الْمُقَابَلَةُ الْعَامَةُ لِقَدَاسَةِ الْبَابَا بِنِدِكْتُسْ السَّادِسَ عَشْرَ

يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الْمُوَافِقَ 24 مِنْ أُكْتُوبْرِ 2012

سَنَةُ الْإِيْمَانِ

 

الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ:

قِرَاءَةٌ مِنْ إِنْجِيلِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِحَسْبِ الْقِدِّيسِ مَرْقُسَ: الْإِصْحَاحِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأَيَّةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَ حَتَّى السَّادِسَ عَشَرَ (مر 16: 14-16):

 

"وظهَرَ آخِرَ مرَّةٍ لِتلاميذِهِ الأحَدَ عشَرَ، وهُم يتَناولونَ الطَّعامَ، فلامَهُم على قِلَّةِ إيمانِهِم وقَساوَةِ قُلوبِهِم، لأنَّهُم ما صَدَّقوا الذينَ شاهَدوهُ بَعدَما قامَ. وقالَ لهُم: «اَذهَبوا إلى العالَمِ كُلِّهِ، وأعلِنوا البِشارةَ إلى الناسِ أجمعينَ. كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ ويتَعَمَّدُ يَخلُصُ، ومَنْ لا يُؤمِنُ يَهلِكُ".

كلمةُ الربِّ

الْمُلَخَّصُ:

الْيَوْمَ، بِجَانِبِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَلَامَاتِ الْجَيَّدَةِ، يَنْمُو التَّصَحُّر الرُّوحِيُّ؛ فَالْإِنْسَانُ لَا يَبْدُو حَقَّا أَكْثَرَ حُرِّيَّةَ، فَلَا يَزَالُ هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنْ أَشْكَالِ الِاسْتِغْلَالِ وَالتَّلَاعُبِ وَالْعُنْفِ وَالْقَمْعِ وَالظُّلْمِ وَالِارْتِبَاكِ. إِنَّ هَذَا بِدَوْرِهِ يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْتَاجُ فَقَطْ إِلَى الْخُبْزِ الْمَادَيِّ، وَإِنَّمَا أَيْضًا إِلَى الْحُبِّ، وَالْمَعْنَى، وَالرَّجَاءِ، وَإِلَى أُسُسٍ ثَابِتَةٍ لِمُوَاجَهَةِ أَيَّةِ أَزْمَةٍ، وَكُلِّ ظَلَامٍ وَصُعُوبَةٍ. إِنَّ فِعْلَ الْإِيْمَانِ هُوَ الْاِعْتِرَافُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَحْبُوبٌ مِنَ اللهِ الْآبِ، وَهُوَ أَيْضًا الْقَبُولُ الْوَاعِي بِأَنَّ هَذَا الْإِلَهَ قَدْ كَشَفَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ فِي شَخْصِ الْمَسِيحِ، ابْنِ اللهِ، الَّذِي صَارَ إِنْسَانًا، وَأَخْلَى ذَاتَهُ حَتَّى ذَبِيحَةِ الصَّلِيبِ الْعُظْمَى. فَالْإِيْمَانُ إذًا هُوَ الْيَقِينُ بِأَنَّ "مَحَبَّةَ اللَّهِ" تُحَوِّلُ كُلَّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَالشَّرِّ وَالْمَوْتِ إِلَى خَلَاصٍ، وَهُوَ أَيْضًا الِانْفِتَاحُ عَلَى عَمَلِ الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي يَقُودُنَا إِلَى الْيَقِينِ وَإِلَى التَّبْشِيرِ بِإِنْجِيلِ الْفِدَاءِ بِجَرَاءَةٍ، فِي حِضْنِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي هِيَ جَمَاعَةُ الْإِخُوَةِ. والْإِيْمَانُ فِي عُمْقِهِ هُوَ فِعْلٌّ بَشَرِيٌّ حُرٌّ وَعَمِيقٌ، وَهُوَ الثِّقَةُ بِفَرَحٍ فِي خُطَّةِ اللهِ الخَلَاصِيَّةِ فِي التَّارِيخِ، عَلَى مِثَالِ إِبْرَاهِيمَ وَالْعَذْرَاءِ مَرْيَمَ، لَأَنَّ "نَعَمَ" الْإِيْمَانِ هِيَ فَقَطَ الَّتِي تُحَوِّلُ الْحَيَاةَ وَتُغْنِيهَا بِالرَّجَاءِ الْأَكِيدِ .

 

لمشاهدة الفيديو: 

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/audiences/2012/documents/hf_ben-xvi_aud_20121024_it.html

BENEDETTO XVI

UDIENZA GENERALE

Piazza San Pietro
Mercoledì, 24 ottobre 2012

 

التحية باللغة العربية من الدقيقة : 1.10 – 1.43

  الإنجيل باللغة العربية من الدقيقة : 30.47 – 31.27

ملخص التعليم المسيحي باللغة العربية من الدقيقة : 01:08.00 – 01:11.60

 

سنة الإيمان. ما هو الإيمان؟

 

تعليم البابا بندكتس السادس عشر في المقابلة العامة بتاريخ 24 أكتوبر 2012

 

 

حاضرة الفاتيكان، الخميس 25 أكتوبر 2012 (ZENIT.org)- ننشر في ما يلي المقابلة العامة لقداسة البابا بندكتس السادس عشر مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس نهار الأربعاء 24 أكتوبر 2012، التي تكلم خلالها عن الإيمان، متابعًا بذلك السلسلة الجديدة من التعاليم لسنة الإيمان.

***

سنة الإيمان. ما هو الإيمان؟

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

بدأت يوم الأربعاء الماضي ومع بداية سنة الإيمان سلسلة جديدة من التعاليم حول الإيمان، وأود اليوم أن أفكر معكم حول مسألة أساسية: ما هو الإيمان؟ هل لا يزال للإيمان معنى في عالم حيث فتح العلم والتكنولوجيا آفاق جديدة لم يكن ليتصورها أحد من قبل؟ ما الذي يعنيه الإيمان اليوم؟ في الواقع، عصرنا بحاجة لثقافة إيمان مجددة تتضمن بالطبع معرفة لحقائقه وأحداثه، ولكن أيضًا يجب أن تكون وليدة لقاء حقيقي بالله من خلال يسوع المسيح، من محبتنا له، وثقتنا به، بحيث تكون حياتنا بأكملها معنية بذلك.

اليوم، ومن بين عدة علامات طيبة، تتطور من حولنا صحراء روحية. في بعض الأحيان، عندما نستمع لأخبار الأحداث اليومية، نشعر بأن العالم لا يتجه نحو بناء جماعة أكثر أخوية وسلمية؛ كما تكشف أفكار التقدم والرفاهية عن نفسها. على الرغم من ضخامة إكتشافات العلم وتقدم التكنولوجيا، لا يبدو اليوم أن الإنسان أصبح أكثر حرية وإنسانية؛ فلا يزال هناك أشكال متعددة من الإستغلال، والتلاعب، والعنف، والإعتداء، والظلم…هناك أيضًا نوع من الثقافة الذي علّم أيضًا بأن التطور يكمن فقط في آفاق الأشياء العملية، أي ألا نؤمن إلا بما يمكننا أن نراه ونلمسه. من ناحية أخرى أيضًا هناك عدد متزايد من الناس الذين يشعرون بالضلال، ففي محاولتهم لتجاوز الرؤية الأفقية للواقع، هم مستعدون للإيمان بكل شيء وعكسه. في هذا السياق، تظهر بعض الأسئلة الأساسية من جديد، تظهر ملموسة أكثر مما كانت عليه للوهلة الأولى: ما هو معنى الحياة؟ هل هناك من مستقبل للإنسان، لنا وللأجيال القادمة؟ في أي اتجاه علينا أن نوجه خيارات حريتنا لنستطيع عيش حياة كريمة وسعيدة؟ ما الذي ينتظرنا بعد الموت؟

نحن نرى في هذه الأسئلة الملحة كيف أن عالم التخطيط، والحسابات الدقيقة والتجربة، بكلمة واحدة معرفة العلم، على الرغم من أنه مهم لحياة الإنسان، هو لا يكفي. نحن لسنا بحاجة فقط للخبز المادي، نحن بحاجة للمحبة، للمعنى وللرجاء، لأساس أمين، لأرض صلبة تساعدنا لنعطي معنى حقيقيًّا لحياتنا حتى في الأزمات، والظلمة، والمصاعب، والمشاكل اليومية. هذا ما يعطينا إياه الإيمان: إنه استسلام واثق لذلك ال"أنت" الذي هو الله، الذي يمنحني ضمانة مغايرة، لا تقل عما يعطيني إياه العلم أو عملية حسابية دقيقة.

ليس الإيمان مجرد قبول فكري للإنسان لحقائق معينة حول الله، بل هو فعل أستسلم من خلاله بحرية لإله الذي هو أب ويحبني. هو انتماء ل"أنت" الذي يعطيني الرجاء والثقة. بالطبع، إن هذا الإنتماء لله ليس مجردًا من المضمون: فمنه نحن نعي بأن الله نفسه تجلى لنا بالمسيح، أظهر وجهه وجعل نفسه حقًّا قريبًا من كل واحد منا. وأيضًا، كشف الله أن محبته للإنسان، لكل واحد منا، لا محدودة: فعلى الصليب، أظهر لنا يسوع الناصري، ابن الله الذي صار إنسانًا، بطريقة أكثر وضوحًا الى أي مدى يمكن لهذه المحبة أن تصل، لدرجة أن يبذل ذاته، لدرجة التضحية الكاملة.

في سر موت المسيح وقيامته، ينزل الله الى أعماق بشريتنا ليجذبها ويرفعها اليه. إن الإيمان هو أن نؤمن بمحبة الله التي لا تضعف أمام شر الإنسان، أمام الشر والموت، ولكن بإمكانها أن تحول أي شكل من أشكال العبودية بإعطاء إمكانية للخلاص. التحلي بالإيمان هو اللقاء بذلك "الأنت"، أي الله، الذي يدعمني ويعدني بمحبة لا تدمر، لا تطمح للخلود بل تعطيه؛ هو أن أسلم نفسي لله كطفل يعلم بأن كل مصاعبه، ومشاكله بأمان في ال"أنت" أي شخص أمه.

إن إمكانية الخلاص هذه من خلال الإيمان هي عطية يقدمها الله لكل البشر. يبدو لي أنه يجب علينا أن نتأمل أكثر- في حياتنا اليومية المتسمة بالمشاكل وبمواقف تكون في بعض الأحيان مأساوية- فالإيمان بطريقة مسيحية يعني التخلي عن الذات والثقة في المعنى العميق الذي يحملني ويحمل العالم بأكمله، هذا المعنى الذي الذي لا يمكننا أن نمنحه لأنفسنا لكن الذي يمكننا فقط تلقّيه وهو الأساس الذي يمكننا العيش مستندين عليه بدون خوف. هذا التأكّد المحرّر يمنحنا الثقة في الإيمان وعلينا أن نكون قادرين على التكلّم عنه وتبيانه من خلال حياتنا كمسيحيين.

ولكن نرى من حولنا كل يوم بأن كثيرين غير مبالين أو حتى يرفضون أن يقبلوا هذه البشرى. في نهاية إنجيل مرقس اليوم، سمعنا الكلمات القاسية التي قالها القائم من الموت: "فمن آمن واعتمد يخلص، ومن لم يؤمن يدان" (مرقس 16،16). أود أن أدعوكم لتفكروا بهذه الآية. يجب على الثقة بعمل الروح القدس أن تدفعنا دائمًا لنذهب ونبشر بالإنجيل، لنعط الشهادة الشجاعة للإيمان؛ ولكن لا نتحدث عن احتمال جواب إيجابي لعطية الإيمان فحسب إنما هناك خطر رفض الإنجيل، وعدم قبول اللقاء الحي مع المسيح. القديس أغسطينوس طرح في زمانه هذه المشكلة في تعليقه على مثل الزارع: "نحن نتكلم، أي نلقي البذر، ننثر البذار. هناك من يحتقر، من يوبخ، من يضحك. إذا خفنا أولئك، فليس لدينا شيئًا نزرعه وفي يوم الحصاد لن نحصل على ثمر. الثمر الجيد يأتي من الأرض الطيبة" (PL 40, 677-678). وعليه لا يجب على الرفض أن يضعضعنا. كمسيحيين نحن شهود لهذه الأرض الخصبة: إيماننا، حتى ولو مع محدوديتنا، يبين أن هناك أرض طيبة، حيث تأتي كلمة الله بثمار جمة من البر، السلام، المحبة، البشرية الصالحة والخلاص. وكل تاريخ الكنيسة، مع كل مشاكله، يبين أن هناك أرض طيبة، وأن هناك بذار طيب يحمل الثمر.

ولكن فلنتساءل: من أين ينال الإنسان انفتاح القلب والعقل ليؤمن بالله الذي صار مرئيًا في يسوع المسيح المائت والقائم، لكي يقبل خلاصه، فيضحي الرب مع إنجيله هديًا ونورًا للوجود؟ الجواب: يمكننا أن نؤمن بالله لأنه يقترب منا ويلمسنا، لأن الروح القدس، هبة القائم من الموت، يجعلنا قادرين أن نقبل الله الحي. الإيمان هو إذًا هبة فائقة الطبيعة، هبة الله. المجمع الفاتيكاني الثاني يقول: " إنَّما لكي يؤمنَ هكذا، فهو بحاجةٍ إلى نِعمةِ الله السابقةِ والمُسانِدة، وإلى معرفة الروح القدس الداخليّة، الذي يُحرِّكُ القلبَ ويردُّه إلى الله، ويفتحُ بصيرةَ العقلِ ويُعطي الجميعَ العذوبةَ في قبولِ الحقيقةِ والإيمان بها" (دستور "كلمة الله"، 5). ركيزة مسيرة إيماننا هو العماد، السر الذي يهبنا الروح القدس، ويجعلنا أبناء الله في المسيح، ويرسم ولوجنا في جماعة الإيمان، في الكنيسة: لا نؤمن من تلقاء ذاتنا، دون الحصول على نعمة الروح؛ ولا نؤمن لوحدنا، بل مع الإخوة. من المعمودية فصاعدًا كل مسيحي هو مدعو لكي يعيش من جديد ويعتمد اعتراف الإيمان مع الإخوة. الإيمان هو هبة من الله، ولكنه أيضًا فعل بشري وحر بشكل عميق وجذري. تعليم الكنيسة الكاثوليكية يقول بوضوح: "من المستحيل أن نؤمن من دون النعمة وعون الروح القدس الداخلي. ولكن من الحقيقة بمكان أن الإيمان هو فعل بشري حق. هو لا يناقض الحرية ولا العقل البشري" (العدد 154). لا بل يتطلب الإيمان هذه القوى ويرفعها في تحدٍ حيوي يشبه الخروج، أي الخروج من الذات، من الضامانات، من المخططات الفكرية، للثقة بعمل الله الذي يهدينا إلى طريقه لكي نصل إلى الحرية الحقة، إلى هويتنا البشرية، إلى فرح القلب الحق، إلى السلام مع الجميع. الإيمان هو تسليم كل حريتنا وفرحنا لمشروع الله بشأن التاريخ، تمامًا كما فعل ابراهيم، كما فعلت مريم الناصرية. الإيمان هو قبول يقول فيه الفكر والقلب "نعم" لله، ويعترفان بيسوع ربًا. وهذا "النعم" يحول الحياة، يفتح لها الطريق نحو ملء المعنى، يجعلها جديدة، غنية بالفرح والرجاء المتين.

أيها الأصدقاء الأعزاء، يتطلب زماننا مسيحيين يكونون متعلقين بالمسيح، لينموا بالإيمان بفضل الحميمية مع الكتاب المقدس والأسرار. أشخاصًا يكونون مثل كتاب مفتوح يسرد خبرة الحياة الجديدة بالروح، حضور الله الذي يسندنا في المسير ويفتح لنا الحياة التي لا تنتهي. شكرًا.

* * *

تعريب وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية