طرق تقود إلى معرفة الله

 

قَدَاسَةُ الْبَابَا بِنِدِكْتُسْ السَّادِسَ عَشْرَ

الْمُقَابَلَةُ الْعَامَّةُ

يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الْمُوَافِقَ 14 نُوفَمْبِرِ / تشرين الثاني 2012

سَنَةُ الْإِيمَانِ: «دُرُوبٌ تَقُودُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ«

الكتاب المقدس:

من رسالةِ القِدّيس بُطْرُس الأوْلى: الإصحاح الثالث، من العدد الثالث عشر حتى السادس عشر:

"فمَنْ يُسيءُ إلَيكُم إذا كُنتُم حَريصينَ على الخَيرِ؟ ولَو تَألَّمتُم في سَبيلِ الحَقِّ، فهَنيئًا لكُم! لا تَخافوا مِنْ أحدٍ ولا تَضطَرِبوا، بَل قَدِّسوا المَسيحَ في قُلوبِكُم وكَرِّموهُ رَبُا، وكونوا في كُلِّ حينٍ مُستَعِدِّينَ لِلرَّدِّ على كُلِّ مَنْ يَطلُبُ مِنكُم دَليلاً على الرَّجاءِ الذي فيكُم. وليكُنْ ذلِكَ بِوَداعَةٍ واَحترامِ، مُحافِظينَ على سلامَةِ ضَميرِكُم، حتى إذا عُومِلتُم بسُوءٍ، يَخزى الذينَ عابوا حُسنَ سيرَتِكُم في المَسيحِ.

كلمة الرب

ملخص:

إِنَّ رِسَالَةَ الْكَنِيسَةِ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ هِيَ تَوْصِيلُ فَرَحِ الْإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا، وإرشاد الْجَمِيعِ إِلَى اللِّقَاءِ مَعَ يَسُوعَ، الْمُخَلِّصِ الْوَحِيدِ لِلْعَالِمِ، مِنْ خِلَالِ حَيَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْإِيمَانِ، وَمَصْبُوغَةٍ بِالْمَحَبَّةِ وَبِخِدْمَةِ اللهِ وَالْغَيْرِ؛ لَا سِيَّمَا أَمَامَ التَّعَلْمُّنِ الَّذِي يُنَادِي بِاسْتِقْلَالِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لِلْإِنْسَانِ، مُعْتَبِرًا إِيَّاهُ مِقْيَاسًا وَصَانِعًا لِلْوَاقِعِ؛ وَكَذَلِكَ فِي مُوَاجَهَةِ الْإِلْحَادِ "الْعَمَلِيِّ" الَّذِي يَقْتَرِحُ الْعَيْشَ "كَمَا لَوْ كَانَ اللهُ غَيْرَ مَوْجُودٍ".

إِنَّ الدُّرُوبَ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَفْتَحَ قَلْبَ الْإِنْسَانِ إِلَى "مَعْرِفَةِ اللَّهِ" هِيَ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ ثَلَاثَةٌ:

أَوَّلًا – الْكَوْنُ: أَيْ التَّأَمُّلُ بِأَعْيُّنٍ مُتَيَقِّظَةٍ فِي الخليقةِ لِلْوُصُولِ إِلَى جَمَالِ الْخَالِقِ.

ثَانِيًا – الْإِنْسَانُ: يَقُولُ الْقِدِّيسُ أَغُسْطِينُوسُ: «فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ تَسْكُنُ الْحَقِيقَةُ»، أَيْ اكْتِسَابِ الْمَقْدِرَةِ عَلَى الْإِصْغَاءِ لِبَاطِنِنَا الْعَمِيقِ، لذلك العَطَشِ الذي يَحْيَا بِدَاخِلِنَا وَيَدْفَعُنَا نَحْوَ "الارتواءِ من أللهِ" الَّذِي وَحَدَهُ يَمْنَحُنَا السَّلَامَ.

ثَالِثًا – الْإِيمَانُ: أَيْ الِانْفِتَاحُ عَلَى "نِعْمَةِ اللهِ"، وَعَلَى قُوَّةِ الْمَحَبَّةِ، وَعَلَى شَجَاعَةِ الشِّهَادَةِ لِلْمَسِيحِ، الْقَائِمِ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ، الطريق الحقيقي لله الآب، والَّذِي يَتَكَلَّمُ وَيَعْمَلُ فِي التَّارِيخِ وَفِي حَيَاتِنَا.

 

في مقابلته العامة مع المؤمنين البابا بندكتس السادس عشر: الإيمان هو لقاء مع الله الذي يعمل في التاريخ ويحول حياتنا اليومية

الفاتيكان، الأربعاء 14 نوفمبر 2012- نقلاً عن إذاعة الفاتيكان

أجرى البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول إن مبادرة الله تسبق دائما كل مبادرة للإنسان، حتى في المسيرة نحوه، فهو من ينيرنا أولا، يوجهنا ويقودنا محترما حريتنا على الدوام. فهو الذي يدخلنا في علاقة حميمة معه، ويظهر لنا ذاته واهبا إيانا النعمة لنقبله بالإيمان.

تابع الأب الأقدس يقول: هناك طرق يمكنها أن تفتح قلب الإنسان على معرفة الله وهناك علامات تقودنا إليه. فالله لا يكل أبدا من البحث عنا، وهو أمين للإنسان الذي خلقه وخلصه، ويبقى قريبا من حياتنا لأنه يحبنا. وهذا يقين يجب أن يرافقنا يوميا بالرغم من انتشار بعض العقليات التي تُصعِّب على الكنيسة والمسيحي إعلان فرح الإنجيل لكل خليقة وارشاد الجميع إلى اللقاء بيسوع المسيح، مخلص العالم الوحيد. وأضاف هذه رسالتنا، ورسالة الكنيسة وعلى كل مؤمن أن يعيشها بفرح.

إن الإيمان اليوم لا يزال يواجه الصعوبات والتجارب، وإنما كما كان القديس بطرس يقول للمسيحيين: "كونوا أبدا مستعدين لأن تردوا على كل من يطلب منكم دليل ما انتم عليه من الرجاء، ولكن ليكن ذلك بوداعة ووقار" (1بط 3، 15).

في الواقع، تابع البابا يقول إذا انفصل الإنسان عن الله، يفقد بعده العمودي ومكانته بين الخلائق وعلاقاته مع الآخرين. أمام هذا الإطار، تتابع الكنيسة، الأمينة لوصية المسيح، تأكيد الحقيقة حول الإنسان ومصيره. كما يعلمنا المجمع الفاتيكاني الثاني: " إن أسمى مظاهر الكرامة الإنسانية يكمنُ في دعوة الإنسان إلى الإتحاد بالله. والدعوةُ التي يوجهها الله لإقامة حوارٍ مع الإنسان تبدأ ببدء الحياة. فوجوده دليلٌ على أن الله خلقه حباً له؛ وحباً له أيضاً، يحفظه في الوجود. ولا يُمكن للإنسان أن يعيشَ ملء الحياةِ وفقاً للحقيقة إن لم يعترف حراً بهذا الحبِّ مستسلماً لخالقه" (الدستور الرعوي الكنيسة في عالم اليوم، عدد 19).

بعدها توقف الأب الأقدس عند السؤال حول الأجوبة التي على الإيمان أن يعطيها لكي يستطيع إنسان اليوم متابعة تساؤلاته حول وجود الله وسيره في الدروب التي تؤدي إليه، وقال: أود أن ألخصها بكلمات ثلاث: العالم، الإنسان والإيمان.

العالم هو الطريق الأول الذي يقود نحو اكتشاف الله من خلال التأمل بالخلق. الطريق الثاني هو الإنسان وكما يؤكد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "مع انفتاح الإنسان على الحقيقة والجمال، و تحسسه للخير الأخلاقي، مع حريته وصوت ضميره، ومع توقه إلى اللامتناهي والسعادة، فهو يتساءل عن وجود الله". (عدد 33). أما الطريق الثالث فهو الإيمان. من يؤمن يتحد بالله وينفتح على نعمته وعلى قوة المحبة. فالإيمان في الواقع هو لقاء مع الله الذي يعمل في التاريخ ويحول حياتنا اليومية.

ختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: كوَّن الكثيرون في عالم اليوم فكرة محدودة عن الإيمان المسيحي إذ اعتبروه مجرد نهج لعقائد وقيم، وليس حقيقة لإله أظهر ذاته في التاريخ، حاملا رغبة التواصل مع الإنسان والدخول في علاقة معه. فالمسيحية هي حدث الحب، إنها قبول شخص يسوع، لذلك على المسيحي والجماعات المسيحية النظر إلى المسيح، الطريق الحق الذي يقود إلى الله.

 

العالم، الإنسان، والإيمان ثلاثة دروب نحو الله


تعليم البابا بندكتس السادس عشر في المقابلة العامة بتاريخ 14 نوفمبر 2012


 

روما، الخميس 15 أكتوبر 2012 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي المقابلة العامة لقداسة البابا بندكتس السادس عشر مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس نهار الأربعاء 14 نوفمبر 2012.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

تأملنا يوم الأربعاء الماضي في الرغبة التي يحملها الإنسان لله في عمق أعماقه. أود اليوم أن أتعمق بهذا الجانب متأملا معكم بشكل وجيز حول بعض الطرق التي توصلنا لمعرفة الله.

أريد أن أذكّر أولا بأن مبادرة الله تسبق مبادرة الإنسان، وبأن في الطريق إليه، هو الذي ينيرنا أولا، ويرشدنا، ويوجهنا، محترمًا دائما حريتنا. هو دائما من يدخلنا في حميميته، من خلال كشف ذاته وإعطائنا النعمة لنستطيع أن نتقبل هذا الاعتلان في الإيمان. لا يجب أن ننسى أبدًا تجربة القديس أغسطينس: لسنا نحن من نمتلك الحقيقة بعد أن نسعى اليها، بل الحقيقة هي التي تبحث عنا وتمتلكنا.

ولكن هناك طرق يمكنها أن تفتح قلب الإنسان على معرفة الله، وإشارات تؤدي الى الله. في الواقع، قد يعمي عيوننا لمعان الدنيوية، الذي يقلل من قدرتنا على سلك هذه الطرق أو قراءة الإشارات. لكن الله لا يتعب من البحث عنا، هو أمين تجاه الإنسان الذي خلقه وخلصه، يبقى قريبًا من حياتنا لأنه يحبنا. يجب على هذه الثقة أن ترافقنا كل يوم، على الرغم من أن بعض العقليات المنتشرة تصعب على المسيحي والكنيسة مهمة إيصال فرح الإنجيل للخليقة، وتوجيه الجميع الى اللقاء مع يسوع، مخلص العالم الوحيد. هذه مهمتنا، مهمة الكنيسة وعلى كل مؤمن أن يعيشها في الفرح، آخذًا إياها على عاتقه من خلال حياة يحركها الإيمان، وتميزها المحبة، من خلال خدمة الله والآخرين، ويكون قادرًا على نشر الرجاء. تظهر هذه المهمة بشكل خاص في القداسة التي نحن جميعنا مدعوون إليها.

اليوم، كما نعلم،لا تنقص الصعوبات، ولا التجارب للإيمان الذي غالبًا ما يساء فهمه، ويطعن به، ويتم رفضه. كان القديس بطرس يقول للمسيحيين: "كونوا مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة واحترام" (1 بطرس 3، 15). في الماضي، في الغرب، في مجتمع يعتبر مسيحيًّا، كان الإيمان هو المكان الذي نتنقل فيه؛ كانت المرجعية والإلتزام بالله يشكلان جزءًا من الحياة اليومية لمعظم الناس. كان الشخص الذي لا يؤمن يبرر عدم إيمانه. في عالمنا اليوم تغير الوضع، وينبغي على المؤمن أن يكون دائما قادر على تبرير سبب إيمانه. كان الطوباوي يوحنا بولس الثاني قد أشار في رسالته العامة "الإيمان والعقل" (Fides et ratio) كيف تم تمحيص الإيمان في الزمن المعاصر من خلال أشكال رفيعة، وخادعة من الإلحاد النظري والعملي (cf. nn. 46-47). انطلاقا من عصر الأنوار أصبح نقد الدين كثيفًا؛ شهد التاريخ أيضًا وجود أنظمة إلحادية، كان الله يعتبر فيها كنوع من الإسقاط البسيط للنفس البشرية، وهم، وناتج مجتمع شوهته من قبل تصرفات عدة. لقد شهد القرن التالي عملية علمانية قوية، تحت شعار الإستقلالية المطلقة للإنسان، الذي كان يعتبر نفسه كمقياس ومبتكر الحقيقة، ولكن فقيرًا في شخصه المخلوق "على صورة الله ومثاله." تم التحقق في عصرنا من ظاهرة خطيرة بشكل خاص تتعلق بالإيمان: في الواقع، يوجد نوع من الإلحاد الذي نسميه بشكل خاص "المُعاش"، ففيه لا ننفي حقائق الإيمان أو الشعائر الدينية، ولكن نعتبرها ببساطة تافهة للوجود اليومي، بعيدة عن الحياة، غير مفيدة. في كثير من الأحيان، نؤمن بالله بطريقة سطحية، ونعيش وكأن الله غير موجود (etsi Deus non daretur). أخيرًا، يبان أن طريقة العيش هذه هي أكثر تدميرًا لأنها تؤدي الى عدم المبالاة بالإيمان وبمسألة الله.

في الواقع، إن تم فصل الإنسان عن الله، يصبح حجمه ضئيلا، ويفقد بعده العمودي فيصبح يعيش بعدًا أفقيًّا، وهذه الضآلة، هي واحدة من الأسباب الأساسية للتوتاليتاريات التي خلفت عواقب مأساوية في القرن الماضي، كذلك أزمة القيم التي نراها اليوم. بتعتيمنا المرجعية الى الله، حجبنا أيضًا الأفق الأخلاقي، لنفسح مجالا للنسبية، ولمفهوم غامض من الحرية، الذي بدل أن يكون محررًا ينتهي بربط الرجل بالأصنام. تمثل التجارب التي خاضها يسوع في الصحراء قبل تحقيق رسالته، بشكل جيد هذه "الأصنام" التي تغري الإنسان، عندما لا يتجاوز نفسه. إذا فقد الله المركزية، يفقد الإنسان مكانته الصحيحة، فلا يعد يجد مكانته في الخالق، وفي العلاقات مع الآخرين. ما تثيره الحكمة القديمة مع أسطورة بروميثيوس لا يزال صحيحًا: يعتقد الإنسان أن بإمكانه أن يصبح هو "الله" نفسه، رب الحياة والموت.

أمام هذه اللوحة، لا تنفك الكنيسة الأمينة لعهد المسيح تؤكد الحقيقة حول الإنسان ومصيره. يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني كخلاصة:" إن أكثر جوانب الكرامة البشرية سموًّا يتواجد في دعوة الإنسان هذه للشراكة مع الله، هذه الدعوة التي يوجهها الله للإنسان ليحاوره تبدأ مع وجود البشرية. لأنه إن وجد الإنسان فالله هو الذي خلقه بحب، وبحب أيضًا لا ينفك يجعله موجودًا. ولا يعيش الإنسان ملء الحياة وفقًا للحقيقة إن لم يعترف بحرية بهذا الحب ويسلم نفسه لخالقه." (Cost. Gaudium et spes, 19).

ما هي الإجابات إذا التي يدعى الإيمان لإعطائها "بوداعة واحترام"، حول الإلحاد، والتشكيك، واللامبالاة بالبعد العمودي، بحيث يمكن للإنسان المعاصر أن يكمل تساؤلاته حول وجود الله، والسير في الطرق التي تؤدي اليه؟ أود أن أشير الى بعض الطرق، التي تأتي إن من التأمل الطبيعي، أو من قوة الإيمان. سألخصها بإيجاز في ثلاث كلمات: العالم، والإنسان، والإيمان.

أولا: العالم. إن القديس أغسطينس الذي بحث طويلا في حياته عن الحقيقة، وقد تملكته الحقيقة، كتب صفحة جميلة جدا وشهيرة حيث يؤكد ما يلي: "اسأل جمال الأرض، والبحر، والهواء أينما يمتد؛ اسأل جمال السماء…اسأل كل هذه الحقائق. ستجيبك كلها انظر الينا وتأمل كم نحن جميلات. جمالها كتسبيح ثنائها. إذا من أبدع هذه المخلوقات الجميلة المتغيرة الا الذي هو بحد ذاته الجمال الثابت؟" (Sermon 241, 2: PL 38, 1134). أعتقد بأننا بحاجة الى العثور، ونجعل إنسان اليوم يعثر على القدرة لتأمل الخلق، وجماله، وهيكله. ليس العالم صهارة لا شكل لها، ولكن كل ما عرفناه أكثر اكتشفنا فيه آليات رائعة، ورأينا خطة، وعرفنا بأن هناك ذكاء خلاق. كان ألبرت أينشتاين يقول أنه في قوانين الطبيعة "يتجلى ذكاء خارق تبدو بالمقارنه به كل عقلانية التفكير وكل النظم البشرية كانعكاس طفيف" (Comment je vois le monde, Flammarion 1999). الطريق الأول إذا الذي يقود لاكتشاف الله، هو التأمل بالخلق بعينين يقظتين.

الكلمة الثانية: الإنسان. من جديد يملك القديس أغسطينس جملة شهيرة حيث يقول بأن الله أقرب من ذاتي إلي (cf. les Confessions III, 6, 11). من هنا يطلق الدعوة التالية: "لا تبتعد عن نفسك، بل تعمق بذاتك: ففي الإنسان الداخلي تكمن الحقيقة." (De vera religione, 39, 72). هذا هو جانب آخر نوشك على فقدانه في هذا العالم الصاخب والمشتت الذي نعيش فيه: القدرة على التوقف، والنظر في أعماقنا وقراءة هذا العطش اللامتناهي الذي نحمله في داخلنا، والذي يدفعنا بالذهاب بعيدًا ويعود الى "شخص" يمكنه اشباعه. يؤكد تعليم الكنيسة الكاثوليكية: "مع انفتاحه على الحقيقة والجمال، وحسه بالخير الأخلاقي، وحريته، وصوت ضميره، وشوقه للأبدية والسعادة، يتساءل الإنسان عن وجود الله. من خلال كل ذلك يلمس أدلة عن نفسه الروحية، التي هي "بذر الأبدية الذي يحمله في ذاته والذي لا يمكن تلخيصه بالمادة وحدها"، (GS 18, § 1 ; cf. 14, § 2), لا يمكن أن يكون لنفسه من مصدر سوى الله" (n. 33).

الكلمة الثالثة: الإيمان. في واقعنا هذا، لا يجب علينا أن ننسى بأن طريق واحد يؤدي نحو معرفة الله واللقاء به وهذا الطريق هو حياة الإيمان. من يؤمن يتحد بالله وينفتح على نعمته، وعلى قوة المحبة. فيصبح وجوده شهادة لا عنه، بل عن القائم من الموت، ولا يخاف إيمانه من أن يظهر في الحياة اليومية، هو منفتح على الحوار الذي يعبر عن صداقة عميقة لطريق كل إنسان وتعرف كيفية فتح أنوار رجاء امام حاجة الخلاص، والسعادة، والمستقبل. في الحقيقة، إن الإيمان هو لقاء مع الله الذي يتكلم ويتصرف في التاريخ والذي يغير حياتنا اليومية، مغيّرًا عقلياتنا، والأحكام القيمية، والخيارات، والتدابير. هو ليس وهم، أو هروب من الحقيقة، أو ملجأ مريح، عاطفي، بل هو وصمة للحياة بأكملها، وإعلان للإنجيل، البشرى السارة القادرة على تحرير كل إنسان. يشكل المسيحي، والجماعة الناشطة الأمينة لمشروع الله الذي أحبنا أولا، طريقًا مثاليًّا لأولئك الذين يعيشون في اللامبالاة أو الشك حول وجودهم وأعمالهم. هذا يتطلب من كل شخص أن يجعل شهادة إيمانه شفافة أكثر، منقيًا حياته لتتوافق مع المسيح. عدد كبير اليوم يمتلك مفهومًا محدودًا للإيمان المسيحي، لأنهم يعرفونه أكثر بنظام بسيط من المعتقدات والقيم أنه مع حقيقة أن إله واحد ظهر في التاريخ، طامحًا للتواصل مع الإنسان وجهًا لوجه في علاقة حب معه. في الواقع، ضمن أساس كل قيمة أو عقيدة هناك حالة اللقاء بين الإنسان والله بيسوع المسيح. قبل أن تكون المسيحية من الأخلاقيات هي حالة حب، استقبال شخص يسوع. لذلك، يجب على المسيحي والجماعات المسيحية أن ينظروا ويجعلوا الآخرين ينظرون نحو المسيح، الطريق الحقيقي الذي يؤدي نحو الله.

***

نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية