ضدّانِ لا يجتمعان

ضدّانِ لا يجتمعان

فاطمة ناعوت  Mon, 25/06/2012 –

كلما شاهدتُ طفلاً مصريًّا، يثبُ فى عقلى سؤالان. الأول: كيف يرى هذا الطفلُ ما يجرى حوله، بعينيه الصغيرتين البريئتين، مما لا نقدر أن نفهمه نحن الكبار بعيوننا المفتوحة على الدهشة؟ هل بوسعه أن يفهم تطاحنات أبناء وطن واحد؛ فبدلا من إنقاذ وطنهم المُنهك اقتصاديًّا وأمنيًّا، يتفرغون للتشاحن والسباب والتخوين وتعطيل الدماء فى شريان مصر!

السؤال الثانى: بعد سنوات، ماذا عسى هذا الطفل سيقرأ فى كتاب التاريخ؟ كيف سيصوغ المؤرخون الفترةَ التى نحياها الآن؟ هل سيكتبون أن رجالا كانوا يتصارعون على كرسى، وأن مواطنين كانوا يقتتلون فوق جسد يحتضر، ثم يُغنّون: «بنحبك يا مصر»؟ أم تُراهم سيزيفون التاريخ كالعادة فيشطبون ما لا يروقُ لهم من أحداث؛ باعتبار أن التاريخَ هو: «ما نريده أن يكون قد حدث، وليس ما حدث بالفعل»؟ فنقرأ: «فى ٢٥ يناير ٢٠١١، انطلقت أشرفُ ثورات التاريخ، وسرعان ما تشكّل برلمانٌ ثورىٌّ رائع انتخبه الشعبُ بإرادة حرّة، وقام البرلمان بحلّ مشاكل الشعب المتراكمة منذ عقود، ثم أجمع المصريون على الرئيس (فلان الفلاني) الذى قاد البلاد نحو المستقبل». وهكذا نُلقِم أطفالنا الخلطةَ الشهيرة: «جرام واحد» مما حدث، مع «كيلو جرام» من أوهام لم تحدث. فالثورةُ هى الحقُّ «الوحيد» فى الجملة السابقة. ولكن، لا البرلمان ثورىٌّ، ولا الشعب انتخبه بإرادة حرة، بل بالترهيب بكارت الدين، وبالتكفير لمن لا يعطى للمتأسلمين صوتَه، ولم يعبأ البرلمانيون إلا بتُرهات مُضحكات مُبكيات مثل تزويج الطفلات عند ١٢ سنة، وإلغاء تدريس الإنجليزية لأنها حرامٌ، ولا أجمع المصريون على الرئيس القادم (أيًّا من كان. أكتب لكم نهار السبت قبل تسمية حاكم مصر)..

قديماً قال أحد مفكرى مصر من كبار رجال القانون: «السياسةُ والعدالةُ ضِدّانِ لا يجتمعان، وإن اجتمعا لا يتمازجان». وصدقَ مكرم عبيد، فالعدالةُ اسمٌ من أسماء الله، لا تنتصرُ إلا للحق والجمال. فيما السياسةُ هى لعبةُ الحسابات والمصالح والنفعية التى تدوس على الحق والجمال. لهذا يسمّيها الساسةُ: «اللعبة القذرة». وتنطبق حكمةُ مكرم عبيد على وضعنا الراهن على أكمل وجه، فالعدالةُ تقول: «الثوّارُ يحكمون». لكن السياسة قالت: «بل يحكم قاطفو الثمار الأعلى صوتًا والأغلظ قلبًا». وليس أعلى صوتًا وأغلظَ لسانًا وقلبًا من الإخوان. فقطفوا الثمارَ وسرقوا مصر. العدالةُ تقول: «المشاركةُ لا المُغالبة». لكن السياسة قالت: «معنا كارتُ الدين نُرهبُ به من نشاء، ونحشد الصفوفَ بالزيت والسكر، فلنا البرلمان والمحليات والنقابات والتأسيسية والرئاسة، وموتوا بغيظكم!» العدالةُ تقول: «الدستور أولاً، لأن النظامَ سقط، طائحًا بالدستور».

لكن السياسةَ قالت: «سنُفصّل الدستور تفصيلاً تبعًا لمقاس الكرسى، بل الكراسى، التى سنجلس عليها نحن الإخوان المسلمين. عاجبكوا واللا لأ؟» العدالةُ تقول: «الديمقراطيةُ هى شرعيةُ الصندوق واحترام رأى الناس الحر». والسياسةُ قالت: «إما مرسى الإخوانى، أو أنهارُ الدماء والويل والثبور». العدالة قالت: «البرلمانُ غير شرعىّ، يجب حلُّه». والسياسةُ قالت: «سندمّر مصرَ لو لم يعد البرلمانُ الإخوانىّ». العدالةُ تقول: «مصرُ للمصريين كافة». والإخوان قالوا: «طز فى مصر، ولكن عرشَها لنا، فهو حلمُ ثمانين عامًا من التشوّف والترقّب والمؤامرات والمكائد». العدالةُ تقول: «أمركم شورى». لكن الإخوان يقولون: «(وأعدّوا!) راسمين لنا سَيفيْن بتّاريْن يُزهقان مَن يخالفهم الرأى». ها هم الإخوان، والعدالةُ أين؟!.

المصرى اليوم