ونحن في انتظار توقيع الأرشاد الرسولي

 السينودس …. المسيحيون أصلاء في أرضهم ..

 

 أيجوز أن نحيا بالتنقيط كي نموت بالتقسيط، فتكون النتيجة التسقيط!. 

 المدخل

المونسنيور بيوس قاشا

 بالأمس القريب، وبالتحديد يوم السبت 28 تموز 2012، صوّت مجلس النواب العراقي على قرار يعتبر التركمان مكوَّن أساسي والقومية الثالثة في العراق بعد العرب والأكراد، ويتمتع أبناء المكوَّن بكافة الحقوق الدستورية والقانونية، وتشريع ما يترتب على ذلك من قوانين لتمكينهم من ممارسة حقوقهم الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية، والمشاركة في الحكومة الاتحادية وفي الهيئات المستقلة، وامتيازات أخرى لا تُعَدّ ولا تُحصى.

  ويؤكد البيان أيضاً تعرض التركمان في عهد النظام إلى اضطهاد قومي وطائفي، ويدين المجلس ما حصل للتركمان من ظلم واضطهاد بسبب هويتهم في عهد النظام البائد… لذا يُشرّع مجلس النواب قانون حقوق التركمان حسب المادتين 3و4 (رابعاً وخامساً)، والمادة التاسعة (أولاً – أ)، والمواد 108 و116 و125 من الدستور العراقي. ولو قرأنا البيان بأكمله، سنصل إلى فقرة تقول:"يمنع القرار الجديد تنفيذ أية قرارات أو اتخاذ إجراءات لتغيير البنية الاثنية في المناطق التي يقطنها المكوَّن التركماني، وحمايتهم من أي نشاط يضرّ باستمرار وجودهم ويخلّ بممارسة حقوقهم حرياتهم"… وفقرات أخرى.

 في البدء

   نعم ، في البدء لا يسعنا إلا أن نهنئ شعبنا التركماني على ما حصلوا عليه .. ثم نقول ، الأوطان مُلكٌ لشعوبها، والشعوب علامة رقي أوطانها… فالوطن لا يمكن أن يكون لطائفة أو عشيرة أو قومية بل هو لجميع الأطياف، صغاراً كانوا أم كباراً، عديدين أم قليلين… واعتبار الوطن مُلْكٌ لعشيرة ما أو لقومية أو لطائفة ( مع احترامنا اللائق ) إهانة لبقية أبنائه، بل خلل أكيد في حقوق الشعوب الأصيلة، واحتقار لعمل الخلقة الذي أبدعه الله (جلّ جلاله) والذي قال:"هي ذي الأرض، اسكنوا فيها وأكثروا" (تك/1)، وايضا لما جاء في القرآن الكريم: " إن الله خلقكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا " ، وليس لتتشاطروا أجزاءً أو أقساماً أو طوائف أو قوميات، فتلك نظرات في أعلى درجات الإهانة، واحتقار لخليقة الله الرائعة… وإنْ كنا نسمّي أنفسنا حاملي كتب السماء، فالكتب تدعو إلى المحبة والتآلف والتسامح والمغفرة ليس فقط عند المقدرة بل في كل الأوقات والأزمنة ، وقادة الشعوب من واجبها زرع محبة الأوطان في قلوب أبنائها. فاعتبار قومية وإهمال أخرى، ألا يعني ذلك كرهٌ للأوطان ، واحتقارٌ للشعوب، وفي ذلك تضيع رسالة الحياة في قبول الآخر، والعيش المشترك والمتبادل، واحترام حرية الآخر وعقيدته وإيمانه، فتنبت بذلك بذرةُ الكراهية والحقد ونبذ الأوطان وهجرها ليس إلا!.

  فمَن سيحمي الوطن في محنته؟… هل الشعوب والدول الغريبة التي تفرض إرادتها علينا كوننا لا نملك ما يملكون بعدما ضاع كل شيء، وأصبحت القوة هي الفاعل الأكيد أن يعملوا ويغيّروا ويرهبوا مَن يشاؤوا ولأجل مصالحهم وغاياتهم؟… وهل يجوز تدمير شعوب لتحيى شعوب؟… أين السمو العربي، وأين الوفاء الإسلامي، وأين الأمانة في الجيرة ؟… ففي ذلك ضاع حتى السابع جار. فإنْ كنا الجار الأول صنعوا بنا ذلك، فما بال الجيران الأخيرين!… فالمسيح يسوع _ عيسى الحي _ …يقول:" إنْ كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا ، فماذا يكون باليابس ( لو31:23)،

 في صميم الموضوع

  في مقال سطَّرْتُه في الماضي القريب قلتُ فيه: حسب مجريات الزمن والأيام والتاريخ، إننا نواجه في مشرقنا _ وبالخصوص في بلدنا _ أزمة حضور مصيري، أزمة كيان. فعددنا في تناقص مستمر بسبب الانتهاكات التي تُرتَكَب بحقنا بالقتل والتهجير والتهميش والإهمال وما إلى ذلك من خطط سوداء في تاريخ الزمن القاسي.

  فالخوف من الآتي بسبب التطرف المتنامي الذي يُنزّل آيات التكفير بحقنا نحن، فلا خوف من أن أقول: أن العراق دون المسيحيين الأصلاء لا يمكن أن يكون بلاد الرافدين أو وطن المحبة والديمقراطية. وما حصل لشعبنا لم يحصل لشعوب أخرى كانت تسمى بالبربرية، وما حلّ في العراق من مآسٍ لا تُعَدّ ولا تُحصى عديدة ومخيفة في رواياتها، وشعبنا الذي كان يُعرَف بحضارته وقبوله الآخر صُوِّر بشعب إرهابي، دموي، عنصري، طائفي، عشائري، لا يحب إلا القتل والتدمير وسفك الدماء وتهميش الآخر… ولعلّه مخطط لا بدّ من أن يكتمل بحرق الأبرياء بمسلميه ومسيحييه، ولمصلحة مَن!!… هل هي دولية أم إقليمية أم جيرانية أم مصلحية أم… لا أعلم؟… وإنما ما أعلمه أنه لم يكن ذلك سابقاً ولا في الحسبان إطلاقاً. فما حصل ويحصل لهو مخيف جداً.

  نعم، إننا نعيش أزمة حضور مصيري، بل أزمة وجود وضياع لكيان. بسبب ما يُرتَكب بحقنا وإنْ كان في النيّات. وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل سيبقى العراق وطننا؟، وهل نحن الأصلاء فعلاً أصلاء؟، أم أن التاريخ قد غيّر إشارته أم غيّروه ليسجلوا تاريخاً كما يشاؤون… تاريخاً من جديد… تاريخاً مزيَّفاً. فهناك أناس بل دول تفتش عن دفن التاريخ ليس في بطون الأرض ليكون يوماً شاهداً على قبورهم الجماعية، بل يحرقوه في محرقة التزييف التي فيها تعشعش مصالحهم وشرورهم وحتى مكائدهم، قائلين: سنبيدهم عن بكرة أبيهم، وسنقلع جذورهم الرافدينية، وسنسجّل ما يملكون بأسمائنا، وينصّبون الله شاهداً عن هذا الصنيع ليتبرّءوا من مسؤوليتهم كما فعل بيلاطس.

 مسيحيون أصلاء

  استمر الحضور المسيحي مُشرقاً منذ ولادته في المشرق، وفتح أبناؤه قلوبهم وبيوتهم ليقاسموا الحياة بِمَن أتوا إليها فاتحين. ويقول توماس أرنولد (1830-1864)، مؤلّف كتاب "تراث الإسلام":"إن المسيحيين تمتعوا بنجاح عظيم بفضل ما كفل الإسلام لهم من حرية الحياة والتملّك والعقيدة، حتى كان منهم أصحاب النفوذ العظيم في قصور الخلفاء. كما تبوّءوا مواقع مهمة في الدولة، وتولّوا حركات علمية عديدة إلا في بعض أزمنة. كما عمل المسيحيون على نشر الوعي، وإقامة التوازن الاجتماعي والثقافي، وهم الذين احتلّوا موقعاً رئيساً في بناء الحضارة العربية كمكوَّن فاعل في العمل الإنساني والأجتماعي. كما حملوا روح الديمقراطية والانفتاح وقبول الآخر المختلف عنهم، وحملوا أيضاً الحريات العامة وحقوق الإنسان والنهضة العربية، فكانوا ولا زالوا كشجرة مثمرة لهذا الشرق المعذَّب، وينتمون إلى نفس النسيج والهوية في بلدانهم كونهم أصلاء في أوطانهم ذاتها"… وهذا ما أكّده أيضاً آباؤنا البطاركة مرات عديدة وعبر رسائلهم الأبوية الرسولية… ويسرني أن أسرد هنا تعليقات لشخصيات سياسية ودينية وعالمية ،في مناسبات مختلفة وخصوصا بعد كارثة كنيسة سيدة النجاة ، لها احترامها وكرامتها ومكانتها في مجتمعاتنا ومسيرة شعبنا الغالي:

*منذ سنوات والعنف غير المتوقف يضرب هذا البلد الحبيب مخلِّفاً آلاماً. وقد أضحى المسيحيون هدفاً لهجمات وحشية، هجمات تعبّر عن احتقار الحياة، الحياة التي هي هبة من الله تعالى، لا يجب المساس بها. فنحن نريد بناء الثقة والتعايش الأخوي.

 البابا بندكتس السادس عشر

خلال مراسم تشييع ضحايا كنيسة سيدة النجاة

* المسيحيون اصلاء في بلدهم وليسوا مستوردين من الخارج انهم بناة الحضارة والثقافة وهل بقي هناك ضمير في دنيا النفاق.

 غبطة البطريرك يوسف الثالث يونان

 اربعينية شهداء كنيسة سيدة النجاة

*إن المسيحيين في الشرق ليسوا أقلية لأنهم في الأساس مواطنون وعمرهم 2000 سنة من الوجود، وصبغوا بثقافتهم المسيحية الروحية والثقافية والاجتماعية المجتمعات التي حلّوا فيها في العالم العربي. والسؤال: لماذا يتعرض المسيحيون للإضطهاد بما يجبرهم على المغادرة كما يحصل في العراق؟…

 البطريرك بشارة الراعي / ديترويت 17 أيار 2012

* المسيحيون هم بُناة القيم والأوطان، وهم من أهم بُناة الحضارة الإسلامية نفسها.

 البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام

 بطريرك أنطاكية وسائر المشرق

*إن المسيحيين أشقّاء لنا في الوطن، وأي ضيم يلحق بهم إنما هو ضيم لكل العراقيين. فهم أبناء البلد الأصلاء الذين تعايشوا طوال قرون مع إخوتهم في الوطن الواحد الذي يتفانون في خدمته.

الرئيس مام جلال الطالباني

 رئيس جمهورية العراق

* المسيحي هو عراقي، وهو ابن العراق، وهو في عمق الحضارة التي نفتخر بها. وعلينا تحمّل المسؤولية تجاه إخواننا المسيحيين. وقد طلبتُ من قداسة البابا خلال زيارتنا الأخيرة أن لا يدع الشرق يخلو من المسيحيين، وإن المسيحيين إخواننا وشركاء في هذا البلد، وجميع مطالبهم واحتياجاتهم يجب أن تُنفَّذ بسرعة. وهذا ليس مِنّةٌ منا بل واجبنا ووظيفتنا تجاه جميع العراقيين وبضمنهم المسيحيين.

السيد نوري كامل المالكي

 رئيس وزراء العراق

* إن أمن المواطنين المسيحيين وتلبية مطالبهم هو واجب وطني، علينا جميعاً أن نقف معكم في نفس الخندق، وداعين لكم في أية أزمة.

 الاستاذ أسامة النجيفي

 رئيس مجلس النواب

 14 تشرين الثاني 2010

في زيارته لكنيسة سيدة النجاة

* إن مسيحيي العراق هم أبناء العراق الأصلاء، لهم مثل ما لكل الطوائف والقوميات والديانات من حقوق. وإن العراق بلدهم ولن يتمكن أي مجرم أو إرهابي من إخراجهم منه.

 علي الدباغ

الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية

* إن المسيحيين ليسوا جزءاً طارئاً على العراق بل هم شركاء أساسيين في بناء العراق، وسوف ندافع عنهم وعم حرمتهم وعن أعراضهم وممتلكاتهم مهما كلّف الأمر.

 سماحة السيد عمار الحكيم

زعيم المجلس الإسلامي الأعلى

* إننا نقف ضد إفراغ العراق من المكوّن التاريخي المسيحي، فهم جزء مهم من تاريخ العراق ومن ثقافة العراق ومن حضارة العراق، وقد عُدَّ هذا المكوَّن جزء أساسي وثمين.

 السيد علي العلاق

النائب عن التحالف الوطني

 

* نحن ملتزمون بحماية المكوّنات المستضعَفَة في العراق. سنستمر في العمل مع حلفائنا في الحكومة العراقية لتأمين مناخ يشعر الجميع فيه أنهم في أمان، وإن معتقداتهم هي مصونة.

 الرئيس باراك أوباما/ رسالة الى غبطة البطريرك يونان كانون الاول 2010

* إن المسيحيين جزء لا يتجزأ من النسيج العربي. ونتعهد بدعم المسيحيين والوقوف بقوة ضد ما يتعرضون له من شرور بحسب قوله.

 السيدعمرو موسى

 أمين عام جامعة الدول العربية

أثناء زيارته لكنيسة سيدة النجاة

* المسيحيون مكوَّن أساسي في النسيج الوطني العراقي، وساهموا في بناء حضارة العراق، وما زالوا يساهمون في بناء مستقبل بلدهم.

مجلس كنائس الشرق الأوسط

* من مهامنا أن ننظر إلى جميع المكوِّنان بعين واحدة، وعدم التمييز بين أي مكوَّن أو قومية.

 الاستاذ برهم صالح

رئيس حكومة إقليم كوردستان

*المسيحيون مكوَّن رئيس من مكوناته البشرية.

البرلمان الأوروبي

 

* ليعيشوا في وطنهم باستقرار، ومستعدون لتلبية جميع المطالب والاحتياجات التي تخص المسيحيين الأعزاء.

بيان من المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء

 4 تشرين الثاني 2010

  وبعدُ …

  أمام هذه الاعترافات والتصريحات الحقيقية والواقعية والمُحبة، أيبقى المسيحيون بلا قومية؟… وهل من الضمير الحي أن يُهمَّش المسيحيون في بلدهم؟ وتُقلع جذورهم من تربتهم ؟… وهل من الصحيح أن تقوم شريعة العشيرة أو الطائفة أو القومية بإلغاء شرائع قوميات أخرى، كالسريانية والكلدانية والاشورية بل حتى والمسيحية ، وإنْ كانت قليلة العدد، وقلّتها هو بسبب أفعال وقرارات صدرت ضدها فاستهجنوها وغادروا ليحافظوا على كرامتهم ومسيرة سلامهم…. أصحيح أن ينادى بحب الآخر وقبوله والاستماع إلى رأيه ثمّ تهميش الذين كانوا أصلاً أساساً لهذا القبول والعيش؟… هل من الحق والضمير الحي أن نعامل الذين بنوا أوطاننا ثقافياً وحضارياً واجتماعياً ونجعلهم يعانون من الحرمان والاضطهاد الديني والمدني والطائفي؟… فالمسيحيون أعطوا حياتهم وضحّوا بأبنائهم من أجل تربتهم، وكانوا هم الأوائل في حلبة صراع البقاء للدفاع عن الوطن وأبنائه، واليوم أصبحوا غرباء، لا بل عليهم أن يرحلوا كون الوطن يلفظهم، والذين يقودونه يهمّشونهم… ما أبشع هذا التعامل بل ما أحقره حينما نفضّل طائفة على طائفة، ونسبق قومية بأخرى، وننادي بعشيرة ضد أخرى، والحقيقة معروفة إنهم لم يكونوا حينما كان المسيحيون يحفرون ويبنون ويشتلون ويزرعون ويغرسون ويحصدون ( لو28:17) في آشور وأكد وسومر وبابل ونينوى، فهم أصلاء أبناء أصلاء وليسوا غرباء أو مستورَدين ( غبطة ابينا البطريرك يوسف الثالث يونان )، بل هم مواطنون وأبناء الوطن… وهل أثمن من المواطن في وطنه (سماحة السيد عمار الحكيم)؟… وهل يجوز انتفاء الاعتراف بمواطن وإهمال آخر؟… هل نحن نعيش في عالم العداوة والخصومات أم في عالم يجعلنا أن نمدّ أيادينا لبعضنا بعضاً (يو35:13)، فيقولون: أنظروا كم يحبون بعضهم بعضاً؟… أنرسم سياسة لتدمير مَن نشاء وحسب ما نشاء ولغاية نشاءها؟… أليس من المعيب أن نقف أمام رب السماء خالق الأكوان في مسجده أو جامعه أو كنيسته ونتبارى بالطيبة والمحبة والحقيقة والعدل ظاهرياً، ومن الداخل نحن ذئاب خاطفة ( متى 15:7)؟… أنقتل أناساً منحهم الإله حق الحياة، ثم ندعو الرب ليباركنا؟… أنهمل أناساً هم بحاجة إلى عوننا ونتركهم جانباً ثم ندعو الرب ليباركنا؟… ما هذه الازدواجية المقيتة!… أين دستور المحبة!… أنتصارع لكي نبقى!… وكيف نبقى لنحيا بالتنقيط أم لنموت بالتقسيط، فتكون النتيجة التسقيط!… كل هذا أتى علينا لأننا لا نحب الله ولا نحب كتبنا، فقد ألَّهْنا مَن نشاء، ألهنا كبرياءَنا ودولارنا ومصالحنا ، وجعلنا كتبنا تحكي لنا ما نشاء وليس ما يشاء الله الرحمن الرحيم.

 السينودس الحقيقة والأصلاء

  السينودس رسالة سماوية يكشف حقيقة المسيحيين بأنهم أصلاء في أرضهم. ويناشد قداسة البابا بندكتس السادس عشر أساقفة كنائس الشرق الأوسط قائلاً: أثبتوا، وأظهروا معنى الحضور المسيحي في الشرق، وتقاسموا الحياة مع الأخوة من المسلمين واليهود من أجل تثبيت وتقوية هويتكم المسيحية. وواجبكم أن تكونوا رعاة أمناء، يبذلون حياتهم من أجل الخراف" (يو11:10). والمجمع الفاتيكاني الثاني يقول: " يحتاج شعبنا اليوم إلى أن يتفاعل بقدر ما وهبه الله من النِعَم، لكي لا يكون شعباً مُسيَّراً بل شعباً مشارِكاً وشاهداً رغم ضعفه وخوفه وإيمانه التقليدي ".

كما تؤكد الوثيقة الصادرة عن سينودس أساقفة كنائس الشرق الأوسط _ شركة وشهادة _ وتركز على أن المسيحيين هم مواطنون أصلاء في أوطانهم، وينتمون إلى نفس النسيج والهوية ذاتها في بلدانهم الخاصة. وغياب الصوت المسيحي ووجوده سيسبب افتقار المجتمعات الشرق أوسطية وخسارة للتعددية التي ميّزت هذه البلدان.

 الواقع

  إننا هنا لم نُخلَق لنستعطي أو نستنجد في طلب رحمة وعطف الآخر القوي من أجل تأجيل رحيلنا أو منحنا حقوقنا "تقطيراً" و"تنقيطاً"، فنكون أذلاّء صاغرين أمام السامعين والمشاهدين، فيحولوننا كما يشاؤون، ولا يمكن بعدُ أن نكون أهل ذمة أو دافعي جزية، فتلك الأيام قد ولّت، واليوم للإنسان قيمة سماوية أرضية، ولا أحد يقلّل في قيمة الآخر إلا الظالم والحاقد والكريه والذي يشتري الحقيقة بدولار مزيَّف أو من أجل مصلحة ينظر إليها كإله يسيّرها كما يشاء، فيقتل الأبرياء في أرحام أمهاتهم، ويُميت الأجنّة قبل ولاداتهم، وينسى أنه سيموت يوماً وستنكشف الحقائق، وما الذي سيقوله حتى لو صفّق له بعض من شرذمة الحياة وصيادي الفرص السانحة. أما الحقيقة ستبقى جليّة أن المسيحي لا يحيا إلا في المسيح يسوع، فيكون شاهداً وشهيداً "مَن آمن بي وإنْ مات فسيحيا" ( يو25:11). كما لا نقبل اليوم أن يبعدوننا عن كل وظيفة أو مركز مهم من شأنه منح المسيحيين مكانة قانونية مشارِكاً إخوته المسلمين الأحبة حكم البلاد. وبسبب تيارات أصولية أو طائفية أو حزبية أو إقليمية أو سياسية أو عشائرية يجعلون منا "پولاً" للعبة الشطرنج، ينقلوننا من مكانة إلى أخرى، وفي الأخير تكون قائمتنا بين الموتى والقتلى حتى بدون تشييع أو إعلان لذلك.

 نقول

 v سنبقى متمسكين بأرضنا وأصالتنا. فأرضنا حقنا قبل غيرنا _ والذين أتوا من الشمال أو من الجنوب أو من الشرق أو من الغرب ما هم إلا غرباء، وإنْ جمّلوا أنفسهم فأصبحوا تجاراً في الهيكل ( لو45:19) وقالوا: لم نرد أن نأتي، ولكن حباً بأرضكم وخيراتها وخضوعاً لإرادتهم كان مجيئهم، فيتباهون بما كان لهم، ومن أجل أرضنا أردناهم حباً… هذا شأن المسيحيين مع غيرهم _ وأصالتنا أمانة إيمانية في أعناقنا… نعم سنبقى رغم تعرضنا لشتى أنواع التهميش واللامبالاة. فالأمور التي كنا نتمناها أو تفاءلنا بها خيراً بعد الاحتلال ستقود شعبنا إلى التوحد والتكاتف لبناء وطن واحد، وليس إلى انقسامات وخانات من أجل غايات، بحيث يُصبح الأصلاء مبتَذَلين، وتكون الأمور في مسار نحو اتجاه أحادي الانتماء والاتجاه وحسب مزاجيات الحكّام وكراسيهم، وفي ذلك كله يبقى المسيحي في ولاء محبة وعبادة للإله الواحد، الرحمن الرحيم، وللوطن الذي من تربته جَبَلَنا إله السماء، خالق الكون ومبدع الإنسان.

 v لم يكن المسيحيون يوماً ولن يكونوا أبطالاً في الصراع السياسي، ولن يكونوا جزءاً منه إلا القلة القليلة ، فهم حينما يفتشون عن الكراسي لا يكون إلا من أجل الخدمة والبناء، ولا أحد يفتش عن ذلك إلا الذي قادر أن يكون خادماً، وليس الآخرين الذين يقدمون له ذلك على صحن من ذهب حباً للذات، ونظرةً لمصلحة ربما تكون لهم نصيباً. كما لم يفتشوا يوماً عن سلب أموال الآخرين، فالمسيحي يشكر الله على ما له ويرضى بما له، وإنْ كان في السنين الأخيرة بعض منا قد أهملوا هذه الوصية… كما لم أسمع يوماً أنْ قام المسيحيون بتفجير جامع أو حسينية أو مدرسة أو بناية، فإنهم يستنكرون هذه الأعمال ويستهجنونها. وهم لا يردّون شراً بشرّ، ليس لضعفهم _ وإنْ كان ذلك واقعاً _ ولكن لحبهم للسلام والعيش بأمان كونهم أصلاء في الإيمان كما هم أصلاء في الوطن… كونهم شجعان في مسيرة الحب، وأبطال في مسيرة السلام. وحينما نقول "لا"، لا نقصد فيها إهانة الآخر بل حقيقة الواقع. وإذا ما صمتنا عن الرد عن حقنا أمام المتهجمين لغايات دنيوية زائلة _ دون أن يدركوا الحقيقة _ ما ذلك إلا رسالة سماوية سبقنا فيها الرب يسوع "كحملٍ سيق إلى الذبح، وكنعجة أمام الجزّار كان صامتاً" ( أعمال 32:8 )، وإنْ كان تفسير الآخرين كأبطال في مسيرة الدنيا الزائلة، فمسير السماء ما هو إلا كلمة الحق التي تبقى خفيّة عن عيون الأحقاد لتكون واضحة أمام قلوب المحبين… وهذا أسمى أنواع الحب والثقافة والإيمان وقبول الآخر حينما نعترف بواقع كنا قد نظنّه إنه الحقيقة بينما هو الضلال عينه.فالحقيقة في كلام الأمام علي بن ابي طالب حينما يقول " إذا ما أُعطي لي الكرسي لحكمت لليهود بالتوراة وللنصرى بالانجيا وللاسلام بالقرآن " إنه أبلغ كلام .ولكن ما العمل " ونحن في دنيا النفاق " كما يقول غبطة ابينا البطريرك مار يوسف الثالث يونان .

 ما نحتاج إليه

  قبل كل شيء وفي بدء كل شيء نثبّت أصالتنا في الإيمان وعمقنا في الصلاة، وعدم الملل في الحديث مع الله عبر روح الحق، وحقيقة الكنيسة وروؤساءنا الاجلاء ، بعدها نعلن كلمة البشرى السارة التي نحياها في إيماننا دون خوف، ولا نسمح لأحد أن يملي علينا تعاليمه (المسيحية). فإنجيلنا يكفينا ويرشدنا إلى العمل والمحبة، فهو عمود السلام والأخوّة والتضحية والفداء حتى بذل الذات… فقد ظهرت تعاليم مختلفة من كل جانب تشوّه مسيرة إيماننا وطوبى لمن بتعليم الله يبدأ ويكمل ، وحاملوها غايتهم أن نغيّر ما استلمناه في عمادنا بما هو معروف لديهم… علينا أن نوحد كلمتنا، فنحن اليوم بحاجة إلى شعب واحد وليس إلى شعب موحَّد… نطالب بحقوقنا دون خوف ولنأخذ العبرة من التينة (متى 32:24) ، ونقدم الشكر لِمَن يشاركنا مطالبنا مهما صعبت الطريق ومهما كان الهدف بعيداً، ولننظر إلى شعبنا، إنه يرحل لأنه مهان، إنه يهاجر لأنه يعلم أن لا مكان له فلينجنا الله من تلك الساعة ( يو27:12 ) .

  على رجال الكنيسة أن يكونوا واعين ومتأملين ما الذي يحصل،حاملين حكمة الحيات ووداعة الحمام كي يروا مسيرة الأحداث كيف تكلمهم ليكونوا في عين الحكمة ويقرءوا علامات الزمن، فيكونوا قادة قديسين لشعوبهم، بعيدين عن عولمة الدنيا الزائلة ، وشهوداً لحقيقة الإيمان، وسائرين في طريق الشهادة أمام مؤمنيهم، فهم الرعاة وهم الوكلاء، وعليهم أن يكونوا أمناء. وهم الذين ينادون باسم الحق وحقوق الآخر.

  كما على رجال السياسة من علمانينا أن يوحّدوا كلمتهم ويتنازلوا عن كبريائهم دون أن يسيّسوا رسالةً ما لغاياتهم ومصالحهم وفسادهم وشركاتهم ، وأن يفتشوا عن أفقر فقير، إنه هم أنفسهم ، وهم لا يرونه كونهم قد أغلقوا عيونهم عن حقيقة بصائرهم. وليعلموا جيداً أن شعبنا يرحل في فجر كل يوم كي لا تراه إلا عيون السماء بسبب ضعفنا ومصالحنا الانانية من اجل كبريائنا .وأخافلئلا نضحى يوما فنجد ديرتنا قد بيعت ونحن خلف الحدود ننتظر الآتي ، نعم نعم ، يارب ، نجنا من تلك الساعة ( يو27:12) نعم وآمين