ما لي وما لكِ، أيّتها المرأة؟

 

   منذ أن إبتدأ الرب يسوع في العمل بحسب الرسالة التي أتى مِن أجلها ألا وهي خلاص النفس البشرية، أي الفترة إبتداءً من المعمودية على يد يوحنا المعمدان، ومن ثم دعوة التلاميذ الأولون فحَدَثْ الإعجوبة الأولى في عرس قانا الجليل وهي ما تُسمى بفترة ظهور الرب، نُلاحظ أن الرب يسوع كان يتكلّم مع البشر وبكلامه سلطان إذ هو يتكلّم معهم كإله على الرغم مِن كونه أطلق على نفسه "إبن الإنسان". وفي عرس قانا الجليل نراه يردّ على صلاة الإنسان الذي تمثّل بالعذراء مريم حين صلّت له قائلة: "ليس عندهم خمر" بقوله: "ما لي وما لكِ، أيّتها المرأة؟ لم تأت ساعتي بعد" (يوحنا 2: 3-4). ولعل الله أراد أن يمتحن الإنسان/"الكنيسة عروس المسيح" بمدى معرفته به [فغالبًا ما نسمعه يقول لمن يطلب منه فيستجيب له: "أيمانك خلّصك" أو بما معناه "من أجل إيمانك نِلتَ ما طَلبته"]، فهذه المرأة هي "عروس الله" التي إختارها لتلد المُخلّص إبن الله. ولكون أن هذه المرأة تُدرك هذه المكانة لذلك نراها تقول له دون أن تنطق بكلمةٍ واحدة إنما بفعلها تكلّمت وقالت له: "أنا هي التي أحبّتك ووَثِقتْ بكَ، أنا هي التي تعلم مَن أنتَ وتعرف قُدرتك ولقد أخبرتُ الّذين لا يعرفوك بأن يُطيعوك، لك كلّ المجد"، وحين رأى الله إيمانها كان لها ما أرادت. أجل، هو يعلم مَن هي هذه المرأة، فهي أمه، ولكنه أراد أن يُعلن للجميع بأن هذه المرأة هي أيضًا "العروس" التي تقول له: "أنت هو الّذي سيُطعمني ولن تدعني أجوع، وبوجودك لن يعوزني شيء لأنك ستوفّر لي كلّ ما أحتاج. أنت هو العريس الّذي يُحافظ على أهل بيته ويعمل كلّ ما في وسعه من أجلهم". وبذلك حين قال الرب يسوع للعذراء مريم: "ما لي وما لكِ، أيّتها المرأة؟" كان يقصد أن يقول للإنسان: "أتعرف يا إنسان ما علاقتنا ببعض؟"، وهو يأمل أن يكون الجواب كما أجابت العذراء مريم.

   يعتقد البعض بأن الرب يسوع يُقلِّل من شأن العذراء مريم حتى مِن كونها "أمه بالجسد" حين يناديها بلقب "المرأة"، ولكنهم يجهلون بأنه بهذا اللقب هو يرفعها من منزلة "أم إنسان" إلى منزلة "مَن ينوب عن البشرية في الصلاة" أي إلى "أم البشرية" [فالأم غالبًا ما تنوب عن الإبناء في تقديم طلباتهم لأبيهم]، وهذا هو اللقب الّذي أكّده عليها قبل أن يموت مِن على الصليب حين أوكل إليها تلميذه الحبيب (يوحنا 19: 26-27).

   مَن لم يطّلع على سفر يوئيل من العهد القديم لن يفهم معنى أن العذراء مريم هي تُمثّل بني إسرائيل كافة التي بقولها "ليست لديهم خمر" تقول لله أن الساعة قد حانت والبوق قد نُفِخ فيه وكهنتك يصرخون إليك "أشفق يا رب على شعبك الّذي قد تاب وصام عن الخطيئة، ولا تجعل ميراثك عارًا فتسخر منهم الأمم لماذا يُقال في الشعوب: أين إلههم"، فيُشفق الله على شعبه فيُرسل لهم القمح والنبيذ والزيت فيشبعون ويُبعِد الشرّ عنهم وتفيضُ روحه على كلّ البشر ويعلمون بأن الله في وسطهم. أجل، هنا العذراء مريم تقول لإبنها الإله: "أنا هو شعبُك الّذي أدرك بأن الكرمة أصبحت خراب والخمر قد نفذ لأنه إبتعد عنك فتاب وعاد إلى طاعة كلمتك [{فقالت أمه للخدم: "مهما قال لكم فإفعلوه" … فقال يسوع للخدم: "إملأُوا الأجران ماءً". فملأُوها إلى أعلاها. فقال لهم: "إغرفوا الآن وناولوا وكيل المائدة". فناولوه. (يوحنا 2: 5-7)}]، وبأننا في ذلك الزمان الّذي وَعدْتَ به أن تُفيض علينا بالتقدمة والخمر والزيت اللذان يُسكبان عليها". وهذا ما كان، وسيبقى إلى الأبد بالرب يسوع المسيح والروح القدس. آمين.

   وهنا لا يسعُنا إلا أن نتذكّر أمّنا حواء الأولى التي أطلق عليها آدم إسم "إمرأة" بسلطان مِن الله (التكوين 2: 23) وما فعلت مقارنة بما فعلته مريم العذراء "أم البشرية الجديدة" والتي أطلق عليها أبن الإنسان الإله المُتجسّد بسلطانه إسم "إمرأة":

·       المرأة الأولى هي التي حفّزت الإنسان بأن لا يُطيع الله بل يسمع للشيطان (التكوين 3: 1-6)، أما المرأة الثانية فهي تعرف الله حقّ المعرفة وهي التي تطلب مِن الإنسان أن يُطيع الله. المرأتان أُمْتِحنتا ولكن الغلبة كانت للثانية.

·     المرأة الأولى هي التي أخرجت الإنسان من الجنة ذات الأشجار اليانعة المثمرة والمياه الجارية والتي بها شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر، بينما المرأة الثانية هي التي طلبت من الله أن يُعيد الحياة للأرض القاحلة ليعيش الإنسان دومًا في الجنة الحقيقية: قلب الله المتمثّل بقلب يسوع الأقدس: الأرض الموعودة التي تدر عسلاً وحليبًا ولبنًا.

·    المرأة الأولى سمحت للشيطان أن يغزو قلب أبنائها ويبث السم في قلوبهم فيموتوا، في حين أن نسل المرأة الثانية هو مَن سحق رأس الشيطان وأزال سمومه مِن قلوب كثيرين ليحيوا (التكوين 3: 15).

·    المرأة الأولى أبعدت الإنسان عن وجه الله، بينما المرأة الثانية ولدت "الله المُتجسّد" لتراه البشرية أجمع وتنعم بدفء محبته.

الله محبة

بقلم: نيران نوئيل إسكندر سلمون