ماذا يُنتظر من بابا الاسكندرية القادم ؟

 

بقلم الأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام 

الأردن، الثلاثاء 6 نوفمبر 2012 (ZENIT.org).

 بحلول يوم الأحد الرابع من تشرين ثاني، أـتمّت الكنيسة القبطية الارثوذكسية وبحمد الله مرحلة تاريخية من عمرها الطويل، وهي انتخاب بطريرك جديد وهو الأنبا تواضروس بدأ مهامه الرسمية في ذلك اليوم. وكما هو الحال في الفاتيكان، عندما ينتظر الناس خروج الدخان الأبيض كتقليد تاريخي ، كذلك ينتظر الناس في الكنيسة القبطية، وبحسب التقليد الجميل أيضاً، دخول طفل صغير معصوب العينين لكي يختار احدى الاوراق الثلاث لأسماء المرشحين الثلاثة فيصبح اسم صاحبها البابا الثامن عشر بعد المئة للكنيسة التي اسسها في الاسكندرية القديس مرقس الرسول.

وبعيداً عن هذه التقاليد الجميلة، في عمليات الانتخاب، يبدو الامر الاصعب هو الانتظارات التي تضعها الكنيسة القبطية أمام خليفة البابا شنودة الثالث، البطريرك الحيوي وصاحب الكاريزما الخاصة الذي استطاع أن يقفز على مدار الواحد وأربعين عاماً الماضية بين ألغام عديدة، وتمكن من أن يحظى باحترام كامل الأطياف السياسية والاجتماعية والدينية دون ان نحصر هذه الاطياف بأتباع الديانة المسيحية فقط.

واليوم تقف الكنيسة القبطية أمام بوابة مرحلة جديدة وهي هامة وتاريخية، فما هو المطلوب؟

لن نتكلم عن المهام الروحية للبابا الجديد، فهذا تحصيل حاصل، وان كان قد انتخب، فلأنه أولاً وأخيراً رجل صلاة واتكال على نعمة الله في تسيير دفة السفينة – الكنيسة. والبابا شنودة لم يكن فقط رجل سياسة أو شيخ عشيرة يفصل بين متخاصمين. لقد كان مصلياً وواعظاً وشاعراً روحياً، ما زالت مكتباتنا العربية تزخر بما خط ونظم وكتب، وكم من الاجيال اللاحقة سوف تقرأ ارثه الروحي المكتوب.

الا ان الامر المطلوب اليوم هو مزيد من الانفتاح، أولاً بالسير بكنيسة شأنها شأن الدول الحديثة، مبنية على القوانين والمؤسسات والمعاونين البطريركين وهذا طبعاً موجود وحاصل، لكنه بحاجة الى مزيد من المأسسة والتفعيل، حيث ان اتباع طرق الادارة الحديثة يحتم قيادة الكنيسة والمجتمعات على مبدأ تشاركي وليس فردياً.

والانفتاح الثاني المطلوب هو فتح أبواب الحج للأخوة الأقباط إلى الاماكن المقدسة في فلسطين. نعم ما زال الاحتلال قائماً، وجاثماً على الاماكن التي قدسها السيد المسيح، لكن هنالك حقاً للأخوة الاقباط في التوجه الى تلك المناطق المقدسة، والنهل من ينابيعها الروحية. ليس الامر دعوة الى التطبيع، لكنه ارواء لعطش المؤمنين الى جذور ايمانهم الاصيلة. فمن غير المنطقي اليوم أن يتمكن سواحٍ وحجاج من أنحاء العالم من الصلاة في الاماكن المقدسة، ويبقى الامر محظوراً على الاقباط.

والانفتاح الثالث المطلوب هو مزيد من التعاون مع الكنائس الاخرى. فالكنيسة القبطية هي الاخت الكبرى لكنائس الشرق وهي مدعوة الى القيام بمبادرات الوحدة، وهي ما تُدعى بالمبادرات المسكونية، في سياسة انفتاح كبيرة نحو الكنائس الاخرى، من خلال المشاركة بفعاليات مجلس كنائس الشرق الاوسط الذي ما زال منذ 1974 الصورة الكبرى للعمل المسكوني في الشرق الاوسط، وقد كان فيه للأقباط دور مؤثر سواء في المشاركة والتفاعل أو في المقاطعة والانسحاب في كثير من الفترات السابقة. الوحدة المسيحية لا تعني استئثار كنيسة بأحوال مسيحي الشرق، بل هو تعاون وانفتاح واحترام متبادل. انها وحدة القلوب لا الادارات.

وأخيراً مطلوب من الكنيسة القبطية انفتاح وتعاون أكثر مع الاخوة المسلمين ومع سائر سكان مصر والشرق والعالم، ومن خلال التعاون مع المؤسسات الرسمية ومع مؤسسات المجتمع المدني، من أجل تفعيل مبدأ المشاركة والمواطنة فلم يعد مقبولاً أن يشعر قبطي واحد أو مسيحي واحد في الشرق بأنه مواطن من الدرجة الثانية.