع هذا المشروع حملة عالميّة، التي من خلال صلاة المسبحة الورديّة سترافق عمل التبشير في العالم وستسمح للمعمّدين باكتشاف الإيمان من جديد والتعمّق فيه.

أصدقائي الأعزّاء، أنتم على علم بأنّ إعلان الإنجيل ليس من النادر أن يستلزم صعوبات ومعاناة؛ في الواقع، إن نمو ملكوت الله في العالم غالباً ما يتمّ على حساب دماء خدّامه. في هذه الفترة من التطوّرات الاقتصادية والثقافية والسياسية، حيث يشعر الإنسان غالباً بالوحدة، وبأنّه فريسة المعاناة واليأس، يضطهد رسل الإنجيل مثلما حصل مع معلّمهم وإلههم إذا بشّروا بالرجاء  والسلام. مع ذلك، وبغضّ النظر عن المشاكل والواقع المرير للاضطهاد، لم تفقد الكنيسة رجاءها، فهي تبقى وفيّة للمهمة التي أوكلها الربّ بها مع العلم بأنّه "طوال التاريخ المسيحي، الشهداء وهم "الشهود" كانوا كثيرين ومتوفّرين للتبشير بالإنجيل" (يوحنا بولس الثاني، "رسالة الفادي"، 45). إنّ رسالة المسيح، اليوم كما في الأمس، لا يمكن أن تتأقلم مع منطق هذا العالم لأنّها عبارة عن نبوّة وتحرير، إنّها بذور البشريّة التي تنمو والتي ستتحقق بالكامل في النهاية.

إنّ إئتمانكم بطريقة معيّنة هو فرض لدعم خدّام الإنجيل ومساعدتهم في "الحفاظ على فرح وتعزية التبشير، وعلينا التبشير حتى في أوقات الحزن" (بولس السادس، الإرشاد الرسولي "التبشير بالإنجيل"، 80).

كما أنّ التزامكم يتعلّق أيضاً بالحفاظ على نشاط الدعوة الإرساليّة لجميعتلاميذ المسيح، حتى يكون كلّ واحد، وفقاً للموهبة المعطاة من الروح القدس، قادراً على المشاركة في المهمّة العالميّة التي خصّصها الله للكنيسة. إنّ أعمالكم الإرساليّة هي جزء من كيان العناية الرعويّة لأنّ مهمّة التبشير هي مثال لنشاط الكنيسة الرسولي بكامله. كونوا أكثر فأكثر التعبير الواضح والفعلي لوحدة الأشخاص والسبل بين الكنائس، التي هي عبارة عنقنواتمتواصلة، والتي تعيش الدعوة الإرساليّة والضغط نفسه والتي تعمل على زرع كلمة الحق في كل الشعوب والحضارات في جميع أنحاء العالم. أنا واثق من أنّكم ستثابرون في التزامكم حتّى تتحمّل الكنائس المحلّيّة بشكل أفضل مسؤوليّتها في مهمّة الكنيسةالجامعة.

فلتصحبكم العذراء الكلية القداسة، ملكة الإرساليات، وتعزّز جميع جهودكم في نشر الوعي والتعاون. مع هذا الرجاء، الذي أحسّ به دائماً وأنا أصلّي، أشكركم جميعاً وجميع الذين يساهمون في قضيّة التبشير وأمنح لكلّ واحد منكم من قلبي البركة الرسوليّة.

* * *

نقلته إلى العربية ريتا قرقماز – وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية