مع أنه… فإنني أبتهج بالرب

إعداد الاخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس – أكتوبر 2012

 

« فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعاما، ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المزاود،

فإنني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي »

( حبقوق 3: 17- 18 ).

 

       بتأملنا في هذه العبارات وبالرجوع إلي السياق الذي قيلت فيه، نجد أن حبقوق قال هذه الآيات وهو يتنبأ عن هجوم الكلدانيين على شعب بني إسرائيل وإحراقهم للمدينة والهيكل، ولكل بيوت ومزارع المدينة أورشليم.  فمن وسط هذا الدمار الذي آتي على الأخضر واليابس والذي أقتلع أشجار التين وأباد الكروم والحظائر والمزاود، ورغم الصورة القاتمة ، لا تين ولا حقول ولا بقر … لا شئ مثمر ، رغم كل ذلك أستطاع حبقوق أن يرى شيئاً يدعو إلى الأبتهاج والفرح.

 

       كثيراً ما تمر على حياتنا أوقاتاً جرداء من كل أمل أو رجاء، في وسط الظروف الصعبة هذه والمتغيرة قد يضيع فرحنا وأبتهاجنا بالرب ونكف عن الترنيم والفرح بالرب، ونكون في مثل هذه الأوقات في أشد الحاجة أن نتعلم الدرس من حبقوق فمع أن كل شئ مخالف ومضاد من كل ناحية  " ومع أنه "  كل ما في داخلي يقول إن الأمل انقطع والرجاء قد ولى وحل الفشل، " فإني أبتهج " أبتهج بشئ واحد يمكن أن يسبب لي الفرح  وهو الله إله خلاصي:  

"فأنى ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي."

 (حبقوق 3: 18 ).

إله خلاصي الذي لا يتغير بل يبقى كما هو الصالح المحب الحنون، هو هو الأمس واليوم وإلى الآبد (عب 13: 8). والمقصود بالفرح هنا ليس الفرح السطحي العاطفي، إنما الفرح الحقيقي المؤسس على الثقة في الله رغم عيوننا المغلقة، ورغم عدم فهمنا لحكمة الله وتدبيره.

"فأنى ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي."

بالرغم من الآلام  تظهر فرحة النبي لأنه رأى الخلاص، وبروح النبوة رأى خلاص المسيح.  ومن الملاحظ إنه بدأ سفره بالحزن« إلى متى يارب أستغيث ولا تسمع؟ إلى متي أصرخ اليك من الجور ولا تخلص؟ » ( حبقوق 1: 2) ، لكن من يستطيع أن يصلي في حزنه ويلجأ لله سيحول الله حزنه إلى فرح:  «فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم» (يو22:16).

فلا شئ يدعو للارتباك طالما يوجد الرب وسط ظلمتنا، علينا أن نكون واثقين من حضوره ووجوده معنا ونفرح، ربما كان في مؤخرة السفينة نائما ( مرقس 4: 38 ). ولكنه موجود وحاضر. فهو يجتاز معنا في وادي ظل الموت حتى وإن كنا لا نراه «اين اذهب من روحك ومن وجهك اين اهرب.  ان صعدت الى السموات فانت هناك. وان فرشت في الهاوية فها انت.  ان اخذت جناحي الصبح وسكنت في اقاصي البحر فهناك ايضا تهديني يدك وتمسكني يمينك ». فهو معنا كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر( متى 28: 20 ).

والسؤال الآن عزيزي القارئ هو:

 كيف نواجه أيام الظلمة وساعات الظلمة وسلطان الظلمة وعلى الأخص حينما نشعر بأن الله يُبطئ في الاستجابة، أو أن المشكلة أعلى من قامتنا، أو أن الأمور تسير بعكس ما في أذهاننا؟

يرينا حبقوق كيف تعامَل مع المحنة التي حلَّت على شعبه بغزو البابليين: «فإني أبتهج بالرب» (3: 18)،  وكأنه يقول: حتى ولو تساءلتُ وتحيَّرتُ وغاب عن رؤيتي الحلُّ، فإني مُصمِّم على أن أبتهج بالرب، فسأومِن به وأضع كل ثقتي فيه أنه يمكنني الاعتماد عليه، حتى ولو كنت لا أستطيع أن أراه، أو أفهم ما يعمله. لقد آمن حبقوق ووثق في الله، حتى وهو في الظلمة. وهناك أمران لابد أن نؤمن بهما من جهة الله:

 1-   أن  نؤمن بشخصه وبحضوره،

2-    وأن نصدِّق كل وعوده وكلامه.

وقد فعل حبقوق هذا. ففي الآيات من 3-15 من الأصحاح الثالث، يتكلَّم عمَّا صنعه الله، ذاكراً ضمن ما ذَكَرَ عبور البحر الأحمر، وسقوط جليات الجبار على يد الفتى داود، وغير ذلك من أعمال الله العجيبة مع شعبه. إن تذكُّر أعمال الله ومعونته في الضيق، تنير لنا الطريق ونحن في الظلمة.

وحينما كان حبقوق يسير في الظلمة لم يكن يحاول أن يفهم المشكلة بنفسه لنفسه، بل ترك ذلك لله. وفي عصره كان البعض يتجهون إلى آلهة الأمم حينما يُصيبهم اليأس، ولكن حبقوق تذكَّر وذكَّر الجميع:

 «أما الرب ففي هيكل قدسه. فاسْكُتي قدَّامه يا كل الأرض» (2: 20).

فالله ما يزال هو الرب، يملك ويحكم، ولا يمكن مقارنته بأي وثن. ونحن محتاجون أن نكون في سلام وهدوء، عالمين أن عمانوئيل الله معنا في وسطنا الآن بمجد أبيه والروح القدس، وهو يعمل دائماً من أجل خلاصنا. وحينما يريد الله، فسيُعرِّفنا بأسرار عمله. ونحن نحتاج أن نكفَّ عن القلق، والأنين، والتذمُّر، بل نُهدِّئ «ونُسكِّن قلوبنا قدَّامه» (1يو 3: 19)، ونترك الله يعمل عمله وسط الدهور. إن القلق من بطء الاستجابة، والإلحاح على الله ليستجيب سريعاً حسب فكرنا، يُعتِّم الظلمة أكثر علينا!

«الله في هيكله المقدس». وماذا نعمل في هيكله؟ إننا نعبد الله. ففي اضطرابنا وعتمة رؤيتنا، وفي إفلاسنا ويأسنا، علينا أن نعبد الله قائلين له:

« يا رب، كل ما أستطيع أن أعمله أن أعبدك وأُمجِّدك في هيكلك المقدس،

حتى ولو لم أفهم شيئاً مما يحدث لي».

مثل هذه الصلاة هي عمل من أعمال الإيمان. ونحن بهذه الصلاة نعترف بأن الله حقاً هو ضابط كل شيء، وأننا بهذه الثقة ندخل إلى حضرته المقدسة ونحن عالمون ومتيقنون أن الله هو الذي يمسك دفة حياتنا. وكما يقول حبقوق: «حتى ولو حمل الزيتون ثمراً أو لم يُثمر». وهذا نترجمه في حياتنا: ”حتى ولو كنتُ مريضاً أو سليماً، حتى ولو فقدتُ كل شئ ، حتى ولو ولو… إلخ؛ فسأقول مع حبقوق:

«فإني أبتهج بالرب، وأفرح بإله خلاصي»،

 مُعلناً مَن هو الله. إنه الله ضابط ومدبِّر كل شيء لحياتنا“. بهذا الفرح بالرب سننال قوة للمسير والجهاد، كما يقول حبقوق: «الرب السيِّد قوتي، ويجعل قدميَّ كالأيائل، ويُمشِّيني على مرتفعاتي». وهو بهذا يُشير إلى أنه بعد أن كان خائفاً متحيراً خائر القوى: «حتى متى، يا رب، أدعو وأنت لا تسمع»؛ الآن أصبح ينال قوة بها يستطيع أن يتخطَّى الصعاب، ويجتاز الجبال التي لا يمكن تسلُّقها.

رفض حبقوق النبى أن يدع الظروف تضعف ايمانه وتسحق الأمل عنده. ونظر الى المستقبل, ليس بمخاوف متشائمة حول الأمور السيئة التى يمكن أن تأتى, بل بايمان بالله غير مبال بما قد يحدث. فقد أعلن حبقوق أنه سوف يستمر فى الثقة بالرب كى يسد  احتياجاته, ولو خسر كل ممتلكاته وموارده.

ونحن:  يجب أن نركز عيوننا على الرب, وليس على الظروف.علينا أن نعيش فوق ظلال الخوف ونستدفىء بنور شمس الايمان. وحتى لو كان عندنا مثل حبقوق لائحة طويلة من المشاكل, فان جواب الايمان ازاء خيبة الامل, والشعور بالاحباط, يجب أن يكون دائما:

" فانى أبتهج بالرب وأفرح باله خلاصى"

هذا النوع من المواقف, سيؤهلنا لكى نعيش فوق الظروف, وليس تحت الظروف. ومتى ارتفعنا فوق الظروف, سنجد الرب يسوع.  فعلى المؤمن أن  يبتهج ويفرح بالمسيح حتى " مع أنه لا يزهر التين ". فعبر طريق الحياة المتعب, لندع الرب يسوع يرفع عنا أثقالنا لنثق في الرب فهو يستطيع أن يجتاز بنا الاوقات الصعبة ويرفعنا فوق كل ألم وتعب وضيق. وحينها نستطيع أن نرنم حتى في أصعب الأوقات مثلما رنم داود في وقت حزنه وقال « ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر تسترهم بستر وجهك، من مكايد الناس تخفيهم …. » وكما قال بولس أثناء سجنه في رومية:  

« أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا»( في 4: 4).

واخيراً عزيزي القارئ الق على الرب همك وأبتهج بالهك إله خلاصك، فهو يعرف ما تعانيه، ويشعر بما تشعر به. لنصلي بعضنا من أجل بعض ولإلهنا كل المجد.