مؤتمر صحفي على متن الطائرة البابوية في 14 سبتمبر 2012

 

روما، الجمعة 14 سبتمبر 2012 (ZENIT.org)

"يجب إيقاف نقل الأسلحة لوضع حد للعنف والحرب في الشرق الأوسط" هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر في مؤتمر صحفي له على متن الطائرة التي نقلته الى لبنان، مشدّدًا أنه من دون السلاح لا يمكن للحرب أن تستمر. كما نفى أي تصميم له بشأن الغاء هذه الرحلة، وأكد أن هدف زيارته هو الدعوة الى الحوار والسلام.

ننشر في ما يلي المؤتمر الصحفي الذي عقده البابا على متن طائرة Airbus 320 لشركة الطيران "أليطاليا" Alitalia التي نقلته من روما الى بيروت.

***

قداسة البابا، تصادف هذه الأيام ذكرى أحداث مروعة، كأحداث 11 سبتمبر، ومجزرة صبرا وشتيلا؛ هناك حرب أهلية دامية على حدود لبنان، كما نرى أيضًا أن خطر العنف حاضر دائمًا في البلدان الأخرى: صاحب القداسة، بأية مشاعر تواجهون هذه الرحلة؟ هل فكرتم بإلغاء الرحلة بسبب انعدام الأمن، أو هل اقترح عليكم أي شخص فكرة كهذه؟

أصدقائي الأعزاء، أنا مسرور جدًّا وممتن لهذه الفرصة التي أتيحت لي للتحدث معكم. يمكنني القول بأن أحدًا لم ينصحني بإلغاء هذه الرحلة، ومن جهتي، لم أفكر أبدًا بهذه الفرضية لأنني أعلم أنه إن تفاقم الوضع، يكون من الضروري أكثر أن نظهر علامات إخاء، وتشجيع، وتضامن. وهذا هو إذا معنى رحلتي: الدعوة الى الحوار، الدعوة الى السلام ضد العنف، السير جنبًا الى جنب لإيجاد حلول للمشاكل. وهكذا، إن مشاعري في هذه الرحلة هي مشاعر امتنان لإمكانية ذهابي الى لبنان في هذا الوقت، هذا البلد العظيم، هذا البلد الذي هو وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني عدة رسائل في منطقة التقاء الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية، واليهودية. إنني لممتن بخاصة الى الرب الذي أعطاني هذه الفرصة؛ كما انني ممتن أيضًا لكافة المؤسسات والأشخاص الذين ساهموا ويساهمون دائمًا لتتحقق هذه الفرصة. وأنا ممتن لكثير من الأشخاص الذين يرافقونني بالصلاة. في ظل هذه الحماية من الصلاة والمساهمة، أنا سعيد وأكيد بأنه يمكننا ان ننجز خدمة حقيقية لخير البشرية والسلام.

شكرًا صاحب القداسة. يعبر الكثير من الكاثوليك عن قلقهم إزاء تنامي الأصولية في مختلف مناطق العالم وإزاء الهجمات التي يذهب ضحيتها العديد من المسيحيين. في هذا الإطار الصعب وفي كثير من الأحيان دموي، كيف يمكن للكنيسة أن تستجيب لمقتضيات الحوار مع الإسلام، الذي أصريتم عليه عدة مرات؟

الأصولية هي دائمًا تزييف للدين. هي تتعارض مع جوهر الدين الذي يريد أن يصالح ويخلق سلام الله مع العالم. وبالتالي، فإن مهمة الكنيسة والديانات هي التنقية، تنقية كبيرة للديانة من هذا الإغراء هي دائما ضرورية. فمهمتنا هي إنارة الضمائر وتنقيتها والتوضيح بأن كل إنسان هو صورة الله، وعلينا أن نحترم الآخر، ليس احترام غيريته فحسب، بل الجوهر الحقيقي للغيرية وهو صورة الله، ومعاملة الآخر كصورة الله. إذا يجب أن تكون الرسالة الأساسية للدين ضد العنف الذي هو تزوير- كالأصولية- كما عليها أن تكون تعليمية، وتنويرية، وتنقي الضمائر لجعلها مستعدة للحوار، والمصالحة، والسلام.

في إطار موجة الرغبة بالديمقراطية التي تجتاح العديد من بلدان الشرق الأوسط من خلال الربيع-العربي الشهير، ونظرًا للظروف الإجتماعية في معظم هذه البلدان حيث يشكل المسيحيون الأقلية، أليس هناك خطر وقوع توترات حتمية ما بين الأغلبية الحاكمة وبقاء المسيحية؟

إن الربيع العربي بحد ذاته هو شيء إيجابي، هو رغبة في المزيد من الديمقراطية، والحرية، والمزيد من التعاون وبهوية عربية جديدة. إن نداء الحرية هذا الذي أطلقته شبيبة مثقفة ومتعلمة، شبيبة تريد مزيدًا من المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية، هو تطور إيجابي رحب به المسيحيون. مع التفكير بتاريخ الثورات، نحن نعلم بطبيعة الحال أن هذا النداء الحيوي والإيجابي للحرية يوشك على جعلنا ننسى بعدًا أساسيًّا للحرية، وهو التسامح. حقيقة أن الحرية البشرية هي دائمًا حرية مشتركة، والتي لا يمكنها أن تنمو إلا من خلال المشاركة، والتضامن، والتعايش السلمي في ظل قواعد معينة. إنها مخاطرة بشكل دائم، وموجودة أيضًا في هذه الحالة. علينا أن نبذل ما بوسعنا لكي يأخذ مفهوم الحرية، والرغبة بالحرية منحى الحرية الحقيقية ولا ينسى التسامح والمصالحة العاملين الضروريين للحرية. أما الربيع العربي بدوره فيتطلب تجددًا في هذا التاريخ القديم. بنى المسلمون والمسيحيون هذه الأرض وعليهم أن يعيشوا معًا. أعتقد أيضًا أنه من الضروري أن ننظر الى الجوانب الإيجابية لهذه الحركات ونعمل ما بوسعنا لتحاك الحرية بشكل صحيح وتكون جزءًا من حوار أكبر بدلا من هيمنة الواحد على الآخر.

صاحب القداسة، في سوريا، كما في العراق منذ فترة قصيرة، يشعر الكثير من المسيحيين بأنهم مجبرون على مغادرة بلادهم بقلب مثقل. ماذا تنوي الكنيسة الكاثوليكية أن تفعل أو تقول لإيقاف هروب المسيحيين من سوريا وبلدان أخرى في الشرق الأوسط؟

أولا، عليّ أن أقول بأن ليس فقط المسيحيين هم الذين يغادرون، ولكن المسلمين أيضًا. هناك خطر كبير أن يترك المسيحيون هذه الأراضي، ويضيع وجودهم وعلينا أن نبذل ما بوسعنا لكي نساعدهم على البقاء. إن المساعدة الأساسية ستكون إنهاء الحرب والعنف، السببين الرئيسيين لهذه الهجرة. لذلك يجب علينا أن نقوم بكل ما بوسعنا لوضع حد للعنف، وتشجيع إمكانية العيش معًا في المستقبل. ماذا يمكننا أن نفعل حيال الحرب؟ بالطبع، يمكننا دائما أن ننشر رسالة سلام، ونشدد على واقع أن العنف لا يحل أبدًا المشاكل، ونعزز جهود السلام. إن عمل الصحفيين مهم لأنه بإمكانهم أن يساعدوا كثيرًا على إظهار كم يدمر العنف بدلا من أن يبني، وبأنه لا يفيد أحدًا. لربما تظهر الحركات المسيحية، وأيام الصلاة من أجل الشرق الأوسط، من أجل المسيحيين والمسلمين، إمكانية الحوار والحل. كما أعتقد أيضًا بأن على نقل الأسلحة أن يتوقف: فمن دون السلاح لا يمكن للحرب أن تستمر. عوضًا عن استيراد الأسلحة، والذي هو خطيئة لا تغتفر، علينا استيراد أفكار، وسلام، وإبداع. علينا أن نقبل الآخرين باختلافاتهم، وأن نظهر الإحترام المتبادل للديانات، واحترام الإنسان كصورة الله، ومحبة القريب كعنصر أساسي لكل ديانة. نحن بحاجة الى تعزيز جميع الإجراءات الممكنة، بما في ذلك المادية، لدعم انتهاء الحرب والعنف لكيما يمكن لكل ذلك المساهمة في إعادة إعمار البلاد.

قداسة البابا، لقد جلبتم إرشادًا رسوليًّا موجّهًا لكل مسيحيي الشرق الأوسط. هم اليوم سكان يعانون. الى جانب الصلاة وتعابير التضامن، هل ترون أية خطوات ملموسة على الكنيسة وكاثوليكيي الغرب، بخاصة في أوروبا وأميركا أن يتخذوها لدعم إخوتهم في الشرق الأوسط؟

نحن بحاجة للتأثير على الرأي العام. علينا أن نحث السياسيين ليعالجوا هذه المشكلة بكل قوتهم وبجميع الوسائل الممكنة، ليعملوا بشكل مبدع من أجل السلام وضد العنف. يجب أن نساهم جميعًا. بمعنى آخر، من الضروري من جهتنا أن نتدخل، ونثقف، وننقي. بالإضافة الى ذلك، ينبغي على جمعياتنا الخيرية أن تساعد من الناحية المادية. لدينا منظمات مثل "جمعية فرسان القبر المقدس"Chevaliers du Saint Sépulcre في الأراضي المقدسة، ولكن يمكن لجمعيات مماثلة أن توفر المساعدات المادية، والسياسية، والبشرية في هذه البلدان. أود أن أكرر مرة أخرى بأن علامات تضامن واضحة، وأيام صلاة جماعية، يمكن أن يكون لها تأثير على الرأي العام وتحقق نتائج حقيقية. نحن مقتنعون بأن للصلاة تأثير إذا أقيمت مع الكثير من الثقة والإيمان.

* * *

نقلته إلى العربية نانسي لحود – وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية